من باب التوضيح، لا زالت ظاهرة الإفلات من العقاب أمرا مألوفا وظاهرة للعيان، رغم الخطب الملكية التي تعتبر بمثابة خارطة طريق بشأن كيفية تنزيل دستور 2011 ضدا على بعض الأصوات والسلوكيات التي تروم إفراغه من محتواه. ومن جهة أخرى تبقى الأسباب والعوامل التي تساهم في ترسيخ هذه الظاهرة متنوعة ومتعددة من ضمنها ما هو دستوري كالتنصيص على أن السلطة القضائية مستقلة عن السلطتين التنفيذية والتشريعية بدستور 2011 عوض التنصيص على العكس أو التزام الصمت بالاقتصار على المقتضى الدستوري الذي ينص على فصل السلطات علما أن المبدأ الأول السالف الذكر يجعل من السلطة القضائية تابعة ولو جزئيا للسلطتين التنفيذية والتشريعية. وما يزكي هذا الطرح المتعلق سواء بظاهرة الإفلات من العقاب أو سواء بعدم استقلال السلطة القضائية، هو القرارات الصادرة عن المجلس الدستوري بشأن إلغاء انتخابات دائرة مولاي يعقوب بفاس للمرة الرابعة دون أن يتم تحريك متابعات زجرية قيمية في حق أحد المرشحين بهذه الدائرة، أو ضد عناصر السلطة التي تتولى مراقبة العمليات الإنتخابية الثلاثة رغم الاختلالات والخروقات والتجاوزات غير قانونية التي تمت خلال هذه العمليات مما يبعث بوضوح عن تراجع خطير على مستوى النهوض بحقوق الإنسان وبالتالي تفعيل توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة التي لها ارتباط غير مباشر بالعمليات الانتخابية السالفة الذكر لوضع حد لظاهرة الإفلات من العقاب والظواهر المرتبطة بها. فقرارت المجلس الدستوري على سبيل المثال بهذا الخصوص تظل دون معنى للخروقات المشار إليها أعلاه، علاوة ربما على عدم استصدار هذه القرارات من طرف المحكمة الدستورية التي ينتظرها الجميع بفارغ الصبر. وختاما فإن الإفلات من العقاب رغم إلغاء انتخابات دائرة مولاي يعقوب للمرة الرابعة والذي يعد تحصيل حاصل لارتكاب سلسلة من الجرائم المعاقب عليها من طرف مدونة الانتخابات ومن طرف القانون الجنائي والتي تم غض البصر عنها رغم خطورتها وتأثيرها السلبي على المشهد القضائي والحقوقي بالمملكة،. فهذا النوع من الإفلات من العقاب يمكن أن يكون قانونيا إذا ما اعتبرنا المشاركين في عمليات الانتخابات هاته الخاصة بدائرة مولاي يعقوب بفاس خلال أربعة مرات هم "رجال سياسية" وأن تورط أحدهم أو بعضهم في الجرائم المذكورة أعلاه إضافة إلى باقي المساهمين والمشاركين ممن يراقبون هاته العمليات الانتخابية لا تثارمسؤوليتهم الجنائية بحكم كونهم "رجال السياسة" وبالتالي يعانون من أمرض واضطرابات نفسية لها ارتباط بالسلطة والمناصب والتسلط والاستبداد. لكن التمييز بين الأمراض التي تعفي أو تنقص من المسؤولية الجنائية يظل قائما خاصة وأن الخبرة الطبية لم تعتبر هي الفيصل طالما لم يحرك أي ملف جنائي في هذا الشأن لغاية في نفس يعقوب.