مقدمة: ان القوانين التنظيمية هي جنس قانوني منبثق عن النص الدستوري، يستمد حقيقته المادية والمعيارية من الإرادة المنفردة للسلطة الدستورية التأسيسية، أو الفرعية للقيام بوظيفة تفصيل تدابير ممارسة بعض الحقوق والحريات، وتنظيم بعض السلط والمؤسسات. ويترتب على القول بانبثاق القوانين التنظيمية من الدستور كون المرجع الوحيد للتعرف على القوانين التنظيمية عن سواها، هو القائمة الحصرية الواردة في النص الدستوري، بمعنى أن كل نص قانوني لا يندرج في مجال القوانين التنظيمية بصريح الدستور يبقى على أصله، أي مجرد قانون عادي، حتى ولو كان محتواه على درجة من الأهمية، وفي ضوء هذه الفلسفة نص دستور 1962 على ثمانية قوانين تنظيمية(08) و نص دستور 1970 على (07) سبعة قوانين تنظيمية ونص دستور 1972 على سبعة (07) كذلك. أما دستور 1992 فقد نص على (8) ثمانية قوانين تنظيمية كما نص دستور 1996 على تسعة (09 قوانين تنظيمية، في حين أن دستور 2011 نص على حوالي (19) قانونا تنظيميا ، خصوصا وأنه في لحظات من تاريخ المغرب فقد كانت هذه القوانين التنظيمية معادلة للدستور في درجتها ومكانتها الكبيرة الشيء الذي أصبغ عليها قوة تأسيسية أكيدة . ومن بين أهم القوانين التنظيمية في دستور 2011 هناك القانون التنظيمي الخاص بالمحكمة الدستورية. وهنا تبرز الأهمية الكبرى الممنوحة للقضاء الدستوري، لأن هذا الأخير أصبح من القضايا المحورية التي تشكل القانون الدستوري المعاصر، كما يعد إحدى القضايا التي تستأثر باهتمام الباحث والسياسي، لما له من ارتباط وثيق بالشرعية الدستورية وإصلاح المؤسسات السياسية وضمان الحقوق والحريات في اتجاه بناء دولة القانون والمؤسسات، من خلال حماية الدستور، وإبراز القانون كقيمة اجتماعية في النظام التنافسي للإنتاج الديمقراطي القيم التي تستمد مشروعيتها من هذه المنافسة، وحكما بين الخلافات التي قد تحدث بين الأجهزة الكبرى للدولة . ولقد عرف المغرب تطورا مهما في هذا المجال بدءا بالغرفة الدستورية منذ دستور 1962 وصولا إلى المجلس الدستوري منذ سنة 1992 وصولا إلى المحكمة الدستورية في 2011. واستنادا إلى الفصل 129 من الدستور و الذي نص على إحداث محكمة دستورية والتنصيص على قانون تنظيمي منظم لها ولعملها، مما جعل المشرع يضع القانون التنظيمي رقم 13.066 ، والذي تضمن 49 فصلا مقسمة إلى ثلاثة أبواب رئيسية. الباب الأول: تنظيم المحكمة الدستورية الباب الثاني: سير المحكمة الدستورية الباب الثالث: أحكام عامة وانتقالية وقد جاء هذا القانون التنظيمي بعد نقاش من طرف المعنيين به والمكلفين بوضعه والمؤسسات المستشارة في هذا الموضوع . وسوف نركز هنا على مسألة التأليف وحالات التنافي. إذن كيف تتألف المحكمة الدستورية؟ وما هي حالات التنافي المتعارضة مع عضوية المحكمة؟ المحور الأول: تأليف المحكمة الدستورية ومدة العضوية فيها تتألف المحكمة الدستورية من اثني عشر عضوا، يعينون لمدة 9 سنوات غير قابلة للتجديد طبقا لأحكام الدستور الجديد . ويتوزع هؤلاء الأعضاء كما يلي : 6 أعضاء يعينون بظهير من طرف الملك، و من بينهم عضو يقترحه الأمين العام للمجلس العلمي. ثلاثة أعضاء ينتخبون من قبل مجلس النواب. ثلاثة أعضاء يعينون من طرف مجلس النواب. ولقد نص النظام الداخلي لمجلس النواب، أن هذا الأخير ينتخب عند تشكيل المحكمة الدستورية لأول مرة ثلاثة أعضاء من بين المترشحين الذين يقدمهم مكتب مجلس النواب، وأن مكتب المجلس سيتلقى الأسماء المقترحة للترشيح من قبل الفرق والمجموعات النيابية، ويتم التصويت على كل مرشح على حدة، وأن هذا التصويت يتم بالاقتراع السري وبأغلبية ثلثي الأعضاء . هذا دون إغفال دور المعارضة في ذلك . أما بالنسبة لأعضاء مجلس المستشارين، فقد نص النظام الداخلي لهذا الأخير، على أن مجلس المستشارين ينتخب ثلاثة أعضاء للمحكمة الدستورية عند تأليفها لأول مرة من بين المرشحين الذين يقدمهم مكتب مجلس النواب بعد التصويت عليهم بالاقتراع السري وبأغلبية ثلثي أعضاء المجلس، ويخضع هذا الاختيار للشروط الواردة في الفصل 130 من الدستور، وذلك وفق هذه التفاصيل . يعلن رئيس المجلس بعد مداولة المكتب، عن تلقي طلبات ترشيحات الفرق والمجموعات البرلمانية، وتوافي الفرق والمجموعات البرلمانية المكتب بلائحة الأسماء التي ترشحها لشغل هذه المناصب من خارج المجلس أو من بين أعضائه، مرفوقة بالسيرة الذاتية لكل مرشح وتقريرا عن أعماله وإنتاجاته العلمية. يدرس المكتب ملفات المرشحات والمرشحين الواردة عليه من الفرق والمجموعات البرلمانية، ويعرض مكتب المجلس لائحة المرشحين المنتقاة على المجلس برمته من أجل التصويت. يصوت أعضاء المجلس على كل مرشح على حدة. وإذا تعادلت الأصوات بين المرشحات والمرشحين، يعلن عن فوز المرشح الأكبر سنا، وإلا حكمت القرعة، أما في حالة عدم بلوغ لائحة المرشحات والمرشحين العدد المحدد للمناصب ، يتم الاقتراع على الأسماء الفائزة بشكل فردي، على أساس إعادة إطلاق الترشيحات وإجراء عمليات الانتقاء والتصويت لملئ المقاعد المتبقية في أجل لا يتعدى الدورة البرلمانية الموالية. وهذه المسطرة تطبق عند كل تجديد للثلث. وعند تعيين أعضاء المحكمة الدستورية يعين الملك رئيس هذه الأخيرة بظهير من بين الأعضاء الذين تتألف منهم: حيث إنه من قبل لم يكن تعيينه من الأعضاء المنتخبين، بل من الأعضاء الستة الذين يعينهم الملك . ولقد أكد القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية على نشر ظهائر تعيين رئيس المحكمة الدستورية وأعضائها المعينين من قبل الملك. وكذا ملخص محضري الجلسة العامة لمجلسي البرلمان المتضمن لنتائج انتخابات أعضاء كل مجلس. ولقد اشترط القانون التنظيمي على شاكلة الدستور المرتكز عليه على مجموعة من الشروط الواجب توافرها في أعضاء المحكمة الدستورية . التوفر على تكوين عال في مجال القانون. التوفر على كفاءة قضائية أو فقهية أو إدارية. ممارسة المهنة لمدة تفوق 15 سنة. مشهود لهم بالتجرد والنزاهة. ولقد أعطى المشرع إمكانية الطعن في عملية ونتائج انتخابات أعضاء المحكمة الدستورية المنتخبين داخل أجل ثمانية أيام من تاريخ الإعلان عن النتائج، و تبث المحكمة الدستورية في الطعن داخل أجل لا يتعدى ثمانية أيام، والسؤال المطروح لماذا لا يتم الطعن إلا في المنتخبين من قبل البرلمان؟ وهذا الأمر يعيدنا إلى النقاش الكلاسيكي حول الظهائر التي بمثابة قرارات إدارية، مما يمكن اعتباره إعداما لروح الدستور المتقدمة (الفصل بين مؤسسة الدولة وإمارة المؤمنين وكذا مقتضيات الفصل 118). وبعد كل هذا يؤدي رئيس المحكمة وأعضاؤها قبل مباشرة مهامهم، القسم بين يدي الملك على أن يقوموا بالمهام المسندة إليهم بإخلاص وأمانة ويمارسونها بكامل النزاهة في ظل احترام الدستور، وأن يكتموا سر المداولات والتصويت، وألا يتخذوا أي موقف علني أو يفتوا في أي مسألة من المسائل التي تدخل في نطاق اختصاصات المحكمة الدستورية ، ويكون هذا القسم أمام الملك لأنه رئيس الدولة والساهر على احترام الدستور، وحقوق وحريات المواطنين والمالك الأصلي للاختصاصات . ويتم تحديث الأعضاء كل ثلاث سنوات، وعند أول تعيين لأعضاء المحكمة، يعين ثلث أعضاء كل فئة لمدة ثلاث سنوات والثلث الثاني لمدة 6 سنوات والثلث الأخير لمدة 9 سنوات . المحور الثاني: حالات التنافي وبعض الواجبات المفروضة على الأعضاء إن عمل القضاء الدستوري يتطلب أكبر نوع من الاستقلالية ولذلك لابد من عدم شغل بعض المناصب أو المهام، التي يمكن أن تشكل استهدافا لمصداقية عمل القضاء الدستوري، فاشترطت مواد القانون التنظيمي مجموعة من المهام التي لا يجوز الجمع بينها وبين العضوية في المحكمة الدستورية. إذن فما هي هذه المهام؟ عضوية الحكومة، عضوية مجلس النواب، عضوية مجلس المستشارين. عضوية المجلس الأعلى للسلطة القضائية، عضوية المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أو كل هيئة ومؤسسة من المؤسسات والهيئات المنصوص عليها في الباب الثاني عشر من الدستور. ممارسة أي وظيفة عامة أخرى أو مهمة انتخابية أو شغل منصب مهما كان مقابل أجر في شركة تجارية أو مزاولة مهام يؤدى عنها أجر من قبل دولة أجنبية أو منظمة دولية أو منظمة دولية غير حكومية . ممارسة أي مهنة حرة ولهذا الغرض يجب على كل عضو بالمحكمة الدستورية يمارس مهنة حرة تعليق هذه الممارسة خلال مدة عضويته . وكما أكد القانون التنظيمي على أن الموظفون المعينون أو المنتخبون أعضاء في المحكمة الدستورية لمدة عضويتهم بها ، يعادون بحكم القانون عند انتهاء المدة المذكورة إلى إطارهم الأصلي . وفرض القانون التنظيمي كذلك عدة واجبات على أعضاء المحكمة الدستورية، حيث يلتزم أعضاء المحكمة الدستورية بواجب التحفظ، وعموما الامتناع عن كل ما من شأنه أن يمس باستقلالهم ومن كرامة المنصب الذي يتقلدونه، وأنه لا يجوز لهم خلال مدة عضويتهم اتخاذ أي موقف علني أو الإدلاء بأي فتوى في القضايا التي سبق للمحكمة الدستورية أن قضت فيها أو يحتمل أن يصدر عنها قرار في شأنها .أو أن يشتغلوا داخل حزب سياسي أو نقابة أو أي هيئة ذات طابع سياسي أو نقابي كيفما كان شكلها أو طبيعتها، منصب مسؤول أو قيادي أو بصفة عامة ممارسة نشاط يتنافى مع الواجب الذي سبق وذكرناه في الفقرة السابقة. السماح بالإشارة إلى صفتهم كأعضاء في المحكمة الدستورية في أي وثيقة يحتمل أن تنشر وتكون متعلقة بأي نشاط عمومي أو خاص . وفي سياق آخر فأعضاء المحكمة ملزمون بصفة مباشرة أو غير مباشرة بمجرد تسلمهم لمهامهم التصريح بالممتلكات وكذا عند انتهاء مهامهم . بالإضافة إلى وجوب إطلاع رئيس المحكمة على كل تغيير يطرأ على الأنشطة التي يزاولونها خارج المحكمة إذا كان من شأنه مخالفة الأحكام الواردة في القانون التنظيمي . وهنا يلاحظ إسناد اختصاص جديد لرئيس المحكمة هو سلطة التكييف، ولكن السؤال الذي إذا مارس رئيس المحكمة نشاطا فمن سيخبر هذا الأخير؟ نعتقد أنه يجب أن يخبر رئيس الدولة باعتباره ضامنا لسير المؤسسات الدستورية . وكما تم إلزام كل عضو يرغب في الترشح لمهمة عامة انتخابية أن يقدم استقالته من العضوية في المحكمة الدستورية قبل إيداع طلب ترشيحه، باستثناء المهام الانتخابية الداخلية في جمعيات أو هيئات ليس لها طابع نقابي أو سياسي أو مهني ويسري أثر الاستقالة فور تقديمها إلى الرئيس . خاتمة: لقد احتلت المحكمة الدستورية كتجسيد لعمل القضاء الدستوري. نوعا من وعي المشرع الدستوري بضرورة بناء دولة المؤسسات والمواطنين، استجابة لورش ما بعد الربيع الديمقراطي، فقد جاء القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية بمعطيات متقدمة وتحول كبير لعمل القضاء الدستوري بالمغرب، مما سيدفع إلى احترام الدستور كمرجعية رئيسية، وكذا ضمان الأمن القانوني واحترام الحقوق والحريات والأفراد، وكذا العمل على ترسيخ استقرار المعاملات بين السلط، وذلك من خلال مجموعة من الضمانات التي تضمن جودة قرارات المحكمة الدستورية من تكوين عال، وضمان للاستقلالية، وقد خلصنا إلى أن: ونعتبر أن المحكمة الدستورية ليست غاية في حد ذاتها بل هي وسيلة لإحداث تحول وضمان تنزيل سليم لدستور الحقوق والحريات والحفاظ على الأمن القانوني وضمان التراتبية التي تعتبر من أهم المبادئ الدستورية وهذا لن يبرزه القانون التنظيمي، بقدر ما ستبرزه المحكمة الدستورية بعد تنصيبها من خلال عملها. لائحة المراجع المعتمدة: عبد المنعم لزعر: "القوانين التنظيمية بالمغرب" وظائف حصرية ومسطرة معقلنة، المجلة المغربية للسياسات العمومية، العدد 16 صيف 2015، الطبعة الأولى. محمد أشركي "الظهير الشريف في القانون العام المغربي" الطبعة الأولى 1983. حكامة عمل القاضي الدستوري المغربي من خلال مراقبة القوانين التنظيمية (2002-2013) رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام، كلية الحقوق سطات، السنة الجامعية 2013/2014. كوثر المعتز "علاقة مجلس النواب بالمحكمة الدستورية"، سلسلة الدلائل الخاصة بعلاقة مجلس النواب بالمؤسسات الدستورية، عن مديرية التشريع والمراقبة البرلمانية لسنة 2015. المذكرة المقدمة من طرف المجلس الوطني حول المحكمة الدستورية. الدستور المغربي لسنة 2011. ظهير شريف رقم 1.14.39 صادر في 16 شوال 1435 (13 أغسطس 2014 بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 13.066 المتعلق بالمحكمة الدستورية. القانون التنظيمي للمجلس الدستوري رقم 93.29 النظام الداخلي لمجلس النواب. النظام الداخلي لمجلس المستشارين. مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان. *طالب بماستر القانون العام المعمق بكلية الحقوق سطات.