قد تكون كلمة تَاقْرفِيْتْ مشتقة من لفظة "أَقْرافْ" الأمازيغية، التي تعني البرد، كما يفهم منها للوهلة الأولى، وقد تعني لدى الكثير من أمازيغ المغرب "الكلام الذي لا يُعتَدُّ به"، " كلام دون فائدة"، "الطنز".. لكنها بالنسبة لقبائل أيت حديدو وأيت مرغاد فهي عُرف ضارب في القدم، يُتيح للذكور والإناث التعارف القبلي والنقاش المستفيض بغاية الزواج. تجْمّاعت و تَاقْرْفِيْتْ بالنسبة لمحمد أيت الباز ابن تِيلمي فهناك فرق بين تَجْمّاعْت وَ تَاقْرْفِيْتْ، إذ بحسبه فإن تَجمّاعت هي تلك المحادثة المفضية للزواج أما تَاقرفيت فهي ليست بغاية الزواج، وإنما نقاش بين الذكور والاناث وليس بالضرورة أن يفضي لزواج. أيت الباز في حديثه لهسبريس قال بأن "أصل تسمية تاقرفييت هو كلام بارد بدون نتيجة، ويمكن لأي أن يمارس هذا الطقس، حتى غير المؤهلين للزواج، طقس يملأ به الفتاة والشاب الفراغ اليومي بهدف تبادل الأفكار". مضيفا أنه " رغم وجود عادة تاقرفييت في مجتمع أيت يافلمان( أيت حديدو وأيت مرغاد) فلا وجود للعلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، وأن غشاء البكارة مهم جدا في تقاليد الزواج لذلك فهذه العلاقات لا تتجاوز حدود الكلام والنقاش فقط". أن تفتح قبيلة أيت حديدو باب التعارف هذا بين الذكور والاناث، لا يعني أن الباب مفتوح على مِصراعيه، فلِتَاقْرفيْت ضوابط أُتُّفق حولها كدستور شفوي ينتقل بالتواتر جيلا عن جيل. إذ يُسمح بهذه الدردشة بين الجنسين حتى قُبَيل آذان المغرب ولا يسمح بعد ذلك، إذ تتحاشى الفتيات المكوث في الحقول إلى أن يبدأ الظلام في سدل ردائه دفعا لكل شبهة. ولها أماكن خاصة تكون مرئية من أهل الدوار. القانون والعرف أوقف دركيين من امسمرير مساء الأربعاء الماضي شابين يتحدثان رفقة قاصرات في ساحة الدوار، تطور الأمر إلى تدخل رجال القرية وقاموا باحتجاز الدركيين لأنهم اعتبروا ذلك شططا في استعمال السلطة، خاصة وأن الشابان والفتيات لم يقترفوا أي جُرم سوى الحديث والدردشة تحت حماية عُرف قديم اسمه تاقرفييت يتيح هذه الإمكانية دون عُقد. أحمد، من أيت إعزا، صرّح لهسبريس أن "الأمر لا يتعلق بصراع بين العرف والقانون، وإنما بشطط في استعمال السلطة، وإلا فهل هناك قانون يمنع الدردشة بين الجنسين، أو هل هناك قانون خاص بالبادية وآخر بالمدينة، فإذا كان هناك قانون من هذا النوع فالسجون ستعج بأبناء المدارس والجامعات والمعاهد الذين يُناقشون فيما بينهم في الحدائق والسّاحات". فَتَياتنا طَاهرات أما الناشطة هنو ماروش، اشهر امرأة بجماعة تيلمي والجنوب الشرقي، فقد تحدتث لهسبريس عن ظاهرة تَاقْرفيت بصراحتها المعهودة بكونها " عادة قديمة ما نزال نُحافظ عليها، حيث مجتمعنا يسمح لفتياتنا بمجالسة الشبان والحديث معهم بكل حرية أمام مرأى الجميع، في الأعراس وبدونها، يعبرون عن عواطفهم وأفكارهم تحت مراقبة الآباء وإن كانت هذه المراقبة عن بعد". وعمّا إذا كانت تاقرْفيتْ عند أهل الجبل هي نفسها المْصاحبَة عند أهل المدن فإن هنّو ترفض ذلك بشدة وتؤكد أن " تاقرفيت ليست هي الفساد، فبناتنا طاهرات وشريفات، ولم يُسَجّل يوما أن فتاةً من أيت حديدّو ضُبطت في وَضعٍ مُخِلّ بالأخلاق، وإذا حدث ذلك قديما فإن أول ما تفعله تلك الفتاة هو أن تغادر القرية في اتجاه المجهول. نحن مجتمع مُحافظ جدا رغم كل شيء". الحب واحدُ من جهته قال الدكتور امحمد حدى أستاذ التاريخ بجامعة ابن زهر في حديثه لهسبريس إن " ظاهرة تاقرفيت ضاربة بجذورها في التاريخ. تسمى بالصقير بالأطلس الصغير، تافروايت، إسافن... وهي ظاهرة صنهاجية قديمة قبل الاسلام، وعندما جاء الاسلام، ربما قضى عن الظاهرة في المنبسطات لكنه لم يستطع القضاء عنها في الجبل. الشريعة وصلت للمنبسطات وظل العرف في الجبل. هي تلعب دور تمهيدي قبل الزواج". حدى، المتخصص في التاريخ، أوضح أن" تاقرفيت لقاء لا يتجاوز النقاش في أمور الحياة يُتيحه مجتمع أيت حديدو وأيت مرغاد دون أي لمس أو ما شابه ذلك، له مكان مُحدد وهو في الغالب ساحة القصر أو الدوار، وله وقت محدد ينتهي قبيل المغرب. لكن هذا في السنوات الماضية. أما الآن فالمجتمعات تغيرت وسلوكات الأفراد ليست بمنأى عن الثقافات الأخرى و "تقرفيت" زمان لم تعد موجودة، بل دخلتها الميوعة وهناك من يستغلها لأهداف جنسية فاضحة بسبب التغيرات التي حدثت".