من الواضح أن التحول، بعد عدة انتقادات، للمواضيع الذي بدأ بها برنامج "نقط على الحروف" مساره، من خلال تطرقه إلى القضايا السياسية والاقتصادية واستضافته لفعاليات هذه القضايا لم يمكنه من التألق واكتساب طابع خاص به يميزه عن باقي البرامج المتخصصة في تنشيط مثل هذه البرامج. وكان ضيف حلقة هذا البرنامج مؤخرا عمدة العاصمة العلمية وعضو المكتب التنفيذي لحزب الميزان وزعيم نقابي ومآرب وطموحات أخرى... . وكما يقال بالعامية الشعبية المغربية " مال الحاج طاح ؟ راه مالخيمة اخرج مايل". فبالرغم من عدم التطرق إلى كل المحاور التي افتتح بها منشط الحلقة برنامجه، كانت المعنى جلية منذ البداية حين بشر منشط البرنامج السيد العمدة أن الفعاليات السياسية، من المعارضة، "والفاهم يفهم"، التي تم استدعاءها قصد التحاور مع السيد شباط لم تلب الطلب ولم يقل،منشط البرنامج، أن هذه الفعاليات قد تعذر عنها الحضور. والفرق بين الحالتين جد جلي. ربما كما قيل أن الخطاب الذي يتبناه السيد شباط غير حضاري سياسيا إذ يتسم بالفرجة والعنف اللفظي. وهذا النعت، في حقيقة الأمر، سلبي لشخصية تدعي أنها ترعرعت في المدرسة الاستقلالية. ربما قد يليق وينطبق هذا النعت على شاب يتميز باندفاعه وثوريته خلال بداية مساره السياسي. بل هل كان واقعيا أن ينعت منشط البرنامج ضيفه ب "مدرسة شباط" ؟ إنها البلاغة في أوجها السلبي. "لكي تشكل أفكار المرء تيارا فكريا أو مدرسة، يجب عليه أن يستيقظ باكرا"... أما بخصوص المحور الأول المتعلق بافتتاح الموسم السياسي، فلم يجد السيد العمدة سوى نعته بالمتعكر بسبب الوافد الجديد الذي في اعتقاده يعاكس عمل الحكومة ويشوش على عمل المعارضة. هل على هذا النحو يكون جواب فاعل سياسي متمرس قادم من العاصمة العلمية التي قال بشأنها، هو بنفسه،"أن زائرها يصير فقيها خلال سبعة أيام"؟ من الواضح أنه كان في حالة شرود... فحتى لو كان فاعلا مبتدءا، لما كان جوابه على هذا النحو. إذ كان من المفروض التطرق إلى الكلمات والتوجيهات السامية التي ألقاها عاهل البلاد بالمناسبة وكيفية السهر على تفعيلها على صعيد العاصمة العلمية ابتداء بتنشيط لقاءات توضيحية ونقاشات في الموضوع بين كل الفاعلين قصد إدماج وإشراك الكل في تفعيل التوجيهات السامية. ولو تبنى هذا الخطاب لبرهن على رقي مستواه الثقافي سياسيا. كما أن السؤالين المتعلقين، كما أشار إليهما منشط البرنامج بخصوص إصلاح القضاء وكيفية تحسين الأداء البرلماني، فقد تم تجاهلهما، ربما سهوا من طرف منشط البرنامج، للإنتقال للحديث عن ما تعرفه مدينة العيون كباقي المدن في بعض الدول حسب قول، السيد العمدة، من أحداث ذات طابع اجتماعي مكتفيا بالتنويه بالفريق، الذي يترأسه زميله الاستقلالي، والعمل الذي يقوم به لتقويم الوضع الاجتماعي بمدينة العيون... و ذلك في غياب أي تحليل أو اقتراح لما حدث. كان بإمكانه الحديث، مثلا، عن ضرورة الإسراع في إرساء أسس الجهوية الموسعة والتي من خلالها ستتمكن الفعاليات المحلية من الاندماج في محيطها الأصلي وحينها ستشرع في إبراز مؤهلاتها من خلال التعامل مع قضاياها بنفسها. وبعلاقة مع المشاكل الاجتماعية يضيف السيد العمدة، متناقضا ليس فقط مع الخطاب الرسمي الحكومي الذي يترأسه الكاتب العام لحزبه بل حتى مع التقارير المغربية والدولية والنتائج الايجابية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي تشيد بها معظم الدول، إذ يؤكد أن 99 في المائة من المجتمع المغربي يعانون من مشاكل اجتماعية. وهذا في اعتقادي كلام خطير وجب تبريره. كما وجب تبرير قوله بوجود حكومة "إدارية" وحكومة "حزبية" حيث تقوم الأولى بعرقلة عمل الحكومة الثانية بل وتتاح لها، من طرف من يا سيد العمدة ؟، إمكانيات مالية أكبر من الحكومة المنتخبة. وعن أي حكومة "حزبية" يتحدث ويفتخر بها السيد العمدة؟ عن حكومة تمثل،حسب الانتخابات، ربع الشعب المغربي . إن لكل حركة معنى، وأعتقد أن "الطريقة" أو السرعة التي غادر بها المجلس رئيس القسم السياسي لجريدة الأحداث المغربية، حين انتهى من أسئلته، لخير دليل على غياب خطاب سياسي حضاري ثقافي يمكن من خلاله استخلاص قيمة مضافة سياسية. وكذلك كانت ردة فعل الرئيس الجديد لجريدة التجديد الناطقة باسم حزب العدالة والتنمية الذي كان شبه غائب إذ اكتفى بتوجيه سؤالين باهتين ويتيمين للسيد العمدة لا تعكس موقعه كرئيس جريدة. لقد كان بالنسبة إليه كافيا ومشبعا قول السيد العمدة أن حزبي الاستقلال والعدالة والتنمية يتوفران على قاعدة مشتركة وهي المرجعية الإسلامية. مرجعية، في مخيلة السيد العمدة، كل الأحزاب تتوفر عليها إلا الأصالة والمعاصرة. إذا كان هذا صحيحا، هل أحزاب الكتلة التي أكد "محافظته" عليها: الاتحاد الاشتراكي والاستقلال والتقدم والاشتراكية الذي كان في الأصل حزبا شيوعيا، تتوفر لديهم مرجعية إسلامية؟ يجب أن يكون الخطاب منسجما إيديولوجيا والعمل السياسي. وجاء الجواب عبر لسان السيد العمدة بقوله أن هناك مسلم وهناك مسلم...!! إن قولك هذا إنما هو فتيل فتنة ودعاية سياسية واهية تلعب على الوتر الحساس للعدالة والتنمية. أضف إلى قولك هذا، قولتك التي تتباهى بها ولا تغادر لسانك: أنك ابن "ازدي علال" فللتذكير أن كل المغاربة بما فيهم المرحوم علال الفاسي "ازدي علال" هم متشبثون وخدام للعرش العلوي المجيد المتجسد في سليل الدوحة النبوية عاهل البلاد، زادهم: الله الوطن الملك. وادعاءك بأن ما يعيشه المغرب حاليا من تقدم وازدهار هو نتيجة أحداث فاس فهذا افتراء خطير ومجانب للواقع. وحتى إذا كان واقعيا وكنت أنت من بين من دعوا إليه، خفية وبدون تأطير، فمن الواجب عليك تقديم الاعتذار ليس فقط لساكنة فاس التي زج بأبنائها في السجون لولا العفو الملكي الذي شملهم- أين كنت أنداك يا سيد العمدة ؟-، بل عليك تقديم الاعتذار كذلك للدولة حيث احرقت مراكز الشرطة وخربت الدوائر والمقاطعات وغيرها... كما أن ادعاءك محامي الفقراء، فهذا مجرد لغو وافتراء وإشهار تلفزي لكون الواقع هو ما عبر عنه عبر الشاشة أولئك الذين نعتوك بالاسم وحملوك مسؤولية ما يقع في جل أحياء مدينة فاس. ولقد صدق من قال أن أحياء فاس وخاصة منها بن دباب أو ما تمزح ساكنته بنعته ب"بن دبان" وبنسودة واعوينة الحجاج وعين النقبي ودوار اجبالة ودوار اريافة واجنانات وعين هارون والملاح وفاس الجديد والبرج الشمالي وساكنة الطريق المؤدية لاولاد جامع التي اختلطت فيها مساكن شعب فاس بمطرح الأزبال وما يلقب بحي 45 والمدينة العتيقة التي أصبحت بناياتها، كذاك العجوز، متكئة على أعمدة من خشب وغيرها من المواقع التي تعتبرها أنت مصدر قوتك، في حين تعتبرها ساكنة فاس قنابل موقوتة قابلة للإنفجار في أي وقت. بينما أنت، يا سيد العمدة، تلوم الصحافة وتدعي أنها متحاملة عليك. لماذا كل هذا ؟ هل لمجرد أنها فضلت أن تصور مشهدا مروعا لرجل يسقط سقف ٍ منزله على رأسه تاركة السيد العمدة في حفل توزيع بعض الشقق على بعض المحظوظين. من الأولى بالإغاثة والتصوير؟هل رجل يهوى عليه سقف منزله أم عمدة غير مبالي مشغول بتوزيع الشقق؟ كان، على ما أعتقد، من الايجابي والضروري أن يلتحق السيد العمدة بالصحافة ومكان الحادث وتأجيل حفل توزيع الشقق. أهكذا يكون محامي الفقراء؟ إنه البهتان في أبخس معانيه. ولقد قالتها منذ السبعينات المجموعة الشعبية ناس الغيوان " درتونا دروج واطلعتوا بنا " وهذا الوضع هو ما ترغبون في الابقاء عليه. ولكن في نفس الوقت نبهت المجموعة الشعبية نفسها ب " أن دوام الحال من المحال" وهذا ما يسعى إلى تحقيقه عاهل البلاد. ومن خلال ما تقدمت به، أنك عازم لضم يدك مع "معارضي" الأمس للقيام بإضراب وطني خلال الشهر المقبل. هل يمكننا الفهم أنك ومن معك سيعاودون ما وقع في فاس؟ لا أعتقد لكون المواطن قد بات واعيا بالمناورات الحزبية والنقابية وكل المؤشرات جلية وواضحة من خلال ضعف نسبة الاستجابة إلى كل النداءات للإضراب التي نادت إليها بعض النقابات خلال السنوات الأخيرة والأهم هو أنه لا يمكن لشعب أن يقوم بتلبية طلبات واهية لأغراض سياسية لبعض النقابات والمغاربة يشاهدون ،بالملموس، يوميا عاهل البلاد ينجز من أجله مشاريع لا سابق لها في الدول العربية والإفريقية كلها. وسيكون للشعب المغربي جني ثمارها. و لم يكن استهتار السيد العمدة براتبه الشهري 3 ملايين سنتيم، دون الحديث عن الامتيازات المعنوية والمادية وقيمة التقاعد، في محله خصوصا عند مقارنته بما يتقاضونه البرلمانيون في دولة صديقة كإسبانيا والتي لم يكن من اللائق دبلوماسيا وسياسيا وأخلاقيا التفوه بذاك النعت الذي نعتهم بيه (بو رقعة). ولكن يا سيد العمدة، إذا كان هناك فرق في ما يتقاضونه برلمانيو الدولتين خلال مزاولتهم لعملهم جد مهم، فإن البرلماني المغربي يتفوق على البرلماني الاسباني فيما يجنيه وما يراكمه المغربي عند نهاية ولاياته؛ اقول ولاياته، لكونه "يصاب بالمرض والاكتئاب إذا ما اكتفى بولاية واحدة". وكيفما كانت الأحوال، كيف يمكنك المقارنة بين برلماني يعمل بجدية ومسؤولية وذو تكوين علمي وثقافي وبرلماني دائم الغياب عن واجبه التشريعي ودون مستوى علمي ودون إعطاءه وزنا للثقة التي وضعته فيه الساكنة ؟ لقد كان من الايجابي أن يستدرج منشط البرنامج ضيفه للحديث عن ميزانية المدينة: قيمتها ولو نسبيا، الأولويات المبرمجة، مواردها والحديث عن قطاع الصحة في المدينة قطاع النقل والتعليم والرياضة والثقافة والأمن والتشغيل والأمية وغيرها من النقط التي تهم ساكنة فاس. كما كان من الايجابي الحديث عن تجربة "عمدة المدينة" كمصطلح في إطار التطورات التي تشهدها الجهوية. وهل من الايجابي الاستمرارية في تجربة العمودية وغيرها من الأسئلة التي تواكب التطورات السياسية والاقتصادية للبلاد والتي تبقي عن برنامج "نقط على الحروف" في إطار مضمونه الأصلي. كما أن لي ملاحظة بسيطة متعلقة بتحاملك الشديد على حزب الأصالة والمعاصرة، هذا مع العلم أنك أنت وثلة من محيطينك من يقوم بهذا وليس كل الاستقلاليين، لأن هناك من الاستقلاليين من وعي بكواليس وخبايا حزب الاستقلال وطبيعة السلوكيات التي تميزه داخليا ... وفضل الانضمام إلى حزب الأصالة والمعاصرة. كما أن الباحثين في هذا المجال، باستثناء ما تدعيه أنت سيد العمدة، لم يلاحظ في أدبيات هذا الحزب أنه حزب علماني يدع المغاربة إلى اعتناق أي دين يبتغونه دينا. كما أن مبدأ الواقعية الذي هو الموضوعية والوضوح والشفافية في الممارسة قمت بإعطائه مفهوما كان سائدا في السبعينات وهو المادية بمفهومها الماركسي رابطا إياه، وهذه مغالطة وجهل ثقافي، بالمفهوم الماركسي لدور الدين في المجتمع. ولا مجال ولا حاجة للقارئ هنا لشرح ما الفرق بين الواقعية والمادية. المهم والأهم أن حزب الأصالة والمعاصرة هو بات حزبا واقعيا يعمل كباقي الأحزاب في إطار احترام مقدسات البلاد. ونحن كباحثين متتبعون لمساره وما قد وعد به. وأعتقد أنه في الظروف الحالية وجب عليه القيام بانتفاضة تواصلية على الصعيد الوطني من خلال تفويض مهام القرب من المواطن والانصات إليه ، لمؤهلات شابة محليا وجهويا. ذلك أن انشغاله بالعمل التشريعي والصراعات المفروضة عليه من طرف الأحزاب المضادة لمشروعه المتمثل في محاولة إرساء أسس القطبية الحزبية، قد تجعل من من وضع فيه امله وثقته يصنفه كباقي الأحزاب. فالانتفاضة التواصلية باتت ضرورة ملحة لحزب الأصالة والمعاصرة لكونها ستكون الاستراتيجية الملائمة مع الظرفية الحالية خصوصا وأن الدكتور بنشماس قد أشار إلى إشكالية التواصل التي يعاني منها الحزب. أما إذا كنت تتهمه، بناء على فرضيات سمعتها، كقولك أن الحزب قد شرع في توزيع الحقائب الوزارية والمناصب الادارية وغيرها مما سمعت، حسب قولك، فهذا مجرد ادعاء تلفزي. أما ما هو معاش وحقيقي وتغافلت الحديث عنه هو استياء الاستقلاليين أنفسهم من التعيينات التي يقوم بها الاستقلاليون أنفسهم إذ يفضلون بعضهم عن بعض كما وقع مؤخرا في إحدى الوزارات الساهر على تدبير شؤونها أحد الاستقلاليين حيث استاء عدد مهم من الاستقلاليين من التعيينات التي قام بها السيد الوزير وهزوا الرحال إلى حزب آخر. لست بمدافع عن هذا الحزب أو ذاك ولكن الباحث من واجبه توضيح الرؤيا بحياد تام وبواقعية. وأعتقد أن بعض العقول لم تستوعب لا الظرفية ولا الهدف الرئيسي والوحيد الذي ادى بمجموعة من المناضلين لتأسيس حركة لكل الديمقراطيين، وفي هذا معنى واضح، ثم الانتقال إلى تشكيل حزب. السبب الوحيد لم يكن الاستحواذ على الحقل السياسي والحكومة كما يدعي البعض، الواقع الذي يجب ان يعيه المرء هو سعيه في المرحلة الأولى، مرحلة الحركة لكل الديمقراطيين، إلى الدعوة إلى التحاور قصد إيجاد أرضية سياسية توافقية بين أكبر عدد ممكن من الأحزاب قصد تشكيل قطب سياسي لا يحمل بالضرورة إسم قطب الأصالة والمعاصرة (كما خيل للبعض)؛ وذلك لتجاوز عصر تشردم المشهد السياسي المغربي إذ لا يعقل ولا يمكن أن تكون هناك 33 حزبا لكل واحد منها برنامجه. لا يعقل هذا لكون عدم وجود 33 ايديلوجية سياسية واقتصادية في العالم. فالاديولوجية السائدة هي قطبين واحد ليبرالي والآخر اشتراكي مع إمكانية توفر كليهما على جناحين: معتدل ومتشدد او محافظ. وختاما، لا أعتقد أن كل الاستقلاليين، حزبيين او نقابيين كانوا، يشاطرونك الرأي لأنه وبكل بساطة لم يكن من الفاعلين السياسيين أي فاعل متواجدا بين الحضور. وهذا معناه أنه لا وجود لدعم سياسي أو معنوي ولا معنى ولا اهمية واقعية كانت منتظرة، من طرفهم، لما ستبوح به إن كانت إلا "الفرجة والعنف اللفظي" كما نسب لطبيعة خطابك في بداية البرنامج. *باحث في العلوم الاقتصادية والاجتماعية [email protected]