قبل أيام قليلة، اتهم وزير العدل والحريات، مصطفى الرميد، نائبين من حزب الاستقلال بالتهرّب من العدالة بسبب قضايا تتعلق بالفساد، في حلقة جديدة من مسلسل من التلويح بورقة فساد مسؤولين سياسيين، يشهرها أعضاء حزب العدالة والتنمية بحق مجموعة من المسؤولين، بشكل يثير جدلاً لدى الرأي العام الذي يطالب بالتعمق أكثر في هذه الملفات. وهكذا يظهر من الوهلة الأولى أن الحزب الذي يقود الائتلاف الحكومي، عازم على محاربة المتوّرطين في الفساد، غير أن أعضاء الحزب أصحاب هذه الاتهامات، لا يكشفون –في الغالب- عن أسماء من يلمحون إليهم، وفي كثير من الأحيان، لا يتم الكشف حتى عن الجهة التي ينتمون إليها، بشكل يُساهم في تناسي هذه الاتهامات، واستمرار الوضع على ما هو عليه. اتهامات بالجملة إذا كان الرميد قد تجرّأ على نطق اسم حزب الاستقلال كهيئة سياسية ينتمي إليها النائبان البرلمانيان اللّذين اتهمهما بالتهرّب من العدالة، مشيراً فيما قاله إن حزبهما لم يستطع حتى تجميد وضعيتهما، وإن الاستقلاليين مطالبون بالشروع في محاربة "الفساد" داخل بيتهم الداخلي، فإن عبد الله بوانو، توقف عند حدود اتهامات خطيرة أصدرها، دون أن يقدم أيّ إشارات حول أصحابها. عبد الله بوانو الذي يرأس فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب، كان قد اتهم خلال جلسة مخصّصة لمناقشة مشروع قانون المالية، منتصف نونبر الماضي، ثلاثة نواب برلمانيين بتلقي رشوة قيمتها 20 مليون درهم من شركة للتبغ، مقابل تمرير مقترح لخفض الضريبة على منتجاتها في مشروع قانون المالية للسنة الماضية، وهو الاتهام الذي ردّ عليه عبد الله البقالي، عن الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية، بضرورة الكشف عن أسماء النواب المتهمين، وإلا اعتبر بوانو "مشاركاً في جريمة الرشوة عن طريق التستر عليها". وقبل عبد الله بوانو، كان عبد العزيز أفتاتي، القيادي داخل الحزب ذاته، قد هاجم برلمانيين مقاولين خلال شهر أبريل 2014، قال إنهم يحصلون على الصفقات بطرق مشبوهة وبأساليب الماضي، مشيراً إلى أن بعض البرلمانيين يضعون أياديهم على صفقات جهات بالكامل، بما في ذلك صفقات البناء وتجهيز الطرقات، متهماً برلمانيين آخرين بالاستغلال غير المشروع لمقالع الرمال. ظاهرة صوتية هذا التراشق المستمر بالاتهامات، خاصة من لدن قياديي العدالة والتنمية، يراه محمد المسكاوي، رئيس الشبكة المغربية لحماية المال العام، في تصريحات لهسبريس، تأكيداً على أن الجميع ليست لديهم إرادة حقيقية لمحاربة الفساد سواء عبر تحريك المتابعات والوصول بالملفات إلى نهاية المسطرة القضائية أو حتى من خلال وضع مشاريع قوانين تمنعها. المسكاوي الذي وصف التلاسن والتراشق بقضايا الفساد بالظاهرة الصوتية التي تفرغ المؤسسات من أدوارها الحقيقية، اعتبر أن لا أحد من الأغلبية أو المعارضة تساءل يوماً عن مصير الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، ولم يتم عقد أي لقاء أو ندوة لتقييم الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الرشوة رغم علتها، متسائلا:" لماذا لم تلجأ الفرق البرلمانية إلى المحكمة الدستورية السنة الماضية عندما تمّ تمرير قانون إبراء الذمة أو ما يُعرف بقانون العفو عن المهرّبين، علماً أنه يخالف الاتفاقيات الدولية؟". وتأسف المسكاوي على إفراغ الحراك المغربي من محتواه وإسقاط أهم أعمدته المتمثلة في محاربة الفساد، من خلال حكومة "رصيدها شبه منعدم تشريعياً وإجرائياً في ذلك"، وأحزاب "لم تترجم وعودها الانتخابية في مجال محاربة الفساد، مطالباً وزير العدل والحريات بتحريك جميع الملفات المتعلقة بالفساد، سواء التي تتم إحالتها عن طريق المجلس الاعلى للحسابات أو التي صدرت بشأنها تقارير المفتشية العامة للمالية أو المفتشية العامة لوزارة الداخلية بالنسبة للجماعات الترابية. دلائل قاطعة في تصريحاته لهسبريس، دافع عبد العزيز أفتاتي عن هذه الاتهامات حتى ولو لم تفضِ إلى فتح تحقيقات أو متابعة المعنيين، معتبراً أن النقاش العمومي حول الفساد مهم للغاية رغم "محاولة بعض المفسدين تضليل الرأي العام بمحاولة تجنبه"، مطالباً في هذا السياق، أحزاباً سياسية، منها "الاستقلال"، بالتبرؤ من عدد من رجال الأعمال المشبوهين الذين "تحوم حولهم الشبهات". ودافع أفتاتي عن عدم فتح وزير العدل والحريات لتحقيقات في مجموعة من ملفات الفساد، وذلك لأنه يحتاج إلى معطيات ومعلومة دقيقة وليس مؤشرات فقط، مشيراً إلى فتح الوزير لتحقيقات في ملفات أخرى كان يتوفر فيها على دلائل قوية. هذا فضلاً عن إحالة أفتاتي بنفسه حسب قوله، ملفات متكاملة إلى القضاء حول قضايا فساد. واستطرد أفتاتي:" التصريح بأسماء من لا نتوفر بشأنهم على دلائل قاطعة يمكن أن يؤدي بنا إلى المحاكمة بتهمة التشهير والقذف. لذلك ما نقوم به في هذه الحالة، هو فتح نقاش والتلميح للمتورطين في الفساد. وقد حصدت هذه السياسة انخفاضاً كبيراً في عدد من قضايا الفساد، بعدما صار أصحابها يتخوّفون من فضحهم". المظلومية والطهرانية ويعيد مصطفى التاج، عضو اللجنة المركزية لحزب الاستقلال، في تصريحاته لهسبريس، لجوء مسؤولي العدالة والتنمية إلى اتهام الآخرين بالفساد دون كشف أسمائهم إلى أمرين اثنين: الأول حسب قوله هو أنهم ألفوا ادعاء المظلومية، ويتعمدون تقديم أنفسهم للمغاربة بأنهم "أطهار أبرار وأشباه الأنبياء المنزهين عن الخطأ، وكل من يخالفهم الرأي أو يعارضهم، يعتبر مفسداً". أما السبب الثاني وفقَ التاج، فهو علم مسؤولي حزب المصباح بحقيقة بعض المفسدين والتستر عليهم، والاكتفاء بين الفينة والأخرى بتهديدهم بالفضح. ويخلص التاج إلى القول بأن السببين معاً يحيلان على "جبن السلوك" وعلى "مراوغة" المغاربة بتعمد إخفاء الحقائق عنهم. ويستطرد التاج أن مسؤولي العدالة والتنمية يعلمون بأن قول الحقيقة "يفرض عليهم إما الاعتراف بعجز الحكومة الحالية عن حل الإشكاليات العالقة وتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية، وإما الاعتراف بأنهم تعرّفوا على الفساد ورضوا أن يتعايشوا معه".