فيها في ضوء الدستور والقانون التنظيمي بعد أكثر من ثلاث سنوات من الانتظار، تم أخيرا تنزيل مقتضيات الدستور المغربي الجديد لسنة 2011 فيما يخص إحداث المحكمة الدستورية وفق الفصل 129، إذ صدر القانون التنظيمي رقم 066.13 بتاريخ 04 سبتمبر 2014 المتعلق بالمحكمة الدستورية. وهو القانون التنظيمي الذي صدر تطبيقا للفصل 131 من الدستور الذي حدد المجال الذي ينبغي أن يشمله بنصه على أنه "يحدد قانون تنظيمي قواعد تنظيم المحكمة الدستورية وسيرها والإجراءات المتبعة أمامها، ووضعية أعضائها. يحدد القانون التنظيمي أيضا المهام التي لا يجوز الجمع بينها وبين عضوية المحكمة الدستورية، خاصة ما يتعلق منها بالمهن الحرة، وطريقة إجراء التجديدين الأولين لثلث أعضائها، وكيفيات تعيين من يحل محل أعضائها الذي استحال عليهم القيام بمهامهم، أو استقالوا أو توفوا أثناء مدة عضويتهم" وقبل دخول القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية حيز التنفيذ أحيل على المجلس الدستوري ليفحص دستوريته، فأصدر قرارا تحت رقم 943.14 بتاريخ 25 يوليوز 2014 الذي صرح بمقتضاه مخالفة ثلاث مواد فقط للدستور ودستورية الباقي دون أي تحفظ. وإذا كانت المواد التي قضى بعدم دستوريتها لا تثير إشكالات كثيرة، فإن عددا من المقتضيات التي قضى بدستوريتها تثير عددا من الإشكالات، لكونها من المستجدات الجديدة التي لن تعرف التطبيق الأول لها في الحياة السياسية المغربية إلا مع دخول القوانين التنظيمية الجديدة. وهو الحال بالنسبة للمقتضى الدستوري الجديد المتعلق بتعيين أعضاء المحكمة الدستورية، وخاصة انتخاب نصف الأعضاء من طرف البرلمان المغربي، بتخصيص ثلاثة أعضاء ينتخبهم مجلس النواب وثلاثة أعضاء ينتخبهم مجلس المستشارين، ولم يقم الدستور بالتفصيل في مسألة الانتخاب إلا فيما يتعلق بالنصاب الواجب الحصول عليه لفوز المترشح (حدده الدستور في ثلثي أعضاء المجلس) وبكون الاقتراع سري، تاركا أغلب القواعد التنظيمية للقانون التنظيمي حسب مضمون الفصل 129 من الدستور. وإن كانت كل مواد القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية سليمة دستوريا بعد نشرها في الجريدة الرسمية (عدد 6662 بتاريخ 04 سبتمبر 2014)، فإنه مع ذلك يمكن أن نورد عددا من الملاحظات المرتبطة بأهم المستجدات، وهي المتعلقة أساسا بمسألة عدد الأعضاء الواجب في المحكمة الدستورية عند أول تعيين لها (1)، ثم طريقة تحديد مدة عضوية الأعضاء عند أول تأليف لها من أجل الاستعداد للتجديدين الأول والثاني. 1- تأليف المحكمة الدستورية عند أول تعيين لأعضائها إن السؤال الجوهري الذي يمكن أن يطرح كإشكال عند أول تعيين لأعضاء المحكمة الدستورية يتمحور حول مدى قبول إحداث وتنصيب المحكمة الدستورية بأقل من اثنا عشر عضوا – أي فقط بنصف أعضائها أو أكثر- بدعوى تعذر انتخاب الأعضاء الستة أو البعض منهم؟ باستقراء النص الدستوري ومقضيات القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية لا يسعنا إلا الجزم بوجود وضعيتن: - الأولى: حالة إحداث المحكمة الدستورية - الثانية: حالة التجديد - حالة الإحداث والتنصيب الأول لأعضاء المحكمة الدستورية تنص الفقرة الأولى من الفصل 130 من الدستور على أن "تتألف المحكمة الدستورية من اثني عشر عضوا يعينون لمدة تسع سنوات غير قابلة للتجديد، ستة أعضاء يعينهم الملك، من بينهم يقترحه الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى، ووستة أعضاء ينتخب نصفهم من طرف مجلس النواب وينتخب النصف الآخر من قبل مجلس المستشارين من بين المترشحين الذي يقدمهم مكتب كل مجلس، وذلك بعد التصويت بالاقتراع السري وبأغلبية ثلثي الأعضاء الذي يتألف منهم كل مجلس"، ونفس المضمون نصت عليه المادة الأولى من القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية. من خلال هذا المقتضى القانوني يتضح جليا أن الأمر يتعلق بأصل يجب التقيد به وهو ضرورة تأليف المحكمة الدستورية من اثني عشر عضوا عند إحداثها، وهو ما تعضده عدد من مقتضيات: - فالمادة 3 من القانون التنظيمي للمحكمة تنص -بصيغة الوجوب- أنه عند أول تعيين لأعضاء المحكمة الدستورية يعين الثلث لمدة 3 سنوات والثلث الثاني لمدة 6 سنوات والثالث لمدة تسع سنوات، فكيف يمكن تطبيق هذه المادة إذا اختل عدد الأعضاء المعينين أو المنتخبين؟ - إن تحديد الفصل الدستوري لعدد الأعضاء في اثنا عشر عضوا وتأكيد القانون التنظيمي على ذلك، يؤكد ضرورة اكتمال الأعضاء لعدم وجود الاستثناء أو الترخيص في نفس المقتضيات تقضي بكون اثنا عضوا هو على الأكثر بحيث يمكن أن يقل عن العدد عن ذلك. والاستثناء الوحيد الوارد في كل النصوص المنظمة لتأليف المحكمة الدستورية يتعلق فقط بحالة التجديد. وبالتالي فالتنصيب الأول للمحكمة الدستورية يكون بكامل أعضائها، خاصة وأنه لن يصعب انتخاب ثلاثة أعضاء من كل مجلس في إطار وجود أغلبية ومعارضة يمكن التوافق بينهما، وهي وضعية أعتقد قد استحضرها المشرع الدستوري بقوة في حالة إحداث المحكمة، عكس ما استحضره في حالة تجديد الأعضاء المنتخبين. _ حالة التجديد إن تجديد أعضاء المحكمة الدستورية لا يعني تنصيبها، فالتنصيب يكون مرة واحدة بإحداثها، ثم بعد ذلك يأتي تجديد التعيين فيها. وهو ما قضت به الفقرة الثالثة من الفصل 130 بنصها: "يتم كل ثلاث سنوات تجديد ثلث كل فئة من أعضاء المحكمة الدستورية" وأكدته الفقرة الأولى من المادة الثالثة من القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية. ولم يكتف المشرع بالنص على التجديد، ولكن استحضر إمكانية عدم التجديد في الأجل القانوني من طرف مجلسي البرلمان أو أحدها، فنص على استمرار المحكمة في ممارسة اختصاصاتها كاملة وفق نصاب لا يحتسب فيه الأعضاء الذي لم يقع انتخابهم إذا تعذر على المجلسين أو على أحدهما انتخاب الأعضاء في الأجل القانوني للتجديد. وتفسيرا لهذه الفقرة من الفصل الدستوري تجعلنا نؤكد أن ممارسة المحكمة لاختصاصاتها يكون بكامل أعضائها، ولا تشتغل وفق الفقرة الثالثة إلا في حالة تعذر الانتخاب داخل الأجل القانوني للتجديد، ولا يمكن الحديث عن التجديد إلا بعد مرور ثلاث سنوات على إحداث وتنصيب المحكمة الدستورية. وحتى في إطار التجديد فإن استعمال عبارة الأجل القانوني، يعني فقط تلك الفترة الانتقالية القصيرة التي تربط بين نهاية العضوية بالمحكمة الدستورية -التي تكون وجوبا بنهاية المدة المحددة لها- وبين مدة انتخاب العضو داخل أجل 15 يوما على الأقل قبل تاريخ انتهاء مدة العضوية، فتكون بذلك فقط استثناء ضيقا يفرض على المجلس المعني أن يستمر في عملية الانتخاب من أجل استكمال أعضاء المحكمة الدستورية. نخلص في الأخير أن إحداث المحكمة الدستورية واشتغالها يستوجب بالضرورة تأليفها من كل الأعضاء، ولا يمكن أن تمارس مهامها واختصاصاتها بعدد أقل من الأعضاء إلا في فترات زمنية قصيرة تتحدد في الفترة التي يكون المجلس المعني مشتغلا بالانتخاب في حالة التجديد العضو المعني. وتجدر الإشارة أن الحديث عن عدد أعضاء المحكمة سواء عند تعيينها لأول مرة أو عند تعذر تجديد الأعضاء المنتخبين يرتبط ارتباطا وثيقا بالأنصبة القانونية الواجبة لصحة مداولاتها. فقد نصت الفقرة الثانية من المادة 17 من القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية رقم 066.13 على: "وتكون مداولاتها صحيحة إذا حضرها تسعة (9) من أعضائها على الأقل" وهذا في حالة تأليفها من اثنا عشر عضوا. وفي الفقرة الخامسة من نفس المادة "إذا تعذر على مجلسي البرلمان أو على أحدهما انتخاب الأعضاء داخل الأجل القانوني للتجديد تكون مداولات المحكمة صحيحة إذا حضرها ستة (6) من أعضائها على الأقل". لقد حددت الفقرتان أعلاه أنصبة مداولات المحكمة الدستورية، ففي حالة إذا ما كانت المحكمة تتكون من اثني عشر عضوا فمداولاتها لا تصح إلا بحضور تسعة (9) من أعضائها. أما في حالة تأليفها من أقل من اثني عشر عضوا فمداولاتها صحيحة فقط بستة أعضاء. فكانت نسبة صحة المداولات في 12 عضوا هي ثلاثة أرباع، ونسبتها في احتمال 11 أو 10 أعضاء هي ستة أعضاء، فما الغاية من هذا الاختلاف؟ هنا نتساءل عن دافع المشرع لتحديد عدد الأعضاء في صحة المداولات في الحالات الاستثنائية في ستة أعضاء، هل وضع المشرع في الحسبان إمكانية اشتغال المحكمة بعد مرور ثلاث سنوات من تعيينها بستة أعضاء فقط؟ بسبب تعذر انتخاب الثلث الأول–في إطار التجديد- والثلث الثاني وربما الثلث الأخير، فلا يبقى في المحكمة إلا الأعضاء الذين يعينهم الملك. إنها فرضية بعيدة الوقوع، لكن يمكن أن تتحقق فقط إلى غاية التجديد الثاني لعدد من المعطيات السياسية والوضعية الداخلية التي يمكن أن تحكم المجلس التشريعي، حينها قد تستمر المحكمة فقط بثمانية أعضاء. تطبيقا للفقرة الخامسة أعلاه قد لا يقوم مجلس واحد فقط بتجديد انتخاب العضو الذي يعنيه، وبذلك ستستمر المحكمة بأحد عشر عضوا، فهل يعقل أن تكون المداولات صحيحة فقط بستة أعضاء؟ 2- إشكال تحديد مدة عضوية الأعضاء عند أول تأليف للمحكمة الدستورية تتحدث المادة الثالثة (3) من القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية عن عملية تجديد الأعضاء كل ثلاث سنوات، فقد نصت على ما يلي: "تطبيقا للفقرة الثالثة من الفصل 131 من الدستور، يتم، كل ثلاث (3) سنوات، تجديد كل فئة من أعضاء المحكمة الدستورية. عند أول تعيين لأعضاء المحكمة الدستورية، يعين ثلث أعضاء كل فئة لمدة ثلاث (3) سنوات والثلث الثاني لمدة ست (6) سنوات والثلث الأخير لمدة تسع (9) سنوات" هذه المادة تشكل المقتضى الوحيد الذي ينظم مسألة التعيين بمقتضى أول تنصيب للمحكمة الدستورية. إن الإشكال المطروح بمقتضى هذه المادة هو مسألة تحديد من سيقضي مدة ثلاث سنوات فقط، ومن سيقضي مدة ست سنوات ومن سيكمل مدة تسع سنوات (وهي المدة القانونية حسب الدستور). ومناط هذا الإشكال أن الوضع في الدستور الجديد قد سحب من رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين أي اختصاص في تعيين أعضاء المحكمة الدستورية الذي كانوا يملكونه في التجارب السابقة فقط بعد استشارة الفرق. فلم يكن يثار أي إشكال في بداية تعيين أعضاء المجلس الدستوري فيما يتعلق بمن سيقضي فقط ثلاث أو ست سنوات. أما الوضعية بالنسبة للمحكمة الدستورية مختلفة جدا بسبب أن المقتضيات كلها تحدثت عن مسألة تعيين أعضاء المحكمة، وأحال الدستور للقانون التنظيمي ليبين طريقة إجراء التجديدين الأولين، لكن، للأسف نص القانون التنظيمي على المبدأ دون وسيلة وطريقة تفعيله، وهو ما سنراه بتحليل المادة الثالثة منه التي قضى المجلس الدستوري بدستوريتها رغم ما يكتنفها من غموض وقصور من ناحية آليات تطبيقها، خاصة وأنها نصت بشكل عام جدا على أن تحديد الأعضاء الذين سيشملهم التجديدين الأولين يكون بداية من تعيينهم. من هنا نطرح الاحتمالات الآتية: كيف سيتم تحديد من سيشملهم التجديدين الأولين؟ من له سلطة ذلك التحديد؟ هل سيتم إعمال القرعة، وهي آلية لا ينص عليها أي مقتضى قانوني هل سيعطى هذا الاختصاص لرئيس المجلس، أو لمكتب المجلس، أو للمجلس ذاته. هل سيتقرر ترتيب المرشحين الفائزين حسب عدد الأصوات المحصل عليها، فالحاصل على أقل عدد من الأصوات يشمله التجديد الأول، وهكذا بالنسبة للثاني. هل سيحل المشكل بتفسير وتأويل معنى مصطلح (تعيين) الوارد في المادة 3 من القانون التنظيمي؟ هل يمكن أن يعطى هذا الاختصاص للملك؟ فأي حل من هذه الحلول سيكون أقرب إلى روح القانون؟ في الحقيقة لا يمكن إعمال آلية من آليات التعيين إذا لم ينص عليها القانون صراحة، فلا يمكن اعتماد القرعة ما دام غير منصوص عليها. أما مسألة منح الاختصاص لرئيس مجلس المستشارين أو رئيس مجلس النواب بعيد عن غاية النص الدستوري، ما دام أن الدستور قد سحب من رئيسي الغرفتين البرلمانيتين أي اختصاص فيما يتعلق بالتدخل في مسألة تعيين أو انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية، ناهيك عن أن أي اختصاص في منح أو إعطاء حق وجب النص عليه صراحة ما دام الأمر يتعلق بجهاز من أجهزة الدولة. وحتى الحل المتعلق بترتيب المترشحين الفائزين في عملية الانتخاب حسب عدد الأصوات المحصل عليها مستبعد باعتباره تقنية ستساهم في عملية التعيين وبالتالي وجب أن تندرج ضمن القانون التنظيمي. أما افتراض منح الاختصاص للملك يمكن أن يثار بشأنه نقاش على اعتبار أن الملك يملك اختصاص تعيين رئيس المحكمة من بين الأعضاء الذين تتألف منهم، إن هذا المعطى بعيد من أن يفهم منه منح تحديد مدة عضوية المنتخبين في أول تعيين باعتبار أن تعيين الرئيس لا يكون إلا بعد تأليف المحكمة وليس موازاة بعملية تعيين أعضائها سواء بظهير أو بالانتخاب، وهو ما يتضح من خلال ترتيب هذه المقتضيات في الفصل 130 من الدستور. ثم إن العلاقة بين السلطات لا يمكن أن تخرج عما هو مقرر في النصوص الدستورية والقانونية بشكل صريح، واختصاص التعيين غير ممنوح للملك صراحة إلا فيما يخص تعيينه لستة أعضاء. ثم نتساءل عن الغاية من نص الفقرة الأخيرة من المادة الأولى ضرورة نشر قرارات التعيين بالنسبة للأعضاء الذين يعينهم الملك وملخص محاضر الجلسة العامة لمجلسي البرلمان المتضمن لنتائج انتخابات أعضاء كل مجلس؟ فلا يبقى لنا إلا أن نحلل الافتراض المتعلق بالبحث عن معنى كلمة التعيين الواردة في المادة الثالثة. بداية نشير أن المادة تشمل كل أعضاء المحكمة الدستورية سواء المعينين من طرف الملك أو المنتخبين من طرف مجلسي البرلمان. من هنا نتساءل عن المقصود بالتعيين (وهو الذي استعمل في موضعين مختلفين في المادة 3) هل هو مرادف الانتخاب بالنسبة للأعضاء المعينين من طرف مجلسي البرلمان؟ أم أنه يجب علينا أن نميز بين التعيين في الجملة الأولى من الفقرة الثانية، وبين مفهوم التعيين في باقي جمل الفقرة؟ - التفسير الأول: باستقراء كل النصوص القانونية سواء في الدستور أو في القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية سيتضح أن مصطلح "التعيين" فيما يخص الملك يقصد به مباشرة السلطة المباشرة في اختيار الأعضاء الستة (فقط أن أحدهم يقترحه الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى)، أما التعيين بالنسبة لباقي الأعضاء فهو بمعنى الانتخاب، وهو ما يفهم مباشرة من خلال الفقرة الرابعة من المادة الأولى من القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية "تنشر بالجريدة الرسمية ظهائر تعيين رئيس المحكمة الدستورية وأعضائها المعينين من قبل الملك، وكذا ملخص محضري الجلسة العامة لمجلسي البرلمان المتضمنين لنتائج انتخابات أعضاء كل مجلس" فأعضاء المحكمة الدستورية نصفهم يعين بظهير ونصفهم يعين بالفوز في الاقتراع، وهو ما ترمي إليه عدد من المقتضيات الأخرى بشكل غير مباشر، وعلى رأسها الفقرة الأولى من الفصل 130 من الدستور، والمادة 13 من القانون التنظيمي للمحكمة التي تميز صراحة بين التعيين والانتخاب، وتجعل التعيين لمن يختص بهم الملك والانتخاب بمن ينتخبون من قبل مجلسي البرلمان، فمثلا الفقرة الثانية "تسري مدة عضوية كل عضو تم تعيينه أو انتخابه إثر كل تجديد ابتداء من تاريخ انتهاء مدة عضوية الأعضاء الذين انتهت مدة انتدابهم". فيكون تفسير الفقرة الثانية من المادة 3 أنه من البداية يعين الملك من يقضي ثلاث سنوات ومن يقضي ست سنوات ومن يقضي تسع سنوات، وبالنسبة لمجلس المستشارين ينتخب الفئة التي تقضي ثلاث سنوات ثم بعدها الفئة التي تقضي ست سنوات ثم الفئة التي تقضي تسع سنوات، وكذلك الأمر بالنسبة لمجلس النواب. وبالتالي سيقترن في هذه الحالة تعيين العضو (أي انتخابه في حالة الأعضاء المنتخبين) بتعيين مدة عضويته. - التفسير الثاني: نصت المادة الثالثة من القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية على: "عند أول تعيين لأعضاء المحكمة الدستورية، يعين ثلث أعضاء كل فئة ثلاث (3) سنوات، والثلث الثاني لمدة ست (6) سنوات والثلث الأخير لمدة تسع (9) سنوات" فتفسير هذه الفقرة من المادة يحيل إلى كون أنه عند أول تعيين لكل الأعضاء، يعني حينما يعين الملك ستة أعضاء، وينتخب مجلس النواب ثلاثة أعضاء وينتخب مجلس المستشارين ثلاثة أعضاء، تأتي بعدها عملية تعيين من سيقضي ثلاث سنوات، ومن سيقضي ست سنوات ومن سيقضي تسع سنوات. ما دام أن عبارة "عند أول تعيين" يقصد بها أول تأليف للمحكمة الدستورية وفق الفقرة الأولى والثانية من المادة الأولى من القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية، وحينها لا يمكن أن يقترن انتخاب العضو بتحديد مدة عضويته، بل سيكون التعيين بعد الانتخاب حينما يتعلق الأمر بالأعضاء المنتخبين. ومع ذلك، يبقى الإشكال مطروحا في كلا التفسيرين حول التقنية التي على أساسها سيتحدد كيف ينتخب ويعين المرشح لثلاث سنوات ثم المرشح لست سنوات ثم المرشح لتسع السنوات، إذا اقترن الانتخاب بتحديد مدة العضوية؟ ومن له سلطة تحديد مدة العضوية لكل فئة في المجلسين إذا كان تحديدها سيتم بعد عملية الاقتراع ؟ مع سكوت المشرع، وعدم تحفظ المجلس الدستوري أو قضائه بكون المادة 3 غامضة، تبقى السلطة التقديدرية -في نظرنا- للجهة المكلفة بالتعيين في حالة الانتخاب، تماشيا مع التوجه العام للمقتضيات الدستورية والتنظيمية. فلن يعطى بتاتا اختصاص تعيين مدة عضو المحكمة الدستورية عند انتخابه لمكتب المجلس أو لرئيسه، بل يكون للمجلس ذاته، إما بدمج هذا التعيين بالانتخاب لأول مرة، (حينها قد يجرى الاقتراع ثلاث مرات –مرة لكل فئة-) أو بجعله اختصاصا مستقلا يمارسه بعد تعيين الأعضاء الثلاثة، خاصة وأن المشرع فرض نسبة ثلثي الأعضاء لفوز المرشح بالعضوية، وهي نسبة تجعل كل الفائزين في وضعية متساوية، وبالتالي يمكن إجراء تصويتين، الأول على المترشحين والثاني على ترتيبهم حسب التعيين. من كل ما سبق، لا يسعنا إلا أن نحكم أن التقنية الأفضل والأقرب إلى معنى النصوص القانونية هي تقنية دمج التعيين بالانتخاب بتحقيقها لتعيين ديمقراطي تماشيا مع ما ابتغاه المشرع من جعل ستة أعضاء ينتخبون بالاقتراع السري، وما دام أن المشرع لم ينص إلا على المبادئ العامة المتمثلة في الاقتراع السري وبأغلبية ثلثي أعضاء كل مجلس، فإنه تبقى للمجلس سلطة كاملة لتنظيم الانتخاب باعتبار تحديد المدة يكون بترتيب الأعضاء تنازليا من المحتل للمرتبة الثالثة (يعين صاحب المرتبة الثالثة لثلاث سنوات)، أو التصويث بالاقتراع السري لثلاث مرات، وأعتقد أن ترتيب الأعضاء المنتخبين هو ما يمكنه أن يحقق اطمئنان تمثيل كل من المعارضة والأغلبية. ولكن كيف سيعتمد المجلس تقنية تحديد الفئات التي سيطالها التجديدين الأول والثاني في حالة عدم اقتران الانتخاب بالتعيين؟ إن الوسيلة الأقرب إلى العمل البرلماني أن تعتمد تقنية وفق اقتراح من الفرق والمجموعات وأن يصوت المجلس على التقنية التي يراها مناسبة لذلك، حينها يكون قد ملأ فراغا قانونيا لم ينتبه إليه المشرع ولم ينبه إليه المجلس الدستوري. ومع كل ذلك، لا يفوتنا أن نذكر بأن المادة الثانية من القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية فتحت مجال الطعن في عملية ونتائج انتخابات أعضاء المحكمة الدستورية المنتخبين داخل أجل ثمانية أيام من تاريخ إعلان النتائج. فهل يمكن أن يتأسس الطعن على كون الانتخاب لم يتم وفق النصوص الدستورية والتنظيمية فيما إذا اعتمد المجلس البرلماني طريقة انصبت على اقتران انتخاب العضو بتعيين مدة عضويته في المحكمة الدستورية ولم يعتمد طريقة أخرى قد يراها المجلس الدستوري أولى بالاعتماد؟ أعتقد أنه في هذه الحالة لا يمكن أن يتأسس الطعن على الطريقة التي يحدد بها المجلس مدة عضوية كل فئة في المحكمة الدستورية ما دام لا ينص عليها أي قانون ولم تحدد أي معايير تلزم المجلسين باعتمادها، وبالتالي فأي طريقة أو تقنية يعتمدها المجلس التشريعي تعتبر قانونية أمام الفراغ التشريعي. * أستاذ باحث بالكلية المتعددة التخصصات بالرشيدية – جامعة مولاي اسماعيل مكناس