لم تعد مسألة الإصلاح السياسي والدستوري في المغرب، مجرد خلافات أو صراعات بين النخب السياسية والفكرية ، بقدر ما أصبحت نقطة تلاق بين كافة القوى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في البلاد. فالخطاب الإصلاحي بالمغرب أصبح العنوان العريض للأجندة السياسية لكل الفاعلين بالبلاد وخاصة المؤسسة الملكية بصفتها صاحبة الزعامة السياسية و باعتبارها كذلك المؤطر الرئيسي و المركزي للحياة السياسية بالمغرب ، بما لها من أجهزة و تعابير مجتمعية تدور في فلكها . المغرب و خلافا لمحيطه الإقليمي العربي و الإفريقي دشن من خلال تجربة التوافق التاريخي بين المؤسسة الملكية و القوى السياسية الوطنية مرحلة جديدة من تاريخه استندت بالأساس على تدبير أكثر انفتاحا للشأن العام و على القيم الجديدة التي افرزها الوضع الدولي,مكنته من الخروج من مرحلة كانت مقبلة على انسدادات في كثير من المجالات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية, و من زرع الثقافة الإصلاحية لدى النخب السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية. إن مرحلة التناوب التوافقي كما اصطلح عليها شكلت فرصة تاريخية لتأهيل و تهيئة المناخ الصحيح و السليم للإقامة الصرح الديمقراطي بالبلاد. فمجموعة الإصلاحات الهيكلية التي شهدها و يشهدها المغرب في السنوات الأخيرة جعلت المجتمع المغربي و النخب السياسية و الاقتصادية تتطلع إلى جيل جديد من الإصلاحات أكثر عمقا و بعدا , فالإصلاح بصفة عامة سبيله هو التدرج والمرحلية بحيث كلما تحرك المجتمع خطوة على طريق الإصلاح ، أصبح مهيأ لتقبل جرعة أخرى من جرعاته. الكل اليوم بات مقتنعا بان المغرب يعيش على مشارف نهاية مرحلة انتقالية, تخللت بعض لحظاتها نوعا من الارتجالية والضبابية مما فرض نوعا من الشك و الالتباس في مصير الإصلاح ببلادنا. وهو ما يفرض علينا اليوم كنخب سياسية امتلاك نظرة واضحة و منسجمة لطبيعة و مرتكزات الإصلاح الذي نريده ببلادنا. فالإصلاح بصفة عامة هو تطوير، تغيير، تحسين في عناصر المنظومة الاقتصادية، والسياسية، والفكرية، والثقافية، والاجتماعية القائمة. وهذا التعريف للإصلاح ينقلنا مباشرة إلى الحديث عن مرتكزاته أو أسسه خلال المرحلة المقبلة : · الشمول: يجب أن يمتاز الإصلاح بالشمول بمعنى أن يطال كافة الأنساق والأنظمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية؛ لأنه لو لم يتحقق الإصلاح في كل هذه المجالات بطبيعة الحال؛ فسوف يكون حصاده و ثماره متواضعة للغاية. فلا يمكننا أن نتصور تحقق إصلاح اقتصادي بدون إصلاح اجتماعي أو بدون إصلاح سياسي يواكبهما و يعززهما, وبالتالي الحديث عن إصلاح جزئي هنا وهناك لن يعطي إلا نتائج محدودة و معزولة سرعان ما تختفي عند أي هزة أو أزمة تتعرض لها البلاد . · التلازم: هنا نطرح السؤال هل نعزل الإصلاح الاقتصادي عن الإصلاح السياسي؟أو بمعنى أوضح هل نمضي في الإصلاح الاقتصادي بمعزل عن الإصلاح السياسي ؟ الجواب بطبيعة الحال هو التلازم ,بحيث لابد من أن يسير الإصلاح الاقتصادي جنباً إلى جنب مع الإصلاح السياسي , وأي تقدم اقتصادي لا تحميه ديمقراطية ولا حقوق إنسان لا يمكن له أن يستمر، ولابد من أن يتعثر. فالتلازُم بين التنمية الاقتصادية والسياسية أمر حتميّ , لان من يصنع التنمية هو المواطن المغربي و اذا لم يكن هذا المواطن شريك في صنع قرار التنمية فستتولد لديه مشاعر عدم الانتماء؛ فالبلد ليس بلده، و الوطن ليس وطنه، و التنمية ليست تنميته، و عائدات التنمية لا تذهب إليه وإنما تذهب إلى حفنة من المحظوظين ؛ وبالتالي لابد من أن يتلازم الإصلاح السياسي مع الإصلاح الاقتصادي, لان دوام أي إصلاح يحتاج إلى ديمقراطية و حريات و مؤسسات تضمن فعاليته و استمراره و ديمومته. احترام الخصوصية: لابد أن يراعي الإصلاح الخصوصيات الثقافية للمجتمع بحيث ينبع من داخله و يأخذ في الاعتبار ظروفه وخصوصياته. فكل مجتمع له ظروفه التي تفرض شكلاً معيناً من أشكال النظام السياسي أو النظام الديمقراطي , وشكل الديمقراطية يختلف من مجتمع إلى أخر فديمقراطية فرنسا ليس هي ديمقراطية بريطانيا و ليست هي ديمقراطية الولاياتالمتحدةالأمريكية, و بالتالي فالإصلاح ببلادنا يجب أن يحترم خصوصية و تاريخ المجتمع المغربي . · الشركاء: المؤسسة الملكية : تتولى قيادة الإصلاح باعتبارها المؤطر الرئيسي للحياة السياسية بالبلاد و لتجدرها داخل المجتمع المغربي و لتوفر إرادة الإصلاح لديها. المؤسسات الحزبية: هي الشريك الأساسي في عملية الإصلاح بحيث لا إصلاح ديمقراطي بدون مؤسسات حزبية قوية و ديمقراطية تعبر عن إرادة المجتمع المغربي ( سنتطرق في المقال القادم إلى إشكالية المنظومة الحزبية المغربية و ضرورة إصلاحها") و تشكل قنطرة حقيقية للنخب السياسية الشابة و الطاقات الخلاقة داخل المجتمع المغربي. المجتمع المدني: ضرورة توفر نسيج جمعوي وطني يساهم في تقوية الرقابة الشعبية و يساهم كذلك في تاطير الشعب المغربي على قيم الديمقراطية و الحداثة و تكريس ثقافة الواجبات و الحقوق . ·الفاعل الاقتصادي : ضرورة توفر نخب اقتصاديية وطنية قوية و متكتلة تنهض بعبء الإصلاح الاقتصادي بعيدا عن الانتهازية و الريع الاقتصادي. · مواجهة المقاومة: إن أي إصلاح أو تغيير لابد من أن يكون له أعداء ومقاومون, فخلال فترة الإصلاح تظهر مقاومة القوى المحافظة التي لا تريد التغير, لكن بوجود سياسات وآليات للتعامل مع هذه الفئات تتولد حركة دينامكية يتمخض عنها لا محالة فضاء اجتماعي و اقتصادي و سياسي جديد أكثر تقدما . *الكاتب العام السابق للشبيبة الاتحادية