سارعت بعض المواقع الالكترونية إلى نشر خبر مفاده ان حكومة بنكيران حسمت الجدل حول إصلاح انظمة التقاعد، وذلك من خلال اصدار مرسوم في الجريدة الرسمية يقضي برفع سن التقاعد القانوني إلى 65 سنة والعمل به ابتداء من تاريخ نشره وعرضه على البرلمان قصد المصادقة عليه خلال دورته.. وخلال اطلاعنا على الجريدة الرسمية المحال عليها، عدد 6287 مكرر-6 ذو القعدة 1435(2 سبتمبر 2014)، تبين لنا ان الامر يتعلق بالفعل بمرسوم بقانون رقم 2.14.596 الصادر في 5 ذي القعدة 1435 الموافق ل فاتح شتنبر 2014 بتتميم القانون رقم 012.71 الصادر في 12 من ذي القعدة 1391 الموافق ل،30 ديسمبر 1971، المحدد بموجبه السن التب بجب ان يحال عفيها على التقاعد موظفو واعوان الدولة والبلديات والمؤسسات العامة المنخرطون في نظام المعاشات المندنية، والقانون رقم 05.89 المحددة بموجبه السن التي يحال إلى التقاعد عند بلوغها المستخدمون المنخرطون في النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد..
إلا ان المرسوم لا يسري على كافة المستخدمين وجميع الموظفين، بل الامر يتعلق فقط بمرسوم قانون بشأن استمرار المقبلين على التقاعد في قطاع التعليم في مزاولة مهامهم و ذلك الى حين انتهاء السنة الدراسية والجامعية، وهو قرار يهدف، حسب حكومة بنكيران، إلى ضمان استمرارية خدمات المرافق العمومية التعليمية والجامعية بشكل دائم ومنتظم، وتوفير كافة شروط إنجاح الموسم الدراسي والجامعي ومنها توفير الموارد البشرية الضرورية لحسن سير مرافق التربية والتعليم.. حسب بلاغ لوزارة الوظيفة العمومية وتحديث الادارة، عقب مصادقة لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب، ولجنة المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية بمجلس المستشارين على ذات المرسوم يوم الاثنين الماضي..
وإذا كان الاجراء الذي قامت به الحكومة من خلال لجوءها إلى الفصل 81 من الدستور، الذي يمنحها الحق في إصدار مراسيم قوانين بين دورات البرلمان، باتفاق مع اللجان التي يعنيها الأمر في كلا المجلسين، وكذا نشره بالجريدة الرسمية لا يمكن الطعن فيه دستوريا، إلا ان مضمون المرسوم كما تم نشره في الجريدة الرسمية يثير الكثير من الاشكالات القانونية، كما انه يمنح المعارضة فرصة ثمينة لتعرية الحكومة وكشف ضعف خبرة اطرها في هذا المجال..
ونكتفي بإدراج إشكاليتين في هذا الاطار، في انتظار ما سيتطرق إليه اصحاب الاختصاص من باحثين وأساتذة في القانون الدستوري والعلوم السياسية بالمغرب..
اول ملاحظة تتبدى لكل مطلع على مرسوم الحكومة هو احالته على الفصل الاول من القانون رقم 012.71 الصادر في 30 شتنبر 1971 كما هو معدل بمقتضى مشروع قانون لم يتم الحسم بعد فيه(ونعني هنا مشروع قانون إصلاح نظام التقاعد، الذي أحالته الحكومة على "المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ليصدر فتواه فيه !)، حيث جاء في الجريدة الرسمية: بناء على الفصل 81 من الذستور، وبعد مداولة في مجلسي الحكومة وباتفاق مع اللجان المعنية بالأمر في مجلسي النواب ومجلس المستشارين رسم ما يلي: يتمم كما يلي الفصل الاول من القانون رقم 012.71 الصادر في 12 من ذي القعدة.......
إلى ان يصل إلى الفقرة التالية: "الفصل الاول- يحدد....في خمسة وستين(65) سنة."
أي ان سن التقاعد، حسب مشروع القانون الذي اشتغلت عليه الحكومة ورفضته النقابات، يحدد سن التقاعد في 65 سنة، والحال ان هذا المشروع لم يحظ بعد بثقة البرلمان بغرفتيه ولم يستكمل بعد المسار والمساطر التشريعية المتعلقة به قبل صدوره في الجريدة الرسمية، وبالتالي فإن الحكومة كان يجب عليها ان تحيل في مرسومها المنشور بالجريدة الرسمية على القانون الاصلي الذي يحدد في فصله الاول سن التقاعد في 60 سنة وليس 65 سنة..
اما الملاحظة الثانية التي لفتت انتباهنا عند قراءتنا للمرسوم في الجريدة الرسمية، فتتعلق بالمادة الاولى كذلك من القانون 05.89 المحدد بموجبه السن التي يحال إلى التقاعد عند بلوغها المستخدمون المنخرطون في النظام الجماعي لمنح رتب التقاعد، والتي تم تغييرها بالفقرة الولى من مشروع قانون الحكومة بشأن النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد لتصري 65 سنة بدل 60 سنة التي وردت في القانون المشار إليه اعلاه..وهي ملاحظة شبيهة بالملاحظة الاولى وبالتالي فإنها تطرح اشكالا قانونيا ودستوريا حول مدى شرعيتها..
الملاحظة الثالثة تتعلق بالمادة الثالثة من المرسوم الذي جاء في الجريدة الرسمية على النحو الآتي :"ينشر هذا المرسوم بقانون بالجريدة الرسمية ويعمل به ابتداء من تاريخ نشره ويعرض على البرلمان قصد المصادقة عليه خلال دورته العادية الموالية".
وإذا كانت الفقرة تشبه في شكلها إلى حد بعيد كل الفقرات التي تختم بها كل النصوص التشريعية والتنظيمية التي تنشر في الجريدة الرسمية، إلا ان عبارة "ويعمل به ابتداء من تاريخ نشره"( 2 شتنبر في هذه الحالة، أي تاريخ النشر في الجريدة الرسمية) لا يمكن تفعيلها لان المرسوم يحيل على نص متمّم بنص آخر لم يصادق عليه بعد البرلمان وهو ما يجعله فاقدا لأي سلطة فعلية وأية قوة قانونية. هذا فضلا عن ان المرسوم بقانون لم بتم بعد عرضه على البرلمان قصد المصادقة عليه خلال دورته العادية الموالية، وإن كانت هذه الخطوة مجرد إجراء شكلي في هذه الحالة مادامت عملية العرض على البرلمان تهدف إلى تحصيل حاصل من خلال "المصادقة عليه" وليس النظر فيها وادلاء الراي فيها بالرفض او القبول...
إذا كان الإصدار خطوة قانونية لا بد أن يمر بها التشريع فإن القانون، في عرف المختصين، لا يعتبر نافذا في ذاته بمجرد إصداره ولا يصبح ملزما للمخاطبين بأحكامه إلا بعد مروره بمرحلة ضرورية و هي مرحلة نشره بالطريقة القانونية في الجريدة الرسمية، كما هو الحال بالنسبة لمرسوم حكومة بنكيران الذي تم التطرق إليه، إلا ان الملاحظات التي ادلينا بها تجعل من دخوله مرحلة النفاذ و الإلزام القانوني امرا عسيرا..
ونظرا لان ما اشرنا إليه لا يتعلق بأخطاء لغوية أو نحوية أو سهو مطبعي شاب نص المرسوم خلال نشره في الجريدة الرسمية، يمكن استدراكها بالتصحيح والتصويب في الجريدة الرسمية من طرف الجهة المسؤولة عن نشر الجريدة بغير تصويت جديد من السلطة التشريعية، بل هي "عيوب" تمس موضوع و جوهر النص القانوني، فانه لا يمكن استدراك مثل هذا الخطأ إلا عن طريق تعديل تشريعي كامل بكافة شروطه الدستورية...
وفي هذه الحالة فإن من حق "الأساتذة الباحثين العاملين بالمؤسسات الجامعية ومؤسسات تكوين الاطر العليا ، والموظفين الخاضعين للنظام الاساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية والموظفين المنتمين لهيئة التدريس وهيئة التأطير والمراقبة التربوية وهيئة التخطيط والتوجيه التربوي وهيئة التسيير والمراقبة المادية والمالية وهيئة الدعم الاداري والتربوي والاجتماعي"، من حق كا هؤلاء الطعن في دستورية مرسوم رئيس الحكومة.. وبه تم الاعلام والسلام.
ملحوظة لها علاقة بما سبق:
جاء في الفقرة الاولى من الفصل 81 من الدستور:
"يمكن للحكومة أن تصدر، خلال الفترة الفاصلة بين الدورات، وباتفاق مع اللجان التي يعنيها الأمر في كلا المجلسين، مراسيم قوانين، يجب عرضها بقصد المصادقة عليها من طرف البرلمان، خلال دورته العادية الموالية"
والمعروف في مجمل دساتير البلدان الديمقراطية ان هناك فترات ﻻتنعقد فيها الجلسات البرلمانية وتضطر الحكومة خلالها الى اصدار مراسيم بموافقة اللجان البرلمانية المختصة، على ان تعرض على البرلمان في الدورة الموالية العادية قصد المصادقة، وهو ما تشير إليه الفقرة الاولى من الفصل 81 من دستور المغرب، إلا ان السؤال المطروح في حالة مرسوم حكومة بنكيران، والمراسيم التي لربما ستفاجئنا بها في المستقبل، هو :هل فعلا هناك ظروف اضطرت الحكومة إلى اللجوء إلى الفصل 81 من الدستور؟ ولماذا لم تنتبه الحكومة إلى هذا الامر من قبل؟ ام ان الامر له علاقة بمحاولة تمرير مشروع اصلاح نظام التقاعد بنفس الطريقة وكفى الله الحكومة شر قتال النقابات...
وحدها الايام القادمة كفيلة بتبيان ذلك، ومعها طبعا "العلب السوداء" في حكومة بنكيران..