دراما التلفزيون في رمضان "" بورصة للرداءة بامتياز تحولت دراما التلفزيون وككل رمضان إلى طوفان يغرق المشاهدين، لتتحول مواعيد الإفطار إلى مناسبة لاستعراض كل أنواع الرداءة , وإذا كنا نتحدث دائما عن أفلام السينما باعتبارها أداة لصناعة وصياغة الوجدان الجمعي، تبعث الأمل في أن بعض الفنانين السينمائيين قد يستطيعون اختراق الأسوار العالية التي تعوق إبداعهم وتفرضها عليهم قيود الصناعة أو الرقابة، فإن الحديث عن هذا الأمر بالنسبة للدراما التليفزيونية يصبح ضربا من ضروب الخيال، ونحن لا نمني النفس أبدا بوجود "دراما تليفزيونية نموذجية" هنا أو في أي بلد من بلدان العالم فصناعة التليفزيون ترتبط في الأغلب إن لم يكن دائما بالواقع الذي تعيش فيه، ومعظم مسلسلات التليفزيون في العالم كله تقوم بتكريس الوضع السائد أو ما يريده البعض أن يسود، وهي بهذا المعني فن يتسم بقدر غير قليل من الرجعية . وإن شئنا مثلا على قيام التليفزيون بتربية آليات معينة في التفكير والسلوك الجماعي، أرجو أن نتأمل معا إحدى دلالات الفيلم الأمريكي "استعراض ترومان"، حيث تصبح حياة ترومان هي المادة التي يبثها التليفزيون علي مدار اليوم ومنذ لحظة ولادته، وهي تتحول بشكل مصطنع إلي مليودراما صارخة أو أداة للإعلان عن "الأشياء" التي يستهلكها البطل الذي لا يدري ما يحدث له، بينما الآخرون كل الآخرين لا يعيشون حياتهم ويكتفون منها بالفرجة علي ترومان. إن القاعدة في الدراما التليفزيونية هي رصد القضايا المجتمعية بكل تلاوينها بحكم التداخل فيما بينها وأرجو أن نلاحظ أن الهدف هو تقبل الحياة كما هي والامتثال لها لذلك فلابد أن يكون هذا الرصد الخاص بالشخصيات الدرامية شديد المبالغة، بحيث يدفع المتفرج للتوسط والتوحد معها، بحيث ينسي بالمعني الحرفي للكلمة واقعه الحقيقي ويذوب في واقع مصطنع حيث دوره الوحيد أن "يتفرج" علي الأحداث ودون الاشتراك الفاعل فيها، وهذا هو المطلوب منه تماما في واقع الحياة أيضا وهكذا تقوم الدراما التليفزيونية بزرع آليات الانسحاب النفسي لدي المتفرج......!! وللدراما التليفزيونية أدواتها في صنع هذا الواقع الزائف لكي يتفرج عليه المتفرج، حتى لو تشابه ما يراه علي الشاشة مع الواقع الحقيقي تشابها سطحيا، ففي كل المسلسلات الرمضانية لا توجد أية قضية "ساخنة" بالمعنى الجاد للكلمة، وهي حين تفعل فإنها تفعله بشكل جزئي لكي تحولها إلي قضية فاترة أو حتى باردة، وهكذا تصبح كل القضايا شخصية تماما، وهوما يبدو مشكلة عامة تتحول إلي مأساة ذاتية مليودرامية، حدثت لتلك الشخصية وحدها كما هو الشأن للعديد من الوجوه في استعادتها بشكل بليد لقضايا مائعة عبر لغة تعتمد التحوير بشكل سخيف...... تهتم الدراما التليفزيونية في الأغلب بالإيحاء بالسياق العام الذي تدور فيه، فالعالم الذي نراه عالم مغلق على الشخصيات، وإذا أردت أن تستخدم مصطلحا نقديا متفلسفا لكي تصف ما تفعله الدراما التليفزيونية، فهو أن خطرها يأتي من "المسكوت عنه"، فهي تلقي الضوء علي شخصيات بعينها وتتجاهل شخصيات أخري لكي تبقيها في الظل أو حتى في الظلام فلماذا لم تتناول قضايا الإرهاب مثلا كأهم ما يؤرق المغرب والعالم ؟ يبدو أن حكاية الملايين التي دفعها التليفزيون من أموالنا إلي الأخوة الفنانين كانت مشروطة فعلا بإمتاعنا، وما حدث أن كل واحد منهم فهمها بطريقته الخاصة وهي المهزلة التي شاركت فيها بعض المنابر الإعلامية المكتوبة وللأسف بتشجيعها للسخافات والتي تحول فيها بعض الصحفيين وبشكل مفضوح إلى ناطقين رسميين يدبجون المقالات المخدومة وفي الصفحات الأولى والحقيقة المرة أن التليفزيون هذا العام تحول إلي وكيل للإشهار، وتاجر يبحث عن الربح السهل بغض النظر عن رداءة سلعته ومدى أضرارها بالناس التي يبدو أن هناك من يري أن الصيام لا يجوز بدونها، ولهذا يصرف ميزانيات بالملايين علي أعمال يبدأ عرضها قبل الانتهاء من تصويرها، بل ولا تتم قراءتها، باعتبارها تحفا فريدة،كما مفاجآت المشاهد المقززة لكاميرا خفية تثير الرعب والشفقة وهلم جرا.... مرة أخرى وفي كل رمضان تظهر جاذبية الشاشة الصغيرة، المتزايدة، في "مجتمع" مثل مجتمعنا!. أو انه التأكيد مجددًا علي استقرارتليفزيون رمضان كل عام كمهرجان سنوي ، إقبال الناس عليه متاح وواسع، علي مستوى مختلف المدن والقرى والمداشر، وليس مجرد مهرجان كتلك المهرجانات الغزيرة المتلاحقة، والمرتبكة التي لا يشاهدها إلا القلة خاصة في مدن المغرب النافع ، والتي أيضًا لا يستفيد من معظمها إلا القائمون بها لأغراض ما ليس من بينها نشر فن أو ثقافة وهو الأمر الذي كان ينبغي فيه على شلة العوني فهيد والجم واقريو وعبد الله ديدان وسناء عكرود وبشرى ايجورك بعملها المر والآخرون الانتباه إليه ومراعاته لان مهرجان التليفزيون الرمضاني، حافل بنفس الأمراض والأغراض بل متخم بها، لكن الفرق الوحيد: أنه مهرجان عموم الناس فمتى تنتهي هذه الرداءة ؟ محمد دخاي ابن جرير