، قول في الوداع الاخير للراحل رحل عنا إلى دار البقاء واحد من الأعلام الكبار والقادة الوطنيين، رحل من دون سابقإشعار أو إنذار مبكر، هكذا خلسة اختطفه الموت من عالمنا، لكنه قدر الله في السابقين. مضى وانقضى، منذراً بعلامة أخرى من علامات انقراض جيل من جنسه وقبيلهوطينته، جيل يؤشر على الفعل النبيل في ساحة العمل الوطني العام اليوم، لقد قضى فرس من النبلاء في مغرب اليوم، متخطياً الإنذار إلى التأكيد على ظاهرة شح وانقراض هذه الفصيلة العزيزة من المناضلين والشخصيات العامة من ساحةالسياسة ببلدنا، حلة السياسة التي علتها مسحة كثيفة من الرداءة والبذاءة والإساءةوالانحطاط، على الرغم مما بقي من نواذر قيادات وطنية تؤكد هذا الذي يراد لمشهدنا العام أن يبدو عليه، ارادة من البعض لقتل نبل السياسة بالاختطاف الرمزي لقادتها أو انهاكهم في معارك الهامش أوالتشنيع على ذوي المصداقية منهم أو نسف استقلالية بعضهم . 1-دلالة رحيل القادة، العبرة من الفناء الاخير لقد كانت سنة 2014 استثنائية لكونها شهدت رحيل العديدين من القادة والمناضلينالكبار، ولم يأب هذا الشهر أن ينقضي الا بطي صفحة سي أحمد الزايدي وجعله يلتحق بالسماء رفقة المهدي المنجرة وغيره من الكبار. ليس هناك مجال لبسط وجرد أسماء كبيرة لعبت دورها التاريخي كل في موقعه رحلت عن عالمنا، وليس بكاءاً جنائزيا على أطلال توحي بنبض سالف للحياة العامة وللذين مروا من دروبها، لم نعتد أن نمارسه. إلا أن رحيل بعض من هؤلاء من هذه الطينة تترك أسئلة كبيرة حول مستقبل النضالوالثقافة والإبداع والسياسة والعمل العام في الجو الديمقراطي النبيل والاصيل والخلوق والواثق. فرحيلهم -للاسف- يقترن ربما مع قحط مدقع لجهة إنتاج وجوه فكرية وثقافيةوسياسية جديدة وبديلة من الجيل الجديد، وهذا ما يجعل مستقبلنا قاتما مضببا، إذاما قارنا ما سيكون عليه الوضع بعد رحيل أولئك الرموز والقادة. فلا يلوح في الأفقجيل جديد من من طينتهم وقامتهم، إلا ما نذر، وهذه حقيقة مؤلمة. ومن البديهي القول أن غياب المناضلين المخلصين عن صدارة الحركة السياسية فيمغرب اليوم سيكون له أثر كارثي على هوية هذه الحركة ذاتها، على تميزها وعمقهاوعلى صورتها أمام الناس وثقتهم بها، وعلى قدرتها أن تطرح نفسها بديلاً ذا مصداقيةأفضل من الوضع السائد، بديل يرن رموزه أجراس الثقة في عقول الناس بإنصاف وتجرد ويؤشرون على مواطن الاختلالات الظاهرة والكامنة. لذلك من الصعب اليوم أن نستشرف نمواً ونهوضاً في المدى المنظور، لأن المؤشر الذينستشفه من السائد الفكري لا يوحي إلا بالتقهقر. 2-الزايدي ارتقى: خسارة فارس في النزاهة، أمام رداءة نخبة حقا انها خسارة كبيرة ان يرحل عن عالمنا مثل هؤلاء. انها خسارة يعز تعويضها ان يرحل سي أحمد الزايدي عن الوطن الذي احبه كوطنوكقضية انتماءا وفداءا.المغرب الذي ما كان يوما بحاجة لرموزه الكبار كما هو الان بحاجة الى أمثاله للدفع بعجلة النبل والاصلاح والتعقل الى آفاق جديدة، ولا يختلفاثنان ممن يعرفون الفقيد ويشهدون لسيرته، على انه احد هؤلاء الرموز الكبار بخلقه وعلمه وثقافته وصلابته وبدأيته وحكمته وامكانياته القياديه الكبيره سياسيا واعلاميا وانسانيا. رحل والوطن الجريح لا زال يعيش في البؤرة منه كثير من الصغار-الذين تصدى بعضهم لمهام قتل السياسة والمعارضة بنبلها- ويدير بعض مؤسساته من يدمن على قيادة كيانه بعض الجهلة والمشكوك في انتمائهم الكفاحي وولائهم المستقل للمشروع الديمقراطي. لقد غيرت بعض من تلك المخلوقات وجه البلد الجميل المشرق الناهض. الذي طالماتفاخرنا به وبحكمة رجاله ومناضليه ووطنيتهم الصادقة وشجاعتهم وبطولاتهم عبر كلالازمنة في النضال من اجل بسط الحريات، وبالفخر بتاريخ الوطن العريق الحافلبالانجازات في المحافل الدولية. كم حلمنا بشأن عام يسيره الحكماء من طينة السي أحمد، وكلما رحل احدهماحسسنا بان الامل يبتعد اكثر فاكثر، ولا يبقى امامنا سوى صورة من بعض الرعاعالانتهازيين وهي تنهش ببعضها، رعاع يدفع بهم الحقد والكره والثأر والجهل والدونيةلاعتلاء منصات قيادة المرحلة للامساك بناصية تنظيمات تمرست على الوطنية وتدربت على الحريات سنين الجمر والرصاص، والان تبيع تاريخها لصالح رهان الاقصاء والردة الديمقراطيين والسعي للبطش بالآخرين وفق رؤى محدودة ومشاريع سياسيةسلطوية غبية تافهة كسيحة لا تقوى على الاقناع والصمود، ولا تتحمل الوقوف علىارض الواقع ولا تخدم سوى قوى ارتمت في احضانها وتعمل كبيادق لتحقيق مشاريعتلك القوى، مغتالة لتاريخها ورمزيتها. -يؤسفنا ان يرحل عنا سي أحمد وبرلماننا °الموقر° يعج بكثير من الاسماء الذميمة التيلم تعبر يوما عن اصالة البلد ورجاله وشهامة شعب كافح من أجل قضية الاصلاح والحرية. اسماء لم تكن يوما كبيرة لتع كبر المسؤولية التي تحملها، ولم تكن يوما نبيلة لتحسبحاجة الانسان المغربي الى الامان والاستقرار والاصلاح والحرية والوفاء والمصداقية بعد مشوار العذاب الطويل الذي عاناه الوطن، لتحس بعظمة ما يمكن ان يكونه، أو هي استكانت لاستبدال أدوارها. 3-رحيل خلف صدمة عارمة، جنازة رجل: إرثه النبل في العطاء للوطن -سي أحمد الزايدي تحقق له مأتم وطني كما يليق بحجم عطائه ضمن. لقد مر الفقيد عابرا في خلسة وغفلة وصدمة من الجميع، فكان التركيز من قبل الراثين له على أمرين: الأول الدور الوطني للراحل الكبير مهنيا كإعلامي من جيل الرواد،. أماالأمر الثاني فهو القيمة الأصيلة التي مثلتها شخصيته الخلوقة الاسرة في إطارمعترك السياسة الرديئة ورموزها ومعاركها اليوم . وكواحد من آلاف الذين مروا وعاشوا وراقبوا واعتركوا، أحسست اليوم-وأنا أشهد جنازته المهيبة- أن تشييع جثمان الفقيد والجمهور الغفير الذين سجاه، أحسست أننيأنتمي إلى بلد-بالرغم من الاختلاف في الاطروحات- تعرف كيف تثمن قيمة بعض كبارها وكيف تحيي وتزكي مساهمات أبنائها الخلص، لقد أحسست بالامتنان والاحترام لجيل من الخلص الاوفياء السابقين والباقين. ولكن بالمقابل من ذلك أيضاً، أحسست بالغصة والإحباط، وبالنقمة المرّة على بقايا جيل آخر لا تثير فيه قيم الامتنان ولا الاحترام للقادة وهم بيننا أحياء، فقيمتهم تنبري حين يرحلون، رحل سي أحمد ولم يكتمل حلمه ومشروعه كما الكثيرين، هي أمانة في عنق رفاقه . وكواحد من شباب عديدين، أحسست-مع أمثال هذا الرمز العابر للحزبية-أن إنساناًيمنحني هذه المتعة الراقية المحترمة ويحفظ في وينمّي في كياني كل ما هو جميلوأصيل من قيم الممارسة النبيلة للسياسة، بل وهو –لحظات نضاله الحي-يبدع بإضافةجديدة في عالم الارتقاء بالسياسة ويذكي انتمائنا لنبلها، وبذلك فإنني أعلن، أن سي أحمد الزايدي كإنسان يمثلني وجيلي ويرفد القيم التي من أجلها نكافح، ولو أنه من طيف آخر وزمن آخر، ولذا فإن احترام رجالات النضال والبذل السخي له هو احترام لي أيضا ولجيلي الذي عاش الوعي بقضية الاصلاح، لكنني لم أتمالك نفسي من مقارنة عنيدة : ماذا لو رحل واحد من أمراء الحرب الأهليةالتي يراد تسعيرها بين فرقاء العائلة الوطنية والديمقراطية، من قبل كثير من أولئكالذين صعدوا إلى مواقعهم المادية والسلطوية على ركام البلاد وإرث الفساد ممن ذممهم مشبوهة، أو من الذين أعطوا لبلدي موقعاً على خريطة الرداءة وساحة البؤس والانحطاط في الخطاب والممارسة للسياسة، في حين يبحث بعض من أمثالي على قيمة القيم في السياسة. لكن الزايدي وكثير من رفاقه المتفرقين على العائلة الديمقراطية والوطنية، في حياته كما هو رحيله الاخير، لم يفقد نضارة شبابه النضالي ووهجه الكفاحي، كي يظل الموقف النبيل في العمل العام أخضرا نقيا، شريفا حالة الخصومة والوفاق، كما رآه هو وهم . أجل هو وغيره من الكبار جعلونا نرى المغرب أحلى مما هو عليه، ورفعوه إلى قطعةجديرة بالانتماء، لقد هتفوا بمغرب الديمقراطية والوفاق والحريات والكرامة، فظلالهتاف الديمقراطي يتعتق عقوداً واعتنقه جيل آخر صاعد فأنشدوه-رسالة حسن طارق ورفاقه- . هو من لفيف أسماء كبيرة، أين لنا بمثلها كل في مجاله، أسماء رحلت عنا في صمت وبلا ضجيج، غيابها هو رمزية غياب الكبرياء الوطنية والحضارية عن ساحاتنا التيطغت عليها رداءة الاستهلاك التجاري للنضال، وقيمه المنحطة في الاعلام كما السياسة . سي أحمد الزايدي هو الذي كرّس جل عمله-الاعلامي سابقا والنضالي لاحقا- لبثنداء للمهاجرين من سوح العمل العام النبيل كي يعودوا للقيم، فلا سياسة بدون أخلاق: وسياسيو اليوم-في العملة الرديئة الرائجة الا من رحم الله- هم الذين كرّسواصراعاتهم استجابة لأنانياتهم الواطئة ونزواتهم السمجة ونزعاتهم الاستئثارية،وأوشكوا على تحويل ريع العمل العام لبؤرة فساد وخراب وانحطاط، وسيروه وسيلةلدفع كل من تبقى من الشباب الواثق المنتفض إلى الهجرة بل القطيعة . لقد عرف الزايدي كيف يظل كبيراً شريفا راقيا في أدائه وحتى منتهى حياته، و عرفكيف يظل بسيطاً بساطة من لا يحتاج كبرياؤه إلى ادّعاء ولا تحتاج قيمته إلى شهادة-يكفيه شهادة الجموع المشيعة لروحه لمثواها الاخير- . كل ما كان يحتاجه-رغم وعثاء بعض من الصراعات التي اراد البعض شده الى قاعدها، لكنه ارتقى وارتفع- ما كان يحتاجه هو تلك البسمة العريضة العظيمة العفويةالتي لا تشبهها إلا اشراقة الشمس على جبال الاطلس الشامخة والراسخة. الكثيرون قصّروا في حقه اليوم وبالأمس . ولا ندري في حق من سيقصّرون غداً، والبلد في حاجة لمثله وقيمه التي من أجلها ناضل ووفى. لكنهم في الواقع لم يفعلوا إلا ما يناسب قياس فهمهم للسياسة ونبلها والانسانية وعمق آصرتها ودورهما في الارتقاء بالشعوب، وشد لحمة الأمة المغربية وصيانة وإبداعخصوصياتها وخطها الفكري الذي يجعل منها شعباً لا قطيعاً . 4-الزايدي ورفاقه الاوفياء، في تكريس قيم نبل الساسة والسياسة الزايدي-وفق ما توارد على ألسنة المحبين له من المتفقين كما المخالفين- فيه ما فيالرجال الكبار –لحظات صراعهم الجميل والنبيل-فيهم ذلك المزيج الدافىء من سلطةوحنو، من سعة ودقة، من هيبة وود، من تعالٍ وتواضع، من قرب ومسافة، من قسوةوتهذيب، من رقي وبساطة، من أستذة وتلمذة، من حسم وتروِ، من جنوح وتعقل، مننزق وحكمة، من تسامح وتشدد في الحساب الديمقراطي العصيب. كان واحداً منهم، وما أقلهم، في الكيان الاصيل للاتحاد، وكذلك كانت رسالته كما يرويها حسن طارق ورفاقه الاوفياء وكذلك كان ، يعرف كيف تكون الأخوة النضالية كفاًتتسع لتحتوي، وتنقبض لتربي، تمتد لتربت على رأس، أو لتضرب على ظاهر يد،تمسك بذراع لتسند كياناً أو لتهز كياناً أو لتحمي قيما، لقد وجدوه وراء ظهورهمللدعم إن احتاجوه ويجدونه أمام وجههم اصبع تنبيه، واشارة توجه. لقد قالوا أنه كان لهم صديقاً يقتسم معهم الرؤية والهدف وقسمة المعاناة، يصغي الىان تتشكل الفسحة الكافية له ليلم هموم بقايا جيل في التصحيح الديمقراطي وفق بوصلة الانتقال في البلد الصاعد من كبوة، و كان وهو يتكلم علنا-وفق ما رأيت وسمعت- لا ليرضي سامعيه بموافقة منافقة مسايرة، أو بلغة مخدرة مسكنة تسكنها نستالجيا الانتماء للتاريخ المجيد وفقط، وانما قوله كان فصيحا كلغته الرشيقة لينقربتمرس وحماس كبيرين-مع زمرة قوة التصحيح النضالي القاصدة من حسن والشامي ودومو وغيرهم- ليقول لجيلنا وللكثيرين و ببساطة حاسمة، اننا جميعا علىحق هنا والان، وهم أولئك المقامرون بمستقبل نبل السياسة على خطأ هنالك يمعنون في مصادرة الراهن والمستقبل واغتيال الحلم الديمقراطي الوليد، خطابه المعلن كان فصيحا وعنيدا يقول: ان علينا جميعا ان نتمسك بحقنا في امكانية اخرى للعمل العام المبدئي الذي يخاصم الانتهاز في الفرص، ونكران الهوية والذات، بالقدر ذاته الذي يتصدى فيه لتصحيح الانحطاط والخطأ الذي يعترض مسيرة العمل الوطني العام والاصلاحي اليوم في الضفة الاخرى، وقد تقبل الزايدي في مسيرة كفاحه هته -بروح عذبة- أداء الثمن حتى ولو كان صعباً ومكلفا وباهضاومرا. لقد كان أستاذاً بصمت لجيلنا هو وكثيرين من العازفين لحن الانتماء الصادق للشعب رغم تفارق الافاق الاديلوجية والسياسية، ميزته ان قدرته على التعليم لقيم الصمود لاتضاهيها الا قدرته على التعلم من ذات الجيل الوطني من مدرسة الصمود غير المتعب،ذاك التعلم الذي كان يرتوي من كل تيار للوطنية بأضلاعها ومرجعياتها.لم يكن ذلك سرعقله فقط، وانما سر شبابه النضالي أيضا. هو الذي حمل الشباب الى كهولةالكثيرين، مما كان يزرع من حوله الاستغراب والسؤال عن الافق والجدوى من السعي والتغريد خارج سرب المرحلة وايقاع التحكم، لأن الذين لا يفهمون النبل في السياسة يوقنون ان المحافظة قرينة الشيخوخة التي لا تجرؤ على الاقتراب من عقل يقظ مواظبعلى الغذاء الفكري المتجدد والنضالي المتمرس والذكي والصادق مثل رفاقه من الاوفياء، لكن وأيضا هو كان له قلب مواظب على العطاء والعناء، بلا عبث أو يأس بل...