اتسعت دائرة الاستنكار ضد الحكم القاضي بتغريم صحيفة "المساء" المغربية الواسعة الانتشار، حيث أجمعت الهيئات الحقوقية والنقابية على إدانة الحكم وعدته نية مبيتة لدى السلطات للقضاء على أهم صحيفة يومية بالمغرب. "" وتعود فصول هذه القضية إلى تقارير نشرتها "المساء" في نوفمبر/ تشرين الثاني 2007 عن حادثة اشتهرت في مدينة القصر الكبير شمالي المغرب بأنها حفل زفاف عقده شواذ جنسيون، وذكرت في أحد تقاريرها تلك أن لديها لائحة أعضاء في شبكة للشذوذ الجنسي بالمدينة قالت إنه يوجد ضمنها مدع عام بالمحكمة دون أن تذكر اسمه. وكانت محكمة الاستئناف أصدرت مؤخرا تأكيدا لقرار المحكمة الابتدائية في مدينة القصر الكبير قضت فيه بتغريم الصحيفة مبلغ 612 ألف درهم (حوالي 710.5 آلاف دولار)، وتنفيذا لهذا الحكم جمدت الحسابات المالية للشركة المصدرة لمنشورات "المساء" ولمديرها رشيد نيني. رئيس تحرير صحيفة "المساء" توفيق بوعشرين أكد للجزيرة نت تنفيذ السلطات لقرار التجميد، وأوضح أن الصحيفة ما تزال تحتفظ بخيط من الأمل لتجاوز هذه "المحنة" باحثة عن جهات منصفة، لكنها تجد من يقف في طريقها. نعي صحيفة وكتب رشيد نيني في عموده اليومي ينعى "المساء" وينبه قراءها إلى إمكانية توقفها في أي وقت، وقال "لقد أصبح واضحا أن المؤامرة اكتملت دائرتها، وأن الجريمة حان وقت تنفيذها بدم بارد"، فهذه الصحيفة -حسب رأيه- "أصبحت مخيفة بالنسبة للبعض، ومزعجة بالنسبة للبعض الآخر". وخلص إلى القول "إذا استفقتم في الصباح ولم تجدونا واقفين إلى جانبكم، فاعذرونا واعلموا أن الأوكسجين الاحتياطي الذي ترك لنا في رئاتنا نفد، وأن الوقت قد حان لكي تكونوا أنتم من يقف اليوم إلى جانبنا". كما تعرض محمد العسلي، مخرج سينمائي وأحد المساهمين في رأسمال الشركة، للمساءلة والاتهام بالمشاركة في الهجرة غير الشرعية وتهريب العملة بتواطؤ مع مهربين سوريين. واستدعته الشرطة للاستماع إليه أكثر من مرة.
وعزا العسلي هذه المضايقات إلى مساهمته في تأسيس الصحيفة والرغبة من بعض الجهات لإبعاده عنها، معبرا عن إيمانه بإمكان تجاوز توقف الصحيفة والاحتفاظ بالأمل، غير أنه أكد للجزيرة نت أن الصحيفة تعيش أوضاعا مالية صعبة، إذ تدبر نفسها يوما بيوم. إضافة إلى ذلك امتنعت شركة "سابريس" لتوزيع الصحف بالمغرب عن تمكين الصحيفة من مبلغ 500 ألف درهم (580.9 ألف دولار)، وهي مستحقات سبتمبر/ أيلول الماضي، بعد أن فسخت الصحيفة عقدها مع الشركة قبل شهر لصالح شركة توزيع أخرى عزمت على تأسيسها باسم "الوسيط". إدانة واسعة على الصعيد الحقوقي، أجمعت الهيئات المشتغلة في الميدان على إدانة الحكم الصادر ضد "المساء"، واعتبرته مبالغا فيه. فقد أوضح رئيس "منتدى كرامة" لحقوق الإنسان خليل الإدريسي للجزيرة نت أن القرار الصادر عن الاستئناف لم يكن منصفا، وأظهر تخليه عن وظيفته الدستورية والقانونية في إصلاح الهفوات التي يمكن أن تقع في المراحل الابتدائية للأحكام، حسب رأيه. واعتبر الإدريسي أن الذين يصدرون هذه الأحكام يسيؤون إلى المغرب ويشوهون سمعته من حيث يريدون إظهار الدفاع عنه. ومن جهته، اعتبر المركز المغربي لحقوق الإنسان أن "تثبيث الحكم إيذان بعودة التضييق الممنهج والصارخ في حق الصحافة المستقلة، بوسائل أكثر فتكا وأقرب للوأد باسم القانون". كما استنكر في بيان حصلت الجزيرة نت على نسخة منه "الرغبة المبطنة في إعدام الجريدة ودفعها نحو الإفلاس وتشريد كل العاملين بها وعائلاتهم"، مجددا مطالبته "الملحة بإقرار قانون ديمقراطي للصحافة خال من العقوبات السالبة للحرية ومن الغرامات المالية الضخمة والمبالغ فيها". وتنشر "المساء" يوميا صفحة لعدة شخصيات وهيئات سياسية وحقوقية وثقافية بعنوان "أصوات تستنكر محاكمة المساء" وهي تعد من أكثر الصحف المغربية المعاصرة انتشارا، ولمديرها رشيد نيني عمود صحفي مشهور.