" للانسان ثلاثة طرق يكون فيها ماهرا حسن التصرف: طريق التبصر والفكر وهذا هو الأنبل، وطريق التقليد وهذا هو الأسهل، وطريق التجربة وهذا هو الأكثر مرارة." كونفوشيوس إذا كان العصر الذي نحياه هو عصر العلم والتقنية والبحث الرصين عن آفاق رحبة للمعرفة وأيضا عصر المختبر العلمي والعمل الجماعي المشترك والتخطيط الممنهج والمدروس بهدف خدمة الانسان على هذه البسيطة ورقيه المادي والمعنوي. رقي من شأنه أن يدفع بالانسانية جمعاء إلى الانتفاع بثمرة العلم والاستمتاع بالحياة ورفاهيتها دون دوغمائية مغرضة أو تخريجات فقهية متزمتة تدعي امتلاك الحلول الناجعة لأشد الأمراض فتكا بالانسانية. وهكذا بينما يفني العلماء في الغرب زهرة شبابهم في مختبرات البحث العلمي يكدون باجتهاد ويتفانون بإخلاص من أجل خدمة البشرية وانعتاقها من كل أسباب التخلف والأمراض والاستبداد، نجد علماءنا المحافظون الأجلاء أو بعبارة رجال الاكليروس حماة العقيدة عندنا قابعين في صوامعهم العاجية يرددون أوراد الصباح والمساء، يترصدون كل من يخالفهم الرأي نهارا ليوقعوا به في شراكهم ليلا، يراجعون بكسل باذخ و ثقة عمياء الكتب الصفراء ليستنبطوا منها الأحكام الفقهية الجامدة وليخرجوا إلينا بفتاويهم المخجلة والمقرفة عن رضاع الكبير والتداوي ببول الابل و بتسفيه على كل مفكر متنور والحجر على فكره وليست قصة الشيخ علي عبد الرازق الذي جرد من شهاداته العلمية وفصل عن مهنته مصدر رزقه لمجرد أنه دعى إلى تحرير الدين من سطوة الدين و من تعزيمات رجال الدين عنا بغائبة ، وأيضا برفع الدعاوى القضائية لتطليق زوجاتهم وغيرها من الفتاوى الغريبة غرابة هذا الزمن الاسلاموي البئيس، وليس بعيدا عنا محنة المرحوم نصر حامد أبو زيد الذي أصدرت المحاكم الشرعية بمصر بتطليقه من زوجته، ترى ماهي فتاوى علمائنا الأجلاء على اختلاف مذاهبهم الفقهية في كل المنجزات الباهرة التي تغرفنا بعا الحضارة الغربية صباح مساء ونحن نستهلك المنتجات التي صنعتها العبقرية الكافرة والخارجة عن الملة والدين بلا حدود وبمبالغة كبيرة ولهفة! ماهي فتاوى فقهاءنا ووكالة ناسا للأبحاث الفضائية حطت بمبركبتها على سطح المريخ، وأيضا اكتشافها لكوكب خارج المنظومة الشمسية يشبه الأرض ويمكن للانسان العيش عليه! لاشك أن رد علماءنا الأجلاء وهم المؤمنون ببلوغ نهاية العلم وسقفه الأخير ومقاماته الاشراقية، ولكثرة فتاويهم الجاهزة والمطبوخة، سيسارعون إلى تبني كل الاختراعات وسيملئون الدنيا زعيقا منتشين ومستبششرين بأن ما تم اختراعه وماتكبد العلماء الكفرة من أجله كل هذا العناء والتعب و ما أضاعوا فيه جهودهم ووقتهم هو مسطور وكامن في الكتاب المبين وما على أولي الأبصار إلا أن يتدبروا آياته الكريمة، إذ المشكلة ليست أكثر من مشكلة استنباط للأحكام وينتهي الأمر وأيضا كون الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها، متناسين أن طريق البحث العلمي المضني والدؤوب وليس طريق الاستحواذ على المعارف والمنجزات واغتصابها، وأن طريق العلم لاينصب على العلم الشرعي وحده و أنه ليس منتهى العلم هو كتاب "رياض الصالحين" أو "جاهلية القرن العشرين" أو كتاب" الكبائر" أو كتاب" لاتحزن" بل العلم هو التسلح بالعلم المؤسس على أرضية علمية رصينة، تجعل من البحث العلمي اختيارا استراتجيا تخصص له ميزانيات معتبرة و محترمة ولو ربع تلك الميزانية الدسمة والسمينة التي تخصص لأجهزة وزارات الداخلية العربية، و تستنفر كل العقول المتنورة القادرة على الابتكار والاختراع في المجال التقني لا العقول المستقيلة والمتكلسة التي أغرقت الأمة بأطروحاتها وأبحاثها الفارغة و التي لا تفيد في شيء بل تزيد في تعميق الخرافة والتخلف، وهكذا إذا علمنا كيف يقضي العلماء والباحثون الكفرة في الجهة الأخرى حياتهم في عناء البحث العلمي وتعقب الفيروسات والجراثيم والمخاطرة بحياتهم بتجريب أمصال على أنفسهم، وكيف هو حال العلماء الأجلاء عندنا الذين لايزال البعض منهم تيعقب عورات النساء وهل صوت المرأة عورة أم لا! ومنهم من لازال يتحدث ويلقي محاضرات غريبة عن علامات الساعة وقيام المسيح الدجال، ومنهم من لازال يتعصب هل نصلي بالسدل أم بالقبض، ومادامت المفارقة هنا غريبة و لامجال لمناقشتها على اعتبار أن فاقد الشيء لايعطيه فإن القشة الوحيدة الوحيدة التي يتشبثون بها حين لايجدون ما يبررون به فشلهم الذريع في امتلاك ناصية العلم والتكنولوجيا هو تعميق مزيد من الوهم عن طريق تسويغ البروباغاندا المعهودة مثل إسلام علماء غربيين واعتبار ذلك انتصارا ثمينا، وليست قصة إسلام البحار الشهير جاك إيف كوستو أو إسلام الفيلسوف رجاء جارودي وغيرهم من العلماء الذين هداهم الله إلى الاسلام عنا ببعيدة، لكن السؤال المطروح بإلحاح والذي يستوجب جوابا منطقيا وشافيا ما موقع إسلام هؤلاء وواقع البحث العلمي عندنا والتي لايمكن وصفه إلا بالكارثة الكبرى والطامة العظمى وذلك لحجم ما ينتجه من أبحاث باهتة يطبعها الاجترار وفقدان الجرؤة والشجاعة في مناقشة المسائل الفكرية والعلمية اللامفكر فيها والتي يقف رجال الدين جدارا سميكا أمامها مما يحول ذونما الخوض فيها مادامت ستكشف تهافت الخطاب العلمي عند علماءنا الأجلاء وبهتان دعاويهم. [email protected]