تلقّت إيمان تكوينها الدراسيّ بالمغرب، سواء على المستويات الابتدائية والإعداديّة والثانويّة، كما بالسلكين الجامعيّين العموميّين.. إلّا أنّها اختارت لنفسها مسارا اقترن بالهجرة من أجل البحث عن الذات.. لتجد نفسها حاليا مستقرّة ببرشلُونَة، لا همّ لها سوَى التنقيب عن العلاجات القادرة على قهر الأمراض السرطانية المنتشرة عبر المعمور. هي إيمان شعَيب، من مواليد العام 1978 بطنجة.. تمدرست حتّى التعليم الجامعي بعاصمة البوغاز، وكانت ضمن الدفعة الأولى من خريجي كلية العلوم التقنية التي تحصلت منها على دبلوم نهاية الدراسة بالسلك الثاني الجامعي.. وحين نالت شهادة الإجازة في العام 1999 حزمت حقيبتها وشدت الرحال صوب إسبانيا لأجل نيل الدكتوراه في البيولوجيا الكيميائية ضمن تخصص الكيمياء الخلويّة. خرّيجَة مغربيَّة صرفَة تحصلت إيمان على باكلوريا مغربية في العلوم التجريبيّة، بعدها التحقت بكلية العلوم التقنية فور افتتاحها بطنجة، حيث دفعها لذلك المحتوى الدراسي المعمول به بالمؤسّسة وهو المشكّل من سنتين للتخصص في علوم الحياة قبل التوجّه صوب خيارات عدّة من بينها التكنولوجيا الحيويّة التي اختارتها إيمان شعَيب. وتعتبر أيمان أن قرارها بالهجرة خارج المغرب قد كان واضحا منذ دراستها بالمغرب، وتورد في هذا الصدد: "وقتها كان طلبة جيلي أمام مغادرة المغرب صوب دول أخرى تفتح لهم آفاقا، أو انتظار التوجّه نحو الاعتصامات التي تشهدها الرباط من أجل مطالبة المدبّرين الحكوميّين بالشغل.. لذلك قرّرت البحث عن ذاتي خارج المغرب منذ أن ولجت التعليم الجامعي بالوطن.. أمّا عن اختيار الدراسة بإسبانيا فقد كان بحكم ارتباط ساكنة الشمال بهذا البلد ونأيهم عن الأجواء الفرنسيّة، زيادة على المعيشة بإيبيريا التي تبقى في المتناول.. ولم أكن أتوفر على الإمكانيات المالية التي تجعلني أقصد كندا". درَاسَة وتدرِيس ضمن طور الدراسة العليا بإسبانيا؛ التحقت إيمان بالجامعة المستقلّة لبرشلونَة أين لبثت 5 سنوات، مفتقدة لأي منحة خلال البداية، قبل أن تغدُو ممنوحة بفعل تفوقّ مردودها التحصيليّ، وقد أضحت وقتها أستاذة معيدة بناء على عقد توفقت في انتزاعه من المؤسسة التي تدرس بها، وقد تطوّرت ضمن هذا المنصب إداريا وماليا. وكانت أطروحة الدكتوراه لأيمان ترتكز على مواد كيماوية اشتغلت عليها بغرض اكتشاف نجاعتها ضدّ الإصابة بأمراض عصبيّة، فتوفقت في ضبط مكونات كيماويَّة يحول تعاطيها البشريّ دون الوقوع في شباك أمراض تصيب الجهاز العصبيّ الآدميّ من قبيل البنكرسُون وألزهَايمر. حنين دائم للوطن تقول نفس الباحثة المغربيّة بأنّ "ترحال العلم" كما عاشته، والذي تمفصل حول كتالونيا عموما وبرشلُونة بشكل خاص، لم يعرف أيّ وجود ل "محطّات عنصريّة"، مشدّدة على أنّ ساكنة الجهة بأكملها لم يلاقوها سوى بالترحاب والخير.. بعيدا عن نظرات الازدراء أو التحقير.. كاشفة أنّ ذلك وسم شخصيتها وجعلها تحسّ بأنّها واحدة من ساكنة هذا الحيز الجغرافيّ. إلاّ أن إيمان ترى بأنّ الصعوبات التي لاقتها في هجرتها لا تختلف عن تلك التي واجهت كل المغاربة المفارقين لوطنهم، محدّدة أهمّها في مغادرة البلد وحيدة دون الأسرة التي بقيت بطنجة، ومقرّة بأن هذا الحنين لأجواء الأقارب والمغرب، بكافة العادات الأسرية والمجتمعيّة، لم يفارقها رغم تجميعها ل15 عاما في المهجر. ابحاث بباريس وبرشلُونَة التحقت إيمان، فور تخرجها، للعمل كباحثة بالمركز الوطني للأبحاث العلمية في باريس، لكنّها لم تستمرّ طويلا في منصبها بفعل "عدم امكانية التأقلم مع إيقاع الحياة بفرنسا" وفق تعبيرها المتطرّق لما جرى بتلك الفترة الوجيزة، لتعود على عقبيها نحو برشلونة مع استمرارها في ذات اشتغالها الذي لا تعرف غيره. كنت أعمل على أبحاث تهمّ علم الأعصاب، لكنّ عودتي من باريس تلاها التحاقي بمختبر يشتغل على البحث في الأمراض السرطانيّة.. أنا به منذ العام 2006.. وأعتبر اشتغالي في هذا المضمار مهمّا، فبعد الأبحاث التي تطال مرض السيدا لا وجود لبحث طبيّ يرقَى إلى هذا المستوى.. كما أنّ التحاقي بمجال البحث المختبري هو بعيد تماما عن التعاطي الأكاديمي مع هذا التخصّص.. حتّى أطروحَات الدكتوراة تبقَى بعيدة عن ملامسة ما يتم الوقوف عليه في المستشفيات بغرض البحث العلميّ. مَع رَافَايِيل رُوشِي تخصص البحث لإيمان شعَيب، كعالمة بيولوجيّة، هو حاليا في الأمراض السرطانيّة الرئويّة، وذلك ضمن فريق لعالم الأعصاب رَافَايِيل رُوشِي، الأنكولوجي الذي سمّي عام 2013 ألأفضل على الصعيد العالميّ. ويركّز اشتغال إيمان على تطوير "فردَانيَّة للعلاجات الكيماويّة"، بعيدا عن التعاطي الموحّد، وهذا لنيل فعاليَّة أكبر ونجاعة أوفر.. فهي تركّز على التحاليل الجينيّة للمصابين، إضافة لتشخيص كافة التطورات التي تصيب بعض الجينات التي تجعل علاجات كيماوية غير مقبولة من طرف الأجسام المريضة.. وبذلك تبحث ابنة طنجة عن تركيبات كيماوية علاجيَّة تكون أكثر نجاعة مما هو معروف في الوقت الحالي، خاصة بالنسبة للأمراض التي لم تعرف لها أدوية فعّالة بعد. نصح بالثبات "مسارات التكوين بالخارج، كما بالمغرب، لا تخلو كلّها من صعوبة.. خصوصا في ظل الأزمة المالية التي عصفت بعدّة اقتصادات عالميّة.. وأوّل نصيحة أسديها للباحثين عن النجاح تقترن بالتوفر على فكرة واضحة تجعلهم متمتعين بالصلابة في مواجهة قساوة الأوضاع.. كما أن الطلبة القاصدين للخارج عليهم الوعي بأن النجاح في مِهَن الدِّيبَانَاج ليس دافعهم الذي جعلهم يغادرون الوطن، وأي ثبات على غير الأهداف الرئيسة هو فشل حقيقي ينبغي الوعي به" تقول إيمان شعَيب.