في هذا الحوار، يتحدث المخرج السينمائي، عبد السلام الكلاعي، عن أسباب إبعاد مسلسله "عين الحق" للسنة الثانية على التوالي من البرمجة الرمضانية، كما يعطي المخرج السينمائي الذي أبدع في مجموعة من الأفلام السينمائية والتلفزية أفلاما تحترم ذوق وذكاء المتفرج عن استمرار الرداءة في الانتاجات الرمضانية سواء كانت كوميديا أو دراما؟ حاوره: محمد سموني صورت مسلسل، عين الحق، لما يزيد عن سنتين، من أجل بثه في رمضان 2017 ولم تتم برمجته إلى حدود اللحظة من قبل القناة الثانية لا في رمضان أو غيره، لماذا إبعاد هذا المسلسل الذي يبدو من خلال الممثلين المشتغلين فيه أو طريقة مخرجه الذي تميز في الكثير من الأعمال التلفزيونية أو السينمائية أحسن بكثير مما يعرض اليوم ؟ انتهيت من العمل في مسلسل عين الحق بالضبط في شهر ماي 2017 بحيث المسلسل كان جاهزا للعرض في رمضان الماضي، ولم يعرض بحسب ما اظن لأنه كان جاهزا جزءا ثانيا لأحد المسلسلات، وعليهم أن يعرضه مباشرة سنة بعد جزءه الأول، وفي الحقيقة عندما قدمت المسلسل مكتملا للقناة الثانية تلقيت تهنئة خاصة من مدير القناة والمسؤولون على قسم الدراما التلفزيونية في القناة على جودته ورقيه الفني والتقني والإبداعي وعلى عمق موضوعه إلى غير ذلك، كنت أنتظر أن يبرمج في هذه السنة ارتأت اللجنة المكلفة بالبرمجة أن لا تبرمج مسلسل عين الحق، ولا أعرف بالضبط الأسباب التي جعلتها عدم برمجته في شهر الرمضان، ولكن أنا شخصيا جد مقتنع بأن الأعمال الجيدة تجد جمهورها في رمضان أو خارج رمضان، وفي أي وقت تمت برمجتها، وتبقى وتخلد وتؤثر في تاريخ التلفزيون والدراما المغربية. مسلسل عين الحق بدل فيه مجهود جبار كبير جدا من طرف كل العاملين فيه تقنيين، ممثلين، فنيين، كتاب إلى غير ذلك.. اشتغلت على المسلسل ستة أشهر في التحضير وخمسة أشهر في التصوير وسبعة أشهر فيما بعد الانتاج، لأن ما بعد الانتاج كنت أشتغل عليه بالتوازي مع التصوير ثم شهرين بعد التصوير، وهذا المسلسل صور بأحدث تقنيات التصوير، صور ب Alexa كما تصور المسلسلات الأمريكية والفرنسية وغيرها، وكذلك بجودة 4K كما تصور الأفلام السينمائية والمسلسلات الكبيرة، وأظن أنه عندما سيلتقي بجمهوره سيعيد لنا كرم هذا المجهود. كما عمل في هذا المسلسل، ممثلون من الطراز الراقي جدا، هناك أكثر من عشر ممثلين رجال معروفون على المستوى الوطني وأيضا عشرة ممثلات رائعات ولهذا سيجد هذا المسلسل إعجابا وترحيبا من قبل الجمهور. بعيدا عن مسلسل عين الحق، أصبحت الكوميديا أو الدراما التي تبث في رمضان، تثير الكثير من الغضب في صفوف المتفرج العادي في رأيك لماذا لم نستطع في مجال الكوميديا منذ سنوات الخروج من الرداءة وهل من الضروري أن نضحك في رمضان؟ أنا شخصيا لا أعرف من الذي فكر و قرر في أول مرة أن شهر رمضان يجب ان يربط بالكوميديا، هذا سؤال يتوارد في ذهني وهو لماذا نقرر عند الإفطار في رمضان أن نشاهد أشياء تتدعي أنها كوميديا، لأن معظم الأعمال التي من المفترض أنها كوميديا ان شخصيا لا تضحكني بل في كثير من الأحيان تصيبني بالغضب، لانها ليست كوميديا مفكر فيها او موميديا مواقف أو سخرية سوداء بل كوميديا فجة بسيطة كما يقال كوميديا مستوى الصفر. فهناك إما أوضاع تثير السخرية أو حالات إنسانية تثير السخرية أو وجوع معوجة او أداء زعيق، تبادل للسب والشتم هذه أمور في نظري عادي أن يتدمر عموم المشاهدين من مثل هذه الأعمال. أما فيما يخص الدراما، عموما تعرف مشاكل كبيرة، تطفو على السطح هذه المشاكل في شهر رمضان لأن الانتاج يقوى في هذا الشهر، ومشاكل الدراما المغربية معروفة هي في كثير من الأحيان غياب المعنى ونجد أنفسنا أمام أشرطة تلفزية أو مسلسلات بدون أي معنى لا تؤدي أي وظيفة أو تؤدي أدوارا جديدة، ثم الكتابة تكون مهلهلة لأنه ليس لدينا كتاب سيناريوهات متمكنين بشكل كبير من الكتابة، هناك قلة قليلة، لكن على العموم لازالت أزمة كتابة السيناريو. كل هذه الأمور هي التي تتكاثف في شهر رمضان لنتتح هذا النقد اللاذع الذي يوجه لهذه الأعمال الرمضانية. وفي نظري أن هذه الانتاجات ليست استثناء عام عن ما ينتج طيلة السنة، هناك طبعا من حين لأخر طفرات ضوء تظهر هنا وهناك، لكن في المجمل هناك اشكالات يجب حلها، مثل نقص الإمكانيات، نقص التكوين، عدم وجود رؤية عميقة للعمل الدرامي.. كل هذه الاشكالات يجب ان تعالج من خلال استرتيجية لتكوين العاملين في هذا المجال ودعمهم من أجل إنتاجات أفضل. ثم يجب أن لا ننسى أن المشاهد المغربي لم يعد ذلك البدوي البسيط الذي لم يتابع دراسته والذي لايشاهد أي شيء إلا القنوات المحلية، بل أصبح يشاهد القنوات الدولية المتوفرة بكثرة، ويشاهد القنوات العربية والمسلسلات الغربية والتركية والمصرية، وأصبحت له القدرة على المقارنة، وبالتالي علينا أن نقدم له منتوجا دوليا قادر على المنافسة الدولية، وذلك لأن المتفرج يمتلك وسيلة القرار وهي آلة التحكم عن بعد التي يمكن من خلالها تغيير القناة، ولذلك علينا أن نقدم له منتوجا يمكنه أن ينافس المنتوجات الأوروبية والتركية والمصرية على مستوى الجودة التقنية أولا، كيف صور الفيلم وبأية كاميرا وبأي أليات صوت، جودة الممثلين والغاملين، وجودة المضمون التي هي أساسية وذلك بتقديم للمتفرج خطابا يحمل معنى، فأغلب ما نشاهد الآن في المغرب ليس له معنى ولا يحمل أي خطاب وهذا الاشكال. يجب حله في أسرع وقت ممكن. الدراما بدورها هذه السنة أصاحبتها عدوى الرداءة، بكل المقاييس، مقارنة حتى مع السنة الماضية، لماذا في رأيك هذا التراجع ؟ في الحقيقة، هو نفس إشكال الدرما هو إشكال الكوميديا، وإشكال المسلسل هو إشكال الفيلم التلفزيوني وهو إشكال السينما، إذ أن كل هذه الأعمال من المفترض أن تنبني كل هذه الأعمال على تصور للعالم وعلى مضمون راقي ورسالة يجب تمريرها وتصور معين نحاول أن نقنع به، ونظرة ووجهة نظر حول الأحداث والأشخاص والتاريخ والمجتمع إلى غير ذلك.. حين تغيب كل هذه المقومات، البعد الثقافي والفكر والمعرفي ووجهة النظر والمعنى، فإن العمل كيفما كانت الإمكانيات المرصودة له سيكون فارغا هشا من الداخل، ولذلك يجب التركيز على مرحلة ولادة الأعمال التلفزية كما السينمائية، دراما كانت أم مسلسل، من وراء الفكرة ماهو منظوره للعالم ما الخطاب الذي يحمله، وإلا هذه الأعمال ستكون غثة جدا وليس لها معنى، وهذا هو الإشكال الذي نواجهه كل مرة. الإشكال الثقافي هو الذي يؤثر بشكل مباشر على مجال السمعي البصري والسينما في المغرب، تغييب البعد الثقافي والبعد الفكري هو الذي يجعل الناس تتدمر لان الناس في حاجة إلى أن تشاهد ذاتها ومجتمعها وأن تفهم واقعها من خلال الأعمال، لأن التفلزيون كما السينما هو مرآة للمجتمع، وهو ذلك الجهاز الذي يلجأ إليه المتفرج لتلقى المعرفة والاستفادة ولكي يكون ذاته وأطفاله. وبالتالي فإن غياب هذا الجانب من التلفزيون يجعله فارغا من محتواه مجرد أداة للتسلية، وحبذا لو كانت هذه التسلية تسلية حقيقية، بل في كثير من الأحيان تتثير التدمر. هذه الاشكالات يجب أن ننكب عليها الفاعلون في المجال، مخرجون، كتاب سيناريو، نقاد، مبدعون، أو ممثلون يجب أن نفكر بجدية في المستوى الذي وصلنا إليه، لدينا من الإمكانيات ما يمكننا من صناعة أعمال تلفزيونية قادرة على التنافس مع أعمال أجنبية مثل الاعمال المصرية والتركية أو الأوروبية لما لا؟. فالإمكانيات المتوفرة في أوروبا، متوفرة في المغرب، والإمكانيات المرصودة في المغرب ليست هزيلة، بل إمكانيات تسمح بصناعة أعمال جيدة، وبالتالي حان الوقت لتحمل مسؤوليتنا في صناعة أعمال جيدة ترقى إلى ما يطلبه المشاهد المغربي.