تضمن الخطاب الملكي في افتتاح الدورة التشريعية الخريفية لهذه السنة مجموعة من الرسائل الموجهة إلى مختلف مكونات المشهد السياسي المغربي، ولعل أبرز هذه الرسائل تلك التي تضمنتها تساؤلات الملك حول قدرة الفاعل الحزبي المغربي على تقديم برامج حقيقية تساهم في الرقي بالمشهد السياسي والتشريعي إلى درجة من الجودة في خضم الرداءة التي تسود الحياة الحزبية حاليا، بعد أن ظهرت زعامات حزبية نزلت بالعمل الحزبي إلى أدنى درجات التفاهة والميوعة . تساؤلات الملك لم تنتظر كثيرا حتى تجد من يجيب عنها إجابة شافية، حيث تطوع نائبان برلمانيان هما اللبار عن حزب الأصالة والمعاصرة، فيما لم يكن الثاني سوى فارس الشعبوية المغوار حميد شباط، الذي أصبح أمينا عاما لحزب الاستقلال في تجل صارخ لسخرية القدر من المشهد الحزبي المغربي. ما حدث بين اللبار وشباط أكد بشكل ملموس قدرة الفاعل الحزبي المغربي على تقديم أفضل ما يمكن من صور البشاعة والانحطاط التي أصبحت تسم المشهد السياسي المغربي، فقد عهدنا في الدول الديمقراطية ارتفاع حدة الصراع والوصول إلى التشابك بالأيدي بين البرلمانيين حول مشاريع القوانين والإجراءات التي تطرح للنقاش، والتي يكون تأثيرها قويا على المواطنين، لكن ما حدث بين اللبار وشباط لم يكن سوى بسبب حسابات لا يعلمها إلى النائبان ( المحترمان ) وأهل فاس اللذين اكتووا بنيران الفساد الجاثم على صدور الفاسيين منذ مدة طويلة. إن واقعة اللبار وشباط في البرلمان مباشرة بعد خطاب الملك يمكن قراءتها من زاويتين، فإذا كان الأمر رغم فظاعته من جانب اللبار يبدو أقرب إلى المألوف، بالنظر إلى ما سبق وأن بدر من بعض البرلمانيين من سلوكات مماثلة، فإنه كسلوك أرعن من طرف أمين عام حزب تاريخي مثل حزب الاستقلال يبدو أمرا غريبا جدا ومؤشرا خطيرا على ما وصلت إليه الزعامات الحزبية المغربية من مهازل، فهل يمكن أن نتصور علال الفاسي أو عبد الرحيم بوعبيد أو علي يعتة يقومون بهذا السلوك وداخل المؤسسسة والشريعية بعد خطاب الملك مباشرة ؟ وليس أي خطاب بالنظر لما تضمنه من إشارات مباشرة غير معهودة في الخطب الملكية حول المستوى المنحط الذي وصل إليه النقاش السياسي في المغربي. الزعامة السياسية لها رمزية كبيرة في الأعراف الحزبية بالدول التي تحترم نفسها ومواطنيها، وإذا كان الملك في خطابه الأخير قد طرح مجموعة من التساؤلات حول قدرة الفاعل الحزبي على تقديم ما يبرهن على جديته ورقي فكره وإرادته للنهوض بالوضع العام في البلاد، فإن لكمات شباط في وجه اللبار تبقى إجابة شافية على الملك وتساؤلاته.