تأثير القرار على ملف الصحراء المشروط قد أختلف مع عدد من الباحثين حول أهمية وتأثير قرار تعيين الاتحاد الإفريقي مبعوثا خاصا له بالصحراء؛ فرغم عدم قانونية القرار وعدم شرعيته فإن الأمر يتطلب من المغرب الكثير من الحيطة والحذر وعدم الاستهانة به، لأن الجزائر -التي تحايلت على الاتحاد الإفريقي لإخراج هذا القرار في هذا الوقت بالذات، وإن كانت تكلفته المالية باهظة- لمستعدة للكرم أكثر وللتحايل أكثر وللمناورة أكثر وللخداع أكثر مقابل شرط واحد هو محاصرة المغرب مغاربيا وعربيا وإفريقيا ودوليا. ومن المثير في الأمر -والذي تجاهلته بعض القراءات- أنه قبل وأثناء وبعد إصدار الاتحاد الإفريقي لهذا القرار، ساد صمت غير مفهوم عند عدد من الدول الصديقة للمغرب وذات العضوية داخل الاتحاد الإفريقي تجاه هذا القرار، بل إن هذا الصمت أصاب -أيضا- الرأي العام الإقليمي والدولي حول دوافع وغايات هذا القرار الانفرادي الذي لا يعني المغرب في شيء، رغم معرفة واقتناع هذه الدول بأن الجزائر هي من كانت وراء القرار، بل كانت حتى وراء اختيار المبعوث الخاص للاتحاد الإفريقي المعروف بعدائه للمغرب، ولعل هذا هو قمة الاستفزاز الجزائري للمغرب. بل إن أكثر ما يثير الاستغراب هو تركيز الاتحاد الإفريقي على نقطة معينة من نقط الميثاق التأسيسي للاتحاد التي تشمل المقاصد التالية: 1 - تحقيق مزيد من الوحدة والتضامن بين الدول الإفريقية وشعوب القارة؛ 2 - حماية سيادة الدول الأعضاء وسلامة أراضيها واستقلالها؛ 3 - الإسراع بعملية التكامل السياسي والاجتماعي والاقتصادي في إفريقيا؛ 4 - تعزيز المواقف الإفريقية المشتركة حيال قضايا مصالح القارة وشعوبها والدفاع عنها؛ 5 - تشجيع التعاون الدولي مع إيلاء الاهتمام المناسب لميثاق منظمة الأممالمتحدة وللإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛ 6 - تعزيز السلام والأمن والاستقرار في القارة؛ 7 - تعزيز المبادئ والمؤسسات الديمقراطية والمشاركة الشعبية والحكم الرشيد؛ 8 - حماية حقوق الشعوب والإنسان وتعزيزها وفقا للميثاق الإفريقي لحقوق الشعوب والإنسان وغيره من أجهزة حقوق الإنسان الأخرى؛ 9 - وضع الشروط اللازمة التي تمكن القارة من أداء الدور المنوط بها في الاقتصاد العالمي؛ 10 - تعزيز التنمية المستدامة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وكذلك التكامل بين الاقتصاديات الإفريقية؛ 11 - تعزيز التعاون في كافة مجالات النشاط الإنساني لرفع مستوى معيشة الشعوب الإفريقية؛ 12 - تنسيق سياسات الجماعات الاقتصادية الإقليمية القائمة والمستقبلية لتحقيق مقاصد الاتحاد تدريجيا؛ 13 - دفع تنمية القارة بتشجيع البحث في كافة المجالات، ولاسيما في مجالي العلوم والتقنية؛ 14 - العمل مع الشركاء الدوليين ذوي العلاقة من أجل القضاء على الأمراض التي يمكن مكافحتها وتعزيز الصحة الجيدة في القارة. يتبين من النظام التأسيسي للاتحاد الإفريقي أن هناك نقطا أهم وقضايا أولى بالنسبة إلى الاتحاد الإفريقي من الاهتمام بالنقطة السادسة المتعلقة بتعزيز السلام والأمن والاستقرار في القارة وحتى لو أراد الاتحاد ذلك فهناك مناطق متعددة بالقارة الإفريقية تعيش أوضاعا أخطر بدل اهتمامها بقضية ثانوية يعرف الاتحاد الإفريقي أنها قضية مفتعلة من طرف الجزائر، بل إن قرار تعيين مبعوث خاص له يتعارض حتى مع المادة الثانية من القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي التي جاء فيها أن الأخير يعمل على "احترام الحدود القائمة عند نيل الاستقلال"، بما يعني أن حدود المغرب القائمة عند نيل الاستقلال كانت حتى تندوف؛ وبمنطق هذه المادة، فجبهة البوليساريو ليست لها أي شرعية لأنه لم يكن لها أي وجود أثناء استقلال المغرب، وهذا دليل قاطع على أن تعيين هذا المبعوث من قبل الاتحاد الإفريقي هو مناورة جزائرية خطط لها بدقة لإحراج المغرب مع الدول الإفريقية وإجهاض أي حل سلمي بين المغرب والصحراويين المحتجزين على الأراضي الجزائرية وعزل المغرب عن محيطه المغاربي والإقليمي والقاري. وعليه، فهذا القرار ليس له أي سند قانوني بمفهوم القانون الدولي، بل ليست له أي شرعية حتى بالنسبة إلى ميثاق الاتحاد الإفريقي ذاته. لكن رغم ذلك، يجب ألا يستهين المغرب بقرار الاتحاد الإفريقي تعيين مبعوث خاص للصحراء والذي تزامن مع رئاسة موريتانيا لهذا الاتحاد، وقرب المفاوضات مع البوليساريو وبداية العودة القوية للمغرب إلى العمق الإفريقي وطلب مجلس الأمن من المغرب وجبهة البوليساريو إيجاد حل سلمي ونهائي قبل متم أبريل 2015. فالمغرب اليوم ليس في حاجة إلى دفوعات قانونية أو إلى عدم الاعتراف بالمبعوث الخاص للاتحاد الإفريقي، بل عليه اتخاذ إجراءات عملية وسريعة لتصحيح هذا الأمر عبر محاصرة الجزائر في كل المحافل الإقليمية والقارية والدولية والعودة السريعة إلى الاتحاد الإفريقي ونهج سياسة استباقية ليكون فاعلا في السياسة بدل أن يكون مفعولا به وأن يعي أن ترك الكرسي فارغا في الاتحاد يستغله الأعداء، خصوصا من طينة الجزائر التي تعاني من عقدة نفسية وسياسية وتاريخية اسمها المغرب، لتفادي مثل هذه المفاجآت التي تبدو غير شرعية، لكن سلط المال والغاز والبترول والمصالح قادرة أن تعطيها الصبغة الشرعية. وندرج مثالا واضحا من الاتحاد الإفريقي ذاته.. فبعد عام من تجميد عضوية مصر بعد الانقلاب على خلفية ما سماه آنئذ الانقلاب ضد الشرعية، غيّر الاتحاد قراره وقبل عودة مصر إليه دون أي شروط، وتحركت الجزائر لدعوة الجنرال عبد الفتاح السيسي إلى القمة الإفريقية الأخيرة، بوصفه رئيس دولة عضو في الاتحاد الإفريقي، ليشرعن الاتحاد الإفريقي ما كان بالأمس فاقدا للشرعية؛ بل إن الاتحاد الذي نصّب معمر القذافي ملقبا إياه بملك ملوك إفريقيا، هو نفسه الذي تخلى وبعد عن القذافي واصفا إياه بالنظام المستبد والديكتاتوري.. إنها قمة النفاق السياسي والدبلوماسي. على المغرب أن يعرف أن عددا من رؤساء دول الاتحاد الإفريقي هم عسكريون وصلوا إلى الحكم عبر الانقلابات، همُّهم السلطة والمال والنهب وليس ملف الصحراء ولا سلم إفريقيا ولا أمنها وقد وجدوا في الجزائر البقرة الحلوب، لذا على المكلفين بملف الصحراء أن يدركوا طبيعة ونوعية وإمكانيات واستراتيجيات هؤلاء الأعداء الذين تمولهم النخبة العسكرية الحاكمة بالجزائر لأن لها نفس التفكير ونفس السلوك ونفس العقلية، وهذا الإدراك هو ما يفرض اعتماد منهجية الإجراءات الوقائية، أي آليات المناهج الاستباقية لتفادي كل التوقعات المفاجئة قبل وقوعها للتأكد من أنها لن تحدث، ولنا في ملف الصحراء عدة نماذج لم يستفد منها المكلفون به، فإلى متى يبقى المغرب في ملف الصحراء يعلق على الأحداث ويتفاعل معها بدل صنعها والفعل فيها؟ ميلود بلقاضي* *أستاذ التواصل السياسي بكلية الحقوق أكدال الرباط