منذ أيام شاهدت للمرة الخامسة تقريبا الفيلم الهندي "taare zameen par " او بالعربية "نجوم الأرض والسماء" لمخرجه عامر خان،يتحدث الفيلم عن قصة طفل يجد صعوبة كبيرة في القراءة والكتابة،الأمر الذي يجعل والديه يرسلانه إلى مدرسة خاصة،وهناك يلتقي بمعلم يكتشف فيه موهبة الرسم،ليستطيع تغييره من طفل فاشل دراسيا إلى طفل متفوق أهم ما يميزه هو موهبة الرسم التي تفوق فيها حتى على معلمه.. روعة هذا الفيلم تكمن في انه يتحدث أساسا عن واحد من أهم المشاكل التي تتخبط فيها الأسر وهي محاولة محاكاة أو استنساخ مثال وحيد يربون أولادهم عليه ضاربين بعرض الحائط ميولات أبنائهم وتوجهاتهم،فالغالبية العظمى تريد من الابن أن يصير مهندسا أو طبيبا وما إلى ذلك من المهن التي تضمن تفاخرا اجتماعيا معينا،ويتناسوا أن النجاح في الحياة أمر نسبي لا تحدده معايير معينة على اعتبار أن كل واحد منا يرى النجاح بطريقته،و على اعتبار أن تحقيق الذات في الحياة لا يكون باجترار أمثلة أخرى قيل أنها ناجحة،لكن يكون أساسا بالإنصات إلى الذات واختيار المجال الذي تبدع فيه دون الالتفات إلى ما يقوله العامة من الناس.. أغلبية المغاربة تربوا على قبر اهتماماتهم وعلى تغييرها بسبب التربية الأسرية أو بسبب الأوضاع الاجتماعية،أو حتى بسبب كلام الكثير من الناس ممن يهوون توزيع النصائح في غير محلها،فان تكتب في هذا الزمن فكأنك تمارس مهنة تبدو للكثيرين مهنة بائسة لا تقدم لصاحبها سوى صداع الرأس،وان ترسم وتبدع في الفن التشكيلي ينظر إليك الغير كانسان متفرغ لا يجد أين يضيع وقته إلا على تلطيخ الألوان،أما ان كنت تمارس المسرح فالكثير لن يرى فيك سوى مشروع ممثل فاشل كغيرك من رواد الركح بالمغرب،ممن أبدعوا فوق الخشبة ليلتهمهم الزمن بعد ذلك.. إلى جانب سطوة المجتمع وتأثيره السلبي على اتخاذ توجهات حياتنا،يساهم قطاعنا التعليمي في هذا المشكل وذلك بسبب غياب التوجيه الدراسي الحقيقي الذي يضمن للتلميذ أو للطالب تعبيد طريق حياته بالشكل المطلوب،فالكثير من الأشخاص يختارون مسالك لا تعبر عن قدراتهم الحقيقية،وهو الأمر الذي يظهر جليا في ارتفاع نسبة البطالة،وفي غياب الكفاءة المهنية،وفي تغيير الطلبة لشعبهم الدراسية لأكثر من مرة.. هناك مثل ياباني يقول "اختر ميدانا تعشقه وستجد نفسك في نهاية حياتك لم تعمل ولو يوما واحدا"،فعشق العمل أو التوجه هو الذي يحفز الإنسان على الإبداع،أما اختيار أعمال لا علاقة لها بشخصية الإنسان فهو أمر سلبي يكون السبب الأساسي في تردي الخدمات وغياب الإنتاجية بعدد من القطاعات:تجد رجل الأمن ناقما على عمله ويتعامل بسخط مع المواطنين لا لشيء سوى عدم اقتناعه بعمله الذي دفع إليه بسبب ظروف اجتماعية معينة،تجد المعلم لا يدرس تلاميذه بالشكل المطلوب،والسبب انه تعب من سنوات البطالة فلم يجد سوى هذا الميدان للهرب من العدمية،تجد الممرض لا يهتم بصحة المرضى ولا يوفر لهم ابسط شروط الراحة،والسبب انه سمع الشارع يقول بكون ميدان التمريض "كيرسم بنادم" و"لي خشا رجليه معا الدولة هو الفاهم".. تصورا معي،لو أن "ميسي" اجبر على لعب كرة التنس؟ "محمد شكري" يعمل طيلة حياته بميدان الميكانيك؟ أو "عادل إمام" مدير وكالة بنكية؟ هل كان هؤلاء ليصلوا إلى هذه المكانة من المجد ومن الرقي التي هم عليها الآن؟فحتى الرسول(ص) كان يعطي لكل واحد من الصحابة المهام التي يراه كفؤا لها،فصحابي كخالد بن الوليد كان يخطئ في حفظ حتى قصار السور،لذلك لم يعطه الرسول الكريم مهام الإمامة وإنما جعل منه قائدا للجيوش،وهكذا عرفنا خالد بن الوليد في التاريخ الإسلامي بقوته في الحرب وليس بشيء آخر.. يقال أن في جزر سليمان،عندما تريد الساكنة تنظيف ارض ما من الأشجار التي تنبت فيها،يتجمعون حول هذه الأرض،وعوض اقتلاع أشجارها أو قطعها،يصيحون بأعلى أصواتهم،يلعنون ويسبون هذه الأشجار بكل ما تيسر من الكلام القبيح والشنيع،بعد أيام،تذبل هذه الأشجار وتموت بشكل طبيعي،فان كان حتى الشجر يتأثر سلبا بالكلام الذي يجعل اليأس يدب إلى القلوب،فما بالنا بذلك الطفل الصغير الذي يترعرع في وسط يحتقر أحلامه ويجعلها أمرا مستحيلا؟أليس ذلك الذين يؤكد باستحالة تحقيق الإنسان لأحلامه هو أصلا إنسان يرى نفسه عاجزا قبل كل شخص عن تحقيق ما يصبو إليه؟أليس الكثير منا عندما يتحدث عن الحياة قليلا ما يتحدث بحيادية وينطلق من تجربته الشخصية،فان كان ناجحا فهو يبين لنا الحياة وكأنها جنة تجري من تحتها الأنهار،أما إن كان فاشلا فهو يوقن بسوداوية الدنيا و عدم جدوى العمل من اجل تحقيق الذات؟؟ "لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس"،شعار قد يبدو للكثيرين منا طوباويا إلى ابعد الحدود،لكن أكان حقا شعارا عبثيا لتوماس إديسون الذي فشل ألف مرة قبل أن ينجح في المرة الواحدة بعد الألف في اختراع المصباح الذي يعد من أعظم الاختراعات في تاريخ البشرية؟أكان كذلك بالنسبة لمحمد شكري الذي تعلم الكتابة في سن العشرين بعدما ذاق كل أنواع القمر والحرمان ليصير بعد ذلك من أشهر الكتاب العرب ولتترجم رواياته إلى أكثر من 20 لغة؟أكان حقا شعارا زائفا بالنسبة لصاحب شركة "دجاج كنتاكي" "هارلند دافيد ساندرز" وهو الرجل الذي تظهر صورته على ماركة الشركة والذي لم يستطع تحقيق حلمه إلا بعد تجاوزه للعقد السادس من العمر ؟ وانهي بمقولة هنري فورد : " عندما يبدو أن كل شيء يعاندك و يعمل ضدك،اعلم أن الطائرة تقلع عكس اتجاه الريح و ليس معه".. [email protected] http://www.facebook.com/profile.php?id=568799586