بمتمِّ نهارِ العمل في إحدَى مزارع "تاورطَة"، الواقعة على بعدِ حواليْ كيلومتراتٍ ثمانية من وسطِ الداخلة، كانَ زهير قدْ تحلقَ رفقهَ صحبهِ من العُمَّال، يحتسُون الشَّاي الصحراوِي، ويتداولُون فِي مَا آلتْ إليه تربيَة البقر فِي المنطقَة، وكيفَ أنَّ ما في تجارتَها منْ ربحٍ، مهددٌ بشحٍّ غير مسبوقٍ فِي المَاء. بيدَ أنَّ شحِّ المَاء لا يمنع فلاحي المنطقة من الحرص على زراعة "الفصة" و"البشنَة" و"الذرة"، كيْ يسعينُوا بها على تغذية البقر، موازاةً مع ما يقدمُونه إليها من أعلافٍ يجرِي جلبها منْ بنِي ملَّال "نتلقَّى دعمًا على النقل من الدولة، فلَا ندفعُ سوى ثمن ما نقتنِيه من أعلاف، لأنَّ لا قدرة لنَا على دفعِ مصاريف الشحن، منْ مدينة تقعُ على بعدِ أزيد من ألف وسبعمائة كيلومتر"، يشرحُ زهير. الإشكال المؤرِّق لمنْ يربُّون البقر في منطقَة "تاورطَة"، وهم يعدُّون بالعشرات، هُو المَاء، الذِي يعتمدُون عليه فِي ريِّ "الفصَّة"، والعشب اللازم لتغذية البقر، حيثُ إنَّ بئرًا حفرتهُ إسبانيَا زمن الاستعمار، لا يزَال شريان المزرعة الوحِيد، وقدْ تراجعَ منسوبه في السنوات الأخيرة بصورةٍ ملحُوظةٍ. مربُّو البقر في "تاورطَة" يبيعُون الحليب في الداخلَة بخمسة دراهم للتر الواحد أوْ خمسة دراهم ونصف في بعض الأحيَان، وهُو ثمنٌ يبدُو أعلى قياسًا بالسعر المألُوف فِي مناطق أخرى من المغرب، لكنَّ السبب بحسب المزارعِين في أن المربين يتكبدُون مصاريف شحن العلف من مدن بعيدة في بعض الأحيان، حينَ لا يكُونُ هناك دعمٌ من قبل الدولة "الدعم ليس قارًّا". أسعارُ العلف يجدُها المربُّون غالية، فالشمندر، على سبيل المثال، يصل ثمن كيس 50 كيلوغرام منه إلى حوالي 175 درهمًا، في حين يربُو ثمن "السيكالِيم" على مائتي درهم أوْ مائتين وعشرة دراهم لكيس الخمسين كيلوغرامًا..لكنَّ إشكالات العلف تهُون، عند المتحدث، لوْ أنَّ الماء كان متوفرًا. شحُّ الماء في مزارع تاوطة لمْ يحل دون انتعاش تربية البقر، حيث زاد عددُ مربِّي البقر في المنطقة، خلال السنوات الأخيرة، موازاةً مع تنامِي أنشطة تسمين العجُول، التِي تشهدُ إقبالًا، ولا تنتصبُ عراقِيلُ في تسويقها. "البقرُ متأقلم مع البيئة الصحراويَّة، وهو يربَّى هنا منذُ ما يزيدُ عن ثلاثين سنةً، ويباعُ بكلِّ يسر". مربُّو الأبقَار نواحِي الداخلَة يقولُون إنَّهم في حاجةٍ إلى منْ يؤمنُ التلقِيح الاصطناعِي للأبقار التِي يُربُّونها، حيثُ يجدُون صعوباتٍ كبرى في توفيره، علمًا أنَّ لهُ منافعَ فِي تلقيح البقر المحلِّي الضعيف مع سلالات أفضل من حيث الإنتاج. ظاهرةٌ باتتْ مألوفة في تاورطَة، ممثلةً في تشغيل مهاجرِي إفريقيَا جنوب الصحراء بالمزارع، كثيرون منهم يتولون حلبَ البقر، لكنَّهم ليسُوا كثرًا بحسب زهير، لأنَّ الواحد منهم يحتاجُ حين يشرعُ في العمل مدَّة غير قصيرة من الزمن، كيْ يألفَ المسنُود إليه من الشغل، وما إنْ يقضِي بعض الأشهر، حتَّى يذر عمله ويمضِي"، يردفُ المتحدث، والشمسُ تنكفئُ وراء قصب الذرة، وسعفِ النخلِ.