بمناسبة انطلاق مسلسل محاكمة الإرهاب في الجامعة الحسناوي شاهدا وشهيدا 2/2 عندما ضرب الإرهاب في قلب مدينة الدارالبيضاء ورغم تنادي الجميع إلى الاستهجان والرفض والإدانة، فقد رفعت أبواق الاستئصال عقيرتها بالصراخ للبحث عن مشجب تعلق عليه مسؤولية ما وقع وتوجه إليه غضب المغاربة، فتمت فبركت مقولات جاهزة وتمت المطالبة بحل أحزاب مشروعة وحركات معروفة بدعاوى زائفة تتعلق بمسؤولية معنوية تتحملها مؤسسات مختلفة رسمية وشعبية منها المسجد والمدرسة والخطيب والواعظ والمدرس والداعية والفاعل الإسلامي والجمعية الدعوية دون تميز بين المتشدد والمعتدل . لكن عندما صوب الإرهاب ساطوره نحو الجامعة ونحو صوت العقل والحكمة والاتزان والحيوية فيها، ممثلا في مشروع دعوي رسالي طلابي معتدل ووسطي يحمل قيم الحوار والعلم والتجديد والنهضة، وكان القتلة من مشايعي الكيان الموازي في الحزب المعلوم، الذي ما يزال ينافح لشرعنة وجوده، فقد سارع الجناح القاعدي في هذا الحزب إلى إبعاد التهمة عنه، والمسارعة في الاتهام الاستباقية لغيره بغرض تعويم وتعميم النقاش وتضييع المسؤوليات في زحام الاتهامات والاتهامات المضادة، وكذا بغرض صرف الأنظار عن القتلة الذين يؤويهم ويوفر لهم الحماية والغطاء لمواصلة جرائم القتل والترهيب للآمنين والطلاب، كما عمد لأجل ذلك إلى صياغة خطاب تسويغ الجريمة النكراء وتبريرها وتبيضها والتحريض ضد ضحاياها اشخاص ومشروعا وفكرة وحلما . وقد استندت فلول الجماعة المتياسرة بهذا الحزب إلى خطاب يقوم على مجموعة من المغالطات ويمتح من إديلوجية قديمة مؤسسة على قاموس الحقد والصراع والتناقض وتهدف إلى فبركة سياق خاص للجريمة تبعد عنها كل عناصرها المكتملة بوصفها إغتيالا وجريمة إرهابية. وفي هذا الصدد تم وضع الحدث الإرهابي بشكل تعسفي في سياق ما تعرفه الجامعة من شجار ومواجهات بين بعض الفصائل والتي تصل في أحيانا إلى حد تبادل العنف والضرب والجرح بين المكونات الطلابية. لذلك أمعن حماة القتل في الدفاع عن اغتيال الشهيد حسناوي بمبرر الحق في الرد على مقتل الطالب ايت الجيد قبل أكثر من 20 سنة وفي قضية حسمتها العدالة القضائية والعدالة الإنتقالية اعتبر فيها بنص أحكام القضاء رفاق ايت الجيد ضمن أبرز المتهمين . تبرير الاغتيال الذي حشد له الكيان الموازي في الحزب المعلوم ابرز قاعديي المرحلة الدموية بالجامعة جناح ما تبقى من "القاعديين التقدميين" وجندهم في الندوات والمقالات ودفع بعضهم إلى فبركة تهم وإرسالها من مهاجرهم في الخارج إلى الصحف والمواقع لإخراس محامي الضحية محاولين تمرير مزاعم المواجهات الفصائلية ليس إلى القصاصات الإخبارية وحسب، ولكن أيضا إلى أول بيان نسب إلى ولاية الأمن بفاس وتم دسه في الجزء المذاع من تصريح منسوب إلى عميد الكلية التي شهدت الجريمة، كما تم تسريبه إلى التعميم الإعلامي المخدوم الذي حرصت وكالة الأنباء الرسمية على فرضه على الإعلام الرسمي والحزبي والخاص، بما أعطى الإنطباع على أن ما تم هو من تدبير جهة واحدة ومن مخطط واحد سعى باحترافية ماكرة إلى تضليل العدالة وتغليط الرأي العام . غير أن الضجة التي اعقبت المحاولات الموصوفة للإغتيال السياسي لمشروع الشهيد، أيقظ بعض الضمائر وجرى تدارك الأمر وتصحيح مسار القضية أول الأمر بواسطة بلاغ للنيابة العامة تم تجاهله من قبل وسائل الإعلام، ثم من خلال بيان مجلس الكلية الذي أكد على بتر تصريحات العميد والتصرف فيها، وهو ما رفضت وسائل الإعلام الرسمية والحزبية نشره أو تعميم فحواه، ما حدا بوزارة الداخلية إلى التدخل مغتنمة فرصة أسئلة المستشارين البرلمانيين لإعادة الأمور إلى نصابها باستبعاد فرية المواجهات ومزاعم الجريمة الشخصية والتأكيد على طبيعة العمدية المقرونة بالإصرار والترصد في الجريمة الإرهابية التي نفذها كيان البرنامج المرحلي كتنظيم سري بالجامعة المغربية وهو ما ارتقى بالجريمة إلى مستوى الإغتيال السياسي وأضفى عليها كل عناصر العمل الإجرامي المنظم. الخطاب القاعدي لم يقتصر عند هذا الحد بل حاول جاهدا تمرير فرية مشروخة لتأكيد مزاعمه حول فكرة المواجهات المتبدلة، دفع بفكرتين أساسيتين، تتحجج الأولى بموطن دراسة الشهيد وسبب مجيئ من مكناس إلى فاس وتطرح الثانية فكرة تنتمي إلى شريعة الغاب والعدالة الإنتقامية تشرع لمزاعم الحق في الإنتقام الشخصي. وفي هذا الإطار زعمت عصابة البرنامج المرحلي أن الشهيد يدرس في مكناس وبالتالي فحضوره إلى فاس يبقى أقوى الأدلة على أنه جاء مواجها، لكن ما تناساه مروجو هذا الخطاب هو أن السبب المعلن رسميا من مجموع الأطراف هو أن الشهيد جاء ليشهد نشاطا علميا وفكريا تمثل في ندوة حول موضوع الحوار بين الإسلاميون واليساريون ضمن مبادرة الحوار بين الإسلاميين والعلمانيين حول آفاق الديمقراطية. تلك الندوة التي توعد القتلة ببيان رسمي وبإستعدادات على الأرض لكي لا تمر إلا على الجثث وقد كان. كما غاب عن مروجي هذه الفكرة أن من يأتي مواجها لا يمكنه أن يبقى معزولا عن إخوانه المواجهين المفترضين، وأعزلا من أدوات هذه المواجهة المزعزمة المعادلة لما توفر عند القتلة من سواطير وسيوف على فرض صحة هذه المزاعم، وأن ما دل القتلة على انتساب الشهيد هو محفظته التي تحمل شعار منظمته ورمز هويتها البصريةأما أن يسعى القتلة وحماتهم إلى مصادرة الحق في التنقل وتبرير القتل تحت هذا المسوغ فهو ينطوي على عنصر آخر من عناصر الإصرار والترصد في تسويغ القتل والإشادة بأفعال تشكل جريمة إرهابية. وعلى النقيض من خطاب التغطية على الجريمة والإشادة بها كان الإتجاه الثالث في التيار القاعدي "جناح الكراس" المقرب من "حزب النهج الديمقراطي" كان واضحا وباثا في إدانة الجريمة ورفض مسلكياتها بسبب ما عاناه هذا التيار من إرهاب وتنكيل هذه المجموعة الإرهابية ماضيا وحاضرا. بين الاغتيال السياسي والاغتيال المعنوي لم يكن اغتيال عصابة القاعديين للشهيد الحسناوي اقل شناعة من اغتياله من قبل وسائل الإعلام ومن قبل بعض السياسيين المفلسين. وإذا كان منتظرا ومعروفا أن قناة 2M سوف لم تدخر جهدا في القيام بذات الدور الذي يقوم به الإعلام المصري في تحويل الجلاد إلى شهيد والشهيد إلى قاتل، فإن غير المستساغ موقف وكالة الأنباء الرسمية التي تعمل تحت مسؤولية الحكومة المتهمة بالمشاركة في تأبين شهيد الجامعة بأموال عمومية وما يؤاخذ عليها هي ذلك التسرع واللامهنية في تعمم بيان دبج بليل وتضمن وجهة نظر القاتل دونما استناد إلى شهادات ميدانية لسلطات مختصة أو شهود عيان أو إيراد رواية ذوي الضحية والأكثر من ذلك هو فرض هذا الرأي الوحيد كرواي وحيدة على مجموع القنوات والصحف والإذاعات حيث تم فيها المساواة بين الجلاد والضحية واستباق الحدث بفرض وجهة نظر القاتل والإمعان في النكاية بالأسرة الصغيرة والكبيرة للمقتول غدرا . الصحف والمواقع التي غيبت رأي الضحية في تغطيتها للحدث أو حاصرته في أضيق نطاق، مارست نوعا من الإغتيال المعنوي وتنكبت عن طريق الحقيقة والإنصاف والمهنية غير أننا مع ذلك نلتمس لها بعض الأعذار سيما مع مراعاة وضع وواقع الاستقلالية في ظل عملية مصادرة وتأميم خطوط التحرير من قبل قوى التحكم والفساد . لكن عزاؤنا الوحيد هو في الإعلام البديل حيث لا فضل فيه لمستشهر ولا لناشر ولا سبيل فيه للضغط من متياسري الحزب المعلوم أو من أجنحة الإستبداد في الأجهزة المعلومة. وغير بعيد عن خطاب تبرير القتل لم ترى اليمينية التي انتهى إليها تسيير الحزب الإشتراكي الموحد التي احتضنت تيار إلياس العماري قبل أن يرحل جماعيا إلى الحزب السلطوي، لم تر في الحدث سوى مزاعم الإستغلال السياسي مستكثرا على أسرة مكلومة لشهيد مغتال وعلى منظمة الشهيد ان يلتفت إليها رئيس حكومة وبعض الوزراء بالحضور إلى جنازته أولا كإنسان مظلوم وثانيا بوصفه أول شهيد يسقط في ظل تجربة الإصلاح الديمقراطي التي تقودها هاته الحكومة، مما جعل هذه السيدة تتصدر جوقة التمويه والتدليس وصرف الأنظار عن القتل والقتلة وعن بشاعة الحدث في التوقيت والتاريخ والسياق الذي وقع فيه، وتحاول فرض نقاش جزئي يتعلق بمن يحضر الجنازة ووسيلة الحضور وتصادر عن رئيس الحكومة حق مشاطرة أبناء الشعب أحزانهم وتأبين شهدائهم وتوديعهم إلى مثواه الأخير وتقاسم الأحزان مع أسرهم واصدقائهم وهو ما يعبر عن المستوى الأخلاقي الذي انحدر إليه القوم والخفة التي وصل إليها مثل هؤلاء الزعماء. لكن ان يسقط بعض الإخوة ممن نكن لتياراتهم الإحترام ضحية هذا القصف الإعلامي ويرددوا المقولات المشروخة لتبييض جريمة الإغتيال فهذا ما لم نستسغه ولم نفهم ولم نتفهمه. - أول رئيس لمنظمة التجديد الطلابي