هو رابط لجسر من الأدب الإسباني ما بين أكادير المغربيّة ومَالقَة الإسبانيّة، وذلك منذ 14 عاما انقضت.. دائبا على تدريس أدب الإسبان بعاصمة سوس قبل أن ينتقل إلى الأندلس للانهماك في أبحاثه ودراساته التي تجعل من الأدب الإسباني محورا لها.. إنّه في ال55 من العمر، لكنّه لا يؤمن بوجود نهايات للأحلام ما إن كان الحالم مخلصا لها. رأى إدريس السوناني النور عام 1959 بنواحي صفرو، وذات الفضاء درس بالصفوف الإبتدائيّة والإعداديّة والثانويّة، ومن ثمّ التحقت بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس ليحصل على الإجازة في الأدب الإسباني قبل أن يرسل نحو بني ملاّل لأداء الخدمة المدنيّة وقتها.. فاستثمر بعدها فرصة للدراسة بإسبانيا كي يعمّق من مداركه ويغدو إطارا للتعليم العالي مقسّما لوقته ما بين مَالقَة وأكَادير. قسَاوَة البدَايَات كسائر أطفال المغاربة المقبلين على الدراسة بالبوادي سنوات الستينيات من القرن الماضي مرّ إدريس من المعاناة، مضطرا لتحدّي صعوبات التنقل بالمسالك القرويّة، وكذا سوء الأحوال الجويّة المصحوب بضعف التغذيّة، لكنّه أفلح في نيل شهادته الابتدائيّة مبهجا أفراد أسرته. "لم أعش هذه المعاناة بشكل فرديّ، بل كان ذلك عامّا على كل البسطاء المغاربة.. ومن فوائد الذاكرة البشريّة أنّها تنسَى مع التقدّم في العمر، لتبقى فقط تجربَة ينبغي استثمارها للذهاب إلى أبعد مدَى.. قد يكون ذلك ما صقل شخصيّتي وأذكى طموحاتي" يورد السوناني. عند انتقال إدريس صوب مدينة صفرو لمواصلة تمدرسه كان ما ينتظره أخفّ وطئا ممّا عاشه، وعن ذلك يضيف: "كان أغلب القادمين من القرى يقطنون المؤسسات الخيريّة أو المدارس الداخليّة، وفي حالتي كنت أكتري سكنا بمعيّة أصدقاء، ولا أتلقى زيارة الأب إلاّ يوم السوق الأسبوعيّ.. لقد كانت تجربة إيجابية ولم تخلق لديّ أي مشكل، ولا يمكن لي أن أتنكّر لذلك لأنّه جزء من هويتي ومساري وتاريخي، وهذا ذات حال عديدي من أصدقائي الذين صاروا أساتذة بعدما تشاركنا ذلك الزمن الجميل". فرصة التكوين بالخارج كان إدريس، بعد التحاقه بجامعة فاس، يواظب على السفر صوب الخارج إبّان العطل الصيفيّة، قاصدا فرنسا وإسبانيا، ولا يعود إلاّ وهو محمّل بعدد من المراجع الضرورية لدراسته الأدب الإسبانيّ.. متغلبا بذلك عن غياب الكتب التي تلزمه بمكتبة الجامعة وكذا كثرة الإقبال الذي يصعّب الحصول على ما توفر منها. بعد استيفاء فترة الخدمة المدنية توفق السوناني في الحصول على منحة تعليميّة مغربيّة من أجل التحرّك صوب الدراسة لاستيفاء الدراسات العليا، فقطن بالمهجر لعامين تحصل خلالهما على دبلوم السلك الثالث، ثم واصل إلى الدكتوراه التي نالها بناء على أطروحة تلامس الرواية الإسباني خلال القرن العشرين. "اشتغلت بإسبانيا وحصلت على مَاستر في التواصل والثقافة، وقد كنت أفكّر مليّا في العودة نحو المغرب، وما إن أتى العام 1999 حتى اجتزت مباراة بجامعة ابن زُهر بأكادير وتوفقت فيها، فأخذت أعيش ما بين مالقة وأكادير، فبإسبانيا أعمل ضمن البحث العلمي، أمّا أكادير فأنا بها من اجل التدريس الجامعي بكلية الأداب وشعبة اللغة الإسبانيّة" يفيد إدريس. صورة المغرب الاهتمام الأساس للسوناني هو صورة المغرب في الإنتاجات الأدبية الإسبانية على العموم، وخصوصا الرواية، مقرّأ بأنّه متأثّر بتوجيه إدوارد سعد الذي فتح أمامه الطريق للاهتمام بهذا النوع من الأبحاث، جاعلا من دراسة الأدب الإسباني محورا رئيسا لاكتشاف الهوية من زاوية مغايرة لما هو مألوف. كما يرى إدريس لأنّ من مزايا مهنة التدريس التي يشتغل بها يكمن عدم توفر تقاعد نهائيّ ينهي العمل، باعتبار الآداء يتم على مسار غير محدود.. فذات الأكاديمي المغربي يؤمن بأنّ الإنسان يعرف فقط أنّه لا يعرف شيئا وأن الإنسان المدرّس يتعلّم دائما أكثر مما يعطيه لتلامذته.. ويقول عد هذا: "لن يأتِي يوم سأتوقف فيه، فأنا أحسّ دوما بأني طالب وأستاذ في الأن نفسه". أقبل السوناني على التضحية بامتيازات لأجل أخرى حين كان أبناؤه صغارا، مفضلا المواصلة ضمن مشواره المهنيّ العلميّ عوضا عن رؤيته ابناءه لمدد قد تقل أو تزيد عن الشهر.. واليوم يقبل إدريس على تقسيم معاشِه الحياتيّ ما بين مَالقَة وأكادير، مستفيدا من التقدّم التكنولوجي الذي يتيح له استمرارية التواصل مع أسرته دون اقطاع.. وحينما يكون بإسبانيا يحاول أن يعوّض أبناءه عن غيابه، وأن يصغي لهم ويناقش ما تعرفه حياتهم، تماما كما عهد منذ السنوات ال14 الماضيّة. تغيِير الأنَا "إذا كان الإنسان يعرف حق المواطنة فإنّ مسعاه في التغيّر نحو الأفضل يبدأ من نفسه، في أي مكان وأي مهنة كان.. بينما نحن، كمغاربة، اعتدنا أن نرى العيوب في الأخر، ولا بد لنا أن نخرج من هذا التعاطي بأن نعمل على نقد أنفسنا بشكل بنّاء" يقول إدريس السوناني قبل أن يسترسل: "محتاجون نحن لشجاعة كافية تمكّننا من رؤية عيوبنا والاعتراف بها قبل العمل على تجاوز الخلل، لا أن نكذب على ذواتنا.. لو نظّف كل منّا باب منزله لأصبحت المدينة نظيفة، وإذا كنّا متوفرين على روح المواطنة وحبّ البلد فستكون الأمور كلّها بخير".