تقترب الحرب الدائرة على أرض الشام من إكمال عامها الرابع، ولا تظهر في الأفق حسب رأي سياسيين في الغرب حتى الآن مؤشرات ملموسة تبشر بالتوصل إلى تسوية تنهي نزيفا خطيرا في منطقة مركزية بالمنطقة العربية. ويقول ملاحظون أنه مع استمرار الحرب يتراجع شكل الدولة أكثر وأكثر لصالح مجموعة من الممالك المتحاربة، ويبرز شبح تحول سوريا إلى صومال آخر لأن التدخل الأجنبي في الحالتين منع حسم الصراع بما يتناسب مع توازن القوى المحلية وأطال الأزمة وحولها إلى حرب بين قوى إقليمية ودولية، وصنع حالة الفوضى الخلاقة التي دافع عنها المحافظون الجدد في واشنطن والتي قدروا أنها السبيل الوحيد لإعادة رسم حدود دول منطقة الشرق الأوسط الجديد أو الكبير على أسس عرقية ودينية ومناطقية بحيث تحل مكان الدول الحالية فسيفساء من 54 إلى 56 دولة تكون رهينة للقوى التي مزقت المنطقة العربية بإتفاقية سايكس بيكو سنة 1916. لم يعد إلا قلة لا يعترفون أنه بدون التدخل الأجنبي لكانت الأزمة السورية التي بدأت بإحتجاجات سلمية في مارس 2011 قد حسمت في نفس السنة التي بدأت فيها. يقدر بعض المراقبين أن تعثر مشاريع المتدخلين الأجانب في الصراع على أرض الشام يفتح نافذة نجاة محتملة خلال سنة 2015، قد يمكن عبرها تمرير حل سياسي، خاصة وأن الأوضاع في المنطقة المركزية العربية في طريقها إلى الإستقرار النسبي بعد التطورات التي عرفتها مصر صيف سنة 2013 والانتخابات التونسية نهاية سنة 2014، وتطور الصراع في ليبيا نحو تصفية فوضى المليشيات والتنظيمات المسلحة المتطرفة الموجهة من جانب قوى خارجية. 11 مليار دولار والمجازفات تقدر مصادر ألمانية أن القوى الأجنبية أنفقت منذ سنة 2011 وحتى أكتوبر 2014 أكثر من 11.4 مليار دولار لدعم القوى المسلحة المعادية للنظام في سوريا، كما ساهمت بشكل أو بآخر في تجنيد أكثر من 22 ألف من المقاتلين الأجانب وأدخلتهم إلى سوريا أساسا عبر تركيا وبشكل محدود عبر العراق ولبنان وإسرائيل. واشنطن كانت وبعد عدم تحقق توقعات أجهزتها بإنهيار النظام السوري سنة 2012، قد قررت التدخل عسكريا وبمساهمة من فرنسا بشكل مشابه لما حدث في ليبيا لحسم الصراع، غير أن التهديدات الروسية حالت دون ذلك. إختلطت الأوضاع إقليميا ومحليا وخاصة في العراق حيث تعاظمت قوى المقاومة الوطنية للاحتلال المشترك الأمريكي الإيراني، فتم إستقدام وإستخدام التنظيمات المتطرفة من أمثال داعش والقاعدة لتبرير التدخل العسكري الغربي والعودة العلنية للقوات الأمريكية إلى بلاد الرافدين لمنع المقاومة من محو الوضع الذي أفرزه الغزو الأمريكي البريطاني للعراق في أبريل 2003. في سنة 2014 توصلت خلاصة بحثية قامت بها جامعة جورج واشنطن لعدد من الدراسات الدفاعية والأكاديمية بان التدخلات الخارجية لا توقف الحروب، بل انها في الحقيقة تساعد على أطالة أمد الحروب الأهلية. ومن بين هذه الدراسات يبرز تقرير لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية يؤكد هذه النتيجة فيما يتعلق بالشأن السوري، حيث توصل التقرير لنتيجة واضحة هي ان سياسة دعم المعارضة السورية المعتدلة لن تعمل وربما تكون فكرة سيئة، ويقال في واشنطن بان أوباما مقتنع حتى الآن بذلك رغم اصراره على برامج تدريب وتجهيز المعارضة السورية. التدخل الأمريكي لدعم الحركات المتمردة لم ينجح إلا في حالتين هما افغانستان في فترة الثمانينيات ضد الإتحاد السوفيتي ونسبيا ومرحليا فقط في نيكاراغوا. ولكن الخبراء قالوا بانه لا يمكن الأخذ بهذه التجارب التي تشوبها الكثير من التحريفات وانه من الأفضل لأوباما ان يتفحص جيدا خياراته وان يلقي نظرة متمهلة إلى نيكاراغواوافغانستان باعتبارهما أدلة على الفشل لا النجاح حيث تحولت افغانستان إلى "جنة" لطالبان وتنظيم القاعدة أما نيكاراغوا ففد غرقت في حرب استنزاف. تقدر مصادر رصد أن واشنطن وحلفاءها في الحرب الدائرة على أرض الشام وجدت نفسها غارقة في وحل الأخطاء التي إرتكبت، فالمقاتلون الأجانب هم من أصبحوا يسيطرون على الساحة في سوريا وقد غيروا شكل الحرب ومسارها كما تقول كونسانتز ليستش في تقرير لها من الريحانية واسطنبول نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية خلال شهر ديسمبر 2014. فمحمد المدرس من مدينة إدلب لم يعد قادرا على التعرف على بلده الذي غزاه الأجانب وأصبحوا من يصدرون الأوامر، ويقول "هناك الكثير من الأجانب، والتقيت رجالا من أوزبكستان وأوكرانيا وليبيا، وأشعر أنني لم أعد بلدي. وكنت امشى مرة حول بيتي عندما أوقفني رجل وطلب مشاهدة هويتي، كان تونسيا، ما دخله لكي يصدر لي الأوامر في بلدي وبلدتي؟". ويتفق مع رأي محمد الكثير من السوريين الذين أجبروا على الرحيل من بلادهم في الوقت الذي تدفق عليها فيضان من الجهاديين والمتطوعين. وراقب فيصل البالغ من العمر 27 عاما والذي يعمل في مطعم في الريحانية، جنوب تركيا، كيف تدفق المتطوعون الأجانب على سوريا بدون أن يوقفهم أحد. ويقول "كان هناك عدد كبير منهم هنا وكلهم كان متجها نحو بلدي، لقد دمرونا ودمروا سوريا". واتهم فيصل القوى الأجنبية التي لعبت دورا في دعم أي شخص يقاتل ضد الأسد "هناك الكثير من اللاعبين الأجانب ممن تدخلوا في سوريا، فهم المسؤولون عن هذا، وأدعو الله كل يوم أن تصيبهم المشاكل نفسها". وبحسب تقرير قدم لمجلس الأمن الدولي فإن هناك 15000 مقاتل أجنبي دخلوا إلى سوريا والعراق من 80 دولة خلال سنتي 2012 و 2013 فقط. ويضيف تقرير الغارديان: في البداية رحبت القوى المسلحة المناهضة للنظام في دمشق بالمقاتلين الأجانب إلا ان تزايد تأثيرهم وحماسهم أدى لتهميش السوريين العاديين ممن ينظرون للجهاديين كجزء من خطة خارجية لزعزعة استقرار بلدهم. فليس سرا قيام دول سنية بدعم فصائل مقاتلة ضد نظام الرئيس الأسد، وقد اضطر جوزيف بايدين، نائب الرئيس الأمريكي في أكتوبر 20014 للاعتذار عندما اتهم في كلمة ألقاها بجامعة هارفارد كلا من تركيا والسعودية والإمارات العربية بدعم حرب بالوكالة سنية شيعية في سوريا من خلال تقديم دعم مالي وعسكري ولوجيستي للعناصر المتطرفة. طريق الجهاد السريع تقرير الصحيفة البريطانية يضيف: لا يجد المقاتلون الأجانب صعوبة في دخول الأراضي السورية عبر تركيا حيث تمتد الحدود على طول 550 ميلا وهو ما دعا بعض المعلقين الأتراك المعارضين لسياسة حزب العدالة التركي لتسمية الحدود ب "طريق الجهاد السريع"، فقد نشأت تجارة رابحة في مناطق الجنوب التركي حيث عمل وكلاء على إنشاء بيوت آمنة، واستقبال القادمين عبر المطارات المحلية ومن ثم تسليمهم لمهربين ينقلونهم بدورهم إلى سوريا عبر الحدود. ويقول مهرب اسمه أحمد "كانت الحدود مفتوحة في العامين الأولين من الحرب"، فقد "كنا ندخل ونخرج كما نشاء". ويقول إنه في ذروة نشاطه عام 2012 كان ينقل في اليوم ثلاث رحلات من مطار هاتاي ومحطة نقل الحافلات فيها إلى سوريا. ويقول أحمد وهو من عرب تركيا إن معظم من نقلهم إلى داخل سوريا لم يكونوا يتكلمون العربية ومعظمهم من المتدينين المحافظين. "لقد نقلت الكثير من المتشددين". عدد من المحللين في الغرب يطرحون يثيرون علامات إستفهام كثيرة بشأن النوايا الأمريكية الحقيقية فيما تسميه واشنطن الحرب ضد تنظيم داعش والقاعدة في سوريا والعراق، البعض يقول أن الهدف في البداية كان الألتفاف على المعارضة الروسية وضرب الجيش السوري النظامي بعد إختلاق أسباب لذلك وفي نفس الوقت ضرب المقاومة العراقية على أساس الإدعاء أنها جزء من تنظيم داعش. الفصل الأول من المخطط تم التخلي عنه ولو مرحليا بعد تجدد التحذيرات الروسية، وتركز إهتمام المخططين الأمريكيين على ضرب المقاومة العراقية، وإستغلال جرائم داعش وتوسع سيطرتها في مناطق معينة لوضع أسس تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات، كردية في الشمال وسنية في الغرب وشيعية في الشرق والجنوب، وتقاسم النفوذ في هذه المنطقة مع طهران. ويذكر أحد المحللين بطبيعة الحملة الجوية في العراق وسوريا، حيث تم شن حوالي ألف غارة فقط خلال أكثر اربعة أشهر على تنظيم داعش وهي قليلة جدا مقارنة مع 48224 غارة شنت على الجيش العراقي وأجهزة الدولة لإسقاط الرئيس صدام حسين في الحرب التي استمرت 43 يوما عام 1991. محللون آخرون أشاروا إلى التحالف الغريب القائم بين واشنطن وطهران في الحرب على أرض العراق، والتي لا يمكن أن تقود سوى إلى تقسيمه، وهو حدث إن تم سيكون له إنعكاساته على كل الدول المجاورة حتى تلك التي تصور واشنطن لحكامها أنها تدافع عن مصالحهم وأمن دولهم. ويقول محللون أن هذا التحالف الأمريكي الإيراني هو أحد أسباب الخلاف بين الولاياتالمتحدة وتركيا التي يقدر قادتها أنها لم تعد مرشحة للفوز بجزء مهم من مناطق النفوذ أو تقاسم الكعكة كما يحلوا لبعض المنظرين تسميتها، والتي تشعر كذلك بالتهديد المتزايد على وحدة أراضيها في حال نجاح مشروع إقامة دولة كردية تضم في البداية مناطق من العراق وسوريا. في بداية شهر أكتوبر 2014 كشفت صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية بشكل غير مباشر عن أبعاد أهداف مخططي البيت الأبيض فأكدت أن الحملة الجوية ضد داعش فشلت فى تحقيق أهدافها. وقالت إنه بعد شهرين من بدء تلك الضربات فى العراق، وأسبوعين من امتداداها إلى سوريا، لا تزال قوات داعش تتقدم. وتأتى انتصارات "العدو" كما تقول واشنطن بوست على الرغم من الضربات الجوية الأمريكية والتى تشنها الدول المتحالفة مع واشنطن ومقاومة من القوات المحلية، وهو ما يشير إلى أن الحملة الجوية الأمريكية قد فشلت فى تحقيق الهدف الأدنى وهو وقف توسع داعش، وهو هدف أقل بكثير من تدميره. ومضت الصحيفة قائلة إن مدينة عين العرب أو كوبانى بالكردية كانت ضحية أيضا لنهج الحكومة التركية الغامض إزاء الحرب.. فبينما يقول أردوغان إنه يدعم القتال ضد داعش، إلا أنه رفض حتى الآن الانضمام للتحالف أو حتى السماح للطائرات الأمريكية المتمركزة فى تركيا بتنفيذ مهام فى سوريا. كما أن أنقرة مترددة فى دعم الأكراد فى كوبانى لصلتهم بالأكراد المعادين للحكومة التركية. واعتبرت واشنطن بوست أن مثل هذه التناقضات تسمح لداعش ليس فقط بالبقاء بل أيضا بالتوسع. التحالف الغريب مع نهاية سنة 2014 وبطريقة ربما غير مقصودة سلطت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية الضوء على أبعاد التحالف مع طهران حيث قالت: كثفت إيران منذ سنة 2013 من جهودها العسكرية في العراق. وقدمت طهران المساعدة التي كانت حكومة بغداد بحاجة إليها لمواجهة معارضيها من أنصار حزب البعث ثم تنظيم داعش في العراق والشام. وتتقبل الولاياتالمتحدة في الوقت الحالي الدور الإيراني. لكن ومع عودة القوات الأمريكية مرة أخرى إلى العراق يتخوف المسؤولون الأمريكيون من توتر جديد مع إيران، مباشرة أو من خلال الميليشيات الشيعية التي تلقى دعما من الحرس الثوري الإيراني. ونقلت الصحيفة عن رجل دين إيراني بارز له علاقة مع القيادة في طهران قوله إن إيران أرسلت منذ سيطرة تنظيم الدولة على أنحاء مختلفة من العراق 1000 مستشار عسكري إلى العراق ووحدات نخبة وقامت بغارات جوية وانفقت مليار دولار أمريكي على المساعدات العسكرية لحكومة بغداد. ورغم تأكيد إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما على عدم وجود تعاون وتنسيق مع إيران إلا أن التحالف المفتوح بينهما ضد تنظيم داعش هو أمر واقع وإن كان غير مريح، ليس لأن الميليشيات التي تعتمد عليها الحكومة العراقية قامت بعمليات ضد الجيش الأمريكي ولكن لأن إيران تدعم النظام السوري في دمشق وتوفر له الدعم المادي والعسكري والمقاتلين. وتدعم الولاياتالمتحدة جهود الإطاحة بالرئيس بشار الأسد، وتجري في الوقت نفسه محادثات دبلوماسية حول الملف النووي الإيراني. وفي السياق الحالي تناست الدولتان التوترات بينهما للعمل في جبهة واحدة ضد تنظيم داعش. فحسب علي الخضيري الذي عمل مستشارا لعدد من السفراء الأمريكيين فإن التركيز الأمريكي والإيراني الآن هو على هزيمة تنظيم داعش وترحيل القضايا الخلافية للمستقبل. وقال "ستتم هزيمة داعش" و "المشكلة هي فيما بعد حيث ستكون هناك عشرات من الميليشيات التي خبر أفرادها الحرب وتلقوا الدعم من نفط العراق وتقودها قيادات متأثرة بإيران وستكون هي القوة الوحيدة المتماسكة". وأصبح الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس رجل العمليات الإيرانية في العراق. فصوره وهو في ساحة المعركة انتشرت عبر وسائل التواصل الإجتماعي. ووصف هادي العامري قائد قوات بدر الشيعية علاقة الجنرال مع العراقيين "هو صديقنا ونحن فخورون بهذه الصداقة". ويرى جيمس جيفري، السفير الأمريكي السابق في العراق أن الولاياتالمتحدة ارتكبت خطأ بعدم القيام بغارات جوية محدودة بعد التقدم الذي حققه تنظيم داعش. وعلق جيفري بأن العراقيين كانوا بحاجة ماسة للإنقاذ وأن الإيرانيين وحدهم هم من جاء لإنقاذهم. كما وقدمت إيران الدعم للأكراد الذين يعتبرون حلفاء الولاياتالمتحدة المقربين. وفي الوقت نفسه منح انهيار معظم الجيش العراقي الزخم والدعم للميليشيات الشيعية المدعومة من إيران مثل قوات بدر، وعصائب الحق وكتائب حزب الله بالإضافة لعدد من الميليشيات المسلحة صغيرة الحجم. ويقول قائد كتائب حزب الله، الشيخ جاسم السعيدي إن عدد قوات تنظيمه تضاعف منذ يونيو ووصل الآن إلى 30000 مقاتل. وأكد السعيدي أن "إيران لم تغادر أبدا"، وبسبب هذه العلاقة الوثيقة فقد قدمت إيران "كل ما لديها من دعم للعراق". وتصنف الولاياتالمتحدة كتائب حزب الله كمنظمة إرهابية ولكنها تلقت الصواريخ من إيران وأسلحة أمريكية من مصادر أخرى. المحلل باتريك كوكبيرن كتب في صحيفة "إندبندنت أون صنداي" البريطانية أن تقدم تنظيم داعش راجع في جزء منه إلى تجاهل الغرب الوسائل المناسبة لقتاله. ويقول الكاتب إن الولاياتالمتحدة مثلا أنفقت 500 مليار دولار لتطوير مقاتلات أف 35 فيما تشتري بريطانيا طائرات من هذ الطراز بكلفة 100 مليون دولار للواحدة كي تتفوق على القدرات الجوية الصينية والروسية. لكن الأجهزة المطلوبة لمواجهة الخطر الحقيقي يتم تجاهلها. فلم يتم العثور على أجوبة على الأخطار التقليدية التي تمثلها القنابل المصنعة محليا التي كانت مسؤولة عن مقتل ثلثي القوات الأمريكية وتلك المتحالفة معها في العراق وأفغانستان. مضيفا أن أهم ملمح في حربي العراق وأفغانستان كان فشل الأسلحة باهظة الثمن بهزيمة قوات مسلحة بأسلحة خفيفة. وفي وقت تدخل فيه الولاياتالمتحدة وحلفاءها في حرب جديدة في العراق وسوريا فإن الإجابة على هذه الأسئلة تبدون ملحة. صحيح كما يقول أن المؤسسة العسكرية لا تلام على الفشل في العراق وأفغانستان لأن الفشل كان سياسيا. وهذا لا يعفي بالضرورة القادة العسكريين من الاخطاء التي ارتكبت هناك. ويتذكر ما قاله له أحد الدبلوماسيين الأمريكيين في بغداد قبل خمس أو ست سنوات "مهما حدث للاعتقاد الصحيح الذي يحمله الرأي العام الأمريكي في مرحلة ما بعد فيتنام فقادتنا العسكريون نادرا ما يتفوهون بالحقيقة". ويشير هنا إلى الوضع في أعلى مستوياته من الفشل، أي الجيش العراقي الذي نظم ودرب أمريكيا ولكنه انهار أمام قوة صغيرة ومسلحة بسلاح خفيف. وكانت هزيمة مثيرة للعار لم تحدث في التاريخ عندما تخلى القادة عن جنودهم وركبوا المروحيات وهربوا. وكانت قوات الجيش والشرطة العراقية التي يصل عددها إلى 650000 عنصر قد دربها الأمريكيون بكلفة 26 مليار دولار وذلك حسب تقرير المفتش العام الأمريكي لإعمار العراق. ويقول إن حوالي 9.4 مليار أنفقت على التدريب وتجنيد وتزويد قوات الشرطة. وأنفقت 3.4 مليار على شراء الدبابات والقوارب والمقاتلات وعربات النقل التي سيطر عليها تنظيم داعش وشغلها بسهولة. ويتساءل قائلا إن ال 3000 مستشار عسكري الذين أرسلهم أوباما من جديد إلى العراق لتدريب 26 وحدة عسكرية بقيت من الجيش العراقي ستبدأ من نقطة الصفر بدون أن يسأل أحد عما حدث من أخطاء في الفترة ما بين 2003- 2014. فما الذي يجعل المقاتل في داعش يخوض المعارك بعد اسبوعي تدريب وأسبوعين من التهيئة العقائدية أما الجندي العراقي فلا. ربما لأن التدريب الأجنبي لهم يجعلهم قوات غير شرعية في نظر أنفسهم وشعبهم يجيب الكاتب. حيرة وتخبط هناك في الدوائر التي تساهم في توجيه قرارات وإختيارات البيت الأبيض من لا يؤمن بالتقديرات القائلة أن إدارة الرئيس أوباما ستنجح بسياستها الحالية في التوصل إلى إعادة رسم خريطة بلاد الشام والرافدين بأقل التكاليف، ويخشون من إنتكاسات كالتي طالت مخطط ركوب حركة التطور في المنطقة العربية التي سميت بالربيع العربي وتحويلها إلى فوضى خلاقة، ويضاف إلى هؤلاء من لا يدخل في نطاق الدائرة جد الضيقة المطلعة على مشاريع الأجهزة الأمريكية الأكثر سرية. يتنبأ بعض المحللين في واشنطن وغالبيتهم من أنصار الجمهوريين بأن التدخل الأمريكي في سوريا سيواجه الفشل، ومما يضاعف من ترجيح هذه النتيجة "حالة نصف التدخل" التي تنتهجها إدارة أوباما في سوريا لأن روسيا مستعدة لدعم الرئيس بشار الأسد لسنوات كما ان إيران لن تسمح بانهزام عمودها الفقري في المجال الإقليمي، أما المعارضة السورية المعتدلة فهي لن تكون مستعدة للعب دور سياسي أو عسكري هام قبل سنوات وستكون مشغولة بمحاربة "داعش". ويضيف هؤلاء ان الفظائع التي ارتكبتفي الحرب تؤرق ضمير أمريكا والعالم ولكن التدخل وسفك الدماء في حرب لا تنوي الولاياتالمتحدة الفوز بها هو بديل غير أخلاقي، فالهدف من الحروب الأخلاقية هو بناء سلام أفضل وهو أمر مستبعد في سوريا وليست هنالك ضمانة بان تؤدي التحالفات الهشة للولايات المتحدة في البلاد والمنطقة إلى صياغة حكم يمكن التفاؤل به أمريكيا. التدخل الأمريكي في العراق أدى إلى كارثة وتدخلها في سوريا سيؤدي إلى كارثة مماثلة والحل الوحيد الذي خرج به أوباما للحصول على القليل من النتائج هو "الصبر الاستراتيجي" الذي يراهن على حصول تقدم لصالح دول التحالف على المدى الطويل، وهذا يعنى بالتأكيد المزيد من سفك الدماء والتمزق والدمار. المتاهة ونهاية النفق وسط هذه المتاهة من تقلب التحالفات وإختلال مشاريع التدخل، برزت لبعض الأطراف الإقليمية والدولية وخاصة القاهرةوموسكو إمكانية التوصل إلى تسوية سياسية على الساحة السورية تسحب البساط من تحت أقدام البيت الأبيض وبعض حلفائه الذين لا يزالون متمسكين بالمشروع الذي إنطلق سنة 2011. في حين وفي مؤشر على تخبط بعض خصوم نظام دمشق أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يتابع الحرب في سوريا يوم 17 ديسمبر 2014 إن أكثر من 120 ألف مقاتل يؤيدون الرئيس السوري بشار الأسد قتلوا في الحرب منذ أن بدأت في عام 2011، وحسب المرصد سقط إجمالا أكثر من 200 ألف قتيل من المدنيين والعسكريين. وقال المرصد في توزيع للقتلى والجرحى أن 735 مقاتلا من أصول عربية وآسيوية و91 مقاتلا من جماعة حزب الله اللبنانية قتلوا في الاسابيع التي تلت تولى الأسد ولايته الرئاسية الثالثة في شهر يوليو 2014. فيما يخص التسوية قالت سوريا يوم السبت 27 ديسمبر 2014 إنها مستعدة للمشاركة في "لقاء تمهيدي تشاوري" في موسكو بهدف استئناف محادثات السلام عام 2015 لانهاء الصراع. ولم تفض جولتي محادثات سلام سنة 2014 في جنيف إلى وقف الصراع الذي أودى بحياة 200 ألف شخص ولم تظهر دلالة تذكر على ان أحدث مبادرة تكتسب زخما. ونقل التلفزيون السوري عن مصدر بوزارة الخارجية والمغتربين قوله "في ضوء المشاورات الجارية بين الجمهورية العربية السورية وجمهورية روسيا الاتحادية حول عقد لقاء تمهيدي تشاوري في موسكو يهدف إلى التوافق على عقد مؤتمر للحوار بين السوريين أنفسهم دون أي تدخل خارجي تؤكد الجمهورية العربية السورية استعدادها للمشاركة في هذا اللقاء انطلاقا من حرصها على تلبية تطلعات السوريين لإيجاد مخرج لهذه الأزمة". واجتمع هادي البحرة رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض ومقره تركيا مع الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي في القاهرة يوم السبت وقال في مؤتمر صحفي "لا توجد أية مبادرة كما يشاع". ونقلت وكالة الأنباء المصرية الرسمية عنه قوله "روسيا لا تملك أي مبادرة واضحة وما تدعو إليه روسيا هو مجرد دعوة للاجتماع والحوار فى موسكو ولا تملك أى ورقة محددة أو مبادرة محددة". وذكرت الوكالة العربية السورية للانباء يوم السبت إن محادثات موسكو يجب ان تؤكد على استمرار مكافحة "الارهاب" وهو مصطلح يستخدم للاشارة إلى المعارضة المسلحة. ويؤكد أعضاء بحكومة الأسد إن المعارضة في المنفى لا تمثل السوريين وتقول إن مجموعة صغيرة من شخصيات المعارضة التي تعيش في دمشق والاقل مجاهرة بانتقاداتها للرئيس هي التي يجب ان تمثل المعارضة. وذكر وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف هذا الشهر إنه يرغب في أن تتفق جماعات المعارضة السورية فيما بينها على نهج مشترك قبل بدء المحادثات المباشرة مع الحكومة. لكن لافروف لم يحدد جماعات المعارضة التي ستشارك. ضغوط أمريكية يوم الأحد 28 ديسمبر ورغم ضغوط أمريكية حسب مصادر أوروبية لرفض مبادرة موسكو، أعلنت الخارجية المصرية أن القاهرة ترحب بعقد حوار سوري سوري يستضيفه أحد مراكز الأبحاث بالقاهرة بين الأطراف السورية المعارضة للتوصل إلى وثيقة موحدة تعكس رؤيتهم لكيفية التوصل إلى حل سياسي في سوريا، وذلك قبل انعقاد مؤتمر موسكو، مستبعدة إمكانية أن يوصل الحل العسكري لنتيجة. وقال بدر عبد العاطي، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، إن وزير الخارجية المصري، سامح شكري، استقبل، الأحد، هادي البحرة والوفد المرافق، حيث تم تناول تطورات الأزمة السورية والأفكار والجهود المطروحة لتوحيد جهود المعارضة السورية، والتركيز على أطر الحل السياسي لهذه الأزمة بما يضمن لسوريا وحدتها ويحقق آمال وتطلعات الشعب السوري. وأضاف المتحدث أن الوزير شكري أكد على عناصر الموقف المصري التي تتضمن التأكيد على أهمية الحل السياسي وعدم إمكانية حل الأزمة عسكريا في سوريا، وضرورة التوصل إلى نقطة توافق يرتضيها الشعب السوري لحل الأزمة سلميا، مضيفا أن مصر تبذل قصارى جهدها وتتفاعل مع كافة الأطراف السورية والإقليمية والدولية لحماية وحدة التراب السوري ومواجهة الإرهاب. وذكر عبد العاطي أن شكري استمع خلال اللقاء لشرح مفصل من البحرة حول موقف الائتلاف من الأفكار المطروحة لإنهاء الأزمة، بما في ذلك مبادرة المبعوث الأممي دي ميستورا الخاصة بتجميد جبهات القتال، وكذلك الآليات الخاصة بتحقيق تطلعات الشعب السوري لإقامة نظام ديمقراطي تعددي. وأكد أن شكري نقل للبحرة خلال اللقاء حرص مصر على التفاعل والتواصل مع الأطراف السورية والإقليمية والدولية المعنية للتوصل إلى نقاط توافق لدعم حل سياسي، يمكن من استعادة سوريا لموقعها الطبيعي، وأن يتوصل السوريون أنفسهم إلى توافق حول الحل السياسي عبر حوار بين القوى السياسية السورية التي تقرر موقفها بنفسها، بحيث يكون دور مصر هو احتضان الحوار ورعايته كونه يتم على الأراضي المصرية. إلى ذلك، قال إن البحرة استهل اللقاء بالتأكيد على أهمية الدور المصري في جمع فصائل المعارضة السورية، وتهيئة الأجواء لإطلاق حوار سوري سوري، مشيدا باستضافة مصر لأعداد كبيرة من اللاجئين السوريين على أراضيها وتقديم الرعاية لهم وأشار إلى أن الائتلاف السوري وبقية أطراف المعارضة يدرسون الآن وثيقة جنيف وبعض المقترحات الأخرى. وكانت مصادر دبلوماسية في القاهرة قد تحدثت عن وجود أفكار للحل، لكنها لم تتبلور بعد في صورة مبادرة روجت لها وسائل الإعلام قبل أيام، رغم أن مصر لم تكشف رسميا عن أي معلومات تتعلق بتحركاتها حول الموضوع. وتقول التسريبات إن المناقشات ستدور حول تشكيل مجلس عسكري من 15 شخصية لإعادة بناء الجيش وتشكيل مجلس من 100 شخصية من مختلف التوجهات لإدارة المرحلة الانتقالية وتشكيل حكومة تكنوقراط ووقف العمل بالدستور الحالي. كما عرضت مصر على روسيا أن تعقد المفاوضات المقبلة بين النظام والمعارضة في القاهرة بدلا من موسكو للحد من قدرة واشنطن على تخريب اللقاء في نطاق صراعها مع الكرملين، ما لم تنفه أو تؤكده أي مصادر رسمية مصرية حتى الآن. تفاهم ضروري مصادر رصد ذكرت كذلك أن القاهرة طرحت أفكارا للتسوية جوهرها الوصول إلى تفاهم وتهادن بين سلطات دمشق ودول الخليج العربي التي ساندت القوى المناهضة لنظام بشار الأسد، فتلتزم سوريا بعدم التوجه إلى الإنتقام سواء عن طريق التحالف مع طهران لزعزعة دول مجلس التعاون الخليجي أو بمساندة القوى المعادية خاصة للسعودية وقطر والامارات وأن تشجع القوى اللبنانية المقربة منها على تسوية الأزمة السياسية اللبنانية الداخلية بشكل يضمن عدم رجوح كفة أنصار وحلفاء دمشق على كفة أنصار وحلفاء الرياض. مقابل ذلك تتوقف دول الخليج عن زيادة الدعم للقوى التي تقاتل نظام دمشق وتجمد ضخ الأموال التي تستخدم لتجنيد ما يسمى جهاديين من خارج أرض الشام، ووأن تشجع ما يدعى في الغرب بالمقاومة السورية المعتدلة على الدخول في مفاوضات لإنهاء الحرب والمشاركة في السلطة بشكل حقيقي وبالتالي تكون ضامنا لإلتزام سلطات دمشق بتعهداتها السابقة الذكر. المشكلة بالنسبة لهذه الاقتراحات المصرية أن لها معارضين كثيرين في داخل أجهزة القرار في بعض دول الخليج العربي خاصة هؤلاء الذين يصرون أن يختفي الرئيس بشار الأسد من المسرح السياسي وبغض النظر عمن سيخلفه. دول الخليج كذلك تريد نوعا من التسوية مع حزب الله اللبناني تضمن عدم تدخله في الصراعات الدائرة في المنطقة الخليجية والتوقف عن دعم القوى المحلية المناصرة له، والتوصل إلى تسوية قابلة للإستدامة مع تحالف 11 آذار التي يشكل الحريري أحد أهم أقطابها والمقربة من دول الخليج العربي البترولية والتي تدعمها فرنساوالولاياتالمتحدة بشكل أساسي. عمر نجيب [email protected]