رأت النور في منطقة جبلية تكسوها البساطة، وتلقت تعليمها متنقلة ما بين شرق الوطن وغربه، إلّا أن نجاحها كان ينتظرها شمالا، وبالضفّة الشمالية من البحر الأبيض المتوسّط على وجه التحديد.. وحين زُفّت إلى عريسها كانت قريناتها يخلنها قد بلغت نهاية المطاف، لكنّ ذهنها أبى ذلك واستمرّ في الإيمان بالحُلم الصعب. نعيمة الجبّاري هي من مواليد قبيلة "بني كْرْفْط" المنتمية لمنطقة أصيلة والمحسوبة إداريا على إقليمالعرائش، وقد شرعت في دراستها الإبتدائية بوجدة قبل الانتقال للقصر الكبير من أجل التعليم الثانويّ، ومنها التحقت بكلية الاداب والعلوم الإنسانية بمرتيل، المنتمية لجامعة عبد المالك السعدي، ونالت الإجازة في الأدب العربي.. وقد حاولت نعيمة متابعة دراستها العليا، لكنّها توقفت في بداية السلك الثالث لوجود تجربة زواج عنّت على مسارها، زيادة على وضعها المالي الذي أثر عليها بفعل غياب استفادتها من منحة. بعد فترة من التفرغ لرعاية أسرتها، خاصة ابنتها التي رزقت بها، عادت الجباري للفعل في مستقبلها بعدما انتقلت عام 1999 للعيش رفقة زوجها بمليليّة عاما واحدا.. إلاّ أن مشاكل اعترضت ارتباطها الأسري لتقرر شدّ الرحال مرة ثانية للبحث عن الذات بمعاودة الولوج لبوابة العلم المقرونة بدفّتَي الهجرة. الهجرة نحو الأندلس انتقلت نعيمة صوب منطقة أندلُسيَا الإسبانيّة عام 2000، وافدة على مدينة لُوكْرُونيُو قبل ألمِيريا، حيث التحقت بالعمل في مجال التعليم كوسيطة بين الثقافات في عدد من المدارس التعليميّة.. وقد كانت هذه الخطوة فرصة لها من أجل التواصل مع المنحدرين من أصول مختلفة جمعتهم الهجرة.. وهنا التحقت بجامعة ألمِيريَا للحصول على دبلوم الدراسات العليا ثمّ الدكتُورَاه، كما أفلحت في نيل معادلة لشهادة الإجازة المغربية في الأدب العربي والتحقت لدراسة اللغات بجامعة الآداب والفلسفة بغرناطَة. وركزت الجباري، ضمن أطروحة الدكتوراه الخاصّة بها، على المرأة المغربية المهاجرة وتأثرها بالهدر المدرسي المفضي للانقطاع عن التعلّم.. مفردة لذلك بحثا ميدانيا حاول الوقوف على مختلف الأسباب الكامنة وراء الظاهرة وكذا نسبة انتشارها وسط المغربيات المهاجرات المستقرات بعموم إسبانيا. "كانت أطروحة الدكتوراه الخاصّة بي حول العولمة والتعدد الثقافي والتهميش الاجتماعي، وقد عملت عليها من دواخل الأحياء الشعبية والقرى التي تعرف تواجدا كبيرا للمغاربة، سواء في ألميريا أو برشلونة أو مدريد، مخصصة البحث لنطاق جغرافي واسع بشأن دور العائلة المغربية في تربية الأبناء ما قبل الهجرة وبعدها، مع التدقيق في الأسباب التي أفرزت المستويات المرصودة، وقد ركزت في بحثي على المرأة باعتبارها مربية للأجيال وضامنة لمشاركة الأبناء بفعالية داخل المدارس التعليمية" تورد الجباري. الناشطة الجباري لنعيمَة مسار جمعوي مقترن بالمغاربة والهجرة وإسبانيا، وقد سبق لها ان أسهمت في تأسيس عدد من الجمعيات بأندلسيا من بينها جمعية نسائية للعمل مع المغربيات وأطفالهنّ، وأخرى تُعنَى بصورة ذات الفئة في الإعلام كان لها منشور تحت اسم "الصوت الجديد" وتطبع بالعربية والإسبانيّة، كما بصمت على إطلاق إذاعة محلية ناطقة بالأمازيغيّة والعربية والإسبانيّة. "يقترن هدفي دوما بفرض وجود النساء المغربيات على صعيد ألميريا تحديدا، ذلك أن المهاجر المغربي بالمنطقة لم يكن يعرف بوجهه الثقافي بفعل الصورة النمطية التي يوضع ضمنها كيد عاملة رخيصة.. وقد حاولنا تقوية حضور النساء المغربيات في المجتمع ومؤسسات التكوين الجامعيّ، إضافة إلى القيام بتكوينات توعويّة غيرة منّا على صورة المغاربة والمغرب" تقول نعيمة. للجباري ديوانان شعريات، كتبتهما بالعربيّة والإسبانيّ'، وتشتغل على إصدار نصوص مسرحيّة وقصص للطفولة مستمدّة من ثقافتي الأصل والمهجر.. مخططا لجعل القيم الأخلاقية والهوياتية مفصلا لكتاباتها، مع جعل المضمون منفتحا حتّى على الإسبان لا منغلقا على المغاربة والمغاربيّين. مسار مستمرّ تقرّ نعيمة الجباري برضاها عن مسارها الذي ما زال مستمرّة، معتبرة تحصّلها على الدكتوراه "خطوة كبيرة تجاه حلم شبابيّ سبق أن راودها"، وتقول في هذا السياق: "رغم اشتغالي الحالي بمجال التعليم إلاّ أن حلمي ما زال يرنو نحو ولوج التدريس بالجامعة، وإن كان هذا الأمر متعثرا بفعل الأزمة الاقتصادية التي أثرت على مناصب العمل الجديدة بإسبانيا إلاّ أن الطموح يبقى حيّا، وسأفتح طريقي نحو ذلك كيفما كان الأمر". ووفقا لذات الأكاديمية المتأصلة من المغرب فإنّ المغربيات قد تمكّن من مناصب عليا بالمغرب كما بعدد من دول الاستقبال عبر ربوع العالم، وهي تؤمن بكونها، إلى جانب كل المتوفرات على فرص للترقي والنجاح مهنيا، مطالبة باستثمار الفرص التي تتاح بأوروبا بعيدا عن "ثقافة الضحيّة".. إذ تبرز نعيمة الجباري نيّتها التشبث بمشاريعها وطموحاتها إلى النهاية، وتدعو كل المغاربة الطامحين لتحقيق النجاحات إلى الإيمان بما يعتريهم دون أن يأخذوا الصعوبات التي يلاقونها بحساسية مفرطة.