في ظلّ الاستعدادات "الحربيّة" الجارية لمواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، وفي ظلّ التساؤلات المطروحة حوْل الكُلفة المالية التي ستكبّدها الحرب الجديدة ضدّ الإرهاب ميزانياتِ الدول العربية، قال الفقيه المغربي أحمد الريسوني، نائب الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، إنّ كُلفة مواجهة الإرهاب "تتطلّب شيئا لا أيْسر منه ولا أرخص، وهو ترْك العلماء الصادقين والمخلصين يقومون بواجباتهم التي هم أدْرى بها". ووجّه أستاذ فقه المقاصد والشريعة الإسلامية انتقاداتٍ حادّةً للحُكّام العرب، والذين وصفهم ب"حُكّام الجُور والاستبداد"، قائلا إنّهم عادةً ما يَمنعون ويسجنون ويُقصون "علماء الصدق والنصح لله ولرسوله ولأئمّة المسلمين وعامّتهم، ويؤثّثون ممالكهم ومؤسساتهم بمن يُرضونهم ويتملّقونهم". وعزَا الريسوني ضُعْف دوْر عُلماء المؤسسات في العالم العربي، أو من يُسميهم ب"علماء السلاطين"، إلى أنّ الناس أصبحوا "لا يأبهون بهم ولا يثقون في كلامهم وفتاويهم، بل يعتبرونهم طائفة منزوعة الدسم، أي منزوعة المصداقية"، وتابع "وهكذا ضاعت مكانة العلماء ورسالتهم ما بين المنع للعلماء المخلصين، وعدم الثقة بعلماء السلاطين". وشدّد الفقيه المقاصدي في مقال له بعنوان "كلفة السلاح وكلفة الإصلاح"، تحدّث فيه عن سبُل مواجهة فْكر تنظيم "داعش"، على أنّ مواجهة الفكْر المتطرّف يجب أن تنطلق من الحكمة القائلة: "درهم وقاية خير من قنطار علاج". واستطرد أنّ أصحاب الأنظمة العربية، التي وصفها المتحدّث ب"المريضة الفاسدة"، "فلا يحبون هذه الحكمة أصلا، ولا يريدون العمل بها أبدا، لأنهم يرون أن كلفة العلاج موجودة ووفيرة، ولن تكون من جيوبهم ومصالحهم، فلماذا يُحمّلون أنفسهم عناء الوقاية؟"، وفق تعبيره. واتّهم الريسوني الأنظمة العربيّة بتوفير تُربة خصْبة لنشوء التطرّف والإرهاب، قائلا "ما يسمى بالإرهاب مَدين في تشكله وتوسعه وتجذّره للأنظمة العربية الأشد فسادا واستبدادا وظلما وظلمة؛ بل الواقع المعيش والمُشاهَد يكشف هذه الحقيقة للخاصة والعامة. ففكر الغلو والعنف، الأكثر نجاحا والأشدُّ شراسة، يقترن عادة ويتلازم مع الأوضاع الأشد ظلما وفسادا". وخصّ الريسوني النظام الحاكم في المملكة العربية السعودية وهيئة كبار علمائها بنصيبٍ أكبر من الانتقادات، قائلا إنّ السعودية "ذات النظام الديني المعلوم، وذات الأماكن المقدسة والمحبوبة لدى عامة المسلمين، وذات الثراء والمستوى المعيشي الممتاز، نجدها هي الأكثر إنتاجا وتصديرا للإرهابيين والفكر الإرهابي". وتساءل الريسوني عن السبب الذي جعل العالم عاجزا عن المواجهة السلميّة لتنظيم "داعش" وفكره، وحصْر تأثيره وانتشاره وإبطال مفعوله وخطره، قائلا إنّ فكر "داعش"، الذي وصفه ب"البدائي والمتخلف"، في معظمه عبارة عن ضلالات وجهالات وأوهام وأحلام؛ ووسائل نشره ضعيفة وبدائية، ثم هي محصورة ومحظورة. وتساءل "فكيف -والحال هذه- عجزت دول العالم عن دحر هذا التيار وكبح جماحه،سلميا وعلميا وفكريا وثقافيا، وهي تملك كل ما تملكه من مدارس ومعاهد وجامعات، ومراكز بحثية ووسائل إعلامية وثقافية، ومؤسسات دينية وعُلمائية، ومنظمات طفولية وشبابية، ومن أموال وأتباع ومؤيدين، ومفكرين وفلاسفة ومخططين، وفنانين وإعلاميين…". هذا السؤال، يقول الريسوني، يجرّ أسئلة أخرى، قائلا "أليست "داعش" هي بنت الاحتلال الأمريكي للعراق، أليس هذا الاحتلال هو الذي هيأ جميع الشروط والمستلزمات لنشوء داعش ونجاحاتها؟ هل كانت داعش لتكون أصلاً، ثم هل كانت لتصل إلى ما وصلت إليه، إلا بفضل الاحتلال وخدماته، سواء المقصودة أو غير المقصودة؟". وفيما يجري التنسيق بين الدول الكبرى ودول المنطقة لشنّ الحرب على "داعش"، قال الريسوني إنّ الدول الغربية، وعلى رأسها أمريكا، ستأخذ "ما لا يتصوّر من الأجور والتعويضات، من خلال بيْع السلاح وخبرة القادة والخبراء العسكريين، والتي سيتكلّف بدفعها الشيوخ العرب، "وخاصّة منهم "الأغنياء الأغبياء"، الذين سيُعطون الجزية عنْ يدٍ وهم صاغرون"، يقول الريسوني.