لعبت قناة الجزيرة دوراً كبيراً في تغطية الصراع الدائر بين الإسرائيليين والفلسطينيين، فمنذ انطلاقتها سنة 1996 وهي تجعل القضية الفلسطينية في عمق اهتماماتها، كما قامت بتغطية جرائم الاحتلال الإسرائيلي في كل العلميات التي قادتها ضد الفلسطينيين كالحروب على غزة واقتحام المخيمات واعتقال وتقتيل المئات. وإذا كان الخط التحريري للقناة فيما يخص تغطيتها لأحداث "الربيع العربي" قد خلق جدلاً واسعاً بما أنها انحازت لصف الشارع في أكثر من دولة، وإذا كان دعمها للمعارضة في سوريا قد جنى عليها انتقادات واسعة بعد تحوّل الثورة السورية إلى نوع من الحرب الأهلية الطائفية، فإن تغطيتها للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عبْر قدرتها على إنجاز تقارير من عمق المعركة، معريّة بذلك عن الصورة الحقيقية للعمليات الإسرائيلية المستهدفة للمدنيين، عامل جعلها أحد أكثر القنوات كراهية من إسرائيل التي وصفتها بداعمة الإرهاب. تميّز قناة الجزيرة في نقل صورة النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، تمّ عبْر مجموعة من الوجوه الإعلامية التي حملت الميكروفون من قلب المعارك غير عابئة بالقصف الإسرائيلي وبالرصاص المتناثر هنا وهناك، وجوه كثيرة نختار منها ثلاثة: تامر المسحال..صاحب القصص الإنسانية من غزة هو واحد من أصغر مراسلي القناة، يبلغ من العمر31، بدأت مسيرته مع الجزيرة منذ سنة 2008، وتفنّن في قصصه الإنسانية انطلاقاً من مستشفى "الشفاء"، عندما أبدع في تغطية الحرب على غزة في تلك السنة، وكان يقدم يومياً تقاريراً من قلب المستشفى، يبيّن من خلالها حجم الألم الفلسطيني وبشاعة القصف الإسرائيلي الذي لم يكن يفرّق بين رضيع وبالغ. تامر المسحال، ابن قرية الجزرة شمال قطاع غزة، عاشق صاحبة الجلالة منذ أن كان تلميذا رغم توجهه العلمي في الثانوية، حصل على الإجازة في الصحافة والإعلام من الجامعة الإسلامية في غزة سنة 2004، وتواصل مساره الجامعي في لندن بحصوله على الماستر في الإعلام سنة 2007، تعاقد في بداية مسيرته المهنية مع "بي بي سي" كمحرر مراسل (لم يكن يظهر على الهواء)، وبعدها انتقل إلى قناة الجزيرة حيثُ بزغ نجمه. يقول المسحال في تصريحات سابقة إنّ الخبرات التي راكمها قبل دخوله الجزيرة هي التي سهلت اندماجه في هذه القناة، فقد تدرّب في مجموعة من الصحف المكتوبة ثم انتقل إلى الإذاعة والتلفزيون مع "بي بي سي"، فالصحافي بالنسبة له ليس مجرد آلة تتحدث، بل هو أولاً قلماً يكتب ويحرر. ركّز المسحال على القصص الإنسانية لأنها في نظره أكثر قوة من الأخبار، ومن أشهر القصص التي كتب عنها، تلك التي وقعت لجميلة الهباش ولؤي صبح، فالأولى بترت الصواريخ الإسرائيلية قدميها، والثاني أفقدته قذيفة إسرائيلية عينيه، في مراسلات أكدت همجية العدوان الإسرائيلي وأحدثت استنكاراً شعبياً واسعاً. شيرين أبو عاقلة..مراسلة الوجع الفلسطيني بوجه جدي ومشاعر حديدة، تعتبر شيرين أبو عاقلة من أهم المراسلات اللائي طبعن مسار قناة الجزيرة منذ التحاقها بها كمراسلة من الضفة الغربية، هي الصوت الذي رافق المشاهد العربي لسنوات طويلة في بحثه عن أخبار فلسطين، وثقت معاناة الساكنة دون أن تلقي بالاً للخطر المحدق بها، وقد تعرّضت خلال مسيرتها الصحفية لكثير من المضايقات، منها رفض المكتب الحكومي الإسرائيلي تجديد بطاقتها الصحفية. من مواليد القدس سنة 1971، حصلت على الإجازة في الصحافة والإعلام من جامعة اليرموك الأردنية، واشتغلت مع مجموعة من المؤسسات الإعلامية منها وكالة الغوث، إذاعة صوت فلسطين، قناة عمان الفضائية، قبل أن تحط الرحال بالجزيرة. رحلة من العمل جعلت منها مراسلة على خط النار، فكم مرة اختنقت بغاز الجيش الإسرائيلي، وكم مرة انفجرت قذائف قربها أو قدمت تقريراً والرصاص يلعلع قربها. أثّر الانقسام الفلسطيني-الفلسطيني كثيراً في تجربة شيرين أبو عاقلة، فقد صار كل طرف ينظر بنوع من الشك لتقاريرها وكل واحد يريد أن تأتي لصالحه، فلم يكفها أن عانت من التضييق الإسرائيلي، بل حتى من مناخ عدم الثقة الفلسطيني بعد الخلافات الواسعة بين حركتي فتح وحماس، ومع ذلك استمرت أبو عاقلة في عملها الذي جعل منها إحدى أشهر المراسلات العربيات فيما يخص تغطية النزاعات. إلياس كرام..مراسل من داخل أرض العدو إذا اضطلع كل من تامر المسحال، وائل الدحدوح، شيرين أبو عاقلة، جيفارا البديري وآخرين بتغطية النزاع انطلاقاً من المناطق التي لا تحتلها إسرائيل، فإن إلياس كرام، هو الوجه الإعلامي الأبرز في تغطية النزاع انطلاقا من الأراضي الواقعة تحت قبضة الإسرائيليين، كواحد من أبناء عرب 1948 الذي بقوا في أراضيهم بعد نكبة ذلك العام. قوة إلياس كرام تكمن في تعمقه في فهم البنية الإسرائيلية، ساعده في ذلك قدرته على الحديث بالعبرية بطلاقة وخبرته الصحافية في عدد من المؤسسات الإعلامية الإسرائيلية، حصل على الإجازة في علوم الإعلام من جامعة حيفا سنة 1998، وخاض عدة تجارب مع مؤسسات إسرائيلية، من أشهرها تقديمه لبرنامج أسبوعي خاص بفلسطينيي إسرائيل في القناة العاشرة، وتقديمه الأخبار في القناة الإسرائيلية الأولى قبل أن يقدم استقالته. "لم أستطع وصف أبناء جلدتي بالإرهابيين والمخرّبين أثناء اندلاع الانتفاضة الثانية، لذلك قررت تقديم استقالتي والبحث عن آفاق مهنية أرحب، لأنتقل بعدها إلى إذاعة محلية في الناصرة، قبل أن أنضم إلى الجزيرة" يقول إلياس في تصريحات إعلامية سابقة. تحدى كرّام القيود المفروضة على عرب 1948، واستطاع أن يكشف الصورة الحقيقية عن إسرائيل من الداخل، الأمر الذي عرّضه لكثير من المضايقات، فقد تم اعتقاله ذات مرة بتهمة مساعدة حزب الله لأنه كان يتحدث في تقاريره عن مكان سقوط الصواريخ داخل إسرائيل، كما اعتدى عليه المستوطنون الإسرائيليون أكثر من مرة، دون أن يستطيع ذلك ثنيه عن القيام بعمله، بل وحتى تحدي الإسرائيليين، فالكثير من الناس يتذكرون تصريحاته لقناة إسرائيلية على الهواء مباشرة بأنها تنطق باسم السلطات كي لا تنشر حقيقة قتل الجيش لأطفال غزة.