أمران إثنان استأثرا مؤخراً باهتمام العديدين من متتبعي قضية الصحراء و الوحدة الترابية، القضية الوطنية الأولى: 1-رفع يد الدولة عن ملف الصحراء وفسخ طوق الاحتكار الذي يحيط بهذا الملف من كل جانب. 2-فتح حوار وإنشاء قنوات تواصل ونقاش مع انفصاليي الخارج، والبداية من أوروبا، سيّما إسبانيا، حيث تحظى أطروحة خصومنا بتأييد أكثر من جهة، خصوصا نواب حزب اليسار الموحد في "الكورتيس" الإسباني والبرلمان الأوروبي (ويعد هذا الحزب من أكبر المساندين للبوليساريو). وقد انطلق مهندسو المنتدى المدني لمغاربة أوروبا من قناعتهم بكون مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية تشكل الحل الأنسب والأجدى لنزاع الصحراء، مشددين على الدور الرئيسي الذي يجب أن تلعبه الجالية المغربية في الدفاع عن هذا المقترح الواقعي القابل للتطبيق، شريطة عدم تدخل الدولة في نهج وأشكال الدفاع. ويرمي هؤلاء إلى استبعاد التدخل المستمر للدولة في تحديد وتوجيه الأنشطة والمبادرات المرتبطة بقضية الوحدة الترابية وتكبيل التحركات الخاصة بها. كما يسعى مهندسو المنتدى المذكور إلى تبنيّ مبادرات خاصة بالتحاور مع الصحراويين أنصار الانفصال والمدعمين للبوليساريو، وذلك للبحث عن حلّ للنزاع. وتساءلت أكثر من جهة بخصوص فشل مجلس الجالية المغربية في الخارج اعتباراً لكونه لم يستطع احتواء مطالب المغاربة في الخارج وتجلى هذا التساؤل أكثر عندما بادر نشطاء من الجالية المغربية في دول أوروبية بإحداث المنتدى المدني لمغاربة أوروبا عبر سكرتاريات تنظيمية متعددة بإسبانيا وفرنسا وبلجيكا وهولندا. في حين يرى البعض أنه أضحى من اللازم حالياً التخلي عن التعاطي "الفولكلوري" مع ملف الوحدة الترابية واعتماد خطاب علمي سياسي وواقعي يفهمه الغرب الذي يتوفر على إمكانية حلحلة النزاع. وفي هذا المضمار تدخل المطالبة الحثيثة باحترام استقلالية مبادرات المجتمع المدني ووضع حد للوصاية، التي - في نظر الكثيرين- كبلّت المبادرات الحرّة والمستقلة، ممّا جعل أطروحة الخصوم، في أكثر من بلد أوروبي، تلقى صدى أكثر رغم أننا أصحاب حق قدّموا حلاّ واقعيا يضمن غداً أفضل لمختلف شعوب المنطقة، وقابل للتطبيق. وبهذا الخصوص، يتساءل البعض: كيف حضرت الإرادة والشجاعة – الآنية والإستراتيجية- لاعتماد مبادرة الحكم الذاتي الموسع، في حين غابت الشجاعة للإقرار باستقلالية وحريّة مبادرات فعاليات المجتمع المدني للدفاع بطريقتها على ملف وحدتنا الترابية بعيداً عن مقتضيات الوصاية التي غالباً ما خنقت الكثير من المبادرات الصادقة من شأنها أن تعطي نتائج إيجابية. إلا أنه هناك أصوات استغلت هذا المنحى لمطالبة الدولة برفع يدها عن ملف الصحراء، لكن بإلزامها بالدعم المادي، ممّا دفع البعض إلى إعلان تخوفهم من استغلال بعض "البزناسة في القضية الوطنية" لهذا الوضع و الاهتمام بالدعم المادي المحض دون الوعي الفعلي بفحوى استقلالية المبادرة وحريّتها وما تستوجبه من نتائج وجب تحقيقها. في هذا الإطار العام وجب وضع لقاء غرناطة الأخير الذي طالبت، خلاله، مجموعة من الفعاليات المغربية بالديار الإسبانية بفتح حوار مع الصحراويين أنصار البوليساريو المقيمين بأوروبا لتسهيل التوصل إلى حل نهائي، معتبرة خطة الحكم الذاتي الموسع ونظام الجهوية في المغرب مكسباً وجب تطويره وربطه بالإصلاحات الدستورية. وحسب بيان غرناطة، "يرمي هؤلاء إلى فتح قنوات للحوار مع الصحراويين الموالين للبوليساريو وأصدقائهم الإسبان". ويضيف البيان، أن هذا الاقتراح وغيره، يعكس في العمق الأفكار الدائرة وسط الجالية المغربية بالديار الإسبانية حول الصحراء، الذين يطالبون الدولة برفع يدها عن الأنشطة خاصة في دول الإتحاد الأوروبي. وفي هذا الصدد أكد لنا مصدر مطلع أن الكثير من الأطر المغربية يرغبون في تنظيم أنشطة للدفاع عن مغربية الصحراء، وخاصة مخطط الحكم الذاتي كحل للنزاع، لكن في غالب الأحيان تتدخل الدولة عبر جمعيات، بعضها فاقد للمصداقية، أو عبر بعض الذين لا يقبلون هذا النهج، إذ يرون ضرورة اعتماد إستراتيجية مخالفة ترتكز مما ترتكز عليه، على الحوار والجدل والتواصل مع الطرف الآخر. لكن ماذا يقول الناطق الرسمي للمنتدى المدني لمغاربة أوروبا بهذا الخصوص؟ عبد الحميد البجوقي /المنسق العام والناطق الرسمي للمنتدى المدني لمغاربة أوروبا نحن ننتظر الدعم المادي من الدولة دون قبول تتدخلها في المبادرة جملة من التساؤلات دفعتنا إلى الاتصال بعبد الحميد البجوقي المنسق العام والناطق الرسمي لمنتدى فعاليات المجتمع المدني الأوروبي من أصول مغربية. وتمتد هذه الأسئلة من دوافع ومرامي التفكير في حوار مع الانفصاليين الصحراويين المقيمين بالديار الإسبانية والنتائج المنتظرة منه إلى الأسباب الكامنة وراء تعذر على بلادنا اختراق المجتمع المدني الاسباني لضمان صدى قويّ لأطروحاتنا المرتكزة على الحق والمشروعية والسعي نحوغد أفضل لشعوب المنطقة، مروراً بإشكالية رفع الدولة يدها عن ملف الوحدة الترابية وكيف تلقت هذا المطلب الذي أضحى ينادي به الكثيرون مؤخراً، فكانت الحصيلة التالية: لماذا التفكير في هذا الوقت بالذات في حوار مع الانفصاليين الصحراويين المقيمين بالخارج؟ في الحقيقة ليس مشروعنا هو فتح حوار مع الصحراويين، بقدر ما أنه مبادرة مدنية لتبليغ الموقف الحقيقي والطبيعي للمجتمع المدني لذوي الأصول المغربية المقيمين بالخارج، لكن لا خوف ولا مانع لدينا من الحوار مع الانفصاليين والنقاش معهم لتبليغ هذا الموقف ودحض كل الدعايات المغرضة والمتعلقة بكون يُمنع علينا من طرف الدولة المغربية أن نحاور وأن نتناقش مع كل المدنيين الصحراويين، سواء كانوا مع طرح البوليساريو أو يميلون للطرح الذي نحمله والسائر نحو دعم مبادرة الحكم الذاتي الموسعة التي نراها مبادرة ذكية. إذن إن مشروعنا لا ينحصر في تفعيل حوار معهم، و إنما للحوار مع المجتمع الأوروبي، و هذا جزء من مشروعنا باعتبارنا جزء من هذا المجتمع نحن مغاربة أوروبا، وكذلك الحوار مع كل المدعمين للبوليساريو أو الرافضين لأطروحتها. إذن مبادرتكم ليست موجهة خصيصاً للحوار مع الانفصاليين؟ لم نخلق منبرنا لفتح حوار مع البوليساريو، كما أنه لا علاقة لنا مع الحوار الرسمي الذي تقوده الدولة مع ممثلي البوليساريو. هناك من يقول أن مبادرتكم هذه كانت بإيعاز من الدولة أو من جهة رسمية، ما قولكم؟ إن هذه الإدعاءات لا تقوم على أساس أصلا، لأن أغلبنا معروفين بمواقفهم المستقلة وكذلك بالمصداقية في علاقتهم مع كل المنظمات غير الحكومية بأوروبا أويشتغلون في مجموعة منها. فأنا شخصياً عضو المجلس الإداري للمنتدى الأوروبي المتوسطي حيث توجد جهات وإطارات من كل صوب وحدب. علما أننا لسنا من النوع الذين يوجهون من طرف هذه الجهة الرسمية أو تلك. فبقدر ما نحن على استعداد للحوار مع أصدقاء البوليساريو أو مع الصحراويين الذين يؤمنون بالطرح الانفصالي، بقدر ما ظللنا دائما منفتحين على الحوار مع الدولة بكل مسؤولية وباعتدال ومناقشة كل المواضيع التي تهم المصلحة العليا، سواء للمغرب أو البلد الذي نقيم فيه. كيف تلقت الجهات الرسمية مبادرتكم؟ وهل زكتها؟ لقد تم الإعلان رسمياً عن المبادرة، ونحن أبلغنا جميع الجهات المعنية، و كان التجاوب إيجابياً وطيباً من طرف المنظمات المغربية غير الحكومية، لكن بالنسبة للجهات المسؤولة، فليست لنا أية علاقة مباشرة معها بخصوص هذا الموضوع، لكن استقبالها للمبادرة لن يكون إلا إيجابياً، وذلك باعتبارها مبادرة رزينة ومفيدة للطرح المغربي الذي هو مفيد و حيوي بالنسبة لكل المنطقة، سواء كدول أو كشعوب. هل صادفتم عراقيل ما من جهة ما خلال الإعداد لهذه المبادرة؟ نحن الآن بصدد التهييء للمنبر المؤسس بأوروبا، ولم تصادفنا أية عراقيل، بل دارت حوارات واسعة تخللتها استفسارات وتوضيحات ونقاشات مع كل الأصدقاء الأوروبيين. أما بخصوص المغرب، فنحن بصدد إعداد للقاء حول القضايا الوطنية وقضية الجهوية تحت شعار: أي دور وأي مسؤولية لمغاربة أوروبا. والحقيقة أننا لم نتعرض لأي نوع من العراقيل أو المضايقات، كما أننا الآن في انتظار الدعم والمساندة كذلك. إذن أنتم تنتظرون الآن الدعم من جهات رسمية؟ نعم، ننتظر الدعم من المؤسسات الحكومية ومن الوزارة ومؤسسة الحسن الثاني. أي دعم؟ نحن في الواقع ننتظر من الدولة و من مؤسساتها الدعم المادي، وذلك دون أن تتدخل في المبادرة أو فيما سنناقشه أو سنقوم به من أنشطة و تحركات. ماهي النتائج التي تنتظرون من هذه المبادرة؟ في الواقع نحن ننتظر خلاصات أكثر مما ننتظر نتائج، خلاصات للحوار الذي سيتم بين ما يزيد عن مائة إطار مغربي وأطر أوروبية من أصول مغربية، منهم الأكادميين والسياسيين وعمداء الكليات والمعاهد. إذن ننتظر خلاصات، ونأمل أن تبيّن هذه الخلاصات حقيقة موقف المغاربة والمجتمع المدني المغربي بأوروبا كموقف مستقل يدعو إلى البحث عن حلول حقيقية لإنهاء هذا النزاع لتدخل المنطقة في مرحلة الرخاء والرفاهية التي تنتظرها شعوبها منذ أمد بعيد. وأعتقد أن هذه الخلاصات ستبلور في جو من الحرية والمسؤولية، وهذا دليل على أن الدولة المغربية سوف لن تتدخل. علاوة على هذا، نحن كمنبر، سنعمل على تدوين وتوثيق تلك الخلاصات والمواقف مع رسم الخطوات المقبلة للاستمرار في تفعيل المواقف واتساع نطاق هذه المبادرة. لماذا لا تلقى الأطروحة المغربية نفس الصدى الذي تلقاه أطروحة الانفصاليين بإسبانيا؟ ماهو السّر الكائن وراء واقع الحال هذا؟ إن الأطروحات المغربية أو تلك المساندة للمغرب في موضوع وحدته الترابية يجب الدفاع عنها وتوضيحها ونشرها في نطاق الاستقلالية وأن تبتعد عن "جوّ ومنطق الفلكور والصور الاحتفالي، وعليها أن تتسلح بمصداقية تقوم على تأكيد وتكريس استقلالية المبادرات. فالمدافعون على هذه الطروحات غالباً ما يتهمون أنهم يقومون بمبادرات من طرف الدولة المغربية وأجهزتها. ومبادرات تسعى إلى كسر هذه النظرة وتفنيذ مثل هذه المبررات، وذلك للتأكيد على وجود موقف ميلور من طرف مغاربة أوروبا، مبلور بطريقة مستقلة بعيداً عن كل وصاية، علماً أن 99 بالمائة من المغاربة أوروبا يعبرون عن موقف مستقل لا يخضع لأية وصاية، وهو موقف يسير في اتجاه دعم موقف الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية. ومبادرتنا حظيت باحترام واضح للعيّان، ولم نُتّهم كوننا تابعين للدولة، كما حظيت باستمرار وهذا الأهم. هل تعتبرون بأن الوقت قد حان لكي ترفع الجهات الرسمية يدها على ملف الصحراء، والسماح لفعاليات المجتمع المدني القيام بالدور الرئيسي المنوط بها دون وصاية؟ كان دائماً على الدولة أن تقوم بدورها الدبلوماسي وأن تتشاور وتتحاور مع مختلف الجهات إن دعت الضرورة لذلك، وكان من المفروض أن تعمل فعاليات المجتمع المدني وأن تتحرك بكل استقلالية وحرية، وإن تم ذلك، فإن المجتمع المدني سيدعم بقوّة العمل الدبلوماسي للدولة و معا يمكن تحقيق النتائج المرجوة. وعندما نقول رفع اليد، هذا لا يعني رفع الدعم بل على الدولة أن تدعم وتساند مادياً كل مبادرات فعاليات المجتمع المدني. فعلى الدولة أن ترفع يدها من حيث التنظيم وإعداد أي نشاط أو تظاهرة. هل تعتقدون أن المجتمع المدني الإسباني، بفعل مبادرتكم، سينظر بشكل آخر للأطروحة الرسمية وسيتعاطى معها بنهج مختلف؟ بكل صراحة إن الإسبان إلى غاية اليوم، لا يستمعون إلى أي موقف يدافع أو يساند الأطروحة المغربية. كما أن الجهات المغربية الوصية على ملف الصحراء ظلت دائماً ترفض الاستماع إلى الإسبان والأوروبيين و الحوار معهم إذ بقيت تعتبرهم كمساندين مسبقاً للخصوم. ونحن لا نشعر بأي عقدة للاستماع إلى الإسبان مادام سيستمعون لنا كذلك. لقد قلنا للحزب الشيوعي واليسار الموحد ولمختلف الجهات المساندة بقوّة للمواقف الانفصالية، إن هناك تقريباً مليون مغربي، وأكثر من 100 ألف منهم يحملون الجنسية الإسبانية ويقيمون في التراب الإسباني، ومن العيب أن لا يستمعون إلى مليون صوت من دافعي الضرائب باسبانيا، وقد فهموا هذا النداء، مع التأكيد أنه وجب أن نحافظ على استقلاليتنا في حوارنا و تواصنا معهم. وبدأت هذه الخطوات تعطي أكلها وعلينا الاستمرار في هذا الاتجاه، سيما وأن الإسبان شرعوا، أكثر من أي وقت مضى، في الإهتمام بأمن المنطقة ونموها الاقتصادي وكل هذه التطورات رهينة بحل ملف الصحراء حلاّ نهائياً.