نشر أحدهم مقالا على الجريدة الرقمية المحترمة " هسبريس" وكان بعنوان" جاهلية القرن الواحد والعشرين "، تحدث فيه عن "داعش" وعن التطرف وممارسة العنف من أجل السيطرة على المجتمع وعلى الدولة . وقد حاول الكاتب جاهدا وبأسلوب لا يخلو من تكرار ممل، تطغى عليه المفردات القدحية التهكمية، وتغلب عليه الانتقائية في رصد وتتبع بعض الأحداث التاريخية، حاول أن يبين أن هذا السلوك -أي التطرف والعنف- صفة لصيقة بالعرب وحدهم دون بقية الأعراق والأمم، وذلك في استنتاج غريب عجيب لا يستند إلى أدنى حجة أو دليل . ولعمري إن مثل هده الكتابات لا تستحق الرد ولا المتابعة، ولقد استنكفت في البداية أن أرد على المقال، لأنني اقدر ما للقارئ الكريم والمغاربة منهم بالخصوص، من ذكاء يفرقون به بين الكاتب الموضوعي الذي يلتقط الظاهرة المعقدة ويزنها بميزان العقل والعلم، ويحاول أن يصل إلى مخرجات ونتائج تحل المشكل المطروح أو تساعد في ذالك على الأقل، قصد جلب الخير للبلاد والعباد وخدمة مصالح الوطن- خصوصا في ظل هذه المرحلة العصيبة من تاريخ مجتمعاتنا- وبين كاتب كل همه أن يستفز القارئ، وأن يجيش عواطفه، وأن يفرق - من حيث يدري أو لا يدري- بين أبناء الوطن الواحد بكلام عنصري مقيت، بعيد كل البعد عن حقائق الأمور ، ومحشو بالمغالطات تلو المغالطات . غير أن أمرين اثنين دفعاني إلى الرد وكتابة هذه السطور : أولهما أن الاتهام إذا لم يرد عليه يكاد الناس يحملونه محمل الجد والحقيقة، وثانيهما أن للإعلام دورا كبيرا وخطيرا في توجيه العقول وصناعة الآراء، ومن ثم التأثير في سلوكيات الأفراد والمجتمعات؛ فلزم الرد قدر المستطاع. وسأحاول من خلال هذه السطور التعرض للمغالطات التي مررها المقال، من دون الوقوف عند كل جزئية على حدة بالنظر لكثرتها، ولكن سأحاول إجمالها- بحسب ما يسمح به المقام والمقال - في ثلاث نقط؛ . كما سأدلي بالأسباب الموضوعية حسب اعتقادي، والتي تجعل في الوقت الراهن من العالم العربي، دون بقية العالم الإسلامي، مرتعا لهذا العنف والتطرف. وقد توخيت في سبيل ذلك أسلوبا علميا موضوعيا وابتعدت عن الانجرار إلى قاموس اللمز والتنابز وممارسة التضليل الذين نهجهما الكاتب، والذين يدعوانني إلى الرد بالمثل، ولكن لن أحذو هذا الحذو احتراما للقارئ. أولا: نعم ، الإسلام دين السماحة والسلام والتعايش، في ظل العدل والاحترام المتبادلين بين الناس أفرادا وجماعات حاول الكاتب أن يبرئ الإسلام مما يحدث من تطرف من قبل الجماعات المتشددة العنيفة، وبأنه في المقابل دين التسامح والمحبة والسلم، وهذا صحيح نتفق معه فيه. فالإسلام كما هو معروف رحمة للعالم أجمع، وهداية للناس كافة، وأسلوب حياة يسعد به الفرد والمجتمع. جاء ليخرج الناس، كل الناس بلا استثناء، من عبادة العباد بعضهم لبعض، إلى عبادة الله وحده، ومن ظلمات الجهل والجهالة، إلى نور العلم والحكمة، ومن ظلم الأقوياء الجبابرة، والمتكبرين المستبدين- من خلال ما يضعونه من قوانين تضمن مصالحهم دون مصالح الضعفاء- إلى عدل يحرسه قانون إلهي (القرءان) يسمو فوق كل البشر ، والناس أمامه سواسية كأسنان المشط. الإسلام يهدي الإنسان ويرشده إلى معرفة حقيقة نفسه وحقيقة الحياة التي يعيشها، وما معنى الموت وماذا بعده، وما معنى الكون وكيف نشأ، ومن يديره ومن يسيره؛ وهو بذلك يبعده عن الحيرة والتيه في اللأرض. الإسلام أسلوب حياة يبين للإنسان كيف يتصرف في ساعات يومه، كيف تكون علاقاته مع الآخرين، في البيت وفي العمل وفي الشارع؛ يدعو إلى الخير ويأمر ببر الآباء والأمهات، ومساعدة الفقير والمحتاج، وكفالة اليتيم وإصلاح ذات البين، والابتعاد عن الدنايا والنقائص، كأكل الأموال بغير حق، وقتل النفس والفساد في الأرض بعد إصلاحها؛ باختصار، جاء الإسلام ليتمم مكارم الأخلاق، ويسمو بالناس إلى مراتب عليا في السعادة والكمال الإنساني، ويبعدهم عن دركات الشقاء والعيش الحيواني. الإسلام نظام للكون كله ، ولكن هذا النظام لا يجبر أحدا على القبول به، وإنما يترك لهم الحرية في الاختيار، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليرفض، والإسلام دين العقل والمنطق والحجة والبرهان بامتياز، يريد من الإنسان أن يقتنع به عن طريق عقله أولا قبل أن يسكنه قلبه؛ وقوة الإسلام تكمن في قوة حججه، فهو لا يحتاج بذاك أن يكره الناس بالقوة والعنف. وقد دخل الناس في دين الله أفواجا من مشارق الأرض ومغاربها، جنوبها و شمالها، ولا زالوا يدخلون إلى يومنا هذا وبأعداد متزايدة كما تطالعنا الإحصائيات والتقارير كل يوم، وما ذالك إلا لما رأوه فيه من احترام العقل والقلب، ومسايرة الفطرة الإنسانية بعيدا عن كل تطرف من هذه الجهة أو تلك؛ فالإسلام دين التوازن بين الجسم والروح، بين القلب والعقل، بين الغيب والمادة، بين العلم والوحي، دين الوسطية والاعتدال. وخلال مسيرة الإسلام في العالم، انقسمت الشعوب إلى ثلاثة أقسام: شعوب أسلم حكامها فأصبحت جزءا من العالم الإسلامي، وشعوب لم يسلم حكامها بل ظلوا يحتفظون بدينهم، ولكنهم سمحوا للمسلمين أن يكلموا الناس وأن يبينوا لهم معنى الإسلام وقيمه، فاسلم أناس منهم طواعية رغم عدم إسلام حكامهم، وعاشوا جميعا في سلم وسلام، وتحالف مع العالم الإسلامي؛ وفي المقابل، ابتليت شعوب بحكام لا هم أسلموا ولا هم تركوا المسلمين يشرحون الإسلام ويعرضون قيمه على شعوبهم، بل وكانوا فوق هذا وذاك، يضطهدون شعوبهم ويقهرونهم، فكان لابد للمسلمين أن يدافعوا عن المظلومين، وأن يزيحوا عنهم أولئك المستبدين، ثم يتركوا لهم بعد ذلك اختيار الإسلام أو رفضه. فلم يشرع الجهاد في الإسلام إلا دفاعا عن النفس أولا في حال التعرض للظلم ("أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا")، أومن اجل الدفاع عن حرية الاختيار ثانيا (كما في الحديث النبوي "خلوا بيني وبين الناس")؛ فلم يقاتل المسلمون من اجل استنزاف ثروات الشعوب وخيراتها من ذهب اصفر وذهب اسود (النفط)، ولم يقاتلوا من أجل زرع الفتن الطائفية والمذهبية (كما يفعل الغرب الآن)، وإنما من اجل أن يرفع الحكام المستبدون قبضتهم عن اختيارات الناس، فيؤمنوا بما يشاؤون ويعتقدوا ما يشاؤون؛ وأيضا من أجل جلب الأمن ومحاربة الظلم والتعدي على الشعوب المقهورة المغلوب على حالها. نعم هذا هو الإسلام في أيامه وزمانه، في صفائه ونقائه. وعلى طول هذا التاريخ ، وقع ما وقع من تنازع على السلطة و"الدولة"، فاختلف المسلمون، حكامهم وعلماؤهم، سياسيوهم ومفكروهم ، ولم يجدوا بالرغم من المجهودات الجبارة التي بذلوها، حلا لخلافاتهم حول طريقة الحكم والتناوب على السلطة، يمكن أن ينجيهم من الاقتتال والتنازع، فكان الحكم يؤول في غالب الأحوال للغالب والأقوى. ولكن هذا الاقتتال بين المسلمين لم يكن إلا في رأس الهرم، حيث إن المجتمع والأفراد ظلوا يسترشدون بقيم الإسلام وتعاليمه ، ويسيرون أمورهم بتلك القيم السمحة المبنية على التعاون على البر والتقوى، وحب الخير ومساعدة أهله، وطلب العلم وتكريم حامليه، والحكم بقانون الشرع في الأمور التي نص عليها القرءان و السنة (الشرع والنبي)، أو ببعض الأعراف في أمور الدنيا اليومية (تسيير شؤون الناس اليومية)، لا فرق بين مسلم وغير مسلم، أو بين عربي وعجمي. أدرك أنه كانت هناك بعض الاستثناءات والتجاوزات والانحرافات على طول التاريخ الإسلامي (إذ يبقى المسلمون بشرا على كل حال)، ولكنها كانت تشكل الاستثناء الذي يؤكد القاعدة، وتبقى محدودة في الزمان والمكان، أو مبررة تبريرا موضوعيا في سياقاتها (أغلبها له علاقة بالثقافة السائدة)، أو كانت تصحح كلما وصلت الأوضاع إلى درجة لا تحتمل (من خلال آلية "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"). وفي المحصلة ، فإن هذه الاستثناءات تكاد لا تذكر إذا ما قورنت مع ما اقترفته شعوب وأعراق أخرى كما سنبين لاحقا. ومع توالي القرون، نزل المسلمون إلى الحضيض بعدما قدم العقل المسلم كل ما في جعبته، ولم تعد جرعات التصحيح هذه كافية حينها للخروج من الأزمة ولشفاء الرجل المريض (وصف أطلقه الغرب على الإمبراطورية العثمانية في آخر أيامها) من علله، فاحتاج المسلمون إلى صدمة كبيرة ترجعهم إلى وعيهم وتردهم إلى رشدهم، فكانت صدمة الحضارة الغربية ؛ حينها تعرضت شعوب العالم الإسلامي، مشرقه ومغربه، بكل مذاهبها وطوائفها وأعراقها وإثنياتها وأقلياتها الدينية لأكبر هجمة في تاريخها، هجمة استهدفت وجودها كله، هذا الوجود الذي كان محميا كما ذكرنا بوحدة التاريخ والجغرافيا، وروابط التعايش والتسامح ، واحترام المعتقدات والاختلافات، حينها صحا الناس ولا شغل يشغلهم إلا تحرير أراضيهم من الاستعمار. بعض من قوة الإسلام تكمن في قدرته على استثارة الإنسان حتى لا يرضى بالذل والهوان وحتى لا يقبل الظلم والجور لم يكن ثمة من فكر أو إيديولوجيا –نستعمل المفردة هنا تجوزا- قادر على شحذ الهمم، من اجل بذل التضحيات بالغال والنفيس، في سبيل الذود عن الأوطان والأموال والأعراض، ضد الاستعمار الأوربي الامبريالي لشعوب العالم الإسلامي أفضل من الإسلام؛ ففي الإسلام كل مقومات رفض الظلم والاضطهاد، مقومات تجمع في مفهوم "الجهاد"، بالمعنى الذي سبق تحديده آنفا. لم يشكك احد آنذاك في شرعية الجهاد ضد المستعمر، بل اتفق الكل على فرضيته ووجوبه، وتنادى الكل من أجل كسب معركة الاستقلال، وذلك من خلال حركات التحرر في العالم الإسلامي، والحركات الوطنية من المحيط إلى المحيط (من المغرب إلى الهند وأندونيسيا وماليزيا)، والتي اتخذت من قيم الإسلام الداعية إلى حب الأوطان والذود عنها، والدفاع عن الأعراض والاستشهاد في سبيل الله والوطن، محفزا وداعيا إليها. مرت حقبة الاستعمار العسكري هذه، وانتهت باسترجاع العالم الإسلامي كله لاستقلاله عن المحتل الغازي ماعدا بعض أجزائه كسبتة ومليلية وفلسطين؛ غير أنه كان استقلالا ناقصا، إذ شمل تحرير الأرض فقط ، وظل الاستعمار الثقافي والسياسي والاقتصادي متحكما إلى يوم الناس هذا ، وهو أفظع واشد تدميرا واستغلالا من الأول. بعد جلاء العساكر عن أرض العالم الإسلامي، خلا الجو نسبيا للمصلحين والمفكرين من اجل التفكير في واقع هذا العالم وطرح بعض التساؤلات من قبيل: كيف السبيل للنهوض من جديد، وامتلاك أسباب القوة والمنعة ؟ كيف يمكن اللحاق بالأمم المتقدمة؟ لماذا تقدم الغرب وتأخر المسلمون؟ ..الخ. وقد حاول المهتمون الإجابة عن هذه التساؤلات والبحث عن مكامن الخلل، فاختلفت الآراء من جديد: فمن داع إلى القطع مع الماضي كله واستيراد ما عند الغرب من فكر وثقافة ، ففيه النجاة وحده؛ ومن داع إلى الرجوع إلى التراث وحده، فما في الحضارة الغربية ومنتجاتها الفكرية إلا الشر والكفر؛ ومن داع إلى الأخذ بايجابيات التراث وايجابيات الحداثة وترك سلبياتهما؛ وداخل كل من هذه المذاهب والاتجاهات، ظهرت ثلاث فرق: إحداها تدعو إلى التمهل والتدرج في التغيير وإصلاح ما فسد ، من داخل النظام نفسه ؛ والأخرى تؤمن بالثورة والتغيير الجذري الراديكالي ولكن بطرق سلمية بعيدة عن العنف؛ والثالثة لا تؤمن إلا بالعنف وحده سبيلا للتغيير؛ فنشأت بذلك الجماعات المتطرفة المتشددة التي تعتدي على الأبرياء والمدنيين ، وتتسبب في تشويه صورة الإسلام والمسلمين وفي استغلالها كذريعة من الغرب الإمبريالي وأتباعه - بالرغم من كونها لا تمثل إلا قلة قليلة - لإعادة احتلال أراضي العالم الإسلامي مجددا، أو لفرض وصايته ورقابته على سياسات دوله، بدعوى "محاربة الإرهاب". هكذا إذا أصبح العالم الإسلامي، والعربي منه بالخصوص، مسرحا للعنف والعنف المضاد. وهذا شيء طبيعي، على الأقل نظرا لأن العالم الإسلامي يمر بمرحلة انتقالية يتطلع فيها إلى التغيير والتحديث، وليس صحيحا أن هذا الوضع خاص بالعرب وحدهم، ولكنها مرحلة تمر منها كل الأمم والدول قبل أن تستقرعلى نموذج خاص بها، يمكنها من تذويب الخلافات وتدبير الاختلافات بشكل سلمي كما سنبين لاحقا. العرب كغيرهم من الأمم والأعراق عرفوا التطاحن والحروب فيما بينهم وليس صحيحا البتة أن هذا الحال خاص بالعرب وحدهم ليس العرب وحدهم من يتصارعون على السلطة. فقد كان تاريخ أوربا، القريب والبعيد، حافلا بالصراعات والحروب الدموية التي أزهقت ملايين الأرواح وليس الآلاف فقط، لعل آخرها وأشدها فتكا الحربان العالميتان الأولى والثانية (أكثرمن 18 مليون قتيلا في الأولى وأزيد من 60 مليون في الثانية)؛ كانت أوربا أيضا مسرحا للعديد من الثورات، الفرنسية والروسية وغيرها (عدد الضحايا بالملايين أيضا)؛ وكانت الحروب الدينية والصراعات المذهبية في دول أوربا، والتي دامت لعقود -بل لقرون- بين الكاثوليك والبروتستانت، لا تهدأ إلا لتبدأ من جديد؛ ولا ننسى الحرب الأهلية في اسبانيا وما خلفته من ضحايا بمئات الآلاف. كما شهد شمال إفريقيا صراعات ونزاعات دموية بين القبائل أوالممالك الأمازيغية قبل الفتح الإسلامي . ثم إن الإرهاب الذي مارسه الغرب الامبريالي على الإنسانية جمعاء لا مثيل لوحشيته وهمجيته، ولا يقارن بما يقوم به بعض المتطرفين من العرب المسلمين -ولا أبرر- حيث إنه أباد شعوبا بكاملها ودمر مدنا عن آخرها ؛ فمن أباد الهنود الحمر في أمريكا باستعمال وسائل وحشية لا تخطر حتى على بال الشيطان، ومن أباد سكان مدينتي هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين بقنبلتين نوويتين لم يراع فيهما لا أطفال ولا نساء ولا شيوخ، ولم يفرق فيهما بين بريء ومحارب ، ولا بين مدني وعسكري؛ ومن أقام محاكم التفتيش في اسبانيا (الأندلس حينها)، ومن أقام ما يسمى المحرقة "الهولوكوست" لليهود في ألمانيا؛ ومن قتل الملايين في الاتحاد السوفيتي سابقا من اجل تثبيت الماركسية اللينينية، ومن مارس التطهير العرقي لشعوب كوسوفا والبوسنة والهرسك؛ وماذا عن ما يتعرض له المسلمون الآن في كشمير ومسلمو الروهينجا في ميانمار من مجازر وتهجير قسري وغيره من الفظاعات؛ وماذا عن ما يعانيه مسلمو إفريقيا الوسطى من تنكيل وتقتيل على يد الميلشيات المسيحية المدعومة من الغرب.. أهذا كله حدث في بلدان العالم العربي ، أو قام به عرب، أو خططت له القومية العربية ؟ كلا. بل إن المسلمين أنفسهم كانوا ضحايا لهذه الاعتداءات الوحشية في العالم اجمع، (وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد) وتحمل العرب من بين كل المسلمين ولا زالوا قسطا وافرا منها؛ وذالك للأسباب التالية: كون الإسلام هو العدو الأول (العدو الأخضر) في نظر الغرب بعد سقوط المعسكر الشرقي، كون العرب هم نواة الإسلام ومنبعه والمؤهلون أكثر من غيرهم من باقي المسلمين لفهم القرءان (الذي نزل بلغة عربية) والسنة النبوية والذين يشكلان المصدر الأساس لكل فهم تجديدي للإسلام، وهو سبب اقتصادي يتمثل في تخزين أراضي العالم العربي لأكبر احتياطات النفط والغاز، وجود الكيان الصهيوني فوق أرض عربية هي أرض فلسطين، وهذه الأسباب متداخلة لا يمكن أن تجزأ؛ فالغرب إذا من مصالحه الإستراتيجية حماية أمن إسرائيل وضمان تفوقها في المنطقة ، ثم استغلال ثروات العالم العربي (نسبة إلى غالبية السكان وإلا ففيه الأمازيغ والأكراد والتركمان ..) ، وأيضا منع العرب من تجديد فهمهم للإسلام حتى لا تقوم للعالم الإسلامي قائمة. هذه هي الأسباب الموضوعية التي جعلت العرب في قلب معركة السيطرة على العالم ورهانات الدول العظمى، ولذلك فهم ما فتئوا يتعرضون للهجمة تلو الهجمة، وكلما حاولوا النهوض إلا وتلقوا ضربة تعيدهم إلى نقطة البداية؛ وآخرها إجهاض بعض ثورات الربيع الديمقراطي بتدخلات إقليمية ودولية. ونحن عندما نتحدث هنا عن الأسباب الموضوعية، فإننا لا ننكر أن هناك أسبابا ذاتية وعوامل داخلية – جلها ذو طبيعة ثقافية واجتماعية- تزيد من تعقيد الواقع ، وتعيق مسيرة التقدم، وتبطئ عملية التحديث والتجديد؛ وذلك من قبيل ارتفاع نسبة الأمية ، ومعدل الفقر والبطالة ، وانتشار الجهل والتفكير الخرافي وكذا ادعاء امتلاك الحقائق المطلقة (التعصب) من قبل بعض الجماعات والأحزاب.. ولكن نقول: إنه ما كان لهذه الأسباب الذاتية أن تفعل فعلها لوحدها ، لو لم تكن تستغل من طرف القوى الإمبريالية عن طريق التدخل في الشؤون الداخلية لدول العالم العربي؛ إذ يكفي أن تنهج هذه الدول سياسات اقتصادية واجتماعية وثقافية في سبيل تغيير هذه الأوضاع حتى ترفع، كما فعلت ذلك دول ما بات يسمى ب"الدول الصاعدة"، التي لم تكن لها نفس العوامل الموضوعية المتشابكة التي ذكرنا. لا ينبغي للحقد والحسد أن يمنعانا من النظر الموضوعي العلمي للأمور من خلال دروس التاريخ والدين والاجتماع والنفس والسياسة ختاما نقول: إن ما يدعو إليه أمثال هؤلاء الكتاب، إنما هو عنصرية مقيتة وحقد دفين في نفوسهم لا يصمد أمام أدنى تمحيص، ولا يؤدي إلا إلى إثارة النعرات والحزازات، و تقسيم المقسم وتجزيء المجزئ من ارض العالم الإسلامي وشعوبه، ولا يصب ذلك في النهاية إلا في خدمة مصالح الغرب والامبريالية. فإذا كانت اللغة والثقافة الأمازيغيتان تعانيان من بعض التهميش في المؤسسات العمومية، وليس في المجتمع –وهذا صحيح نتفق معه- وبالمناسبة فاللغة العربية اليوم أيضا، يراد لها أن تعيش على الهامش في أغلب المجالات الحيوية- إذا كانتا كذالك، فليس بمثل هذه الكتابات تسترد مكانتهما ولا حقوق أهلها، وإنما بالنضال القائم على الإخلاص للوطن أولا، ثم بالتجرد من الأهواء والنعرات أثناء محاولة فهم الواقع ثانيا؛ وذالك قصد الوقوف على الأسباب الحقيقية الكامنة خلف هذه الأوضاع، والمطالبة بتدارك الاختلالات المسجلة . وهذا موضوع يمكن أن نعود إليه في مقال آخر. فكفى من المقامرة باستقرار الوطن والخوض باستهتار ولامبالاة في مواضيع حساسة كهذه، ولنعمل على حل المشاكل ورفع التحديات بروح المسؤولية والإخلاص والإنصاف. - باحث