ان عيد المولد النبوي الشريف الذي سن الاحتفال به المسلمون منذ قرون كانت الغاية منه تذكير أطفال المسلمين وعامتهم وخاصتهم بشمائل هذا الرسول العظيم وما وصفه الله به في كتابه من جميل الصفات وأكرم السجايا، وما حمله للناس من نور وهداية ولقد جمع الله سبحانه كل ذلك في آية كريمة هي قوله تعالى: «وانك لعلى خلق عظيم». يوم من الأيام الفريدة في التاريخ يوم المولد النبوي من الأيام التي قل وعز نظيرها في تاريخ الإنسانية ان كان في الواقع يمكن أن يكون له نظير أو مثال وهو بكل الاعتبارات والمقاييس يوم من أيام الله التي تستوجب التقدير والاعتبار وتستوجب الشكر والحمد لله سبحانه ان انعم على الإنسانية في يوم مولد خير البرية بهذا الرسول الكريم الذي أنقذ الإنسانية من وهدة الشرك والضلال، وارتفع بها من درك الكفر إلى أعلى درجات الإيمان، وهداها الى رسالة الفطرة وهي رسالة الرسل ومنهج الأنبياء قبل ذلك، ولكن بعثة النبي محمد أعادت الإنسانية الى رشدها، وأوضحت للناس أن العقائد التي جاء بها الرسل قبل ذلك لحقها الانحراف، وسخرها الأحبار والرهبان لخدمة الأهداف التي جاءت تلك الرسالات لإنقاذ الناس منها، وتوجيههم الوجهة التي كانت الغاية من إيجادهم، وهي توحيد الله في ربوبيته والوهيته والخروج بالناس من جور البشر إلى عدل خالق البشر، ولكن أطماع الناس وأهواءهم دفعت بهم كلما جاءت رسالة ان يقاوموها وإذا لم يستطيعوا منعها يتخذون من أنفسهم نفاقا سدنة وأعوانا، حتى إذا تمكنوا من الرسالة وأتباعها حولوا اتجاهها نحو غاياتهم وأهدافهم، وإذا كان جوهر كل الرسالات التي جاء بها الرسل هي التوحيد، فإن خرافات الشرك وأوهام الضلالات التي تعود الناس عليها قبل الدعوة سرعان ما ترجع لتأخذ مكان الصدارة لدى الناس دون أن يشعروا لأن أولئك السدنة المزيفين والحواريين الدخلاء يستطيعون في كثير من الأوقات والأزمان ان يخلقوا ما شاءوا لأنفسهم من هالة القداسة والظهور بمظهر العمل الجاد دون ان يكون لهم في ذلك أدنى نصيب، ولكن مكرهم وبساطة عقولهم الناس الذين يتعاملون معهم مكن لهم ذلك من تحقيق مبتغاهم فجاء ميلاد محمد عليه السلام فتحا جديدا واشراقة نورانية في سماء الدين الحق والعقيدة السليمة التي ارتضاها الله سبحانه لعباده، والتي أقربها الناس جميعا عندما طرح عليهم ذلك السؤال العظيم والخطير والأزلي في نفس الوقت، والذي أجاب عنه الجميع بإقرار الربوبية لله سبحانه »ألست بربكم؟ قالوا بلى« ولكن الأهواء والهوى كانا يغلبان على الناس في كثير من الأحوال والأوقات وهو ما جعل الناس في فترة من النبوة ينزلقون نحو عبودية من لا يستحق ومن ليس أهلا، وقد عبر القرءان عن هذا في كثير من الآيات وخص أهل الكتاب في هذا الصدد بآية توضح مدى انحراف من كان المفروض فيهم ان يحافظوا على التوحيد وأصوله ولكنهم انحرفوا انحرافا كبيرا وأباحوا للناس ان يتخذوهم أربابا من دون الله وقد نعى عنهم القرآن ذلك في كثير من الآيات نذكر من بينها قوله سبحانه »اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم« في حين أن المطلوب منهم والذي أمروا به هو عبادة الله وحده »وهو ما جاء في تتمة الآية »وما أمروا الا ليعدوا إلها واحدا« وعن هذا الانحراف يتحدث عيسى عليه السلام متبرئا عنه وذلك في الحوار الذي ورد على لسانه وهو يجيب الحق سبحانه »وإذا قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي الهين من دون الله؟ قال سبحانه ما كان لي أن أقول ما ليس لي بحق ان كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم مات في نفسك أنك أنت علام الغيوب« ولكن ماذا قال عيسى لهؤلاء المنحرفين عن عبودية الله وحده الى عبودية المسيح وأمه قال عيسى مجيبا ربه »ما قلت لهم الا ما أمرتني به ان اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد« هذه الحقائق التي كشفها القرآن وأوضحها محمد صلى الله عليه وسلم. هي التي جعلت من اتخذوا عن دين الله الحق مطية للتحكم في رقاب الناس يقاومون دعوة محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يدخروا جهدا منذ ذلك الوقت والى الآن. وقد رأيت من المناسب ونحن في عيد المولد النبوي أن أقدم لقراء حديث الجمعة وصحيفة «العلم» الغراء كتابا ألفته كاتبة غربية كانت في وقت ما راهبة في دير من أديرة انجلترا ولكنها في الأخير تفرغت لموضوع الصراع الذي يخوضه الغرب ضد الإسلام منذ البداية إلى اليوم وقد رأيت من الأفضل ان لا أدخل في تفاصيل الكتاب ولكن آثرت ان أترك مترجمي الكتاب ليتحدثا عن الكاتبة والكتاب كما أثرت ان تكون هي المتحدثة في مقدمتها عن الملابسات والأفكار التي توجه الغربيين تجاه الإسلام. والكتاب صدر في طبعة ثانية عن دار »سطور« بترجمة الأستاذين الدكتورين فاطمة نصر ومحمد عناني يقول المترجمان في مقدمة الكتاب: محمد.. هذا الإنسان »سيرة النبي محمد« كتاب من تأليف كاتبة غربية، موجه في الأساس إلى الملتقى الغربي من خلال الخطاب الذي يمكن أن يستوعبه ويستجيب له ذلك الملتقى المحمل بموروثات وتصورات معادية للإسلام ولشخصية الرسول، وكارين آرمسترونج مؤلفة الكتاب كاتبة بريطانية، مجالها البحث في تاريخ الأديان. قضت آرمسترونج شقا من حياتها راهبة. ويبدو أنها وجدت حياة الأديرة غير موائمة لتجسيد رؤيتها الدينية الخاصة، فمن خلال كتاباتها المتعددة يتضح أنها تؤمن بأن الديانات التوحيدية الثلاث تحمل رسالة الحب والعدالة والسعادة للإنسان هنا على الأرض. ورغم ذلك اتخذت أكثر الصراعات والعداوات والحروب الدموية _الدين منطلقا لها. وإزاء هذا كرست الكاتبة جهدها للدراسة المستنيرة والبحث الدءوب، والأسفار والاستماع للرأي والرأي المخالف، في محاولة منها للوصول إلى جذور الظاهرة. لم يقتصر سعى الكاتبة على محاولة التأصيل والفهم. فقد كرست جهودها في سبيل »النضال« عن طريق الكلمة لمقاومة الشر السائد. ويمثل الجزء الأكبر من الشر السائد الآن ممارسات الغرب المستنير المهيمن ضد الشعوب والأفراد وما ينجم عن ذلك من معاناة وفرقة وانكسار، وسيادة الأحقاد والكراهية والعنف. ومن كتاباتها، يتضح أيضا، أنها تحققت من أن تلك الأحقاد دافعها المفاهيم المغلوطة والأساطير المختلقة، كما أنها أيضا وراء ما يتبناه الغرب من مواقف إزاء »الآخر«، وفي حالتنا، فهذا »الآخر« هو الإسلام. تتعمد ارمسترونج تصحيح المفاهيم ودحض الأساطير بهدف نشر ما تعتقد أنه رسالة الأديان السماوية أي القبول والمحبة والوفاق. الكتاب وأهميته كتاب »سيرة النبي محمد« هو دراسة قامت بها الكاتبة ونشرتها إبان موجة الكراهية والعداء للمسلمين والإسلام التي انفجرت في الغرب بعد نشر »آيات شيطانية«. أما حافزنا على ترجمة هذا الكتاب فليس هو الزهو بذلك الصوت الغربي المسيحي الذي حاول إنصاف محمد وقدم شهادة موضوعية عنه وعن الإسلام. فمحمد، والإسلام عقيدة ورؤية لن يضارا أو ينصفا بعداوة أو صداقة أحد. كما أن الكتاب لا يقدم معلومات جديدة عن حياة محمد، فالكاتبة تعتمد بشكل أساسي على المعلومات التي تستقيها من ترجمات وسير النبي الأول، كما أن الكتاب موجه بصفة رئيسية إلى القارئ الغربي وليس إلى القارئ العربي المسلم. فلماذا إذن حرصنا على ترجمته واختياره ليكون الكتاب الأول في سلسلة كتب »سطور«؟ الدين قوة من جديد انتهى ما ردنا اقتباسه من مقدمة الترجمة وسننتقل الآن إلى مقدمة المؤلفة حيث تتحدث المؤلفة عن الدين باعتباره قوة يحسب لها حساب في عالم نهاية القرن العشرين فتقول: أصبح الدين من جديد قوة لها حساب ونحن نقترب من نهاية القرن العشرين، إذ نشهد صحوة واسعة الانتشار، ولم تكن لتدور بخلد الكثيرين في الخمسينات والستينات عندما كان العلمانيون يفترضون أن الدين خرافة بدائيه تجاوزها الإنسان العقلاني المتحضر وتخطاها، بل ان البعض كان يتنبأ بنبرات واثقة، بأن الدين في النزع الأخير، وكان الكثيرون يعتبرون أن الدين لا يزيد،على أحسن الفروض، عن كونه نشاطا فرديا لم يعد قادرا على التأثير في الأحداث العالمية، ونحن ندرك الآن أن تلك النبوءة كانت كاذبة. ففي البلدان التي كانت تنتمي إلى الاتحاد السوفييتي، والتي عاشت عقودا طويلة في ظل سياسة الإلحاد الرسمية،عاد الرجال والنساء إلى المطالبة بحقهم في ممارسة شعائرهم الدينية. أما في المغرب فقد رأينا أن من لم يكونوا يبدون اهتماما كبيرا بالعقيدة المذهبية التقليدية ومؤسسات الكنيسة، أصبحوا يظهرون وعيا جديدا بالحياة الروحية وحياة النفس الباطنة، ومن أشد المظاهر إثارة اليوم ما نشهده من تفجر نزعات التدين الجذرية التي نطلق عليها عادة صفة الأصولية في معظم الأديان الرئيسية. وتعتبر تلك النزعة صورة من صور الإيمان الذي اكتسب طابعا سياسيا حادا، ويرى البعض أنها تمثل خطرا داهما على السلم العالمي والسلم المدني. ولا تملك الحكومات أن تتجاهلها والا تعرضت لأخطارها. وهكذا، وعلى نحو ما شهدناه كثيرا في الماضي، أعقبت عصر التشكك والاسترابة فترة من الحماس الديني الملتهب. والواقع أن الدين حاجة إنسانية ذات جذور عميقة لا يمكن التغاضي عنها أو إقصاؤها إلى الهوامش والحواشي، مهما تكن العقلانية ومهما يكن مستوى التقدم الذي وصل إليه مجتمعنا، وقد يرحب البعض بعصر الإيمان الجديد الذي نشهده، تقليص حجم العالم هذا ما تلاحظه المؤلفة وما يؤكده علماء تاريخ الأديان وعلم الاجتماع الديني في الغرب ولكن أصحاب مركبات النقص من علمانيين العرب والمسلمين لهم رأي آخر، وعلى أي حال فإن الكاتبة ترى أنه تقلص حجم العالم إلى حد مذهل، فكشف لنا عن مدى ترابطنا المحتوم ولم نعد قادرين على اعتبار أنفسنا منفصلين عن غيرنا في المناطق النائية من الكرة الأرضية أو قادرين على أن نترك أبناءها لمصيرهم، بل نحن نتحمل المسئولية عن بعضنا البعض ونواجه أخطارا مشاركة. كما أصبحنا قادرين على احترام الحضارات الأخرى وتقديرها، وهو ما لم يكن يخطر على بال أحد قبل هذا العصر. فبدأ الناس لأول مرة في شتى أرجاء العالم يستمدون الإلهام من أكثر من دين واحد، بل إن الكثيرين قد اعتنقوا دينا ينتمي لثقافة أخرى. وهكذا نجد البوذية تنعم بازدهار كبير في الغرب، حيث كانت للمسيحية في يوم من الأيام اليد الطولى. وحتى في البلدان التي ظل الناس مستمسكين بدين آبائهم فيها، وجدناهم يتأثرون أحيانا بتقاليد غيرهم. فكان السير سارفيبالى روذاكريشان (1888_ 1975) وهو الفيلسوف الهندوسي والسياسي العظيم، قد تلقى تعليمه في الكلية المسيحية في مدارس. وأثر تأثيرا قويا في الفكر الديني للناس في الشرق والغرب جميعا. كما أن الفيلسوف اليهودي مارتن بوبر (1878_1965) قد كتب رسالته للدكتوراه عن اثنين من متصوفة المسيحية في العصور الوسطى، وهما نيكولاس القوصائي ومايستر إيكهارت، ولقد انكب المسيحيون على قراءة أعماله بحماس، وكان له تأثيره العميق في أفكارهم وحياتهم الروحية. والواقع أن اليهود لا يهتمون بأعمال بوبر اهتمام المسيحيين بها، ولكنهم لا شك يقرءون رجل اللاهوت البروتستانتي بول تيليش (1886 -1965)، وصاحب الفكر الحديث هارفي كوكس. لقد بدأت حوافز المسافات الجغرافية تتهاوى، وكذلك حوافز العداء والخوف، وهي التي كانت تفصل الأديان بعضها عن بعض، وتضع كلا منها في غرفة محكمة الإغلاق. وإذا كانت نسبة كبيرة من التعصب القديم لاتزال قائمة، فإن ما ذكرناه يعتبر تطورا يحمل الأمل في طياته، فمن المظاهر التي تدعو للتفاؤل أن نرى علماء اليهودية والمسيحية يحاولون التوصل إلى تفاهم جديد، بعد قرون من غذاء المسيحيين للسامية. لقد بدأ الناس يدركون وحدة التجربة الدينية على أعمق مستوى بين أبناء البشر، ويتبينون أن التقاليد التي كنا «نحن» نزدريها ذات يوم تستطيع أن تخاطب أحوالنا الراهنة وأن تبث الحيوية من جديد في حياتنا الروحية. وقد تترتب على ذلك آثار عميقة، فربما هجرنا إلى الأبد أسلوب النظر القديم إلى ديننا وثقافتنا أو أديان الآخرين وثقافاتهم. ولقد شبه بعضهم التأثير المرجع لذلك بالثورة التي أحدثها العلم في نظرة الرجال والنساء إلى الدنيا على امتداد العالم بأسره. ولاشك أن الكثيرين سوف يجدون في هذا التطور تهديدا خطيرا، وسوف يقيمون المتاريس االجديدة التي تمنع «الآخر» من الوصول إليهم، وبكن العض قد بدءوا يلمحون بالفعل آفاقا أرحب، ويكتشفون أنهم يستجيبون للمثل الدينية العليا التي كان أسلافهم يولونها السخرية والازدراء. الإسلام خارج النوايا الطيبة لكنه يبدو، مع ذلك،أن أحد الأديان الكبرى لا يزال خارج دائرة النوايا الطيبة المذكورة، وأنه ما يزال يحتفظ بصورته السلبية في الغرب على الأقل، فالذين شرعوا في استلهام أديان مثل دين «الزن» أو «التاوية» يندر أن ينظروا نفس النظرة المتعاطفة إلى الإسلام، مع أنه الدين الثالث لإبراهيم الخليل،وأقرب من روحه إلى تراثنا اليهودي المسيحي، فلدينا في الغرب تاريخ طويل من العداء للإسلام، ويبدو أنه راسخ الجذور مثل عدائنا للسامية، وهو العداء الذي شهد صحوة تدعو للقلق في أوربا على مدى السنوات الأخيرة. ورغم ذلك كله، فلقد بدأ الكثيرون يشعرون، على الأقل، بالخوف من هذا التعصب القديم منذ وقوع المحرقة النازية. ولكن الكراهية القديمة للإسلام تُواصل ازدهارها على جانبي المحيط الأطلسي، ولم يعد يمنع الناس أي وازع عن مهاجمة ذلك الدين، حتى ولو كانوا لا يعرفون عنه إلا أقل القليل. ولهذا العداء أسبابه المفهومة، لأنه لم يحدث _ قبل ظهور الاتحاد السوفيتي في القرن الحالي- أن واجه الغرب تحديا مستمرا من دولة أو من منهج فكري يوازي التحدي الذي واجهه من الإسلام. فعندما نشأت الإمبراطورية الإسلامية في القرن السابع للميلاد، كانت أوربا ماتزال منطقة متخلفة . وقد امتدت الفتوحات الإسلامية بسرعة إلى معظم بقاع العالم المسيحي في الشرق الأوسط، وكذلك إلى الكنيسة المسيحية العظيمة في شمال إفريقيا وهي التي كانت لها أهميتها الحيوية لكنيسة رومت. وكان في هذا النجاح الرائع خطر داهم يتهدد أبناء الغرب، إذ تساءلوا إذا ما كان الله قد تخلى عن المسيحيين وأبدى رضاه عن الكفار؟ بل إنه حتى حين خرجت أوربا من دياجير العصور المظلمة، وأنشأت حضارتها العظيمة، ظل الخوف القديم من استمرار توسع الإمبراطورية الإسلامية قائما. كانت أوربا عاجزة عن التأثير في تلك الثقافة القوية والدينامية، وكان الفشل هو مآل المشروع الصليبي في القرنين الثاني عشر والثالث عشر، بل إن الأتراك العثمانيين لم يلبثوا أن جاءوا بالإسلام إلى عتبة دار أوربا نفسها. وكان من المحال على المسيحيين الغربيين، بسبب هذا الخوف، أن يلتزموا العقلانية أو الموضوعية إزاء العقيدة الإسلامية. وفي الوقت الذي كانوا ينسجون فيه خيالاتهم المخيفة عن اليهود، كانوا يرسمون صورة شائهة للإسلام تعكس بواعث قلقهم الدفينة. كان علماء الغرب يهاجمون الإسلام باعتباره عقيدة تجديف في الدين ويصفون محمدا بأنه المدَّعى الأكبر، ويتهمونه بأنه أنشأ دينا يقوم على العنف، ويمتشق السيف لفتح العالم. وأصبح اسم محمد ( الذي حرّف إلى ما هو ميت) بمثابة البُعْبع الذي يخيف الناس في أوربا، وكانت الأمهات تستعملن اللفظة في تخويف أطفالهن العاصين. وكانت مسرحيات الإيماء تصوّره في صورة عدو الحضارة الغربية الذي حارب قديسنا الشجاع سانت جورج. الصورة الزائفة عن الإسلام واليمينيين المسيحي واليهودي وأصبحت هذه الصورة الزائفة للإسلام تمثل إحدى الأفكار الراسخة في أوربا، بل لاتزال تؤثر في آرائنا ونظرتنا إلى العالم الإسلامي. وقد زاد من تعقيد المشكلة أن المسلمين بدءوا _ ولأول مرة في التاريخ الإسلامي _ في إضمار وتنمية كراهية مشبوهة للغرب. وكان ذلك يرجع، إلى حد ما، إلى سلوك الأوربيين والأمريكيين في العالم الإسلامي. ولكنه من الخطأ أن نظن أن الإسلام دين يتسم بالعنف أو بالتعصب في جوهر، على نحو ما يقول به البعض أحيانا، بل إن الإسلام دين عالمي ولا يتصف بأي سمات عدوانية شرقية أو معادية للغرب. والواقع أنه عندما التقى المسلمون لأول مرة بالغرب الاستعماري إبان القرن الثامن عشر، بُهِر الكثيرون منهم بحضارته الحديثة وحاولوا محاكاتها. ولكن الحماس المبدئي قد زال في السنوات الأخيرة وحل محله استياء مرير. وينبغي أن نتذكر أيضا أن « الأصولية» قد ظهرت في معظم الأديان، ويبدو أنها استجابة على نطاق العالم بأسره للّون الخاص من الحياة في أواخر القرن العشرين، فقد خرج الهندسيون الأصوليون إلى الشوارع للدفاع عن نظام الطبقات أو الطوائف الاجتماعية ومعارضة مسلمي الهند، كما بدأ اليهود الأصوليون في إقامة مستوطنات غير قانونية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وأقسموا أن يطردوا جميع العرب من الأراضي المقدسة، ونجح حزب الأغلبية الأخلاقية الذي يتزعمه جيري فالويل، واليمين المسيحي الجديد، الذي كان يعتبر أن الاتحاد السوفيتي هو الإمبراطورية الشريرة، في اكتساب قوة تدعو للدهشة في الولاياتالمتحدة إبّان الثمانينات. ومن الخطأ إذن أن نفترض أن المتطرفين الإسلاميين يمثلون عقيدتهم تمثيلا صادقا، ويتساوى في الخطأ اعتبارُ المرحوم آية الله الخوميني تجسيدا للإسلام، ورفضُ التقاليد اليهودية الحافلة والمعقدة بسبب السياسات غير الأخلاقية التي كان يمارسها الحاخام مائير كاهاني. وإذا كانت «الأصولية» تبدوا منتشرة في العالم الإسلامي، بوجه خاص، فالسبب هو الانفجار السكاني. وإذا شئنا الاقتصار على مثال واحد له مغزاه، ذكرنا أن عدد سكان إيران لم يكن يزيد على تسعة ملايين قبل الحرب العالمية الثانية، وقد وصل عددهم اليوم إلى 57 مليونا، ويبلغ متوسط أعمارهم 17 سنة، إن صورة الإسلام الأصولية والحلول التي تتضمنها هذه الصورة التي تتسم بالتطرف ولا ترى درجات بين اللونين الأبيض والأسود، صورة تمليها عقيدة الشباب العدو محمد الكاتبة تذكر الغربيين الذين أفزعهم رد فعل المسلمين ضد كتاب سليمان رشدي على (آيات شيطانية) بتاريخهم في التعصب والقتل لغير ما سبب. كان ولا يزال من العسير على أبناء الغرب أن يتفهموا العنف الذي اتسم به رد فعل المسلمين للصورة الخيالية التي رسمها سلمان رشدي للنبي محمد في رواية آيات شيطانية، وكان من الصعب عليهم أن يصدقوا أن رواية من الروايات يمكن أن تثير درجة من الكراهية تصل إلى حد إهدار الدم، وبدا لهم أن رد الفعل الإسلامي دليل على تعصب إسلامي لا يرجى منه برء، كما أقض مضاجع أبناء بريطانيا إدراك ما تعتنقه الجاليات الإسلامية في البلدان التي يقيمون بها من قيم مختلفة، وهي قيم فيما يبدو غريبة عنهم، وأنها على استعداد للدفاع عنها حتى الموت. ولكن هذه القضية المؤسفة كانت تحمل في طياتها بعض ما يذكرنا بصفحات من ماضي الغرب، وهي صفحات تبعث على القلق، ترى هل استطاع أبناء بريطانيا، وهم يشهدون المسلمين المقيمين في مدينة برادفورد ثناء إحراقهم الرواية المذكورة، أن يقيموا علاقة من لون ما بين ذلك الحدث وبين حوادث إحراق الكتب في أوروبا المسيحية على مر القرون؟ إذ حدث في عام 1242 على سبيل المثال أن قام الملك لويس التاسع، ملك فرنسا، الذي كان يشغل منصب قديس رسمي في الكنيسة الكاثوليكية الرومانية بإدانة التلمود اليهودي باعتباره هجوما خبيثا على شخص السيد المسيح، ومن ثم أصدر أمرا بحظر الكتاب، وأضرمت النار في النسخ المصادرة أمام الملك. ولم يكن لويس التاسع على استعداد لمناقشة خلافاته مع الجاليات اليهودية في فرنسا بالوسائل السلمية والعقلانية وقال ذات يوم إن الأسلوب الوحيد للنقاش مع أحد اليهود هو أن تقتله »بطعنة نافذة في بطنه إلى أقصى ما يصل إليه السيف«. وتوالي الكاتبة تحليل المواقف تجاه نبي الإسلام المترسبة لدى الغرب لتنتقل بعد ذلك للحديث عن سيرة محمد صلى الله عليه وسلم. إننا اقتبسنا من مقدمة الكاتبة فقرات مهمة توضح الخلفية التاريخية والفكرية التي تحكم موقف الغربيين من الإسلام وردود فعل المسلمين على ذلك لأن ما قالته عن الرسول وهو قناعة آمنت بها واستفتتها من مصادر إسلامية ويجدر بنا ونحن في عيد المولد ان نأخذ العبرة من مواقف الغير كانت معنا أو ضدنا لا للتغني بها أو تكون باعث الزهو والافتخار في نفوسنا ولكن لتقويم ما يجب تقويمه ونعزز ما يجب تعزيزه من أخلاق وسلوكيات لدينا لنكون جديرين برسالة محمد عليه السلام ونختم بالفقرة التالية وهي الفقرة التي أنهت بها المؤلفة كتابها: والواقع أن الإسلام و الغرب يشتركان في نفس المأثورات، وقد عرف المسلمون ذلك من زمن محمد، غير أن الغرب غير قادر على تقبل تلك الحقيقة. واليوم بدأ بعض المسلمين في إدارة ظهورهم لحضارة أهل الكتاب التي امتهنت كرامتهم واحتقرتهم. وأخذوا أيضا في أسلمة تلك الكراهية الجديدة. وأصبح شخص النبي مركزيا في أحداث التصادمات بين الإسلام والغرب إبان مشكلة سلمان رشدي. وإن كان المسلمون اليوم في حاجة لفهم الموروثات والمؤسسات الغربية بدقة أكثر، فغننا في الغرب بحاجة أن نخلص أنفسنا من بعض أحقادنا القديمة ولعل شخص محمد يكون مناسبا للبدء، فقد كان رجلا متدفق المشاعر ذا شخصية مركبة، وقد أتى ببعض الأفعال التي نجد صعوبة في تقبلها، لكنه كان ذا عبقرية تستعصى على الإدراك. وقد أسس دينا وموروثا حضاريا لم يكن السيف دعامته _برغم الأسطورة الغربية- ودينا اسمه الإسلام، ذلك اللفظ ذو الدلالة على الإسلام والوفاق. ولاشك أن الكاتبة كتبت كتابها قبل موقف البابا الجديد والرسوم الكاريكاتورية المسيئة للإسلام والنبي محمد عليه السلام.