8.5 مليون من المغاربة لا يستفيدون من الحماية الصحية ونسبة تحمل المصاريف لا تتجاوز 50% (الشامي)    السفارة المغربية ببلجيكا والقنصلية العامة بأنفيرس تنظمان حفل استقبال بمناسبة عيد الاستقلال    مجلس المستشارين يشرع في المناقشة العامة لمشروع قانون المالية لسنة 2025    سيدات الجيش الملكي تبلغن نهائي أبطال إفريقيا على حساب "مسار" المصري    حوادث السير بالمناطق الحضرية تحصد 36 قتيلا في أسبوع    إدانة المالكي بتهمة "الإخلال بالحياء العام"    المغرب يصدر سنويا 700 ألف سيارة لأكثر من 70 دولة        الذهب يواصل الارتفاع مع تراجع الدولار    نقابة: إفلاس المقاولات في تزايد وسط توقع بإفلاس أكثر من 16 ألف مقاولة في 2024    زيلينسكي يحذر من أن بلاده "ستُهزم" إذا قطعت عنها واشنطن المساعدات العسكرية    إغلاق مئات المدارس بسبب التساقطات الثلجية القوية بالمملكة المتحدة    محاميان مغربيان يدعوان لزيادة التنسيق القانوني دوليا لاعتقال ومحاكمة نتنياهو    وقفة احتجاجية بالرباط للتنديد بالإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة    السيناتور الأمريكي بيرني ساندرز يدعو لإنهاء تواطؤ بلاده في الإبادة الإسرائيلية بغزة    نائبة أميركية ترفض "متحولة جنسيا" في مراحيض النساء    أستراليا تواجه جذب منصات التواصل الاجتماعي للأطفال    بسبب "فضيحة" عقد 62 مليون سنوياً مع فندق.. حماة المال العام يطالبون النيابة العامة بالتحقيق مع الميراوي    رغم الانتصار على الغابون وليسوتو... المنتخب المغربي يتراجع بمركز في الترتيب العالمي        المنتخب الوطني لمواليد 2000 فما فوق يتعادل مع المنتخب الإيفواري في بنجيرفيل    نقابة تعليمية تطالب بإسقاط الأحكام القضائية ضد أساتذة    الطريق السريع تزنيت–الداخلة.. شريان تنمية جديد للصحراء المغربية أبهر العالم    حريق مهول يأتي على مصنع للنسيج بطنجة    كيوسك الأربعاء | المغرب يسير بثبات نحو تأسيس صناعة دفاعية متطورة    الإعلام الإسباني يشيد ب"جنود الصحراء" المغاربة        اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    أوكرانيا تستخدم صواريخ "أتاكمس" الأمريكية في ضرب الأراضي الروسية..    "من المسافة صفر".. 22 قصّة تخاطب العالم عن صمود المخيمات في غزة    المعارضة: السيادة الصناعية "شعارات"    وجبات "السيبيا" ترسل أزيد من عشرة أفراد للمستعجلات في اشتوكة    رئيس الحكومة: الشروع في الإطلاق التدريجي للمنطقة الصناعية محمد السادس "طنجة تيك"    الصحافة الإسبانية تشيد بإبراهيم دياز بعد تسجيله هاتريك مع أسود الأطلس            بورصة البيضاء تنهي التداولات ب"الأخضر"    ليدي غاغا سحبت قبالة واحدة من أفضل عروض الوقت الحقيقي من أي وقت مضى    "اليونسكو" تدرس إدراج الحناء في قائمة التراث الثقافي غير المادي    أونشارتد: أحدث العروض التوضيحية المفقودة تراث عرض الكنز الصيد ديو في المزامنة    انخفاض أسعار اللحوم الحمراء في المغرب بعد بدء عملية الاستيراد    جدول أعمال مجلس الحكومة المقبل    وزارة الصحة الروسية تطلق اختبارات سريرية لعلاج جديد لسرطان الدم    مساء هذا الثلاثاء في برنامج "مدارات" : لمحات من السيرة الأدبية للكاتب والشاعر محمد الأشعري    ولي العهد السعودي يهنئ الملك بمناسبة عيد الاستقلال    حاتم عمور يصدر كليب «بسيكولوغ»    أربع جهات مغربية تفوز بجائزة "سانوفي" للبحث الطبي 2024    الشاعرة الروائية الكندية آن مايكلز تظفر بجائزة "جيلر"    في تأبين السينوغرافيا    ما هي الطريقة الصحيحة لاستعمال "بخاخ الأنف" بنجاعة؟    فريق بحث علمي يربط "اضطراب التوحد" بتلوث الهواء    صحتك ناقشوها.. إضطراب النوم / الميلاتونين (فيديو)    المنتخب الكويتي يختبر المدرب سلامي    عرض الفليم المغربي "راضية" لمخرجته خولة بنعمر في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصحافة المستقلة وصراع الإرادات
نشر في هسبريس يوم 31 - 08 - 2010

لقد أصبح من الواضح لكل متتبع للتحولات السوسيولوجية التي يعرفها المجتمع المغربي أننا في صميم مرحلة حاسمة فيما يتعلق بمسألة و حجم التغيرات التي أصبحت تسم المجتمع المغربي وهذا ليس مجرد كلام لا يستند إلى وقائع موضوعية وأدلة ثابتة بل يتأسس على مجموعة من المعطيات والحقائق الملموسة التي تؤشر بشكل شمولي وملموس على حدوث فواصل و قطائع عميقة في استيعاب المجتمع لمختلف الثورات الاجتماعية، الفكرية والتقنية التي يعرفها العالم الحديث و استفادته من منجزاتها و تفاعله مع فتوحاتها، ولطالما كانت هي الثورات في أصلها عنوانا للهدم والتجاوز وتعبيرا عن تغيير واقع الحال المتسم بالجمود و الرجعية والذي تغذيه وتمد شرايينه بالقوة والحياة أجهزة الدعاية الرسمية من وسائل اتصال سمعية-بصرية فإن دينامية التغيير الجذري كما فطن إلى ذلك رواد التغيير لا يمكن أن يتم إلا عبر قنوات اتصال جماهيرية مستقلة ومؤثرة تضاهي في سلطتها السلطة المادية والرمزية التي يمتلكها المخزن هذا الجسم الأخطبوطي الذي يسيطر على معظم وسائط الاتصال وبالتالي يهيمن على تشكيل الرأي العام واحتكاره.
و لاشك أن الحديث اليوم عن هذا المولود الجديد المسمى بالصحافة المستقلة وعن الطفرة الإعلامية المزلزلة التي أحدثتها بالشكل الذي يتجاوز دوغمائية الإعلام الرسمي، ونخبوية الإعلام الحزبي الذيلي ليمثل تحولا كبيرا تتمفصل من خلاله مجموعة من المعطيات والخلفيات السوسيوثقافية التي أصبحت تشكل وعيا مزدوجا وعلامة فارقة في التعاطي مع المشهد الإعلامي، ولعل أبرزها تحديدا هو مبدأ الاستقلالية بما تعنيه هنا قيمة الاستقلالية من ارتباط وثيق بمسألتي الحرية والكرامة، فلا كرامة و لا حرية دون استقلالية للإرادة الإنسانية و انعتاقها من كل أشكال الوصاية والحجر، وإذا أن نستقل معناه أن نملك الإرادة على معرفة أنفسنا كغاية لا كوسيلة، وعليه فإن الحديث عن الصحافة المستقلة اليوم هو حديث عن خط تحريري وتنويري يهدف إلى تحقيق كرامة وحرية المواطن وذلك من خلال إطلاعه على طبيعة الصراعات الطبقية التي يرزح تحتها، وكشف طبيعة النخب الكولونيالية المتحالفة فيما بينها لتأبيد الوضع الطبقي و استمراريته، وأيضا فضح و تعرية مختلف الانتهاكات والتجاوزات التي تطال المواطن في حريته وكرامته ومواطنته، دون أن نغفل الحديث عن الصحافة المستقلة في مقابل الصحافة الحزبية باعتبارها السلطة الرابعة الحقيقية كخط نضالي ينتصر لخيارات الجماهير الشعبية المسحوقة و يأجج وعيها الشقي و ينير بصرها وبصيرتها لخوض معركة الحرية والكرامة لانتزاع إرادتها الإنسانية المغتصبة.
و على هذا النحو فالصحافة المستقلة هي وثيقة الصلة باختيارات المجتمع ورهاناته المجتمعية بعد استفحال كل أشكال التعتيم والتضليل الممنهج من طرف الصحافة الرسمية والحزبية، ولذا و مع بزوغ نجم الصحافة المستقلة يبدو أن المعادلة قد تغيرت وبشكل كبير فيما يتعلق بتوجيه الرأي العام وتنويره بحيث نلاحظ شبه هروب كبير إلى هذه الصحافة لما أصبحت تتمتع به من سلطة تأثيرية في خضم مجريات الأحداث التي يعيشها الإنسان المغربي البسيط المقموع والمكبوت، هذا دون أن ننسى أو نغفل بروز نجم صحافيين متميزين أصبح لهم تأثيرهم الواضح وحضورهم القوي في المشهد الإعلامي المغربي، وأخص بالذكر هنا ظاهرة الصحافي المقتدر رشيد نيني ومن خلال عموده المتميز شوف تشوف. فكيف يمكن إذا تفسير انشداد معظم المغاربة إلى أسلوب هذا الصحافي! و كيف يمكن تفسير أن صوت هذا الصحافي اليوم أقوى من صوت الأحزاب الوصولية، وأجرأ من نخبوية النقابات الانتهازية!
و لست هنا ملزما باستثمار مناهج علم النفس الاجتماعي في تفسير هذه الظاهرة، فجميع المعطيات تشير وبشكل لا يقبل الجدال على أن الجماهير الشعبية تلتحم وتتعاطف مع الشخصية المناضلة ذات الوعي الطبقي، القادرة على السيطرة على عواطف الناس والتعبير عن هواجسهم وانشغالاتهم والعاشقة للتحدي والتغيير والمواجهة بحيث لاشيء يقف أمامها للانتصار و التضحية من أجل الحقيقة النبيلة والسامية التي تؤمن، ولاشك أن هذه الصفات مجتمعة هي ما يميز شخصية الصحافي رشيد نيني وتحدد خطه الإعلامي بمعناه النضالي، و ما دمت أتحدث هنا عن النضال وشعارات المرحلة لابد أن أشير على أن الشعب المغربي أصبح على قناعة شبه تامة بلا جدوى الخوض في كل ما هو سياسي ونقابي وهذا ليس بالأمر الاعتباطي فحتى الأمس القريب يتذكر المغاربة قاطبة المسرحيات المحكمة الإخراج التي كان يلعبها بأقنعة مزيفة كل من فتح الله والعلو، محمد الخصاصي، محمد الخليفة و نوبير الأموي وكيف كانوا يهزون أركان البرلمان، لتنكشف الحقيقية المرة بالمرة فيما بعد ذلك!؟ ويخيم بعدها الجمود و الانتظارية القاتلة الحياة السياسية والنقابية المغربية وتطمس بعد ذلك كل معارضة بناءة تخدم مصالح الشعب، ومما زاد الطين بلة استمرار هؤلاء ومن خلال جرائدهم الحزبية في تضليل الرأي العام والضحك عليه.
هكذا وانطلاقا من هذا الوضع المأزوم وأما غياب أي زخم نضالي وحراك اجتماعي حقيقي تؤطره الأحزاب و النقابات لم تجد الجماهير بدا من الكفر بالنضال ومن يأتي من جهته ومن يتشدقون به، وبالتالي كان سعيها الدؤوب للبحث عن بديل حقيقي يتمتع بالمصداقية و الجرؤة والاستقلالية نكاية و انتقاما ممن أوصلوها إلى النفق المسدود، وكان لابد هنا أن تجد الجماهير ضالتها في شخص الصحافي رشيد نيني باعتباره الشخص المخلص أو البطل الإشكالي حسب لوكاتش القادر على الدفاع عن القيم النبيلة في مجتمع منحط وطبقي، والمتفاني في كشف التجاوزات والمخططات الجهنمية التي تطال المواطن ومن يقفون وراءها من المتنفذين من صناع القرار الذين لا يطالهم القانون أو هم فوق القانون، وهذا ما يشكل بالنسبة للإنسان المغربي المغلوب على أمره قمة النضالية وقمة الشجاعة الأدبية في قول الحقيقة وتعريتها مهما كان الثمن، ويشكل أيضا تبعا لذلك حالتي إسقاط و تعويض لاشعوريين باعتبارهما حيلا دفاعية متميزة لتبديد العقدتين المستحكمتين في لاشعور الإنسان المقهور وهما الكبت والقمع وهنا لا أتحدث عنهما بمعناهما الجنسي ولكن بمعناهما الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وتأسيسا على هذا يصبح اختيار الصحافة المستقلة من طرف الجماهير الشعبية والالتحام بصحفييها هو أسلوب احتجاج ورسالة تنديد لمن باعوا أحلام الضعفاء والمقهورين من جهة أولى ودليل ثقة وعنوان محبة لمن يناضلون ليرسموا للشعب طريق الحرية والكرامة من خلال الكلمة الصادقة والجريئة من جهة ثانية، فإلى أي حد ستصمد شجرة الصحافة المستقلة في وجه العاصفة وفي وجه الغرامات المجحفة التي تطالها لتقتلها شر قتلة!
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.