عجيب أمر الناس أمام الموت ، عندما تضرب الفاجعة حواليهم ، يسقط في أيديهم ، و يتفجر الدمع غزيرا من مقلهم ، و ترق قلوبهم ، تكاد تذوب من فرط الألم و الشجن ، إما صدقا و إما عادة ألفوها كما يألفون الأكل و الشراب و النوم و الضحك... يسري الخبر المفجع أول ما يسري ، في دائرة ضيقة صغيرة ، الأقرب فالأقرب ، ثم البعيد فالأبعد الذي يترك ما بيديه ليستقل أول طائرة ، قادمة من بلاد الثلج و الصقيع . لفترة قصيرة ، فترة قصيرة جدا ، يتوقف الناس ، ليتأملوا موتهم ، ويتذكروا أنهم يموتون كسائر الناس الآخرين ،و يطأووا مكانا تناسوه، مكان لا يذهب إليه إلا الناس الذين يعرفهم الموت حصرا ، لا يتجاوزهم إلى غيرهم ، وحدهم خُصّوا بالموت و الفقدان و الفجيعة ، فيما قدر الناس الآخرين الحياة و الولد و العمران ...هكذا يفكر كثير من الناس و هكذا يعيشون. الناس كالطيور تبني أعشاشها ،حبة حبة ، وقشة قشة ، و لا ضمان أن يكتمل البناء و تفقس البيوض وتطير الفراخ. وقد يعود الطائر، و لو كان كاسرا ذا مخلب، فيجد أن زوارا قد سبقوه إلى العش و تركوا له رسالة الحسرة و الأسى ، يقرأها معصور القلب مطحون الكيان. قد يكون الزوار فتنة من فتن الدنيا ، أو سقما أو أعداء متربصين ،أم منعرجا رابضا ، لم يخطر على بال السائق ، فيهوي بالكل في واد سحيق . الناس في هذه الدنيا آثار أقدام علئ شاطئ رمل ، سرعان ما تمحوها الأمواج المتلاطمة. لاشيء يدوم و لا شيء ثابت . ما أشد سذاجة البشر وهم يكتبون آثارهم على صفحات الماء. ما أتعس الناس و هم يتعلقون بخيوط الهباء . ما أشد ضياع الناس و بؤسهم و هم يطاولون الجبال، ويخرقون الأرض يائسين ... حياة الكائن ومضة ، تنطفئ قبل حتى أن تضيء . [email protected]