تحول رمضان من شهر الصيام والقيام إلى شهر التسلية والسمر والسهر، حتى برامج التلفزيون التي كانت تتنوع بين البرامج الدينية والهادفة إلى حلبة للتنافس على أحدث المسلسلات والسلسلات الفكاهية والإشهارات، ثم إن بعض البرامج كالكاميرا الخفية الذي تحول من برنامج يرصد بعض المواقف الطريفة وردّات الفعل الناس العفوية، إلى برنامج يهدف إلى تحقيق أكبر عدد من المشاهدات ولو عن طريق إرهاب الناس وتخويفهم، وجعلهم مادة دسمة للتسلية، فيتفنن مقدموا هذه البرامج في الإيقاع بالناس مقابل مبلغ مالي يتخلى فيه الضحية عن فكرة متابعة هؤلاء نظرا لحاجته الشديدة له. ومن بعض المواقف المستفزة للمشاهد التي بُثت على الشاشة المغربية عندما تم إحضار المرحوم بنبراهيم للمشاركة في حملة للتبرع بالدم، فقاموا بتنويمه ليجد عند استيقاظه مجموعة من القوارير الكبيرة الحجم والمملوءة بالدم لإيهامه أنها أخذت منه، فقال لهم "هل أنا ديناصور". نعم هل يظن أصحاب هذه البرامج أن المشاهد ديناصور يستطيع تحمل مثل هذه المشاهد. كيف لنا أن نتناول وجبة الإفطار على وقع امرأة تصرخ وتبكي بشدة ظنا منها أنها في ورطة معينة، أو أن تلك اللحظة هي ساعتها الأخيرة في الحياة، أو على بكاء أو توسلات بعض الفنانين؛ كيف لنا أن نسعد بمثل هذه المواقف المخزية التي يتبجح فيها مقدموا البرامج بعبقريتهم وقدرتهم على التخويف وكيف نجحوا في أن يرصدوا لحظات الضعف عند هؤلاء الفنانين، حتى إن المشاهدين يرفضون الكاميرا المفبركة وكأنهم بهذا يطالبون بإنتاج المآسي الحقيقية؛ معهم الحق فقط في المطالبة بالإعلان عن ذلك مباشرة لا الضحك على الذقون. إن الإرهاب في الإسلام هو تخويف الناس وإفزاعهم، فكيف نجد مقدموا هذه البرامج كل ما في جهدهم لإنجاح خطتهم، وكلما تألمت الضحية أكثر كلما أحس أنه بالفعل ناجحا في عمله وبأنه سيضمن إمكانية إعادة مثل هذا البرنامج السنوات المقبلة. فأي عمل هذا وأية شهرة هذه؟ وهل مكسبه هذا حلال إن أمكن الحديث عن الحلال والحرام. إن شهر رمضان شهر أكبر من أن يُستغل للتسابق نحو الكسب المادي بمنطق الغاية تبرر الوسيلة، وإن المشاهد بإمكانه مقاطعة هذه البرامج والبحث عن برامج أخرى أكثر قيمة، إن المشاهد يستطيع أكثر مما تستطيعه الجهات المسؤولة. فمن حق هؤلاء العمل والإنتاج مادام لا أحد من المتضررين إن صح القول يرفع عليهم دعاوى قضائية، ومن حق المشاهد أن يقاطعها ما دام يرفض الضحك على الناس بمآسي الناس. لماذا لا يستطيعون وضع برامج تلفزيونية تدخل السرور إلى قلوب المشاهدين وتميتهم من الضحك بدل الموت من الرعب؟ لماذا يختفي الحسُّ الإنساني عند هؤلاء وعند المشاهدين الذين يُقبلون على برامجهم؟ لماذا لم نصل إلى الرقي الإنساني المنشود فينا؟ لماذا ولماذا ولماذا؟ ولماذا يا رمضان صرت إرهابا عند هؤلاء؟