يتفق عدد من المحللين الدوليين على أن الولاياتالمتحدة ورغم الإخفاقات المتعددة التي ألمت ببعض جوانب سياستها، لم تتخل عن مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي وضعه المحافظون الجدد خلال القرن الماضي، وجعلوا من عملية "الفوضى الخلاقة" أحد أدوات إنجازه. مجموعة أخرى من السياسيين يقدرون أنه على غرار رئيسهم أصبح معظم المشرعين الأمريكيين غير راغبين في قيام بلادهم بدور قيادي في الأزمات التي تحدث في أنحاء العالم. وفي داخل الولاياتالمتحدة تواجه سياسة أوباما الخارجية انتقادات حتى في صفوف حزبه. هذا بينما ينتظر شركاء الولاياتالمتحدة بقلق متزايد أن تتخذ واشنطن قرارات أكثر حسما. فهل سيكون انتظارهم بلا جدوى؟ وهل قرر أوباما التخلي عن دور القيادة في إخماد بؤر التوتر الإقليمية التي تهدد الاستقرار العالمي؟. هناك من يجيب على هذه التساؤلات بالتأكيد أن واشنطن أدخلت تعديلات على تكتيكاتها تتلخص ببساطة في إيجاد طرف ثاني يقوم بما كانت تفعله هي بقواتها العسكرية وبذلك تقلص من خسائرها البشرية والإقتصادية التي كادت تعصف بها خاصة في حربي العراق وأفغانستان، وفي نفس الوقت تخلق الأرضية التي تسمح لها بتنشيط وتوسيع عملية "الفوضى الخلاقة" والحفاظ على هيمنتها على الساحة الدولية. العلاقات الغامضة يوم الجمعة 12 سبتمبر 2014 فاجأت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية الكثيرين عندما أعلنت أن عدد مقاتلي ما يسمى تنظيم "الدولة الإسلامية" في سورياوالعراق "يتراوح بين 20 ألفا و31 ألفا و500" مقاتل، في تقديرات جديدة تزيد بأضعاف عن تقديراتها السابقة البالغة ثلاثة آلاف ثم 10 آلاف مقاتل. وقال راين تراباني المتحدث باسم "السي آي ايه" لوكالة فرانس برس إن التقديرات الأخيرة جاءت استنادا إلى دراسة جديدة لتقارير كل مصادر الاستخبارات بين مايو وأغسطس. وأوضح أن الوكالة تعزو هذه الزيادة إلى عملية "تجنيد أكثر زخما منذ شهر يونيو بعد الانتصارات الميدانية وإعلان دولة الخلافة" في منطقة مترامية على جانبي الحدود السورية العراقية. هذا التصريح جاء غداة إعلان الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن إطلاق حملة "بلا هوادة" ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" بما في ذلك عبر تنفيذ ضربات جوية في سوريا كما في العراق، وكذلك قبل إنعقاد مؤتمر باريس يوم الإثنين 15 سبتمبر حول الأمن في العراق والذي تريد واشنطن من خلاله تحديد أدوار كل دولة مشاركة في التحالف الدولي للقضاء على تنظيم "داعش". يشار أنه يوم الجمعة أيضا ولأول مرة منذ أن عرض الرئيس الأمريكي إستراتيجيته ضد تنظيم "داعش"، تحدث البيت الأبيض أنه يخوض "حربا" ضد هذا التنظيم وليس "عمليات موسعة" فحسب، في خطوة تهدف إلى تعزيز موقف أوباما حسب بعض مناصري سياسته، حاسما بذلك الجدل حول توصيف الإستراتيجية التي أعلنها الرئيس باراك أوباما الأربعاء للقضاء على التنظيم المتطرف. ويأتي ذلك لينسف ما قاله وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في وقت سابق من أن بلاده "لن تشن" "حربا" ضد التنظيم بل "عملية واسعة النطاق لمكافحة الإرهاب". وقد يبدو الجدل حول التسمية لا أهمية له، بينما المقاتلات والطائرات الأمريكية بدون طيار تقصف مواقع تنظيم داعش في العراق منذ أسابيع في أكثر من 160 عملية. لكن هذا الجدل يراد به أن يظهر تردد إدارة أوباما في تبني لغة وعد هو بالتخلي عنها، حين تعهد أمام ناخبيه "إنهاء" الحروب التي تخوضها الولاياتالمتحدة في أفغانستان والعراق خلال ترشحه لحملتين انتخابيتين رئاسيتين. الحديث عن حرب أو عملية موسعة لم يخفف النقاش الدائر حتى في الولاياتالمتحدة عن علاقة الدوائر السياسية الأمريكية بتكوين تنظيم "داعش" وعلاقة بايدن نائب الرئيس الأمريكي أوباما بقائد التنظيم أبو بكر البغدادي الذي نشرت صور لإجتماع بينهما بحضور مسؤولين في أجهزة المخابرات الأمريكية. حصان طروادة تقول مصادر رصد روسية وأوروبية أن تنظيم "داعش" ليس أكثر من حصان طروادة، تريد واشنطن وحلفاءها عبره تعديل تطور الحرب على أرض الشام حيث أخذ الجيش السوري منذ ربيع سنة 2014 يحقق إنتصارات متوالية على خصومه، وكذلك تصفية المقاومة العراقية التي يقودها حزب البعث بهدف إستعادة السلطة في بغداد. وتضيف نفس المصادر أنه لو نجحت واشنطن في إستقدام قوات عربية للقتال ضد تنظيم داعش فإنها ستتمكن بذلك من وضع ألغام تحت أقدام بعض الأنظمة العربية تعوض بها جزء من الفشل الذي لحق بمحاولتها ركوب حركة التطور في المنطقة العربية مما يسمح بتسليم الحكم لجماعات متحالفة بشكل أو بآخر مع مشاريع البيت الأبيض خاصة تلك المتعلقة بتعديل حدود دول المنطقة وإنشاء ما بين 54 و 56 دولة على أساس عرقي وديني ومناطقي، وإيجاد وطن بديل للفلسطينيين. جاء في تقرير من العاصمة الألمانية برلين: تتوالى التصريحات من كل حد وصوب سواء المؤيدة أو المتوجسة من خطة اوباما التي تستهدف اجتثاث تنظيم "داعش"، فبينما أيدت عشر دول عربية على رأسها السعودية ومصر والأردن التحرك لإنهاء هذا التنظيم الإرهابي بكبح تدفق المقاتلين والأموال إليه ولكن دون التزام بإرسال قوات، اتخذت تركيا دور المراقب في قمة جدة التي انعقدت الخميس 11 سبتمبر بحضور وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، حيث تحفظت في توقيع البيان الختامي. وهون المسئولون الأمريكيون من الآمال بإقناع أنقرة بالقيام بدور قتالي وركزوا بدلا من ذلك على جهود تركيا لوقف تدفق المقاتلين الأجانب الذين يعبرون أراضيها وتقديم المساعدات الإنسانية. ومنذ الأيام الأولى للصراع في سوريا ساندت تركيا مقاتلي المعارضة وانصارهم من الأجانب الذين يحاربون الأسد متطلعة لاستعادة مجد وسلطة ضاعت قبل عقود. ومع أن تركيا تشعر بالقلق من صعود الدولة الإسلامية فإنها تخشي ان يضعف أي عمل عسكري خصوم الأسد ويسفر عن تقوية الأكراد في كل المنطقة. ويشن المقاتلون الأكراد في تركيا نفسها تمردا على الدولة التركية منذ ثلاثة عقود وينخرطون في عملية سلام حساسة. وأشادت صحف موالية للحكومة بإعراض أنقرة عن القيام بدور في خط المواجهة في الائتلاف وتساءلت هل العمل العسكري الذي تقوده الولاياتالمتحدة هو الحل وأوردت الصحف مقارنات مع ما حدث في عام 2003 حينما رفض البرلمان طلب الولاياتالمتحدة استخدام الأراضي التركية في غزو العراق. وعلى الطرف الآخر، طالبت روسيا هذا التحالف بضرورة الرجوع إلى مجلس الأمن قبل شن أي غارات داخل الأراضي السورية، كذلك رأى نظام دمشق أن تلك الضربات ستكون "عملا عدائيا" في حال عدم التنسيق معه، بل وأبدى توجسه من أهداف هذا التحالف، حينما قال علي حيدر وزير المصالحة الوطنية السوري "قد تكون داعش في المرحلة القادمة حصان طروادة لدخول الدول المعتدية على سوريا الى سوريا ان لم تكن هناك نوايا حقيقية لمحاربة الإرهاب". الملاحظ أن الاهتمام الغربي بمحاربة تنظيم "داعش" أعاد الاهتمام بالموضوع السوري بل ووضعه في الصدارة، حيث تصر واشنطن على أن محاربة داعش في العراق يجب أن تبدأ من سوريا، ما جعل إدارة اوباما تسرع بالإجراءات القانونية لتدريب وتجهيز مسلحين سوريين للقيام بمهمة محاربة داعش على الأرض وذلك تحت غطاء جوي أمريكي. وبهذا الشأن يقول جاسم محمد، الباحث في قضايا الإرهاب والاستخبار المقيم في ألمانيا، إن "المعارضة السورية المعتدلة باتت لب الرهان الدولي في محاربة داعش"، ويضيف: "لكن يجب القول إن المعارضة السورية فقدت الثقة إلى حد كبير في الإدارة الأمريكية بعد تخاذلها في دعمها لإسقاط نظام الأسد عن طريق التدخل المباشر. البيت الأبيض يتحدث عن دعم غير محدود للمعارضة السورية المعتدلة للقيام بمهمة محاربة داعش على الأرض وهذا يعني أن الولاياتالمتحدة قد حسمت أمرها بشأن مستقبل نظام الأسد رغم خطر الدخول في مواجهة مع موسكو. لقد بدا جليا ان الولاياتالمتحدة وحلفائها لن يتعاملوا مع نظام دمشق في محاربة داعش ما يعني أن المعارضة المعتدلة ستكون الشريك الوحيد على الأرض، لكن هل هي قادرة على الحفاظ على الأراضي بعد انسحاب داعش منها؟ يقول رياض قهوجي، مدير مؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري، إن "هناك إستراتيجية أمريكية لإنهاء داعش، ولا يمكن عمليا تحقيق هذه المهمة في ظل وجود نظام سوري في حالة حرب مع المعارضة التي تريد واشنطن لها أن تقوم بالسيطرة على مناطق داعش، وهذا ما يؤدي بشكل منطقي إلى ربط مصير الأسد بمصير داعش"، اي بمعنى آخر أن واشنطن تسعى إلى محاربة التنظيم الإرهابي دون إعطاء فرصة لنظام دمشق للاستفادة من هذا المكسب الاستراتيجي. ولتحقيق ذلك فإن "التحالف الغربي سيكون مضطرا مع الوقت للتعامل مع النظام إما بالدفع باتجاه حل سياسي للأزمة السورية او القيام بعمليات عسكرية تحد من تأثير قوات النظام السوري على المعارضة المدعومة من قبل الولاياتالمتحدة وذلك بفرض منطقة حضر جوي"، الأمر الذي سيعجل بنهاية نظام الأسد حسب تمنيات البيت الأبيض وإسرائيل. موسكو تحذر يرى ملاحظون أن النظام السوري يسعى إلى إيجاد دور له في محاربة تنظيم داعش على أراضيه ليمنع الغرب من تحقيق أهدافه البعيدة المدى، معتبرا أن أي قصف دون التنسيق معه سيكون "عملا عدائيا". روسيا سارعت إلى تحذير التحالف الغربي من مغبة تنفيذ غارات جوية داخل الأراضي السورية دون الرجوع إلى مجلس الأمن أو اخذ الضوء الأخضر من دمشق. موسكو التي لم تستشر هذه المرة من قبل الغرب في قضية محاربة داعش، تسعى إلى عرقلة أي تحرك على الأراضي السورية من خلال مجلس الأمن الذي قد لا يطلع هذه المرة على مهمة إصدار قرار يخول للغرب بالتحرك لمحاربة الارهاب، ومن هنا يقول المحلل الاستراتيجي رياض قهوجي: "في هذه الحالة لا يمكن لروسيا أن تفعل شيئا الآن، وكل تصريحاتها هي للاستهلاك المحلي، ما تستطيع ان تفعله هو الاستمرار بتزويد النظام السوري بالسلاح، وأي محاولة منها للتدخل عسكري يجعلها في مواجهة مباشرة مع الغرب، وهذا ما لا تريده طبعا". وقد رد وزير الخارجية الأمريكي على تصريحات موسكو، التي اعتبرت الضربات الجوية الأمريكية المتوقعة على مواقع داعش في سوريا انتهاكا صارخا للقانون الدولي بالقول إن روسيا آخر من يحق له الحديث عن القانون الدولي في ظل ما تقوم به من انتهاكات في أوكرانيا حسب وصفه. لكن خبراء عسكريين أشاروا إلى أن الكرملين عزز الدفاعات الجوية السورية بشكل سيعرض الطائرات الأمريكية إلى خطر الإسقاط إذا سعت لضرب الجيش السوري. لندنوباريس، وهما المحركان الأوروبيان الأساسيان في التحالف الغربي، يشعران بالحرج بهذا الخصوص. ففي حين أكد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون عدم استبعاد أي إجراء، أكد وزير خارجيته فيليب هاموند أن لندن لن تشارك في ضربات جوية في سوريا وربما حتى في العراق. ودأبت بريطانيا في الماضي على ان تكون أول دولة تنضم لعمل عسكري أمريكي في الخارج إلا ان الرأي العام أصبح يبغض الحرب وقد رفض البرلمان البريطاني توجيه ضربات جوية لسوريا عام 2013 كما أن الحساسيات المتعلقة بالاستفتاء الخاص باستقلال اسكتلندا يوم الخميس 18 سبتمبر كلها عوامل تفرض تحفظ رئيس الوزراء البريطاني هذه المرة. ولم يعلن كاميرون عن أي خطط لانعقاد البرلمان وهو في عطلة حتى ينال تفويضا منه بشن ضربات جوية على الدولة الإسلامية فيما تقول شخصيات على دراية بطريقة تفكيره إنه ليست لديه أي خطط فورية في هذا الشأن. ويبدو أن معظم البلدان الأوروبية الأخرى تحجم عن المشاركة فيما هو أكثر من المساعدات الإنسانية واللوجستية. أما فرنسا فتتبنى مقاربة تشدد على القانون الدولي، وتستبعد أي تحرك خارج إطاره. غير أن إصدار الأممالمتحدة قرارا بهذا الشأن غير مرجح، نظرا إلى معارضة موسكو وبكين لأي عمل عسكري في سوريا من دون موافقة الرئيس السوري بشار الأسد. لكن الغربيين يرفضون اعتباره شريكا في مكافحة الإرهاب. فقد أعلن الرئيس الفرنسي فرنسوا أولاند الذي سلمت بلاده أسلحة للمعارضين السوريين المعتدلين ووضعت وحدات من إستخباراتها داخل سوريا، أنه "لا يمكن حتى التفكير بأي تحرك يمكن تنفيذه على صلة ببشار الأسد". وفي هذا السياق قال مصدر دبلوماسي للوكالة الفرنسية للأنباء: "إن أردنا أن يكون مؤتمر باريس مفيدا، فينبغي عدم خلط الإشكاليات. لب المشكلة في الوقت الحالي هو العراق". وأضاف "يتعين ان يتسم التحالف ضد داعش بالكفاءة وان يكون محدد الهدف". واضاف "علينا بالحفاظ على استقلاليتنا. لا نريد ان نكون مقاولين من الباطن للولايات المتحدة. لم يوضحوا لنا نواياهم حتى هذه اللحظة". وكانت الولاياتالمتحدةوبريطانيا قد انسحبتا من خطة لضرب القوات النظامية السورية عام 2013 وذلك قبل ساعات من الموعد المقرر لانطلاق مقاتلات فرنسية من الحاملة شارل ديغول في البحر المتوسط مما وضع الرئيس الفرنسي فرانسوا اولوند في موقف حرج ومعزول خاصة وأنه كان يأمل استعادة نفوذه في منطقة كانت تحت سيطرة جيوشه بعد الحرب العالمية الأولى. وتطالب فرنسا هذه المرة بالتزام واضح وبان يتسق اي عمل في سوريا والشرعية الدولية. وفيما يتعلق بالعراق فانها تريد خطة سياسية تضم جميع أطياف المجتمع تكون جاهزة للتطبيق في الفترة التي تعقب إضعاف الدولة الاسلامية. وقال وزير الخارجية الفرنسي السابق أوبير فيدرين "يجب ان يتسم التحالف بأكبر قدر ممكن من الشرعية. إنه بحاجة الى أعضاء من مجلس الامن وأكبر عدد ممكن من الدول العربية ويتعين ان تكون هناك متابعة وإلا بدأ الامر كله من جديد في غضون ثلاثة أشهر. يجب ان تكون هناك رؤية طويلة الامد". إلا ان ما يمكن ان تقدمه فرنسا سيبقى محدودا لأن القوات الفرنسية موزعة في مناطق عدة منها أكثر من خمسة آلاف جندي في مالي وجمهورية افريقيا الوسطى، وهناك احتمالات للتدخل في مناطق أخرى من القارة السمراء. وخصصت فرنسا ميزانية حجمها 450 مليون يورو للعمليات الدفاعية الخارجية لعام 2014 في وقت تتعرض فيه الحكومة لضغوط شديدة لخفض الانفاق. وفي باريس تشير مصادر المخابرات الفرنسية أنه يجب الاستعداد لأخطار جديدة على الساحل الجنوبي للمتوسط بعد أن انشقت جماعة متشددة تطلق على نفسها اسم جند الخلافة في الجزائر عن تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي وبايعت نظام داعش الذي يقاتل في العراقوسوريا. وأعلن أمير منطقة الوسط في تنظيم القاعدة خالد أبو سليمان، واسمه الحقيقي قوري عبد المالك، في بيان نشرته مواقع جهادية قيادته للفصيل الجديد وانضم اليه قائد منطقة في شرق الجزائر يتخذها جناح القاعدة في شمال افريقيا مقرا له ويساند منها الحركات الإرهابية في تونس. وقال أبو سليمان مخاطبا أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم الدولة الإسلامية في البيان "إن لكم في مغرب الإسلام رجالا لو أمرتهم لأتمروا ولو ناديتهم للبوا ولو طلبتهم لخفوا" مشيرا إلى أن تنظيم القاعدة الأم وفرعها في المغرب "حادا عن جادة الصواب". ويعد فصيل جند الخلافة المنشق في الجزائر هو أحدث فصيل يبايع البغدادي بدلا من زعيم تنظيم القاعدة المسن ايمن الظواهري. ويعد تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي أحد الفصائل المتشددة في شمال أفريقيا والذي كان مصدرا لتجنيد آلاف الشبان الذين سافروا من ليبيا وتونس والمغرب إلى سورياوالعراق. والفصيل الذي أطلق على نفسه إسم "جند الخلافة في أرض الجزائر" هو الثاني الذي ينشق عن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي بعد انشقاق جماعة "الموقعون بالدم" بزعامة مختار بلمختار التي يقول مراقبون إنها تتمركز حاليا على الأرجح في جنوب ليبيا. وبلمختار هو جهادي جزائري مخضرم وأحد قادة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي وقد اتهم بقيادة الهجوم على منشأة إن أميناس للغاز في أوائل عام 2013 والذي قتل فيه 40 من العاملين في قطاع النفط معظمهم من الأجانب بعد حصار دام أربعة أيام. تضارب المصالح على الجانب العملياتي في الحرب على تنظيم "داعش" يستمر الناقش حول الدور الذي ستتولاه دول تتضارب مصالحها أحيانا وهي أحيانا مهددة من التنظيم المتطرف. وفي هذا السياق ينصب الاهتمام الأكبر على تركيا، الدولة العضو في الحلف الأطلسي وجارة سورياوالعراق، والتي تملك قاعدة عسكرية جوية مهمة يمكن للأمريكيين أن يشنوا منها هجمات على المتشددين في العراق. غير أن أنقرة ما زالت ترفض أي مشاركة فاعلة في العمليات المسلحة. وفي هذا الإطار قال مصدر دبلوماسي غربي: "ينبغي التأكد من أن ما تفعله جهة هنا لن تبطله أخرى هناك". على سبيل المثال ينبغي تجنب ما حصل في سوريا، حيث أشار الكثير من المراقبين إلى تسبب الخصومة بين قطر والسعودية اللتين دعمتا تنظيمات معارضة للرئيس السوري بشار الأسد، في انهيار المعارضة التي تعتبر معتدلة على حساب اتساع نفوذ الجماعات المتطرفة. من جانبه أفاد المتحدث باسم الخارجية الفرنسية رومان نادال: "نريد تلاقي الأهداف وتكامل المبادرات" العسكرية والإنسانية والمالية"، مؤكدا ضرورة إتخاذ قرارات حاسمة ووضع خطة عمل. جيوش عربية يوم 14 سبتمبر ورغم تحفظ أو رفض عدد من الدول فكرة الزج بنفسها في الحرب، صرح وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إنه "متشجع للغاية" من تعهدات دول من داخل الشرق الأوسط وخارجه بإرسال معونات عسكرية في مواجهة تنظيم داعش مشيرا إلى أن بعض الدول عرضت تقديم قوات برية. وقال كيري في برنامج لشبكة "سي.بي.إس" "لدينا دول في المنطقة ودول خارجها إضافة إلى الولاياتالمتحدة جميعها مستعدة للمشاركة في تقديم معونة عسكرية وفي توجيه ضربات فعلية إذا ما كان ذلك ضروريا. ولدينا ايضا عدد متزايد من الأشخاص المستعدين للقيام بكل الأشياء الأخرى". وكرر كيري تأكيد أوباما بعدم استخدام قوات برية أمريكية ضد داعش. وفي برنامج "حالة الاتحاد" الذي تذيعه قناة تلفزيون سي.إن.إن. سئل كبير موظفي البيت الأبيض دينيس ماكدونو عما إذا كان هذا التحالف يحتاج إلى قوات برية إضافة إلى قوات المعارضة في سوريا والقوات الكردية والقوات الحكومية في العراق. ورد ماكدونو قائلا "في نهاية المطاف .. من أجل تدمير داعش في العراق والشام نحتاج إلى قوة لمواجهتها ويفضل أن تكون من القوى السنية". وأضاف ماكدونو إن أوباما سيلتقي مع الجنرال جون آلن الذي عين مؤخرا مبعوثا رئاسيا خاصا لتشكيل التحالف ضد داعش. وأضاف آلن ان كيري سيدلي بشهادته امام الكونغرس بهذا الشان. الأمر الذي يجب تسجيله هو أن هناك ضغوطا من أطراف عربية تساند مسعى واشنطن لجر جيوش عربية إلى الحرب الجديدة، فمن قطر حليفة واشنطن ومقر أهم قواعدها العسكرية، صرح انتقد يوسف القرضاوي دور واشنطن في الحملة، وكتب على حسابه على موقع تويتر "أنا اختلف مع داعش تماما في الفكر والوسيلة لكني لا أقبل أبدا أن تكون من تحاربهم أمريكا". في البيت الأبيض وبإسلوب ملتوي لزيادة الضغط ذكر مسؤولون أمريكيون يوم الأحد 14 سبتمبر إن عددا من الدول العربية عرض الانضمام للولايات المتحدة في حملة الضربات الجوية على أهداف لتنظيم داعش. ورفض مسئولون الكشف عن الدول التي قدمت العروض لكنهم قالوا إن هذه العروض قيد النظر فيما تبدأ الولاياتالمتحدة تحديد دور كل دولة في تحالفها الوليد. وأفاد مسئول كبير بوزارة الخارجية الأمريكية للصحفيين في باريس "لا أريد أن أترككم بانطباع أن هذه الدول العربية لم تعرض تنفيذ ضربات جوية لان عددا منها عرض ذلك". وذكر المسؤول أن العروض لم تقتصر على الضربات الجوية في العراق. وتابع قوله "بعضها لمح إلى أنه مستعد لتنفيذ الضربات في مناطق أخرى.. لابد أن ننظر في كل هذا لانك لا تستطيع أن تذهب وتقصف مكانا ما". مصر وضرب كل التنظيمات الارهابية إذا كان الأردن من أوائل الدول العربية التي رفضت رسميا الطلب الأمريكي بالمشاركة عمليا في الحرب، فإن مصر فعلت أمرا مشابها وإن كان بإسلوب مختلف. يوم السبت 13 سبتمبر قالت الرئاسة المصرية في بيان إن الرئيس عبد الفتاح السيسي ابلغ وزير الخارجية الأمريكي الزائر جون كيري إن أي تحالف عالمي ضد الارهاب يجب ألا يحارب تنظيم الدولة الاسلامية فقط وانما الجماعات الأخرى أيضا. وذكر مسؤولو أمن مصريون إن تنظيم الدولة الإسلامية أقام اتصالات مع جماعة أنصار بيت المقدس وهي أخطر الجماعات المتشددة في مصر والتي قتلت مئات من رجال الأمن والجيش منذ أن عزل الجيش تحت ضغط شعبي هائل الرئيس محمد مرسي عام 2013. وذكرت الرئاسة في بيان إن السيسي أوضح إن أي إئتلاف دولي لمكافحة الإرهاب "لابد وأن يكون شاملا ولا يستهدف فقط تنظيما معينا أو القضاء على بؤرة إرهابية معينة، "وبدلا من ذلك لابد من توسيع الائتلاف ليشمل مكافحة الارهاب حيثما وجد في منطقتي الشرق الأوسط وافريقيا بما في ذلك تنظيم الإخوان الإرهابي". وأبدى السيسي أيضا قلقه خلال محادثاته مع كيري بشأن المقاتلين الأجانب في تنظيم الدولة الإسلامية والخطر الذي يشكلونه على بلدانهم بسبب جوازات السفر الغربية التي تمكنهم من اجتياز المطارات دون اكتشافهم. وقال البيان إن السيسي "حذر من تبعات تورط متشددين أجانب في الصراعات الدائرة في المنطقة". أمريكا سفينة بدون دفة كتب أندرو ج. بيسيفيتش مؤلف كتاب "خيانة الثقة: كيف تخلى الأمريكيون عن جنودهم وبلادهم" الذي صدر مؤخرا، والمعروف بمحاضراته على الإنترنت عن "حرب أمريكا من أجل الشرق الأوسط الكبير": في الآونة الأخيرة كتب الصحفي ديفيد بروكس في مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز يقول "نحن الآن نعيش في ما يمكن أن نسميه أو نقر بأنه عصر العراق". ومضى يقول "هناك في بلاد النهرين تجابه الولاياتالمتحدة "المشكلة الأساسية" لعصرنا. كان بروكس على خطأ. باديء ذي بدء فإنه يسيء تفسير المشكلة الأساسية التي هي اصلا صراع عالمي يضع التقاليد في مواجهة الحداثة. الصراع لم ينشأ في العراق ولم ينبع منه لذلك فالقول إننا نعيش في عصر العراق هو المعادل للقول إننا نعيش في عصر تيلور سويفت أو عصر جوجل. التوصيف يخدم أساسا صرف الأنظار عن المسائل الأكثر أهمية. على المدى القصير فاننا نعيش في عصر العراق وذلك لأن الرؤساء الأمريكيين المتعاقبين ركزوا على هذا البلد كمكان لإظهار السير الصعب قدما نحو الحداثة. وخلال فترة العشرين عاما بين 1991 و2011، وهي الفترة بين عملية عاصفة الصحراء والانسحاب النهائي للقوات الأمريكية بعد احتلال طويل للعراق، اعتمد صناع السياسة الأمريكيون الجمهوريون والديمقراطيون على أشكال متنوعة من القهر لربط العراق بالتوقعات الأمريكية الخاصة بكيف يجب أن يدار بلد. وقد مني هذا الجهد بفشل ذريع. والآن ها هو باراك أوباما الرئيس المنتخب عام 2008 لأنه وعد بإنهاء حرب العراق يعود من أجل قضمة أخرى من التفاحة. قضمة صغيرة ما دام تجنب أوباما للتدخل الواسع النطاق على الأرض سيقيد بدرجة كبيرة من الجهد الأمريكي للقصف الجوي. وما إذا كان الرئيس سيفي بوعده بالنيل من متشددي الدولة الإسلامية وانزال الهزيمة بهم في نهاية المطاف فان ذلك يعتمد على دقة تصويب القنابل والصواريخ الأمريكية أقل مما يعتمد على فعالية القوات البديلة التي تقاتل على الأرض. والوصول إلى وكلاء راغبين وقادرين يبدو أنه يمثل تحديا. وقوات الأمن العراقية التي شكلتها الولاياتالمتحدة بتكلفة عالية لم تظهر قدرة قتالية أو مهارة. ورغم ان البشمركة الكردية ذات سمعة أفضل الا ان هدفها الأساسي هو الدفاع عن كردستان لا تخليص العراق من الغزاة. والجيش السوري على خلاف ذلك مشغول ومسمم سياسيا. أما الدول التي ينبغي لها ان تعنى بالأمر بدرجة أكبر من الولاياتالمتحدة وذلك لانها مهددة بصورة مباشرة من جانب مقاتلي الدولة الاسلامية وهي ايران وتركيا ومصر وحتى السعودية فانها لم تبد رغبة متكافئة في العمل. ويكمن أفضل أمل في النجاح في احتمال أن يفسد مقاتلو الدولة الإسلامية فرصهم في النجاح بالإفراط في ثقتهم بأنفسهم من خلال أساليبهم الشريرة والخبيثة التي تنفر المتعاونين سابقا معهم والحلفاء مثلما فعلت تصرفات القاعدة في العراق حينما نفرت قادة المقاتلين السنة خلال الطفرة الشهيرة في أعداد القوات الأمريكية في عامي 2007 و2008، حيث كادت المقاومة تقترب من كسب المعركة. وهذا مؤكد إلى حد كبير، فحتى إذا استطاع أوباما وضع خطة لتدمير الدولة الإسلامية فإن المشكلات التي تعصف بمنطقة الخليج والشرق الأوسط على نطاق أوسع لن تزول في أي وقت قريبا. فتدمير ما يقول أوباما إنه الدولة الإسلامية في العراق والشام لن يخلق دولة عراقية تتسم بالفعالية والشرعية. ولن يعيد ليبيا بعيدا عن شفا السقوط في هوة الفوضى. ولن ينهي الحرب الأهلية في سوريا. ولن يجلب السلام والوئام للصومال واليمن. ولن يقنع حركة طالبان بإلقاء سلاحها في أفغانستان. ولن ينهي الأزمة الأبدية في باكستان. ولن يحل قطعا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. كل القوة العسكرية في العالم لن تحل تلك المشكلات. أوباما يعلم ذلك. ومع ذلك فإنه يسمح لنفسه بأن يستدرج إلى نفس الحرب التي وصمها ذات يوم بحق بأنها حمقاء ولا داعي لها، وذلك في الغالب لأنه هو ومستشاروه لا يعلمون ما الذي يمكنهم عمله غير ذلك. فقد أصبحت الغارات الجوية هي الخيار الأول لحكومته. سفينة الدولة الأمريكية ماضية في طريقها بلا دفة ولا بوصلة تدفعها قوة الرياح ومدافعها تصب حممها. عمر نجيب [email protected]