في غمْرة التساؤلات المطروحة حول أسباب توسّع استقطابِ الجماعات المتطرّفة والتنظيمات الإرهابية للشباب، وفي خِضمّ التحاق مئاتٍ من الشباب المغربي بجبهات القتال في صفوف "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، أوْ ما يُعرف بتنظيم "داعش"، والذين يُقدّر عددهم بأزيد من ألفيْ شخص، حسب الأرقام التي أعلن عنها وزير الداخلية، سلّط باحثان مغربيّان الضوءَ على هذا الموضوع، من زوايا مختلفة، خلال ندوة نظمها النادي الطلابي الأغورا، وماستر إعادة تربية الجانحين والاندماج المهني، بكليّة علوم التربية بالرباط. مصطفى السمليتي، أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة القاضي عياض بمراكش، وعن "ظاهرة التطرّف الديني عند الشباب: أيّة براديغمات تفسيرية وأيّة بدائل تربوية"، الذي اختاره المنظمون موضوعا للندوة، تناول مداخلته من زاوية علم النفس الاجتماعي، وقال إنّ ما يشهده العالم من تحوّلات جديدة يجعلُ الحاجةَ ماسّة إلى براديغماتٍ (Paradigmes) جديدة لفهمِ هذه التحوّلات، وأضاف أنّ تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، أو ما يعرف ب"داعش" يحتاج، لوحْده، إلى بَراديغم جديد على اعتبار أنّه ظاهرة جديدة. وفي ظلّ غيَابِ أبْحاث ميْدانية في هذا المجال يُمْكن الاستناد إليها من أجل مُقاربة الموضوع بشكْل علميّ دقيق، أوضح أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة القاضي عياض أنّ معالجة موضوع التطرّف، دينيا كان أو غير ذلك، يقتضي فصْل التطرّف عن مجاله ومضمونه "إذْ أنّ الأهمّ هو النتائج التي تتمخّض عن هذا المضمون"، وزادَ أنّ التطرّف ليسَ مرتبطا دائما بالدِّين، "فهناك تطرّف ديني، وهناك تطرف سياسي، وتطرّف شيوعي، ويُمكن للمتطرّف، دينيّا، أن يتحوّل إلى متطرّف شيوعي"، يقول المتحدّث. وشدّد مصطفى السمليتي على أنّ النظريّة القائلة بأنّ التطرّف يصْدر عن إنسان ذي شخصيّة مريضة تظلّ نظرية ناقصة، لعدم استحضارها لعدد من الأبعاد، ومنها الجانب الاجتماعي، موضحا أنّه لا يجبُ تعميمُ صفة "الشخصية المريضة" على جميع الحالات؛ واستنَد إلى ما ذهبَ إليه الفيلسوف الألماني، تيودور أدورنو، الذي أكّد على أنّ كل إنسان لديْه ميولات نحو الشخصيّة السلطوية، وأضاف أنّ هذه النزعة تدفع كلّ إنسان إلى قراءة الواقع من خلال مرجعيته، ومن ثمّ عدم الاعتراف بالتعدّد وبالآخر، وادّعاء امتلاك الحقيقة. وربَط السمليتي بيْن التطرّف الديني وبيْن التربية، من جهة، والتمثّلات السائدة عن الله، من جهة ثانية؛ وقال في هذا الصدد إنّ التطرّف يمكن أن يكون ناجما عن الأسلوب التربويّ المتشدّد، والذي يجعَلُ الإنسان غيَر قادر على صرْف "انتقامه" الناجم عن تراكماتِ هذا الأسلوب على المُربّي (الأب أو الأم..)، فيلجأ إلى نقله إلى جهات أخرى (الآخر)، أمّا السبب الثاني، فهو تمُثّل الإنسان للذات الإلهية، والتي تتناقلها الأجيالُ جيلا عن جيل، دونَ أيّ تجديد، والتي تُصوّر الله، في أحيان على هيأة إنسان. وزادَ المتحدّث أنّ هذه التمثّلات السائدة، تجعل الإنسان المتطرّف، يُسقط على نفسه مجموعة من صفات الله، وهو ما يجعله يسعى إلى تطبيقِ مجموعة من الصفات الإلهية، ويعتبرُ نفسه خليفة لله على الأرض، انطلاقا من التمثّل الذي اكتسبه من خلال تنشئته؛ وتابعَ "الإنسان في العالم العربيّ يحتاجُ إلى علاجٍ معرفيٍّ وليس إلى علاجٍ نفسيّ، لوجود خللٍ في نظامه المعرفي والطريقة التي يُفكّر بها"، داعيا إلى قراءةٍ جديدة للدّين، من أجل تفادي هذه التمثلات عن الله، وإضفاء طابعِ العقلانية عليها. وتطرّق السمليتي إلى استقطابِ الشباب المغربيّ المقيم في أوربا من طرف تنظيم "داعش"، وربَط ذلك بالإحباط والحرمان اللذان يعاني منهما هؤلاء الشباب، قائلا إنّهما عاملان لهما علاقة مع السلوك العدواني للفرد، إذا لم تكنْ هناك متغيّرات وسيطية تحولُ دون سقوط الفرد في أتون التطرف، وأضاف أنّ تطرّف الشباب المقيم في أوربا ناجم عن شعورهم بالعيش في عالم غير عادل، يتّسم بالعنصرية، وبالفوارق الاجتماعية، فضلا عن شعورهم بالتمزّق على مستوى الهويّة. من ناحيَته عرّف سليم رضوان، أستاذ الفلسفة وعلم الاجتماعي السابق بكلّية علوم التربية بالرباط، "التطرّف الدّيني" على أنّه ينتمي إلى المجال الديني الأخلاقي، وهو عبارة عن تشكيلاتٍ معقّدة من تمثّلاتٍ وصورٍ وأفكارٍ تَسِمُ السلوك الفرديّ للإنسان، ويتمّ التعبير عنها بمواقف وأفعال، ودعا المُتحدّث إلى التمييز بين الدين كَمتْنٍ، وبين الظاهرة الدينية، والحياة الدينية، والنسق الديني. واستطرد سليم رضوان أنّ التعبير عن التطرّف الديني، على عكس ما يعتقده البعض، لا ينحصر التعبير عنه من خلال الأفعال فقط، أو السلوك الدّيني للفرْد، بلْ يمكن التعبيرُ عنه من خلال الخطاب أيضا، "خاصّة في المجتمع العربي الذي يتميّز بالخطابِ والبيان"، يقول المتحدّث، موضحا أنّ كثيرا من الأخطارِ تكون ناجمة عن عدم التفكير في مآلاتِ الخطاب. ولفتَ المتحدّث إلى أنّ هناك "أزمة عميقة" ألمّت بالحياة الدينية للمسلمين، بسبب المعارك التي يتبارز فيها أتباع المذاهب، وهو ما أدّى بالعالم العربي إلى أنْ يعيش دمارا للعمران –يقول المتحدث- وزاد أنّ الوضع القائم يستدعي تكوينا للوعي العربي، انطلاقا من براديغمات جديدة، ومن خلال إعادة النظر في تنشئة الأطفال.