إذا كان ‘'تحديد سن إحالة الموظف على التقاعد أو الاحتفاظ به رغم بلوغه حد سن الإحالة على التقاعد'' يندرج ضمن 0ختصاص البرلمان، فإن الحكومة المغربية ملزمة ب0حترام المساطر التشريعية المنصوص عليها في مقتضيات دستور 2011 والمتمثلة في الإتيان بمشروع قانون، أو الأخذ بمقترح قانون، أو في إطار قانون الإذن، أو بمرسوم قانون0 بالفعل، لقد 0هتدت الحكومة المغربية إلى 0ختيار مرسوم قانون في إصلاح منظومة التقاعد0 لذلك أصدرت مرسوما بقانون يقضي بتحديد سن الإحالة على التقاعد في خمسة وستين سنة والاحتفاظ ، كلما اقتضت ضرورة المصلحة ، بالأساتذة الباحثين والموظفين الخاضعين للنظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية، مع استمرارهم في مزاولة مهامهم إلى غاية متم السنة الدراسية أو الجامعية رغم بلوغهم حد سن الإحالة على التقاعد. لكن أين تكمن الخلفيات الحقيقة وراء 0ختيار مرسوم قانون لإصلاح منظومة التقاعد ؟ هل في مضمون ومحتوى النص أم في 0لمسطرة التشريعية ؟ الكل يعلم أن منطوق النص التشريعي المصاغ في إطار مرسوم قانون والقاضي بإصلاح منظومة التقاعد قد أثار حفيظة المركزيات النقابية، بل صعدت هذه الأخيرة من لهجتها وهددت بخوض اضرابات عامة من أجل إجبار الحكومة على إلغائه. لكن٬ أمام تشبث الحكومة بحقها الدستوري ودفاعا على مشروعها السياسي في إصلاح منظومة التقاعد، يبدو لنا جليا أنه لا النقابات بتهديداتها المتكررة، ولا المعارضة بصيغتها الحالية، ولا بخطابها المتدني قادرة على ثني عزيمة الحكومة في السير قدما في تنفيذ برنامجها رغم أنف خصومها. في الحقيقة، نحن أمام معادلة سياسية صعبة، من جهة إصلاح منظومة التقاعد ضرورة ملحة وعالقة في عنق الحكومة نظرا للحالة المالية المتردية لصناديق التقاعد، ومن جهة أخرى حماية الحقوق والحريات الأساسية للأطراف المعنية مبدأ دستوري. أو بعبارة أخرى، لابد من البحث على الصيغة السياسية المتوافق حولها بين هذه وتلك0 في مثل هذه القضايا التي تمس بالإصلاحات العميقة، المقاربة التشاركية تفرض نفسها بإلحاح قصد إشراك جميع الجهات المعنية في صياغة مشروع الإصلاح ٬ فهل لجوء الحكومة إلى صيغة مرسوم بقانون بدل الصيغ التشريعية الأخرى يعبر حقيقة عن هذه المقاربة ؟ وإذا كان كذلك ، ماهي الضمانات القانونية والدستورية المتاحة حاليا لحماية الحقوق والحريات الأساسية المكفولة دستوريا؟ I- مرسوم قانون : ممارسة الحكومة لمهام السلطة التشريعية كان بإمكان الحكومة المغربية الإتيان بمشروع قانون، أو الأخذ بمقترح قانون، أو قانون الإذن في إصلاح منظومة التقاعد٬ لكنها 0ختارت صيغة المرسوم بقانون0هل هو 0ختيارمبرر أم أنه وراء ذلك دوافع مضمرة؟ في مشاريع القوانين وفي مقترحات القوانين، الحكومة تكون ملزمة بعرضها على أنظار مجلسي البرلمان للتداول حول مضامينها طبقا لمقتضيات الفصل 84 من دستور المملكة0ومن المؤكد في هذه الحالة، أن يكون للمعارضة و لممثلي النقابات رأي آخر حول مضمون المشروع ٬ بل ستفسح فرصة سانحة لهما من أجل توجيه سهام الانتقادات صوب مشروع الحكومة وكذا 0ستمالة رضى الأوساط الشعبية0 أما في إطار قانون الإذن، فطبقا لمقتضيات الفصل 70 من الدستور٬ يمكن للحكومة بمقتضى مرسوم 0تخاذ تدابير يختص عادة القانون باتخاذها كما هو الحال في إصلاح منظومة التقاعد0 لكن هذه المراسيم تكون مقيدة دستوريا بقيود وهي: خلال مدة زمنية محدودة، ولغاية معينة، وعرضها على البرلمان للمصادقة0 وعلى سبيل المقارنة حدد المجلس الدستوري الفرنسي ثلاثة شروط أساسية لابد من احترامها من قبل الحكومة أثناء سنها لمراسيم قوانين (ordonnances): 1- الشرط الأول : ضرورة التزام الوضوح في غاية الترخيص الممنوح للحكومة وفي المجال المخصص للمرسوم ( قرار المجلس الدستوري الفرنسي رقم 521-2005 بتاريخ 22-7-2007. 2- الشرط الثاني : الاستعجال، قرار رقم 99-421DC بتاريخ 16-12-1999. 3- الشرط الثالث: تكدس أجندة البرلمان التي تحول دون إعطاء المهلة المعقولة لتنفيذ البرنامج الحكومي. وأخيرا بقيت أمام الحكومة صيغة المرسوم بقانون، حيث بإمكانها إصدار مراسيم قوانين طبقا للفصل 81 من الدستور بعد 0حترام الشروط التالية: خلال الفترة الفاصلة بين الدورات، وباتفاق مع اللجان المعنية بالأمر في كلا المجلسين مع الاحتفاظ بالقرار النهائي للجنة المعنية بمجلس النواب ، وعرضها على المصادقة البرلمانية خلال دورته العادية الموالية0هكذا أصبح المرسوم بقانون القاضي بإصلاح منظومة التقاعد نافذا بعد نشره بالجريدة الرسمية المسجلة تحت عدد6284 بتاريخ 2 شتنبر 2014. يبدو إذن واضحا أن المسطرة التشريعية الأخيرة هذه هي الأسهل والأقل شروطا لممارسة مهام السلطة التشريعية - التي لا وجود لها في الدستور الفرنسي- والوحيدة التي تؤمن الحكومة من تعرضها للانتقادات اللاذعة ٬ وتبعد بطريقة فنية ''معرقلي'' مشروع الحكومة، وتحتفظ بالمعنيين بالأمر بمزاولة مهامهم رغم بلوغهم حد سن الإحالة على التقاعد بدعوى 0قتضاء ضرورة المصلحة. والآن في ظل الدستور الحالي وفي 0نتظار تفعيل مقتضياته كاملة، ماهي الضمانات القانونية والدستورية المتاحة لمراقبة مشروعية ودستورية المقررات التنظيمية الصادرة عن الحكومة٬ مرسوم قانون مثالا؟ II- الضمانات القانونية والدستورية: الضمانات القانونية والدستورية تقتضي حماية الحقوق والحريات الأساسية خاصة من طرف القضاء لأن المشرع من حقه أن يغير ويلغي ويتمم كما شاء القوانين السابقة، لكن سلطته ليست بالمطلقة بل لابد أن تكون مقيدة بضمان الإلزاميات ذات الطابع الدستوري، كاعتماد مبدأ الوصول والوضوح في المساطر والمقتضيات القانونية . نتساءل الآن عن ماهية الضمانات القانونية والدستورية المتاحة لرفع الضرر وحماية الحقوق من جراء تطبيق نص تشريعي تمت صياغته في إطار مرسوم – قانون؟ وفي هذا الصدد، لقد حرص المشرع المغربي على إحاطة المتضرر بمجموعة من الوسائل القانونية لرقابة مشروعية ودستورية القرارات الإدارية وهي: الطعن أمام محكمة النقض والإحالة على المجلس الدستوري ومسألة ذات أولوية دستورية. 1- الطعن أمام محكمة النقض: من حيث القاعدة ، جميع القرارات الإدارية حينما تكون نهائية وملحقة أضرارا بمصلحة الطاعن تصبح قابلة للطعن أمام المحاكم الإدارية للبث في مشروعيتها. وبما أن المرسوم بقانون الحالي لازال ينتظر قانون المصادقة البرلمانية loi de ratificationفإنه ٬إلى حدود الساعة، يعتبرقرارا إداريا نهائيا قابلا للطعن في مشروعيته0 غير أن رئيس الحكومة يتمتع بامتياز قضائي، حيث أن القرارات التنظيمية الصادرة عنه في شكل مراسيم أو مراسيم – قوانين فهي لا تقبل الطعن إلا أمام محكمة النقض. وذلك بعد احترام الشروط الشكلية المنصوص عليها في الفصل 360 من قانون المسطرة المدنية والمادة 23 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية. والجدير بالذكر، هو أن في مثل هذه القضايا تكمن الصعوبة في كون أن المساطر القضائية بالمغرب تتسم عادة بالبطء، حيث أن خلال هذه المدة قد يكون النص المطعون فيه ( مرسوم – قانون) محالا على المصادقة البرلمانية. آنذاك سننتظر الحكم بعدم الاختصاص. 2- الإحالة على المجلس الدستوري حاليا والمحكمة الدستورية مستقبلا: من الطبيعي جدا أن نجد الحكومة بأغلبيتها البرلمانية تدافع على مشروعها السياسي بدعوى أنها تتوخى من خلاله خدمة المصلحة العامة، ومن الطبيعي كذلك أن نجد المعارضة بكل أطيافها تحاول مراقبة عمل الحكومة وعرقلته في بعض الأحيان0فهذا مالاحظناه في مشروع إصلاح منظومة التقاعد وفي المشاريع الحكومية الأخرى0 بينما في الأنظمة الديمقراطية المعاصرة كفرنسا مثلا، من الممكن إلجام استبداد الأغلبية الحكومية بواسطة تحويل الصراع السياسي إلى صراع قانوني0 بعبارة أخرى، يمكن احالة النص التشريعي المثير للصراع إلى هيئة قضائية محايدة كالمجلس الدستوري مثلا ب0عتباره حكما بين إرادة الأغلبية البرلمانية وإرادة الأمة المعبر عنها في الوثيقة الدستورية0 كذلك من الممكن في النظام السياسي المغربي نقل الصراع السياسي إلى الدائرة القانونية من خلال مثلا إحالة على أنظار المجلس الدستوري القانون الذي يقضي بالمصادقة على المرسوم بقانون المتعلق بإصلاح منظومة التقاعد خلال الدورة البرلمانية العادية الموالية ،قبل إصدار الأمر بالتنفيذ، ذلك قصد مراقبة دستورية مضامينه0لهذا عملا بمقتضى الفصل 132 من الدستور المغربي، يمكن لخمس أعضاء مجلس النواب أو أربعين عضوا من مجلس المستشارين أن يحيلوا القوانين قبل اصدار الأمر بتنفيذها إلى المحكمة الدستورية لتبث في مطابقتها للدستور. وفي هذا الصدد، لقد قدم السيد محمد دعيدعة باسم الفريق الفيدرالي للوحدة والديمقراطية عريضة الطعن ملتمسا فيها من المجلس الدستوري التصريح بعدم دستورية اجتماع لجنة المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية المنعقد بمجلس المستشارين بتاريخ فاتح شتنبر20140 المخصص للموافقة على مشروع المرسوم بقانون رقم 2.14.596 القاضي بإصلاح منظومة التقاعد، مع ما يترتب على ذلك من وقف سريان أجل إصدار الأمر بتنفيذ مرسوم القانون، بعلة مخالفة مقتضيات المادة 66 من النظام الداخلي لمجلس المستشارين0 غير أن المجلس الدستوري 0عتبر أن التصريح بعدم دستورية اجتماع لجنة المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية المنعقد بمجلس المستشارين، إنما يرمي بالأساس إلى التصريح بعدم دستورية المرسوم بقانون، لذلك قضى المجلس الدستوري بعدم اختصاصه(قرار المجلس اللدستوري رقم: 14/ 944 م.د)0 والحال أنه كان على السيد محمد دعيدعة ورفاقه أن ينتظروا القانون القاضي بالمصادقة على المرسوم بقانون المتعلق بإصلاح منظومة التقاعد قبل إصدار الأمر بالتنفيذ٬ حتى يتسنى للمجلس الدستوري البث في دستورية نصه0 وبالتالي، من الممكن مثلا التساؤل- من حيث الموضوع -حول دستورية و حدود ''ضرورة المصلحة'' والاحتفاظ بالموظف رغم بلوغه حد سن التقاعد0 ومن ناحية أخرى، في حالة عدم توفر الشروط الشكلية في الإحالة أمام المجلس الدستوري سينتقل النص التشريعي من مرسوم قانون إلى قانون قابلا للتنفيذ. آنذاك لم يبق أمام المتضرر سوى فرصة أخيرة غير أنها لا زالت قيد الدرس. 3- الدفع بمسألة ذات أولوية دستورية. لأول مرة في تاريخ الحياة القانونية والدستورية بالمغرب، ينص الدستور المغربي بصيغة لغوية أخرى على المسألة ذات الأولوية الدستوريةla question prioritaire de constitutionnalité. وتعتبر هذه الأخيرة من أرقى الضمانات الدستورية لحماية الحقوق والحريات الأساسية. إذ من الممكن الآن إحالة نص قانوني حتى بعد المصادقة عليه من قبل البرلمان وبعد إصدار الأمر بتنفيذه إذا ثبت أنه يمس، أثناء النظر في قضية، بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور ( الفصل 133). غير أن هذا الفصل لازال ينتظر قانونا تنظيميا يحدد الشروط والإجراءات التطبيقية. خلاصة القول، في غياب التنزيل الكامل للدستور وفي ظل بقاء الضمانات الدستورية موقوفة التنفيذ ، إن لجوء الحكومة في إصلاح منظومة التقاعد -الذي يفرض نقاشا واسعا بين جميع الأطراف المعنية بالإصلاح؛ حكومة ومعارضة وفرقاء 0جتماعيين- إلى مرسوم قانون ينم على نوع من ‘'التحايل'' على سلطات البرلمان 0 -باحث في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية بفرنسا