عندما اشتكى الروس من عدم شمولية الاجتماع الوزاري العربي-الأمريكي في جدة, المتعلق بوضع أسس التنسيق في الحرب على «داعش»، بحجة أن اللقاء لا تحضره كل الأطراف المعنية بمحاربة الإرهاب, فهو تعبير عن قلقهم من عزلة تجاه التحالف الاقليمي الدولي الذي وافقت الجامعة العربية على التعاون معه في الحرب على "داعش" في العراق وسوريا. والشكوى في الواقع من جهة الإيرانيين الذين حرصوا مرارا في الأيام الماضية، على التشكيك في نوايا الرئيس باراك أوباما في خوض تلك المواجهة، كأنهم يتمنونه أن يقوم بدوره في ما فشلوا هم فيه، ولمصلحتهم. ترغب إيران في دور أميركي واضح لتطهير العراق من الإرهابيين، وتقديمه مجدداً إلى طهران على طبق من «الحوافز». كما تسعى في نفس الوقت إلى تكثيف الضغط الحوثي على صنعاء ، لمبادلة هذا النفوذ بتأهيل بشار الأسد للبقاء في الحكم، على رأس مرحلة انتقالية، وإن لم يعد كل ذلك مجرد تحليلات و تصورات. المفارقة التي تعزز من شكوك الخليجيين في نوايا الإيرانيين اتجاه مرحلة الحرب على «داعش»، هي رغبة طهران في التنسيق مع الأميركيين والإيحاء بأنها تقدّم تنازلاً، للحصول على ترضية منهم كمُكافأة في الملف النووي. اختراق آخر تحاول إسرائيل التلويح به، هو التظاهر بالمساعدة في الحرب الاستخباراتية على الدولة الاسلامية، وبالتالي إنجاح مهمة التحالف الاقليمي الدولي. وفي الحاليتن، ومع النوايا الإيرانية والأهداف الإسرائيلية، تكبر تخوفات المعارضة السورية من التضحية بها مجدداً، خصوصاً إذا اعتبر النظام السوري أن الظروف باتت مناسبة لحملة قوية على فصائل المعارضة المسلحة، تترافق مع بداية الضربات الجوية الأميركية- الغربية على مواقع «داعش» في الأراضي السورية المجاورة للحدود مع العراق. يُدرك الرئيس أوباما مع اقتراب أجل الانتخابات النصفية للكونغرس، أن القضاء على داعش في العراق وغض الطرف عنها في سورية، سيكون على حساب الائتلاف الوطني السوري والمعارضة المسلحة المعتدلة. وإن كان أوباما تجاهل مرارا كل أصوات الكونغرس التي تنتقد تخليه عن وعوده بتسليح هذه المعارضة ودعمها فهو أصبح الآن أمام تحدي الانتخابات التي لا يمكنه جرّ حزبه فيها إلى هزيمة قاسية. تخوفات المعارضة السورية المعتدلة تقوم إزاء امكانية تعويم الأميركيين شرعيةً ما للنظام السوري . إذا تأكدت معلومات عن سيناريو ترك الأسد على رأس مرحلة انتقالية مقابل موافقته على وقف إطلاق النار، ونشر قوات عربية لحفظ السلام مصاحب لمنطقة حظر جوي جزئي تشمل حلب والمناطق المجاورة ، انطلاقاً من طلعات جوية عبر الحدود التركية- السورية. إضافة الى عبور وحدات مقاتلة حدود الأردن مع سورية تحت غطاء جوي أميركي. وإن لم تتردد روسيا ً في إعلان قلقها من إمكانية تطوير مهمة استهداف مواقع «داعش» في سورية، لتنتقل إلى المرحلة الثانية، أي تمكين المعارضة المسلحة من مواقع استراتيجية للنظام بعد تدميرها، فلتركيا والأردن تخوفات أخرى؛ الأولى المتهمة بتسهيل عبور المسلحين الأجانب إلى سورية، تخشى أن تقوى شوكة حزب العمال الكردستاني الذي ساهم في قتال «الدولة الاسلامية». أما الأردن الذي يشارك في هذا الحلف، فبالرغم من نأيه بنفسه عن الأزمة السورية وحشد قواته على حدوده معها ومع العراق فلا يستطيع ترك تحالف انخرط باكراً في تأسيسه، من خلال نشر وحدات أميركية على تلك الحدود. وظاهر حرص عمّان على التكتم على حجم الدعم المخابراتي واللوجيستي الذي تقدمه للحلف . عموماً، لن يبقي هناك مبررً أن تمتنع أي دولة عربية عن دعم التحالف، بعدما كبر خطر «داعش» وبات يهدد أمن لبنان ويثير مخاوف لدى الأردنيين ، فيما لم يتم التأكد من نتائج الغارات الأميركية على مواقع التنظيم في العراق وحجم الضرر الذي ألحقته بها. حقق التنظيم بعد كل ممارساته، إجماعاً على ضرورة محاربته. وإذ تدرك دول المنطقة ضرورة هذه المواجهة العاجلة، لا يخفي بعضها تخوفه من السناريوهات السيئة وتبعاتها: - أن توقع الغارات الجوية ضحايا كثر في صفوف المدنيين في العراق وسورية. - أن تجني إيران ثمار دحر «داعش» في العراق، أو على الأقل تبادل أدوار مع الأميركيين: لهم سماء العراق، ولها الأرض ومنافع النفوذ. تسعى طهران الى تنسيق سري مع الأميركيين ، وتتردد في فتح صفحة جديدة من الثقة مع السعودية وتبقى إيران متلهفة لجائزة التطبيع مع واشنطن التي لا تخفي تنبؤاتها بطول مدة الحرب على «داعش» . لأن العرب بعد انتهاكات هذا التنظيم لم يعد أمامهم خيارات أخرى. ستتبدل الأدوار، وتساهم دول في تمويل الحرب، وتقديم أثمان أخرى... بدماء عربية.