ليست بعيدة تلك الفترة التي ارتفعت فيها أصوات من كل الاتجاهات تستنكر ما كانت تتعرض له شركة كوماناف من تخريب ممنهج، وتحذر من دفع الشركة إلى الإفلاس . "" لم تفلح كل النداءات والإستنكارات ، مما أكد أن تلك الممارسات كانت مبرمجة ومحسوبة، ووراءها أهداف مبيتة لم تتضح إلا لاحقاً . أحد الأمثلة الكثيرة على ذلك تمثل في إقدام إدارة كوماناف على بيع عدد من البواخر التي كانت تشكل العمود الفقري لأسطولها البحري ، لتعود بعد ذلك وتكتري نفس البواخر من نفس الشركات التي اقتنتها من كوماناف خاصة الشركات الإسبانية . ومع ذلك بقيت كل الأصوات بدون رجع صدى وبدون مجيب . كان ذلك هو المسار الطبيعي نحو تتريك الشركة وخوصصتها، كما هو الشأن بالنسبة لعدد آخر من الشركات والمؤسسات العمومية التي مرت بنفس الطريق، وعرفت نفس المصير ، رغم أنها لم تكن في حاجة إلى خبرة تدبيرية خاصة ولا إلى ضخ أموال إضافية في رأسمالها ، ورغم أنه لاشيء في وضعها كان يستدعي خوصصتها . والحصيلة أن شركة الملاحة الوحيدة التي تملكها الدولة المغربية تم التفريط فيها، و بالتالي يحتاج المرء إلى عبقرية خارقة كي يفهم كيف أن بلداً لا يفتأ يفتخر بتوفره على 3500 كلم من السواحل، وعلى عدد من الموانئ، وأكبر ميناء متوسطي وافريقي، لايتوفر على شركة واحدة للملاحة؟ إنها بكل بساطة حمى التتريك التي أصابت البلد واشترك فيها الليبراليون والإشتراكيون على السواء، إذ لم تعد التباينات الإيديولوجية تنطبق على هذا الجانب الذي اكتسى إجماع كل الحكومات المتعاقبة منذ نهاية الثمانيات . وعلى عكس عدد من الشركات التي آلت إلى المستثمرين الأوروبيين، وعلى رأسهم الفرنسيون، فإن كوماناف آلت إلى مستثمرين عرب، حيث أصبحت ملكيتها الآن في يد كل من عائلة الحريري اللبنانية والأمير السعودي الوليد بن طلال، وخالته لمياء الصلح أرملة الأمير مولاي عبد الله . الاميرة لمياء الصلح زوجة الراحل مولاي عبد الله وكانت هذه المجموعة قد دخلت في صراع حاد مع مستثمر مصري، ليس سوى صاحب العبارة الشهيرة التي غرقت منذ شهور ، والذي لديه نشاط مشهود في مجال النقل البحري ، خاصة بين طنجة والخزيرات . ورغم أن جهات داخل شركة كوماناف حاولت ترجيح كفة هذا الأخير ودعم موقعه في المفاوضات، إلا أن الصفقة رست في النهاية على الثلاثي المذكور . ولايدري أحد بالضبط ما إذا كان لطبيعة هذه الشخصيات دور في تحديد سعر تلك الصفقة، علما أن شركة كوناف لم تكن تتوفر على بواخر فقط ، بل كانت أغلب ممتلكاتها عبارة عن عقارات في عدد من المدن الساحلية، عقارات كانت تمتاز بمواقعها المركزية في قلب المدن المتواجدة فيها كما هو الأمر بالنسبة للدار البيضاء والناظور وأكادير وطنجة وغيرها . والمؤكد أن أية جهة آلت إليها تلك العقارات تكون كمن آل إليه كنز حقيقي خاصة أمام الجنون الذي أصاب قطاع العقار في السنوات الأخيرة ، وهو ما ينطبق بالتأكيد على المستفيدين من التفويتات العقارية أيام تتريك الشركة قبل خوصصتها.