ينطرحُ اليوم، كَرَّة أخرى، سؤالُ اللُّغة بحدَّةٍ في النقاشِ العام بالمغرب، نعيدُ تناولَ نفسِ القضايا بمنظوراتٍ مُتشابهة، بل و مَكرورة، وكأنه لم يحدث نقاشٌ صاخبٌ وخصيب عقب الدعوة العيُّوشية إلى تدريج لغةِ التدريس، وكأنّ هذه الدعوةَ لم تحرِّك أقلاما، و لم تستنفر باحثين، و لم تستجلب متخصصين ومفكرين بارزين للإدلاء بوجهات نظرهم ورؤاهُم العلمية الرصينة في سؤالِ اللغةِ في المغرب عموما ولغةِ التدريس تعييناً. يحدُثُ هذا ليترجِم نوعاً من إصرارٍ غيرِ أخلاقي من لدن البعضِ لفرضِ توجهاتٍ ومساراتٍ لغويةٍ لا تحظى بإجماعٍ مُجتمعي، بل لا تحظى بالحدِّ الأدنى من التوافقِ بين حساسياتِ ومكوناتِ الرأي العام المغربي، فضلاً عن كونِها توجهاتٍ و مساراتٍ داحضةً علميا ومتهافتةً أخلاقيا وباطلةً دستوريا. يُصِرُّ بعضُ الأطرافِ - ممن يتصرفون كمقررين لا كأطراف- على الترويج لمغالطاتٍ لا تملكُ من القوةِ غيرِ احتكار أدواتِ الفرض والإلزام، عن طريق الإشاعة والنشر وتحويل توجُّه معين إلى أمر واقع لا سبيل إلى الفكاكِ منه؛ وفي مقدمةِ هذه الأدوات، الأداةُ الإشهاريةُ والأداةُ الإعلاميةُ. نلاحظُ ذلك في إغراقِ الفضاء العام بالإعلانات الهجينة لغوياً والمستعملة لدارجةٍ تستقصدُ تصحيفَ العربية الفصيحةِ وكسرَها أو بإعلاناتٍ تهجرُ- بإطلاقٍ- الحرفَ العربي، وتُلقي به في غياهِبِ الإهمال ومنافي النسيان؛ وفي الحد الأدنى، تستعملُ في الواجهات الرسمية الجديدةِ – على غير العادة- العنوانَ العربيّ الفصيحَ أسفلَ العنوانِ الفرنسي، بحيثُ يتقدَّم هذا الأخيرُ على التوصيفِ العربي والأمازيغي؛ وهو أمر مخالف نصاًّ و روحاًّ للدستور المغربي المُجمَع عليه، والذي يَجعل العربيةَ والأمازيغيةَ لغتين رسميتين للمملكة المغربية، (انظر مثلا واجهة "محطة القطار الميناء" الجديدة بالدار البيضاء، أو واجهة "متحف الفن المعاصر" بالرباط"...إلخ). الأمرُ ذاته نُلاحِظُه في الإعلامِ السمعي، خصوصا في الإذاعاتِ الخاصةِ التي ذهبتْ بعيداً ليس فقط في تعويم اللغةِ العربية ضمن هجانةٍ بلا ضابطٍ لغويٍّ أو معرفيٍّ أو دستوريٍّ أو أخلاقيّ؛ بل أمعنتْ في اجتراحِ نوعٍ من التركيباتِ العربية – الفرنسية (العرنسية؟؟) أساسا؛ أو العربية- الأنجليزية (العرنجليزية؟؟) أحيانا، بشكل لا يُمكن لعقل سليمٍ مُنَظَّمٍ نحويا و متسقٍ منطقيا و مُثقَّفٍ جماليا أن يستفيدَ أو يتطوَّرَ أو يتواصلَ باستعمالها. في حين أن التبريرَ الذي يُعتمَدُ لتعليل هذه الهجانةِ هو التواصُلُ، وهو من قبيل "الحقِّ الذي يُراد به الباطلُ"، تبرير أصبح يتبناه بعضُ من يُقَدَّمون كأصوات وازنة في التحليلِ والفهم والتأطير؛ حاملين، عن حقٍّ أو باطلٍ، نعوتَ "الخبراء" و "المحللين" ... إلخ. لقد تم تحويلُ النقاشِ الخصيبِ الذي تلا الدعوةَ العيوشيةَ إلى "موجةٍ عابرةٍ"، لتعود الدعواتُ عينُها والإصرارُ العمليّ ذاتُه، مما يفرضُ على أيِّ تحليلٍ لوضعِ اللغةِ العربية في مجتمعنا اليومَ أن يحتفظَ بتفسيرِ "المؤامرةِ" ضمنَ احتمالاتِه دونَ أن يُصَدِّرَه أو يُقْصيَه. تؤكدُ هذا جملةٌ من القرائنِ منها، فبالإضافةِ إلى ما سلفَ من احتلالِ الحرف اللاتيني للفضاءِ العامِ و تقدُّمِه على اللغتينِ الرسميتين في واجهاتِ مؤسساتٍ و فضاءات عامةٍ؛ وزيادةً على ما تعرفه العربية من تهجين مسفٍّ على الإذاعاتِ الخاصةِ، تسجلُّ ظهورَ سلسلةٍ من البرامج السمعية البصرية ضمن الشبكة التلفزية الجديدة، والتي تتبنى عناوينَ من الدارجة، وأي دارجة ؟؟، إنها تلكَ التي تحاولُ أن تفطِمَ العاميةَ المغربية عن اللغة العربية الفصيحة، مع أن التحاليلَ العلميةَ اللسانية تؤكد أنهما مستويان ضمن متصل لغوي واحد. وحين ترتفعُ أصواتٌ علميةٌ و سياسيةٌ و مدنيةٌ لاستنكارِ هذه الهجانة يتمُّ اللجوء إلى تعليلاتٍ "عليلةٍ" مثل التذرع ب "أهمية الفكرة لا اللغة"؛ و "أولوية التواصل على أداته"؛ ثم "أهمية التعدد الثقافي واللغوي الذي يزخر به المغرب"... إلخ. ويؤسف، مرة أخرى، أن نسجِّل حجمَ التلبيس والتغليط والتعويمِ الذي يَقعُ ويُوقع فيه مثلُ هذا الخطاب "الشعبوي" و"اللاعلمي"، والذي يتهافَتُ أمامَ أي نظر نقدي عالِم، بل تبدى تهافتُه بشكلٍ جليّ وفاضح في جملةِ الردود العلمية الرصينة التي دبَّجها باحثونَ وكتابٌ وخبراءُ متخصصون أثناء مناقشتهم للدعوة العيوشية لتدريج لغة التدريس. فهل ثمةَ من أهلِ المعرفة الحديثة من يقولُ اليومَ باستقلالِ اللغةِ وانفصالِها عن الفكر؟؟؟ إنه نكوصٌ بنا، ومن لدن بعض دعاةِ "الحداثة"، إلى معرفةِ العصر الوسيط، والتي كانت تنظرُ للغة بوصفها مجردَ حاملِ فكرةٍ، ومَعبرِ معنى، و وسيطٍ أمينٍ للأفكار، فيما تؤكدُ الدارساتُ الحديثةُ بأن اللغةَ والفكرَ وجهان لعملة واحدة، وأن الفكرَ يتحدَّد باللغةِ مثلما تتحدَّدُ به، وأن تطويرَ اللغةِ من تطويرِ الفكرِ وانحصارَه بانحصارِها، وأن كلَّ محاولةٍ لتوسيع مناطاتِ القولِ في لغةٍ ما هو بالضرورةِ توسيعٌ لمساحاتِ الفكر فيها و بِها، وأن قصورَ لغةٍ مُعَيَّنةٍ ومحدوديةَ التفكيرِ فيها و بها هو من قصورِ اجتهادِ أهلِها، وليس ثمةَ لغةٌ قاصرةٌ بذاتها؛ إذ لا مفاضلةَ بين اللغات كجواهِر، بل هي مساحاتُ اجتهاد فكرٍ وتوسيعُ استعمالٍ وتطويرُ وظائف وتحريرُ آفاق، ومن ثم يُسْقِط هذا الارتباطُ العضوي بين اللغةِ والفكرِ كلَّ دعوى لأوليَّةِ و أولوِيةِ الفكرةِ على اللغة، لأنهما منصهران ومتداخلان بشكلٍ متلاحم، مما يعني أن كلَّ تطويرٍ للفكرِ مُحتاجٌ حتماً و ضرورةً إلى تطويرِ لغته، و كلَّ شحذٍ للغةِ هو من صميمِ تطويرِ الفكر في هذه اللغةِ و بهَا، ومن ثم يُصبحُ تعليلُ "تهجينِ" اللغةِ العربية بحجَّة أولويةِ الفكر على اللغة مجردَ تغليطٍ داحض وتلبيسٍ مُتهافت. التعليل الثاني الذي يتذرعُ به هذا التهجينُ هو التواصلُ، وهو فرع عن التعليلِ السابق، و يقومُ على اعتبار اللغة مجردَ أداةِ تواصل، في حين أنها فِكرٌ وذاكرةٌ؛ حمّالةُ تصوراتٍ وأحلامٍ، و سجِلُّ آلامٍ وآمالٍ، وديوانُ تاريخٍ و مصائر، وخزَّانُ إيحاءاتٍ ورموز؛ لذا تُنْعَتُ اللغة التي تجمعُ بين مجموعةٍ بشرية على هذا المستوى بكونِهَا "لغَةَ هوية". على أن هذه اللغةَ لا تعني، بأي حالٍ من الأحوالِ، أنها لغةٌ منغلقةٌ جامدةٌ متقوقعةٌ ترفض الآخرَ، أي آخر، باعتبارهِ خطراً على الهوية، وكأنَّ كلَّ مُختلِفٍ عدوٌّ. فهويةٌ بهذه الملامح "هويةٌ حمقاء" حدَّ تعبيرِ الراحل عبد الكبير الخطيبي؛ إذ كلُّ هوية هي بالضرورةِ هويةٌ صائرةٌ، أي متحولةٌ ومتفاعلةٌ، هويةٌ لها تاريخ، أو قل بعبارةٍ مجازية: هوية مُبللَّةٌ ضرورةً بماءِ نهرِ هرقليط. لكن ذلك لا يعني، أيضا، أن هذهِ الصيرورةَ بلا مجرى، وأن أهلَ هذهِ الهوية منفعلونَ لا فِعْلَ لهُم؛ بل ثمة، انطلاقا من تاريخِ الهويات، مساراتٌ تفاعليةٌ تجعل كلَّ هويةٍ منفتحةً بشكلٍ تفاعلي، لا متروكةً في مَهَبّ التغير بنزقاته ونزواتِه. و هذا هو دورُ "السياسة اللغوية الوطنية" التي يجبُ أن تطلعَ بها مؤسساتٌ دستوريةٌ مثل "المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية"، و خصوصاً، في سياقنا، "أكاديمية محمد السادس للغة العربية" التي من شأنها أن تُعنى بتطوير بنياتِ القواعدِ اللغوية، وتحيينِ المعاجم، ورعايةِ الترجمةِ، وتشجيعِ الإبداعِ العربيّ في الآدابِ والفكرِ والفن.. باعتبار هذه الطرائقِ خصيبةً تمثل أدواتٍ كفيلةً بتحقيق انفتاحية وتفاعلية لغة الهوية، بما يجعلها دائمةَ التطور، دون أن يُعصفَ بوظائفيتها ك"لغة هوية" بالمعنى الآنف. إنها جدليةٌ مُثمرةٌ ما فتئت تغيبُ عن أنصار الهجانة الذينَ لا هَمَّ لهم سوى محاصرةِ العربية بأي سبيل ومهما كانت التعلَّة، ولو بدعاوى تخالفُ قوانين حياة اللغات و تطوّرها. التعليلُ الثالثُ الذي يتذرعُ به هؤلاء المُهَجِّنُون، هو دعوى تعددِ الهوية المغربية لغويا وثقافيا، ويجدون لذلك سنداً في دستور 2011م، وهو سندٌ سليم، لكن بفهمٍ لهذا السندِ سقيمٍ. ذلك أن ثمة فرقا بين تعددِ هويةٍ مكوناتُها متفاعلةٌ متآثرةٌ متكاملةٌ، وبين تعددِ هوبةٍ مكوناتُها مجردُ تضَامٍّ لأُحادياتٍ مُتصارعةٍ مُتنابذةٍ مُتناحرةٍ؛ التعددُ الأول ثراءٌ و تنوعٌ وغِنى، فيما الثاني تشتيتٌ وتجزئةٌ وتفتيتٌ. ويُؤسف أن نجد من يحاولُ تسويغَ تسلّط فهمه للهوية، بترجيحِ مُكوّن من مكوناتِها أو ترجيحِ عُنصرٍ من خارج مكوناتِها، و ذلك من خلال استغلالِ موقعه الاجتماعي أو السياسي أو التجاري دون أن ينشغل انشغالَ انهمامٍ مسؤولٍ بمصير الأمنِ اللغوي والثقافي والروحي للمغرب، وبآثار ذاك هذا الفهم التمزيقية على هوية المغرب اللغوية والحضارية. ويجد هدا النزوع الاستئصالي بعضَ ما يتغذى عليه في أمرين أساسين: الربط الماهوي بين العناية باللغة العربية وبين الإديولوجية القومية العربية؛ ثم الربط ذاته بين تلك العنايةِ و بينَ الإيديولوجية الدينية "الأصولية". وكلا الربطين داحضٌ؛ ذلك أن عناية المغارية بالعربيةِ وعلومِها و آدابها وتاريخِها وحضارتها سابقٌ على ظهورِ القوميةِ العربيةِ في العصر الحديث، فضلا عن أن ثمة تياراتٍ نقديةً لهذه الإيديولوجيةِ انبثقت في اللغة العربية و بها، ولم تربطْ قطُّ هذا الربط الماهوي بين اللغة العربية والإديولوجية القومية العربية؛ وإن كانت هده الأخيرةُ قد استندت إلى اللغة كعلامةٍ من علاماتها المُحَدِّدة. أما الربطُ الثاني بين العربيةِ و "الأصوليةِ" الدينية ففيهِ اعتسافٌ من جهتين: أولا، إلغاءُ التصوراتِ الدينية المختلفة التي تحملُها العربيةُ، في الماضي والحاضر، تصوراتٍ إسلامية إنسية وعقلانية و فلسفية و صوفية وليبرالية وعلمانية... وأخرى مسيحية وغيرها، بل تصورات إلحادية وعدمية..، و هي كلُّها تصوراتٌ تغايرُ، بهذه الصورةِ أو تلكَ و هذه الدرجة أو تلك، التصورَ المُتشددَ للإسلام لغةً وطرحاً وفهماً وأفقاً؛ ثانياً، إلغاءُ حقيقةٍ ساطعةٍ قوامُها أن الهروبَ من خوض مُغامرةِ التحديث والتنوير باللغة العربية وفيها لن يزيد التشدُّدَ إلا توغُّلاً و تغوُّلاً، في حين يقتضي الحرصُ على الأمن الروحي العنايةَ بتلك بالتصورات الإنسيةِ والعقلانية والروحيةِ في لغة الهويةِ من أجل تحريرها من سجنِ التشدُّدِ، وتنويرِ الغُرفِ المظلمة التي يُزَجُّ باللغةِ، ومن ثَم بالفكرِ والهويّة، في دياجيرها. و هنا، أرى لزاماً أن أشيرَ، ولو في عَجلٍ، إلى الارتباكِ والقلقِ اللذينِ يطبعان الحديثَ اليومَ عن مُكوِّن الدينِ في تناولِ البعض لهذه الهوية، (أحيل هنا مثلا على حلقة برنامج "مباشرة معكم" لتاريخ الأربعاء 22 أكتوبر2014، والتي كانت بعنوان: "ما معنى أن نكون مغاربة في مطلع القرن الواحد والعشرين؟")، وهما ارتباكٌ وقلقٌ نابعان من الربط الماهوي، الكامن اليومَ في وعي أو لا وعي الكثيرين والمشار إليه آنفا، بين العربية الفصيحة والتشدد الديني. لذا نجدُ نوعا من التضافر والتواطؤ بين العديد من دعاةِ العلمنة والعديدِ من دُعاة التدريج؛ كما نجدُ نوعا من الميل لإقصاءِ الإسلام باعتباره مُحدِّدا محوريا رئيسا للهوية المغربية، خوفا من الربط المشار إليه من جهة، و خوفا من إقصاء العُنصُرِ العِبريّ و التوجُّه "العلماني" أو "اللاديني" من هذه الهوية من جهة ثانية. ونسجِّل هنا أن مثل هذا الحديثِ المرتبكِ والقلقِ يغيبُ عنهُ تمييزٌ رئيس بين"الإسلام" كدينٍ و"الإسلامِ" كثقافة؛ فقد بلغَ من تشبعِ المغاربةِ عبر تاريخهم بدين الإسلامِ و تبيئتهم لعقائده وعباداته ومعاملاته وأخلاقه في نسقهم الجغرافي والثقافي والاجتماعي والحضاري والسياسي والجمالي، أن أصبح الإسلامُ معطىً ثقافياً محوريا في الانتماء الهُوّي للمغرب. يظهرُ ذلك في العاداتِ والتقاليدِ والأعرافِ والمتخيل الجماعيِّ والذاكرةِ المشتركة و المعيش اليومي؛ في اللباسِ و المطبخِ و المعمارِ و الموسيقَى و التحاياَ والأعيادِ واللهجاتِ والرموزِ المختلفةِ، كما يظهرُ في الأفراح و الأتراح، بهذه الدرجة أو تلك وبهذه الصيغة أو تلك، بحيث يحضرُ لدى مختلف مكونات الهوية المغربية من عربية وأندلسية و أمازيغة وحسانية وعِبرية. و بهذا الاعتبار فإن الإسلامَ، بخصائصه الثقافيةِ المغربية المتشكلةِ عبر القرون، يُمثِّلُ علامةَ انتماءٍ ثقافيّ للمغربيِّ أياًّ كانَ، كما ُيمثّلُ مُحَدِّداً رئيساً للهوية المغربية بتعددِ روافدها، فهو ليس فقط دينَ الأغلبيةِ الغالبةِ في المغرب، بل ثقافةَ كُّلِّ المغاربة، متدينين ولا دينيين، إسلاميين و يساريين، علمانيين ويهوداً...إلخ. وفي هذا الأفق الرحب، يَجِبُ فهمُ مؤسسة "إمارة المومنين" باعتبارها راعيةً للأمن الروحي بهذا البعدِ التعددي الثقافِي المشكِّل لروحِ أهل المغرِب. و هو البعدُ الذي تُعبّرُ عنهُ اللغةُ العربيةُ بتعددِ مستوياتِها، و في توزيعٍ متكامِلٍ للوظائف مع سائر ألسن الهوية. الأمر الذي يعصِفُ بهِ المُهَجِّنُونَ حين يزجُّون بالهويةِ المغربية في فوضى لغويةٍ باديةِ المخاطِر وفادحةِ العواقب. وإجمالا، يمكن القول إن عدم الوعي بأبعاد اللغة العربية، بما هي لغة هوية بالمعنى الرحب الذي بسطنا، والإمعانَ في مواصلة تهجينِها بذرائع واهيةٍ وتعلاتٍ عليلة وتبريرات متهافتة، دون وعيِ مخاطرِ مثل هذا التهجينِ المختلفة، يجعلُ من هذا النزوع التهجيني نزوعاً خطيرا نحو تمزيق هوية المغاربة وتفجير لُحْمَتهم، والزجِّ بتعدديتهم في أتون أحادياتٍ متصارعة، بدل أن تكون مكوناتُ هذه التعدديةِ متضافرةً متكاملة متعاونةً في تشييد صرح هوية متجذرةٍ بأصالة ومنفتحةٍ عن قوة ومتطورة بتوازنٍ؛ بعيدا عن كل تهميشِ أو تهجين قد يعبث بمصير أمن لغوي و ثقافي و روحي بُذلت تضحياتٌ نفسيةٌ، وما تزال، لبنائهِ وصيانته.