حذر الدكتور عبد الرحيم المنار اسليمي، رئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات، مما سماها "خمسة مخاطر وسوابق قد تثير الفوضى في الانتخابات التشريعية المقبلة"، وذلك في تحليله لتداعيات قرار المجلس الدستوري أخيرا بإلغاء نتيجة الاقتراع الجزئي في الدائرة الانتخابية مولاي يعقوب بفاس. وسرد اسليمي، في مقال خص به هسبريس، تلك السوابق الخطيرة الخمسة، ومنها "تحويل رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران إلى رمز انتخابي، وظهور المجلس الدستوري كخبير تقني في فحص مضمون الأقراص المدمجة، وتحول قضاة المجلس إلى علماء نفس يقرؤون سيكولوجية الجماهير". وهذا نص مقال الرحيم المنار اسليمي: أصدر المجلس الدستوري المغربي بتاريخ 18 فبراير 2014 القرار رقم 14 934 الذي يقضي بإلغاء نتيجة الاقتراع الجزئي، الذي أجري يوم 3 أكتوبر 2013 بدائرة مولاي يعقوب، بعد عريضة الطعن في نتائج الدائرة الانتخابية "مولاي يعقوب" التي تقدم بها السيد "محمد يوسف" مرشح حزب العدالة والتنمية، طالبا إلغاء نتيجة الاقتراع التي فاز على إثرها السيد "الحسن شهبي" مرشح حزب الاستقلال . وإذا كانت مذكرة الطعن التي تقدم بها السيد "محمد يوسف" قد عمدت إلى الدفع بوسائل طعن تتعلق بالأهلية وبالحملة الانتخابية، فإن أعضاء المجلس الدستوري بصفتهم قضاة انتخابات تشريعية، أصدروا قرارا خطيرا يؤسس لمجموعة من السوابق التي ستثير الفوضى في الانتخابات التشريعية المقبلة. النوع الأول من المخاطر تحويل السيد "عبد الإله بنكيران" إلى رمز انتخابي: القرار، وفي سابقة قضائية في تاريخ الاجتهاد القضائي الانتخابي، ينص في احد مقاطعة التأسيسية الحاسمة في ترتيب إلغاء النتيجة الانتخابية أنه " يبين من الاطلاع على القرص المذكور ومن دراسة وتحليل مضمونه، أنه تم خلال التجمع الخطابي إلقاء كلمات من طرف المطعون في انتخابه ومن طرف مسانديه استعملت فيها أوصاف قدحية ومشينة في حق الطاعن وفي حق الأمين العام للحزب الذي ترشح باسمه، تخللها ترديد شعارات جاهزة من طرف الحاضرين تضمنت عبارات تحقير لشخص الأمين العام للحزب ..." ، فالمجلس الدستوري هنا، يعمد إلى خرق القانون التنظيمي لانتخابات أعضاء مجلس النواب والقانون التنظيمي المنظم للمجلس الدستوري لما يحول النزاع من مرشح راسب (السيد محمد يوسف من العدالة والتنمية) ضد مرشح فائز (السيد الحسن الشهبي من حزب الاستقلال ) إلى نزاع انتخابي أدخل فيه أمين حزب العدالة والتنمية السيد "عبد الإله بنكيران" الذي لم يكن مرشحا ،فأصبحنا أمام طعن من مرشح ظاهر( السيد محمد يوسف ) ومرشح باطن (السيد عبد الإله بنكيران بصفته أمين عام لحزب العدالة والتنمية ) ضد مرشح فائز (السيد الحسن شهبي)، أكثر من ذلك، إنه ليس هناك ما يفيد أن الشعارات التي استعملها مرشح حزب الاستقلال ضد أمين عام حزب العدالة والتنمية السيد "عبد الإله بنكيران" هي السبب الذي قاد إلى توجيه الناخبين للتصويت عليه، فهي شعارات بدون محل مادام السيد "عبد الإله بنكيران" ليس مرشحا في دائرة مولاي يعقوب، فالمجلس الدستوري هنا يخلق سابقة خطيرة أولى وهي انه يتعامل مع النازلة الموجودة أمامه وكان الطعن قدم من طرف مرشحين راسبين (السيد محمد يوسف والسيد عبدالاله بنكيران بصفته امين عام للعدالة والتنمية )، وسابقة خطيرة ثانية هي انه يحول، بوعي أو بدون وعي، السيد "عبد الإله بنكيران" إلى "رمز انتخابي" إذا وقع المس به تلغى نتائج الانتخابات، دون توضيح العلاقة السببية بين إطلاق الشعارات حول السيد "عبد الإله بنكيران" وتصويت الناخبين لفائدة السيد "الحسن شهبي" ، ويجعل بذلك السيد "عبد الإله بنكيران" غير متساوي مع باقي السياسيين والأمناء العامين للأحزاب السياسية ،فالأمين العام للعدالة والتنمية وفق هذا القرار لا يمكن أن يكون موضوع شعارات واستعمال الشعارات ضده يعد سببا موجبا لإلغاء النتائج الانتخابية رغم انه ليس مرشحا طاعنا ولا علاقة لها بالدائرة المحلية مولاي يعقوب. أكثر من ذلك القرار يجعل ضمنيا من استعمال الشعارات ضد "بنكيران" سببا رئيسيا في رسوب مرشح العدالة والتنمية السيد "محمد يوسف" الذي يصبح تابعا في انتخابات محلية إلى الأمين العام الوطني لحزبه ومستمد لقوته منه في انتخابات مولاي يعقوب. النوع الثاني من المخاطر: المجلس الدستوري خبير تقني في فحص مضمون الأقراص المدمجة، إذ أنه قبل بمضمون القرض المدمج كوسيلة إثبات وحيدة بنا عليها قرار إلغاء فوز السيد "الحسن الشهبي" ، فالمجلس الدستوري قبل بالقرص المدمج دون الاعتماد على تقنيين مختصين لتحليل شكله ومضمونه أو على الأقل قيامه بتحقيق ميداني في الدائرة الانتخابية "مولاي يعقوب"للتعرف على المكان والاستماع إلى السلطات المعنية بالعملية الانتخابية ،فبالرجوع إلى قرارات المجلس الدستوري، يلاحظ انه كثيرا ماكان يستعمل تقنية التحقيق وهي التقنية الغائبة في نازلة "مولاي يعقوب" ،بل انه ليس هناك ما يفيد ان القرص المدمج عرض على المطعون فيه ،فعبارة "أكد المطعون في انتخابه تنظيمه لهذا التجمع ولم ينازع في القرص المدمج المتعلق بتسجيله " لا تفيد أن المطعون ضده عرض عليه القرص المدمج ولم يعترض حوله، خاصة أن المسطرة أمام المجلس الدستوري المغربي ليست حضورية، كما أنه ليست هناك أجال محددة لتبادل المذكرات والمذكرات الجوابية. النوع الثالث من المخاطر، تحويل قرص مدمج إلى برنامج تلفزيوني، ويظهر في انزلاق كبير للمجلس الدستوري لما استعمل المادة 118 من القانون رقم 11-57 التي تنص على ان لا تتضمن برامج الفترة الانتخابية أو البرامج المعدة للحملة الانتخابية مضمونا يمس "بالكرامة الإنسانية أو الحياة الخاصة أو باحترام الغير"، فالمجلس الدستوري هنا يخلط بين قرص مدمج يتضمن مادة أعدت من طرف الطاعن لتقديمها كوسيلة إثبات في طعنه وبين برنامج انتخابي اعد من طرف المرشح الفائز، فالسيد "حسن شهبي" الذي الغي مقعده كان بصدد تجمع خطابي لا علاقة له بالمجال السمعي البصري ولا يمكن أن تطبق عليه المقتضيات المنظمة لاستعمال وسائل الاتصال السمعي البصري العمومية ،وبذلك فنحن أمام انزلاق خطير سيحول كل المرشحين المقبلين في الانتخابات التشريعية القادمة إلى منتجي برامج مسجلة في أقراص مدمجة خاضعة للقانون المنظم لوسائل الاتصال السمعي البصري العمومية لاستعمالها كوسيلة إثبات على وجود خروقات انتخابية. النوع الرابع من المخاطر: تحول قضاة المجلس الدستوري إلى علماء نفس يقرؤون سيكولوجية الجماهير، وذلك لما يورد المجلس في قراره رقم 14-934 مقطعا يقرا فيه سيكولوجية الجماهير بالقول "وحيث إن هذه الشعارات ،التي لا يمكن اعتبارها مجرد انفلاتات عفوية ظلت تتردد طيلة المدة التي استغرقها التجمع " ،فالمجلس الدستوري هنا يستعمل مفهوم "الشعارات" ويعتبرها في مقطع أخر وسيلة من وسائل الاتصال ويدخلها تحت طائلة القانون السمعي البصري، ويتحول بعد ذلك إلى ملاحظ نفسي لسلوك الجماهير أثناء تجمع خطابي مسجل على قرص مدمج، ويمارس نوعا من التأويل القضائي النفسي المبني على وجود فكرة وجود "مؤامرة" في التجمع هدفها إطلاق شعارات انحرفت عن الضوابط المحددة للحملة الانتخابية. الخطير في هذا النوع من القضايا أن يتحول أعضاء المجلس الدستوري إلى علماء نفس قادرين على قراءة سيكولوجية التجمعات من داخل قرص مدمج بعيدا عن التحقيق القضائي الذي يعمد في هذه الحالات إلى سماع شهادات ميدانية، فالقاضي الجنائي يحتاج إلى جلسات تحقيق طويلة لاستنتاج الانفلات العفوي من عدمه، بينما يكتفي أعضاء المجلس الدستوري بشهادة قرص مدمج لاستنتاج أن ترديد الشعارات كانت مقصودة وليست عفوية، والقاعدة في علم النفس أن تهييج الجماهير في التجمعات تتداخل فيه عوامل متعددة تجعل الفرد من الجمهور يلبس عقلية الجموع ويردد خطابها بسهولة. النوع الخامس من المخاطر: تطبيق مبدأ حظر التمييز في الدين دون غيره، فالمجلس الدستوري يشير في قراره إلى استعمال مرشح حزب الاستقلال ومساعديه إلى "عبارات التحقير"، ورغم ذلك فهو لم يستعمل ،بناء على ذلك، مبدأ حظر التمييز ،مادام التحقير هو نوع من التمييز، إذ أن الدستور المغربي ينص في ديباجته على حظر ومكافحة كل إشكال التمييز مهما كان، ويبدو أن المجلس الدستوري لازال يفهم هذا المبدأ في المجال الديني دون غيره، إذ سبق أن طبقه ضد لائحة حزب العدالة والتنمية في دائرة طنجة–أصيلة التي استعملت ملصقا انتخابيا يحمل صورة صومعة كيفها المجلس الدستوري بأنها خرق لمبدأ حظر التمييز. ويبدو أن المسافة الزمنية بين صومعة طنجة–اصيلة وشعارات "مولاي يعقوب" غيرت أشياء كثيرة وإن كانت حالة الانزلاق القانوني مستمرة. [email protected]