لا تزال الرسالة الثاويَة من وراء تعيين الاتحاد الإفريقِي، جواكيم شيصانُو، مبعوثًا خاصًّا إلى الصحراء، تخضعُ لمجهر القانون، وتقدير الرد المغربي على البادرة بالرفض المطلق، في الوقت الذي يرى الأستاذ والباحث في كلية الحقوق بأكدال، ميلود بلقاضي، أنَّ عمق المشكل سياسيٌّ في عمقه، سيما أنَّ التعيين يأتِي في الوقت الذي تستلمُ موريتانيا رئاسة الاتحاد الإفريقي، ممَّا يؤشر على دفع الجزائر نحو تأزيم للعلاقات المغربيَّة الموريتانيَّة، التي تجتاحهَا البرودَة منذُ فترة. الدكتُور بلقاضِي يقولُ إنهُ لا ينبغي أنْ يستهين المغربُ بالاتحاد الإفريقي المكون من 52 دولة، وبالتحايل الجزائرِي الذِي يضخُّ الأموال في سبيل محاصرة المغربيًّا، حيثمَا استطاع، مستغربًا كيف أنَّ دولًا تحسبُ صديقةً للمغرب، التزمت الصمت إزاء القرار الانفرادِي، الذِي يصدرُ فيما المغربُ غائبٌ عن ردهات التكتل الإفريقِي بسبب عضوية البوليساريُو. فيما يلي مقال الدكتور بلقاضي كما ورد إلى هسبريس؛ قرار الاتحاد الإفريقي وإشكالية الإجراءات الاستباقية لدى صناع القرار بالمغرب أثار قرار تعيين مبعوث خاص للاتحاد الإفريقي إلى الصحراء المغربية نقاشات متعددة وقراءات مختلفة هيمنت عليها المقاربات القانونية على السياسية، في حين أن عمق المشكل هو سياسي أكثر منه قانوني إضافة إلى قراءة القرار في معزل عن سياقه الإقليمي والدولي والاستهانة به مع تحميل المسؤولية الكاملة للجزائر دون الاعتراف بحقيقة مرة وهي غياب الإجراءات الاستباقية عند المسؤولين المغاربة عن ملف الصحراء حيث أنهم عوض أن يكونوا هم الفاعلين في هذا الملف يصبحون مفعولا بهم، وهذه مسالة أساسية يجب الانتباه إليها في ملف الصحراء، لان أعداء الوحدة الترابية وفي مقدمتهم القادة الجزائريون يتربصون بالمغرب في كل صغيرة أو كبيرة وبكل المحافل وعند كل المنظمات كانت حكومية أو غير حكومية. ** سياق قرار تعيين مبعوث خاص للاتحاد الإفريقي إلى الصحراء المغربية: تمكن اللوبي المتحكم بالاتحاد الإفريقي من اختيار الوقت المناسب لتمرير هذا القرار ألا وهو رئاسة موريتانيا للاتحاد الإفريقي لما لهذه الدولة من رمزية ومن مهام وارتباطات بملف الصحراء، والهدف الاستراتيجي من اختيار هذا التوقيت هو رغبة الجزائر في تأزيم العلاقة الموريتانية المغربية والاستفراد بها في ظروف تمر فيها هذه العلاقات ببرودة نسبية خصوصا بعد قيام عاهل البلاد بزيارة تاريخية لتونس ولعدد من الدول الإفريقية دشنت لمرحلة العودة التدريجية للمغرب للعمق الإفريقي اقتصاديا وسياسيا ودينيا. الأمر الذي دفع بالجزائر لتشطيب ديون 18 دولة افريقية بكيفية نهائية. إصدار هذا القرار ربطته الجزائر بقرار مجلس الأمن رقم 2152 الداعي لإيجاد حل نهائي لقضية الصحراء قبل متم سنة 2015 مستغلة في ذلك توريط الاتحاد الإفريقي في هذا الملف واستخدامه كآلية ضغط على مجلس الأمن والأممالمتحدة بعد فشل الجزائر تدويل ملف حقوق الإنسان بالصحراء المغربية، ونشير هنا أن الجزائر تراهن اليوم أكثر من أي وقت مضى توريط الاتحاد الإفريقي – بعد انهيار النظام الليبي- لتصفية حساباتها مع المغرب مستغلة في ذلك غيابه وضعف لوبياته بالاتحاد الإفريقي مقابل تواجد لوبي قوي ضد المغرب بقيادة دولة جنوب افريقيا بل ان الجزائر بدأت تتحرش بدولة اخرى قوية هي مصر ودعم عودتها لحظيرة الاتحاد الإفريقي مستفيدة في ذلك من أخطاء الدبلوماسية المغربية في تدبير مرحلة ما بعد الانقلاب العسكري بمصر. يفهم من هذا كله ان سياق قرار تعيين مبعوث خاص للاتحاد الإفريقي إلى الصحراء المغربية قد تم اختياره بعناية دقيقة من طرف الجزائر بهدف إحراج المغرب مغاربيا مع موريطانيا التي تترأس هذه السنة الاتحاد الإفريقي، وعربيا مع مصر التي تتحرش بها الجزائر بهدف تازيم العلاقات المصرية المغربية عبر تقديم كل المساعدات المالية للاقتصاد المصري المنهار. وإقليميا محاصرة عودة المغرب الى العمق الإفريقي اقتصاديا وسياسيا ودينيا بل ان بعض الدول الإفريقية أصبحت أكثر اقتناعا بضرورة عودة المغرب إلى حظيرة الاتحاد الإفريقي، و دوليا محاولة خلق أزمة بين المغرب وهيئة الأممالمتحدة ومجلس الأمن والدول العظمى في سنة حاسمة لملف الصحراء كما نص على هذا قرار مجلس الأمن الأخير مسخرة في ذلك إطار الاتحاد الإفريقي وهذا ما يفسر دعوة الجزائر الأمين العام للأمم المتحدة حضور مؤتمر الاتحاد الإفريقي . ** أبعاد قرار تعيين مبعوث خاص للاتحاد الإفريقي إلى الصحراء المغربية: بعيدا عن شرعية هذا القرار وإطاره القانوني، يجب أن لا يستهين المغرب بقرار الاتحاد الإفريقي المكون من 52 دولة ، وعليه فإذا كان بلاغ وزير الخارجية المغربية سليما من الزاوية القانونية ، فهو غير مقنع من الزاوية السياسية لان أصل الصراع بالصحراء هو سياسي وليس قانوني ، إضافة إلى أن حل النزاعات الإقليمية والدولية أصبح اليوم خاضعا لحق القوة وليس لقوة الحق. فالجزائر التي عرفت نكسات متتالية في تدبير ملف الصحراء سنة 2014، وتزايد ارتفاع تكلفة الملف ماليا ودبلوماسيا على حساب مصالح الشعب الجزائري، ونظرا لوضعها السياسي الداخلي المأزوم ، أصبح هم قادة الجزائر تتبع ومراقبة كل تحركات وخطوات ملك المغرب خصوصا على مستوى سياسته الداخلية والخارجية التي تميزت سنة 2014 بإفشال مخطط الجزائر بتوسيع صلاحيات المينورسو بالصحراء، وعودة المغرب القوية للعمق الإفريقي وخصوصا دول الساحل ، مرورا بالزيارات الناجحة لملك البلاد لتونس إضافة إلى الطلب المتزايد للنموذج المغربي في أكثر من مجال من عدد من الدول الإفريقية ، إلى مصادقة الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، على قرار رقم 2004 المتعلق بالصحراء والذي أكدت فيه على أولوية الحل السياسي لملف الصحراء ، وتثمين المكتسبات التي حققها المغرب في مجال حقوق الإنسان. كل هذه الانتصارات كان من المنتظر أن تزعج القيادة الجزائرية التي كانت مضطرة لوضع إستراتيجية جديدة لمحاصرة المغرب؛ أولا : عربيا عبر إعلان تعيين مبعوث خاص وموريتانيا تترأس الاتحاد الإفريقي بهدف توسيع الفجوة بين الرباط ونواكشوط على حساب توطيد العلاقات بين تندوف ونواكشوط مستغلة في ذلك برودة العلاقات المغربية الموريتانية، وأيضا عبر تقوية علاقات الجزائر مع مصر وتقديم مساعدات مالية مهمة للاقتصاد المصري المنهار. ثانيا: إفريقيا عبر توريط الاتحاد الإفريقي في نزاع الصحراء بعد تراجع عدد من دول أعضاء الاتحاد الاعتراف بالجمهورية الوهمية ونشير انه قبل انعقاد القمة الإفريقية الأخيرة بغينيا الاستوائية حركت الجزائر شخصية افريقية كانت تقدم نفسها بصفتها ممثلا خاصا للاتحاد الإفريقي في نزاع الصحراء وزارت عدد ا من عواصم أصدقاء المغرب من اجل إجراء مشاورات وتم تعيين هذا الشخص من طرف وزير الخارجية الجزائري رمضان العمامرة الرئيس السابق لما يسمى بمجلس الأمن والسلم الإفريقي ، رمضان العمامرة الذي حول الاتحاد الإفريقي - بعد انهيار نظام القذافي- كآلية تخدم أجندة السياسية الجزائرية. ثالثا : دوليا رغبة الجزائر في استصدار قرار من مجلس الأمن يعطي للاتحاد الإفريقي دورا في ما يتعلق بتدبير ملف الصحراء ، وبالتالي إضفاء الشرعية الدولية لقرار الاتحاد الإفريقي غير الشرعي. رابعا تعيين الاتحاد الإفريقي الرئيس السابق لموزنبيق مبعوثا خاصا إلى الصحراء ومطالبته بإعداد تقارير لمفوضية الاتحاد ومجلس السلم والأمن يؤكد عزم الجزائر تدويل ملف الصحراء عبر قناة الاتحاد الإفريقي ليصبح طرفا في نزاع الصحراء خلال سنة 2015 السنة الحاسمة في ملف الصحراء بالنسبة لمجلس الأمن الدولي. وهذا ما أشار إليه بلاغ وزارة الخارجية للجزائر الذي اعتبر ان تعيين مبعوث افريقي للصحراء هدفه البحث عن أفضل السبل التي يمكن من خلالها للإتحاد الإفريقي أن يدعم الجهود الدولية لإيجاد تسوية للنزاع في الصحراء على أساس الشرعية الدولية . **تأثير القرار على ملف الصحراء المشروط : قد أختلف مع عدد من الباحثين حول أهمية وتأثير قرار تعيين الاتحاد الإفريقي مبعوثا خاصا له بالصحراء فرغم عدم قانونية القرار وعدم شرعيته فان الأمر يتطلب من المغرب الكثير من الحيطة والحذر وعدم الاستهانة بالقرار لان الجزائر التي تحايلت على الاتحاد الإفريقي لإخراج هذا القرار في هذا الوقت بالذات – وان كانت تكلفته المالية باهظة- لمستعدة للكرم أكثر وللتحايل أكثر وللمناورة أكثر وللخداع أكثر مقابل شرط واحد هو محاصرة المغرب مغاربيا وعربيا و إفريقيا ودوليا . ومن المثير في الأمر – والذي تجاهلته بعض القراءات- هو انه قبل وأثناء وبعد إصدار الاتحاد الإفريقي لهذا القرار ساد صمت غير مفهوم عند عدد من الدول الصديقة للمغرب والعضوة داخل الاتحاد الافريقي اتجاه هذا القرار، بل أن هذا الصمت أصاب – أيضا- الرأي العام الإقليمي والدولي حول دوافع وغايات هذا القرار الانفرادي الذي لا يعني المغرب في شيء ، رغم معرفة واقتناع هذه الدول بأن الجزائر هي من كانت وراء القرار، بل كانت حتى من وراء اختيار المبعوث الخاص للاتحاد الإفريقي المعروف بعدائه للمغرب ، ولعلي هذا هو قمة الاستفزاز الجزائري للمغرب. بل إن أكثر ما يثير الاستغراب هو تركيز الاتحاد الإفريقي على نقطة معينة من نقط الميثاق التأسيسي للاتحاد التي تشمل المقاصد التالية: 1. تحقيق مزيد من الوحدة والتضامن بين الدول الأفريقية وشعوب القارة. 2. حماية سيادة الدول الأعضاء وسلامة أراضيها واستقلالها. 3. الإسراع بعملية التكامل السياسي والاجتماعي والاقتصادي في أفريقيا. 4. تعزيز المواقف الأفريقية المشتركة حيال قضايا مصالح القارة وشعوبها والدفاع عنها. 5. تشجيع التعاون الدولي مع إيلاء الاهتمام المناسب لميثاق منظمة الأممالمتحدة وللإعلان العالمي لحقوق الإنسان. 6. تعزيز السلام والأمن والاستقرار في القارة. 7. تعزيز المبادئ والمؤسسات الديموقراطية والمشاركة الشعبية والحكم الرشيد. 8. حماية حقوق الشعوب والإنسان وتعزيزها وفقا للميثاق الأفريقي لحقوق الشعوب والإنسان وغيره من أجهزة حقوق الإنسان الأخرى. 9. وضع الشروط اللازمة التي تمكن القارة من أداء الدور المنوط بها في الاقتصاد العالمي. 10. تعزيز التنمية المستدامة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي وكذلك التكامل بين الاقتصاديات الأفريقية. 11. تعزيز التعاون في كافة مجالات النشاط الإنساني لرفع مستوى معيشة الشعوب الأفريقية. 12. تنسيق سياسات الجماعات الاقتصادية الإقليمية القائمة والمستقبلية لتحقيق مقاصد الاتحاد تدريجا. 13. دفع تنمية القارة بتشجيع البحث في كافة المجالات ولا سيما في مجالي العلوم والتقنية. 14. العمل مع الشركاء الدوليين ذوي العلاقة للقضاء على الأمراض التي يمكن مكافحتها وتعزيز الصحة الجيدة في القارة. يتبين من النظام التأسيسي للاتحاد الإفريقي أن هناك نقطا أهم وقضايا أولى بالنسبة للاتحاد الإفريقي من الاهتمام بالنقطة السادسة المتعلقة بتعزيز السلام والأمن والاستقرار في القارة وحتى لو أراد الاتحاد ذلك فهناك مناطق متعددة بالقارة الإفريقية تعيش أوضاعا اخطر بدل اهتمامها بقضية ثانوية يعرف الاتحاد الافريقي أنها قضية مفتعلة من طرف الجزائر. بل إن قرار تعيين مبعوث خاص له يتعارض حتى مع المادة الثانية من القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي التي جاء فيها يعمل الاتحاد الأفريقي على »: احترام الحدود القائمة عند نيل الاستقلال « وهو ما يعني أن حدود المغرب القائمة عند نيل الاستقلال كانت حتى تندوف وبمنطق هذه المادة فجبهة البوليساريو ليس لها أي شرعية لكونها لم يكن لها أي وجود أثناء استقلال المغرب، وهذا دليل قاطع ان تعيين هذا المبعوث هو مناورة جزائرية خطط لها بدقة لإحراج المغرب مع الدول الإفريقية وإجهاض أي حل سلمي بين المغرب والصحراويين المحتجزين على الأراضي الجزائرية وعزل المغرب عن محيطه المغاربي والإقليمي والقاري، وعليه فهذا القرار ليس له أي سند قانوني بمفهوم القانون الدولي بل ليس له أي شرعية حتى بالنسبة لميثاق الاتحاد الإفريقي ذاته. لكن رغم ذلك ، يجب أن لا يستهين المغرب بقرار الاتحاد الإفريقي تعيين مبعوث خاص للصحراء الذي تزامن مع رئاسة موريطانيا لهذا الاتحاد ، وقرب المفاوضات مع البوليساريو وبداية العودة القوة للمغرب للعمق الإفريقي وطلب مجلس الأمن المغرب وجبهة البوليساريو إيجاد حل سلمي ونهائي قبل متم ابريل 2015 . فالمغرب اليوم ليس في حاجة لدفوعات قانونية آو عدم الاعتراف بالمبعوث الخاص للاتحاد الإفريقي بل عليه اتخاذ إجراءات عملية وسريعة لتصحيح هذا الأمر عبر محاصرة الجزائر في كل المحافل الإقليمية والقارية والدولية والعودة السريعة إلى الاتحاد الإفريقي ونهج سياسة استباقية ليكون فاعلا في السياسة بدل أن يكون مفعولا به وان يعي أن ترك الكرسي الفارغ يستغله الأعداء خصوصا إذا كان من طينة الجزائر التي تعاني من عقدة نفسية وسياسية وتاريخية اسمها المغرب لتفادي مثل هذه المفاجآت التي تبدو أنها غير شرعية لكن سلط المال والغاز واالبترول والمصالح قادرة أن تعطيها الشرعية . وندرج مثالا واضحا من الاتحاد الإفريقي ذاته فبعد عام من تجميد عضوية مصر بعد الانقلاب ضد ما سماه الانقلاب ضد الشرعية غير الاتحاد قراره وقبل عودة مصر إليه دون أي شروط وتحركت الجزائر لدعوة الجنرال عبد الفتاح السيسي القمة الأفريقية الأخيرة، بوصفه رئيس دولة عضو في الاتحاد الأفريقي ليشرعن الاتحاد الافريقي ما كان بالامس فاقد الشرعية ،بل ان نفس الاتحاد الذي نصّب معمر القذافي ملقبا إياه بملك ملوك أفريقيا ، هو نفسه الذي تخلى وبعد عن القذافي واصفا إياه بالنظام المستبد والديكتاتوري انها قمة النفاق السياسي والدبلوماسي . على المغرب ان يعرف ان عددا من رؤساء دول الاتحاد الإفريقي هم عسكريون وصلوا للحكم عبر الانقلابات همهم السلطة والمال والنهب وليس ملف الصحراء ولا سلم إفريقيا ولا أمنها وقد وجدوا في الجزائر البقرة الحلوب ، لذى على المكلفين بملف الصحراء ان يدركوا طبيعة ونوعية وإمكانيات واستراتيجيات هؤلاء الأعداء الذين تمولهم النخبة العسكرية الحاكمة بالجزائر لانها لها نفس التفكير ونفس السلوك ونفس العقلية ، وهذا الإدراك هو من يفرض اعتماد منهجية الإجراءات الوقائية أي آليات المناهج الاستباقية لتفادي كل التوقعات المفاجأة قبل وقوعها للتأكد من انها لن تحدث ولنا في ملف الصحراء عدة نماذج لم يستفد منها المكلفون به، فإلى متى يبقى المغرب في ملف الصحراء يعلق على الأحداث ويتفاعل معها بدل صنعها والفعل فيها ؟ . [email protected]