حتى لا ننسى إغلاق دور القرآن في العشر الأواخر في مثل هذا الشهر الفضيل عام 1429ه (شتنبر 2008م) أقدمت السلطات في الكثير من مدن المغرب على إغلاق أزيد من ستين دارا للقرآن بحجة انتسابها لفكر تجويز الصغيرات -خوفا عليهن من مغبة انتشار التفسخ- الذي يخالف قوانين البلاد ومبادئ الفكر العلماني، وهو ما اعتبره العلمانيون ظلامية ينبغي اجتثات أصولها من خلال التضييق على كل من يمتح فقهه من معين الكتاب والسنة وأقوال وتفسيرات علماء الإسلام، فكانت النتيجة ضياع أسر وآلاف الطلبة وهجران دور القرآن التي تبكي اليوم على قرآن كان يتلى بين جدرانها آناء الليل وأطراف النهار، فللّه درك يا دور القرآن! لقد كان إغلاق دور القرآن فاجعة على القائمين عليها والمستفيدين من أنشطتها، بل وتعدى الأمر إلى استنكار شريحة كبيرة من المغاربة هذا الإغلاق حتى أضحينا نسمع منهم كلاما من قبيل، هل في الوزارة والوزير القائم عليها خير وهو يغلق دورا كانت تعلم أبناء المسلمين كتاب ربهم، وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم؟ وأما أولياء الطلبة (خصوصا الصغار) فلهم موقف أكثر حنقا، تلمس منه مرارة الإحساس بضيعة فلذات أكبادهم الذين كانت تحتضنهم دور مباركة اجتهد كثير من معلميها على تحسين أخلاق طلبته، وهم يرون اليوم أبناءهم ينساقون وراء سياسة تتفيه وتسفيه ثقافتهم، وتمييع أخلاقهم وقيمهم، عندما تصور لهم كرة القدم وكأنها الفتح الذي ينبغي أن يسلكوا طريقه، وأن انتشار المهراجانات وتعددها هو السبيل لاستخراج مواهبهم وتحصيلهم للطمأنينة الروحية بواسطة غذاء الروح (الشيطانية البهيمية) -الغناء- .. فللّه درك يا دور القرآن! يوم كنت تعلمين الناس أن غذاء الروح هو القرآن، وأن اجتماعه بحب الألحان في قلب مؤمن لا يجتمعان. للّه درك يا دور القرآن! فكم من قتيل للأهواء استنشق عبير الحياة من جديد من نسائم خيراتك؟ وكم من جوعان تذوق لذة العبادة في صفاء منهجك، فلزم عتبة العبودية؟ وكم من عطشان ارتوى بحسن تلاوة القرآن بين جدرانك، فكان من أهل الله؟ كم من مقرئ مجود للقرآن تخرج من أبوابك، فهو يصدح اليوم بالقرآن في ربوع مغربك؟ كم من حافظ اليوم يعلم الناس القرآن، حفظ فوق طيب تربتك؟ كم من صغير تعلم صفاء التوحيد والإيمان بربه من دروس مناهجك؟ كم من عبد تفقه في دينه من خلال حضور مجالسك؟ لك الله يا دور القرآن! لقد كانت دور القرآن ضحية سياسة إعادة هيكلة الحقل الديني برؤيا الوزير الصوفية التي تدعم الزوايا والأضرحة(1) والمواسم وهو ما اعتبره الوزير مشروعا يناهض مشروع دور القرآن السلفية التي تدعو العباد للتعلق بالمساجد بدل الزوايا المحدثة، وتشجع المسلمين على مواسم الخير التي شرعها لنا الحكيم العليم وتحذر من مواسم انتشرت فيها مظاهر الشرك بالله تعالى(2) ، واستفحلت فيها البدع والممارسات المنحرفة حتى اشتهرت بعض المواسم بكونها ملتقيات للشواذ (3) ، وأخرى بانتشار دور الدعارة في أرجائها.. فللّه درك يا دور القرآن! كما أن الوزارة قامت بتكوين عدد كبير من المرشدين والمرشدات والقيمين الدينيين والخطباء والأئمة الذين صرفت عليهم أموالا طائلة حتى يكون لهم دور في تأطير وإرشاد المغاربة(4)، وحتى لا تظهر نتائج الوزارة في هذا الباب ضئيلة أمام ما تقوم به دور القرآن السلفية من أدوار كبيرة ومن أنشطة متتعددة في الإرشاد والتوجيه الديني خصوصا وأن دور القرآن في عدد من المدن المغربية كمراكش وسلا والجديدة.. كان قد صار لها إشعاع وسمعة طيبة بين المواطنين الذي صار إقبالهم عليها كبيرا يزداد في رمضان، قامت الوزارة باجتثاتها وبحظر أنشطة جمعياتها مع أنها تستفيد من عدد من متخرجيها في مشروعها لإعادة هيكلة الحقل الديني، لكن يأبى القائمون على الوزارة أن ينسب الفضل لأهله، فللّه درك يا دور القرآن! إن أهل دور القرآن لن ييأسوا من أن دور القرآن سيعاد فتحها من جديد، لأنهم ببساطة لا يعتبرون أنفسهم في مواجهة أحد، بل هم يعملون في إطار شرعي يدافع حقيقة عن الأمن الروحي والأخلاقي للمغاربة وهذه أسمى رسالة يحرص عليها شرفاء هذا البلد الذين ليسوا على استعداد أن يتخلوا على هويتهم الدينية الإسلامية السنية المالكية، لأجل تمكين أدعياء الحداثة من نواصي المغاربة وجرهم للقيم والمبادئ المادية العلمانية، لأن المغرب له خصوصيته الإسلامية القائمة على ما في كتاب ربنا سبحانه وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وهما ما دأبت دور القرآن على تعلميهما للمستفيدين منها، فللّه درك يا دور القرآن! *** * لله درّك كلمة ثناء على الثدي الذي أرضعك، وفى مختار الصحاح: الدَّر اللبن، يقال فى الذم: لا در درّه، أي: لا كثر خيره..، ويقال فى المدح: لله تعالى درّه، أي: عمله، ولله درّه من رجل. وفي القاموس: ولله دَرُّهُ، أي: عَمَلُهُ، ولا دَرَّ دَرُّهُ: لا زَكَى عَمَلُهُ. 1-مذكرة الوزير التي طالبت الخطباء والأئمة بدعوة الناس لزيارة واحترام الأضرحة وتعميرها حتى لا تبقى عرضة للضياع. 2-كالذبح والاستغاثة بالأموات، وطلب الرزق والولد والشفاء من غير الباري جل وعلا. 3-كموسم سيدي علي بن حمدوش، وهو ما دفع السلطات الأمنية إلى منع أعداد من الشواذ من حضور الموسم، وليتها توصى بمنع سلوكيات أخرى وعلى رأسها الأعمال الشركية. 4-هذا الدور الذي تضيق عليه من خلال مذكرات مجالسها العلمية الموجهة لهم بعدم التطرق لمسائل من شأنها أن تثير حنق العلمانيين، وهو ما يعني إبطال الدور الحقيقي للداعية المرشد في مواجهة المذاهب والآراء الباطلة، بل ويتعدى الأمر ذلك بإعفاء من تجرأ واستنكر مظاهر الفساد وخطط تدمير القيم والأخلاق الإسلامية، كما حدث لرئيس المجلس العلمي المحلي لعين السبع رضوان بن شقرون الذي تم إعفاؤه من منصبه بعدما استنكر استقدام نجم اللواطيين "إلتون جون" في مهرجان العاصمة (موازين).