يعتزم ملك اسبانيا الجديد، فليبي السادس، زيارة المغرب قريبا ليكون أول دولة ملكية يزورها بعد تنصيبه رسميا عاهلا في بلده، في الفترة بين 18 و22 يونيو الجاري، كما سيزور كلا من البرتغال وفرنسا، لكن دون تحديد ترتيب زمني مسبق لهذه الزيارات. ويعتبر المغرب أول ملكية سيزورها الملك الجديد، مفضلا إياها على ملكية بريطانيا، بالنظر إلى العلاقات الثنائية الخاصة التي تجمع بين الرباطومدريد، طيلة عقود خلت، فيما كان والده الذي تنازل عن العرش، خوان كارلوس، قد زار المغرب رسميا سنة 1979، أي أربع سنوات بعد توليه العرش. ومن أجل استجلاء كيف ستكون طبيعة العلاقات بين الرباطومدريد، بعد تولي الملك الجديد، فيليبي السادس، عرش بلاده خلفا لوالده خوان كارلوس، حملت هسبريس بضعة أسئلة ليجيب عنها الدكتور سمير بنيس، وهو متخصص في العلاقات بين المغرب وإسبانيا، ورئيس تحريرMorocco World News، والذي ألف كتابا حول هذه العلاقات عام 2008، وسيصدر كتابه الثاني العام المقبل. هل تتوقع تغيرا في العلاقات الثنائية بين المغرب واسبانيا بعد تولي الأمير فيليبي العرش خلفا لوالده خوان كارلوس؟ يجب أولاً استحضار الأهمية الإستراتيجية للعلاقات القوية بين العائلتين الملكيتين في المغرب واسبانيا، وهي العلاقات التي قام كل من العاهل الراحل الحسن الثاني والملك خوان كارلوس بتقويتها منذ وصول هذا الأخير إلى عرش إسبانيا عام 1975، والتي قام الملك محمد السادس بالحفاظ عليها وتعزيزها. ومنذ اعتلاء الملك خوان كارلوس عرش إسبانيا كان على دراية بأن علاقات بلده بالمغرب ذات أهمية إستراتيجية قصوى بالنسبة لإسبانيا. ومن ثم عمل العاهل الإسباني، الذي كان معجباً، حسب بعض المؤرخين الإسبان، بشخصية الحسن الثاني وثقافته وحنكته السياسية، على بناء أسس علاقة ودية بين العائلتين الملكيتين. ومنذ ذلك الحين فطن عاهلا البلدين إلى أهمية التقارب بين العائلتين الملكيتين في تعزيز العلاقات بين البلدين وتعزيز الثقة بين حكومتيهما، سيما أن العلاقات بين البلدين غلب عليها التوتر، منذ استقلال المغرب بحكم القضايا العالقة بينهما، خاصةً فيما يتعلق بالنزاعات الترابية، وعلى رأسها قضية سبتة ومليلية والصحراء المغربية. وفي الخطاب الذي ألقاه الملك خوان كارلوس خلال أول زيارة رسمية قام بها للمغرب في شهر يونيو 1979، أكد العاهل الإسباني على أهمية تجاوز الصور النمطية والأفكار الجاهزة التي حالت دون التقارب بين البلدين. ومنذ ذلك الحين وحتى الحاضر، عملت العائلتين الملكيتين على تعزيز علاقاتها وجعلها ليس فقط في منأى عن كل الاضطرابات التي كانت تعرفها العلاقات بين البلدين، بل تحويلها إلى إحدى أهم العوامل التي تضمن استمرارية الطابع الاستثنائي للعلاقات بين البلدين وتساهم في تلطيف الأجواء بينهما. وحتى في ذروة الأزمة الدبلوماسية التي مرت منها العلاقات الثنائية بين البلدين إبان الولاية الثانية لرئيس الوزراء السابق، خوسي ماريا أثنار، لم تنقطع قنوات التواصل بين الملك محمد السادس ونظيره الإسباني خوان كارلوس، كما لعب الملك خوان كارلوس في الكثير من الأحيان دور الوسيط بين الحكومة الإسبانية والمغرب. وفي ذروة التدفق غير المسبوق للمهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء لإسبانيا عبر مدينتي سبتة ومليلة في شهر أكتوبر 2005، اتصل خوان كارلوس بالملك محمد السادس وطلب منه مساعدة إسبانيا على مواجهة تلك الموجة غير المسبوقة من المهاجرين غير الشرعيين. ورداً على المكالمة الهاتفية للعاهل خوان كارلوس، لم يقم المغرب فقط بتكثيف مراقبة الحدود مع سبتة ومليلية، بل قبل العاهل المغربي الطلب الإسباني بقبول 73 مهاجر سري إفريقي قامت إسبانيا بترحيلهم للمغرب. هل تتوقع أن يكون انتماء الملك الجديد في اسبانيا لنفس الجيل تقريبا لملك المغرب عاملا محفزا للتقريب أكثر والتفاهم أكثر بين البلدين والعائلتين الملكيتين؟ لا يتوقع أن يكون هناك أي تأثير سلبي لتغير الملك في إسبانيا، بل بالعكس من ذلك، أظن أنه بحكم انتماء الملك فيليبي والملك محمد السادس لنفس الجيل، وباعتبار تقارب السن بينهما، فسيعملان سويةً على تعزيز العلاقات بين العائلتين الملكيتين، وجعل هذه العلاقة صمام أمان يعطي للعلاقات بين المغرب وإسبانيا المناعة ضد كل التوترات أو الأزمات العابرة التي قد تحدث بين الفينة والأخرى. كيف يمكن توقع انتقال العلاقات المغربية الاسبانية من عهد خوان كارلوس إلى ابنه فيلبي السادس؟ لعل الزيارة التي قام بها الملك خوان كارلوس للمغرب في شهر يوليوز من العام الماضي، والكم الهائل من الوزراء في الحكومة اليمينية، وكل وزراء خارجية إسبانيا منذ 1975 حتى الآن باستثناء فرناندو موران، دليل على إرادة العاهل الإسباني في تعزيز العلاقات بين البلدين، وإظهار المكانة التي يتميز بها المغرب والعائلة الملكية بالنسبة للعائلة الملكية الإسبانية. وبالنظر للحالة الصحية المتدهور للعاهل الإسباني منذ الحادثة التي تعرض لها في ناميبيا في صيف 2012، بالإضافة إلى أزمة الثقة التي تمر منها العائلة الملكية الإسبانية، أظن بأنه ليس من المستبعد أن يكون الملك خوان كارلوس قد أخبر الملك محمد السادس بنيته في التخلي عن العرش لصالح ولي العهد الأمير فيليبي. وأعتقد أن تلك الزيارة استعملها العاهل خوان كارلوس للتأسيس لانتقال هادئ وسلس للعلاقات بين البلدين، وضمان استمرارية متانة العلاقات بين العائلتين الملكيتين بعد تنحيه من الحكم. برأيك كيف سيكون لقدوم الملك الجديد تأثير على نوعية العلاقات المغربية الاسبانية رغم أنه من المعروف أن المؤسسة الملكية في اسبانيا لا تلعب أدوارا سياسية حاسمة؟ بالرغم من متانة هذه العلاقات بين الملكيتين، يجب أن لا ننسى أنه ليس للمؤسسة الملكية في إسبانيا دور في رسم معالم السياسة الخارجية الإسبانية، أو تحديد أولويتها، أو أي دور في اتخاذ القرار، إذ أن ذلك بيد الحكومة المنتخبة. إن دور ملك إسبانيا في السياسة الخارجية لبلده مع المغرب مرتبط أساساً بالهامش الذي يتركه له رئيس الحكومة. فعلى سبيل المثال، على خلاف رئيس الحكومة الاشتراكية الأولى (1982-1996) فيليبي غونزاليس، الذي كان يترك هامشاً للملك خوان كارلوس للتأثير في العلاقات بين البلدين، فإن رئيس الحكومة اليمينية الأولى خوسي ماريا أثنار (1996-2004) عمل على عزل الملك خوان كارلوس، ولم يترك له أي مجال للتحرك في الأوقات التي مرت فيها العلاقات بين البلدين بأزمات دبلوماسية. وكل المتتبعين يتذكرون كيف أنه أثناء الأزمة الدبلوماسية التي شهدتها العلاقات بين المغرب وإسبانيا خلال الفترة ما بين 1999 و2003 بسبب ملف الصيد البحري ومسألة الهجرة السرية، كيف قام رئيس الوزراء السابق خوسي ماريا أثنار بتهميش دور الملك خوان كارلوس في تلطيف الأجواء بين البلدين وإعادة الدفء إلى علاقاتهما. ولم يكتف أثنار بذلك، بل في ذروة الأزمة بين البلدين بسبب جزيرة ليلى في شهر يوليو 2002، والذي تزامن مع زفاف الملك محمد السادس بالأميرة لالة سلمى، لم يحضر العاهل الإسباني حفل الزفاف. وعلى الرغم من أن الصحافة الإسبانية تداولت إبان الأزمة أن الملك محمد السادس لم يوجه دعوة رسمية لنظيره الإسباني، وأن حفل الزفاف تزامن مع أزمة ليلى، إلا أن السبب الرئيسي لعدم حضور خوان كارلوس حفل الزفاف كان سياسيا، إذ جعل رئيس الوزراء خوسي ماريا أثنار حضور خوان كارلوس مشروطاً بعودة سفير المغرب آنذاك محمد بركة إلى منصبه في مدريد. وفي هذا الصدد، أصدرت الحكومة الإسبانية بياناً صحفياً شددت فيه على أن خوان كارلوس لن يحضر حفل الزفاف، وإن وجهت له الدعوة. ومع رجوع الحزب الاشتراكي للحكم عام 2004، قام رئيس الوزراء الإسباني السابق خوسي لويس رودريغيز زاباتيرو بتبني نفس النهج الذي نهجه سلفه فيليبي غونزاليس من خلال إشراك الملك خوان كارلوس في إعادة الدفء للعلاقات بين البلدين والدفع بها إلى الأمام. وتمثل ذلك في الزيارة التي قام بها العاهل الإسباني للمغرب في شهر يناير 2005، والتي شكلت انطلاقة رسمية لإعادة التطبيع في العلاقات بين البلدين، والتي كانت قد عرفت نوعاً من الدفء بعد تولي زاباتيرو مقاليد الحكومة. وفي إشارة للعلاقة الاستثنائية التي تجمع بين العائلتين الملكيتين، كان في استقبال الملك خوان كارلوس في مطار مراكش عام 2005 كل أفراد الأسرة الملكية، بما في ذلك الأمير مولاي رشيد والأميرة لالة سلمى، والأميرات لالة مريم ولالة أسماء ولالة حسناء، وهو شيء غير مسبوق. وبالتالي، أعتقد أن مجيء الملك فيليبي سيشكل استمرارية للعلاقات المتميزة بين المغرب وإسبانيا، خاصةً أن هذه العلاقات وصلت لما يمكن أن نسميه مرحلة من النضج، بالنظر لنجاح المسؤولين في البلدين في جعلها في منأى عن الملفات التقليدية التي ظلت لأكثر من أربعة عقود تلقي بظلالها على العلاقات بين البلدين.