اعمل ما دمت في الشباب، فليس للحياة إلا ربيع واحد... أحد الفلاسفة للفنان المغربي عبد الهادي بلخياط، أغنية جميلة بعنوان "قطار الحياة" كتبها الراحل علي الحداني، ولحنها عبد الرحيم السقاط، يُعجبني فيها مقطع يسأل فيه بلخياط جمهوره بطريقته المعهودة في الأداء فوق المنصة "فين الشباب"؟ تذكرت هذا المقطع من أغنية مغربية من الزمن الجميل، وأنا أستعيد شريط ذكريات دورات سابقة من المُلتقى الوطني لشبيبة العدالة والتنمية، سيما الدورة الثامنة التي احتضنتها عروس الشمال، وشارك فيها عبد الهادي بلخياط، الذي عثر بدون شك، في الملتقى على جواب قاطع لسؤال أغنيته "فين الشباب"؟ فعام بعد عام، يُبرهن ملتقى شبيبة العدالة والتنمية بأن الشباب المغربي من خلال الحلقات النقاشية، والتفاعل المتوقد مع ندوات الملتقى، استعاد عافيته وعاد للعب دوره في نهضة الوطن، والإسهام في محاربة أشكال الفساد والاستبداد التي تراكمت عبر عقود من الزمن. وكأي شبيبة حزبية واعية بدورها، تستحضر شبيبة المصباح في هذا المضمار الخصوصية التأسيسية لهذه المرحلة التي يتحمل فيها حزب العدالة والتنمية مسؤولية تدبير الشأن العام، غير أن هذا "الاستحضار" لا يمنع المُشاركين من الحديث بجرأة كبيرة وتوجيه سهام النقد للحكومة، وتحميلها مسؤولية التنزيل الديموقراطي للإطار الدستوري الجديد، مثلما حدث مع ندوة من ندوات الدورة الثامنة بمدينة طنجة قبل سنتين، التي أطرها عبد العالي حامي الدين وكريم التازي، وتوفيق بوعشرين، الذين انتقدوا "المخزن" بشكل واضح وصريح، وتوافق معهم في لقاء آخر أحمد الريسوني، الذي تحدث عن علماء "الوظيف" مُطالبا بالبحث لهم عن اسم آخر غير اسم العلماء، وهي الانتقادات التي انتزعت تصفيقات مئاتالمشاركين. استطاع المُلتقى الوطني لشبيبة العدالة والتنمية، أن يخلق طيلة الأيام التي تنعقد فيها دورته السنوية، تظاهرة باذخة في السياسة والفكر والفن، تتألق في فضائه أقباس من النبوغ المغربي، بتعبير المفكر المغربي الراحل عبد الله كنون، من خلال ما تجود به قريحة بعض المشاركين من الشباب ذكورا وإناثا، من داخل الوطن ومن مغاربة العالم الذين يقطعون مسافة طويلة من أجل المشاركة في الملتقى، شباب من إيطاليا وفرنسا واسبانيا. هؤلاء وغيرهم من الشباب الغيور على دينه ووطنه، يعيدون كتابة التاريخ السياسي المغربي من جديد. فبعدما كان الشباب في فترة مقاومة الاستعمار في الواجهة وفي قيادة الحركة الوطنية، ثم بعد ذلك في تسلم السلطة بعد الاستقلال، بدليل أن الحكومة الأولى لبلادنا كانت حكومة شابة، هاهو يعود من جديد لتسلم المشعل ومواصلة المسيرة. الملتقى الوطني لشبيبة العدالة والتنمية ينتظره المشاركون بشغف كبير، وبعد مسيرة ستكمل عقدها الأول هذه السنة، سيكون علامة سياسية شبابية مهمة وفاعلة على خريطة العمل السياسي الشبيبي على الساحة السياسية المغربية. وإلقاء نظرة متفحصة لفقرات برنامح الدورات السابقة يظهر بشكل جلي الجدية الكبيرة التي تنتقي بها إدارة الملتقى ضيوفها، في سبيل تقديم عروض وندوات رفيعة المستوى، وسنة بعد سنة تتميز الفقرات مما يقدم دليلا ساطعا على تجذر الملتقى في سياسة شبيبة المصباح، ويشكل أملا في خلق حالة سياسية شبابية لافتة بالمغرب. ولا يقف الملتقى عند الندوات والمحاضرات، بل توجد فعاليات شبابية في الإبداع في الغناء والشعر، والمشاركة الوازنة في حلقات نقاشية يتم فيها وضع ما تعيشه بلادنا على مشرحة النقد الجاد، وهي النقاشات التي تتم على هامش البرنامج المعتمد، ولها طعم خاص، وهي التي يسميها الصديق خالد الرحموني "الطويجنات"، اللذيذة التي يتواصل إنضاجها إلى ساعات متأخرة من الليل. كما أن حضور قيادات من داخل المغرب وخارجه، فلسطين وتونس ومصر يُضفي على الملتقى نكهة خاصة، ويؤكد تواصل شبيبة العدالة والتنمية الواعية بما يعيشه وطنها مع الحفاظ على الخصوصية المغربية، كما أنها حريصة على ترسيخ الوعي بقضايا الأمة. المُلتقى الوطني لشبيبة العدالة والتنمية، موعد سنوي يتجدد بشعلة الشباب سيظل وشما منمنما في ذاكرة العمل السياسي الشبيبي بالمغرب. لقد مضت أيام عزوف الشباب، وجاءت أيام يقول فيها الشباب كلمته، والذي مازال في نفسه ذرة شك اقترح عليه زيارة ملتقى الشبيبة بالرباط، ليقارن بين شبيبة تخلق تظاهرة سنوية سياسية جميلة، وشبيبات أخرى وصل الخلاف بين أعضائها إلى استعمال مادة "الكريموجين". اللهم لاشماتة.. غير أن مثل هذه السلوكات المشينة تصيب الشباب بالإحباط، وتبعده عن السياسة، فتضيع فرص شبيبية قادرة على خلق فضاءات للنقاش، والإبداع، إلا أن شبيبة العدالة والتنمية منذ تأسيسها، تصنع الاختلاف من خلال إعادة الأمل من جديد للحقل السياسي الشبابي، فبعدما أعلنوا موت السياسة وعزوف الشباب عنها، أعاد حزب العدالة والتنمية الحياة إليها من جديد، ومعه شبيبة العدالة والتنمية، من خلال فعاليتها المتعددة والمتجددة، ومن بينها الجامعات الصيفية الجهوية، والحملة الوطنية، والملتقى الوطني، فضلا عن محطات المرتمر الوطني والانتخابات المحلية والتشريعية. الملتقى الوطني، موعد سنوي اختار هذا العام أن يحط رحاله بالعاصمة الإدارية للمملكة، وبالضبط بمدينة العرفان، معقل التحصيل العلمي في الجامعات والمعاهد، ليبعث في هذا المكان الجامعي الفسيح الحياة من جديد بعد غادره الطلبة وتركوه يعيش حالة سكون خلال العطلة الصيفية، غير أنه بعد مغادرة أبنائه الطلبة وبناته الطالبات، سيتحتضن أبناء وبنات آخرين، سيعيش معهم لحظات جميلة. منذ 23 غشت، وجب على الصوت النسائي الذي يسكن "الترامواي"، أن يخبر الركاب عندما يصعدون من محطة الرباطالمدينة، بأنهم سيقصدون مَدينة العرفان حيث المُلتقى الوطني العاشر لشبيبة العدالة والتنمية بالحي الجامعي السويسي. رحلة ممتعة.