تحل الذكرى الحادية عشرة لعيد جلوس الملك محمد السادس على العرش والأقاليم الصحراوية تعيش وضعا يطبعه نوع من الجمود على مستويات عدة بسبب بطء الحكومة في تفعيل مقتضيات المخطط المندمج الذي أسس له عاهل البلاد من خلال خطابه بمناسبة الذكرى الرابعة والثلاثين للمسيرة الخضراء والقائم على توجهات خمسة تهدف إلى إضفاء روح متجددة على المسيرة التنموية بهذه الأقاليم، وتتوخى رفع التحديات الراهنة والمستقبلية للقضية الوطنية الأولى للبلاد. في تحليلينا هدا سنقتصر على الفقرة الثالثة من هذا المخطط والمتعلقة بإعادة النظر في هيكلة الكوركاس الذي انتهت ولايته في 25 مارس الماضي علما أن هذا لا ينفي أهمية باقي النقاط الواردة به غير أن المجال لا يكفينا هنا للاستفاضة فيها والحديث عن تفاصيلها، وسيكون منطلقنا الأساسي هو خطاب عاهل البلاد من خلال دعوته إلى "إعادة هيكلة المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، في أفق انتهاء ولايته، من خلال إعادة النظر في تركيبته، وتقوية تمثيليته ; بانفتاحه على نخب جديدة، ذات كفاءة وغيرة وطنية، وتأهيل وملائمة هياكله، وطرق تسييره مع التحديات الجديدة، والرفع من نجاعته، في التعبئة للدفاع عن مغربية الصحراء وتنميتها." وفي هذا إشارة قوية من جلالته إلى ضرورة إعادة تشكيل المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية بسبب قصوره و محدودية ما أنجزه في التعاطي مع جملة من الملفات المرتبطة بالأقاليم الصحراوية، وعدم قدرته على تحقيق الأهداف التي أنشئ من اجلها طيلة مدة اشتغاله. فإذا كان الكوركاس يطرح كآلية ديمقراطية للتعاطي مع الشأن الصحراوي بشكل أكثر فاعلية في غياب منتخبين حقيقيين يكونون نتاجا للإرادة الصحراوية الحقيقية ، ويعكسون هذه الإرادة في البرلمان وباقي المؤسسات الدستورية، سواء في بحث احتياجات الساكنة ومراقبة الملايير المرصودة لتنميتها، أو في مواجهة الشطط في استعمال السلطة، والذي تنتهجه الإدارة في التعامل مع المواطنين بين الفينة والأخرى. فانه يتوقع من المجلس أن يكون » قوة اقتراحية « بشكل يمكنه من صياغة مقترحات عمل واقعية للتداول والتشاور في الشأن الصحراوي بما يضمن الرفع من مستوى المشاركة، ويكرس قيم العدالة والصفح والإنصاف والمصالحة، كما سيكون المجلس الملكي بمثابة » مؤسسة فاعلة « للنهوض بجهة الصحراء، ترسم الأولويات لتدبير وإعادة توزيع الثروة بشكل عادل وتعمق النظر في الشأن الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، ثم تضع قائمة بالمشاكل وترتبها حسب الأهمية ليتم التعاطي معها بشكل أكثر جدية وواقعية ، وترفع أي حيف يطال الإنسان أو المجال الصحراويين إلى الملك مباشرة، مما يغنيهما عن أية مؤسسة للوساطة أو منتخبة مهما ارتفع شانها في ظل ما تعرفه الكثير من هذه المؤسسات من تزيف للحقائق والترويج لمقولة " العام زين"، أو تهويل للوقائع والأحداث بما يخدم مصالح جهات معينة تقتات على تضخيم الأوضاع. إن الدعوة الملكية " لإعادة النظر" في عمل هذه المؤسسة جاءت بمثابة تصور جديد يطرح أسلوبا جديدا للتعامل مع جهة الصحراء بشكل حداثي يقيم القطيعة مع الآليات التقليدية كالعلاقات القبلية والقرابية والزبونية، ويقدم آليات من قبيل الإشراك في تدبير الشأن الصحراوي كبديل حضاري بالصيغ المماثلة الموجودة في عدد من الأنظمة الديمقراطية ، وهو توجه نعتقد أن الرهان فيه ينبني على النخب الجديدة التي وصفها صاحب الجلالة بأنها ذات الكفاءة والغيرة الوطنية، ونتاج الدولة الحديثة ، والتي تمثل لامحالة البديل الوحيد لإنجاح الجهوية المرتقبة وجعلها قاطرة للتنمية المندمجة. كأي عمل مؤسساتي فلابد للمجلس من معايير لولوجه، ولعل هذه النقطة هي التي أثارت مخاوف النخبة الجديدة- وهي بالمناسبة مخاوف مشروعة- من إعادة تكرار نفس تجربة المجلس السابق- سواء بالشخصيات التي ضمها أو بالخدمات التي قدمها- والتي لم ترقى إلى ما كانت تأمله فيها الساكنة باعتبار المجلس آلية اتصال مباشرة بالملك دون أية وسائط قد تنقل له الواقع بشكل مغلوط. ولإيضاح هذا الأمر أقدم المنظور الملكي لمعايير النخبة المرشحة لإدارة الشأن العام حيث يقول جلالة الملك » وكما تعلم شعبي العزيز فان النخبة التي تتولى تدبير شؤونك تأتي من التعيين أو من الانتخاب. وإذا كانت الأجهزة المعينة تختار وفق ضوابط محددة ويمكن إعفائها في حالة إخلالها بمهامها فان صفوة الانتخاب تتميز بصلاحياتها الواسعة... ومثلما احرص بالنسبة للمسؤولين السامين الذين أتولى تعيينهم على انتقاء أحسن العناصر لجعلها في خدمتك فإنني انتظر من الناخبين أن يقوموا بدورهم في اختيار أحسن العناصر « ، وانطلاقا من هذه الرؤية وحتى يضمن المجلس إعادة هيكلته بما يمكنه »من تمثيلية متوازنة، وذات مصداقية « فإننا نعتقد بأنه يفترض إعمال الآليتين معا أي التعيين والانتخاب، بحيث يتم إفراز صفوة النخبة التقليدية عن طريق الانتخاب بشرط أن يتقدم للترشيح فقط شيوخ القبائل وكبار السن المحترمين وذوي السمعة الحسنة واستبعاد ما أمكن الأشخاص المتورطين في الفساد السياسي ونهب المال العام، أما النخبة الجديدة فيفترض إخضاعها لآلية التعيين بعد أن تتقدم بترشيحاتها مرفقة بسيرها الذاتية وما تتوفر عليه من مؤهلاتها لتدبير الشأن الصحراوي ويكون المجال مفتوحا للجميع ودون قنوات وسيطة قد تخل بشفافية العملية أو مصداقيتها. من ثم فان تحديد ضوابط الانتماء لهذه المؤسسة الهامة سيمثل بداية استعادة ثقة المواطن في المؤسسات التي حجبتها الممارسات السابقة، وفي اعتقادي انه لا توجد ظرفية تهم الإقليم أفضل من الزيارة الملكية المرتقبة للأقاليم الصحراوية لإعطاء دفعة لهذه المؤسسة ، و إن أي تأجيل لتفعيلها لن يزيد الأوضاع إلا تأزما. وفيما يلي بعض المقترحات التي نعتقد بأهميتها و ضرورة إدراجها ضمن التعديل الذي سيشمل الظهير المنظم للكوركاس: في أسباب النزول: - من الأكيد أن وجود مجلس ملكي استشاري للشؤون الصحراوية متعدد التكوين، موسع الصلاحيات ومستقل إداريا وماليا في النهوض بمهامه عن الأجهزة التشريعية والتنفيذية والقضائية من شأنه بلورة الإرادة المشتركة لصاحب الجلالة وللشعب المغربي في الدفاع عن الوحدة الترابية والوطنية. -من الطبيعي ان يعمل المجلس على مواصلة العمل للنهوض بتنمية الأقاليم الصحراوية وترسيخ خيار الجهوية بكل ربوع المملكة - وفي السعي لتجديد هيكلته وعقلنة طرق عمله وتأهيله وتوسيع اختصاصاته ، على نحو أفضل، لترسيخ خيار الوحدة، واعتبارا للدينامية التي أبانت عنها النخب الجديدة ذات الكفاءة والغيرة الوطنية في هذا المجال يجب أن تتبوأ هذه الأخيرة المكانة الجديرة بها في هذا المجلس. - كما يتطلب تشكيل المجلس اعتماد شخصيات يراعى في اختيارها أن يكون مشهودا لها بالتجرد والنزاهة الخلقية والكفاءة العلمية والغيرة الوطنية والتشبث المخلص بالوحدة الترابية والعطاء المتواصل في سبيل تدعيمها - بالنسبة لتركيبة المجلس يجب ان تكون تعددية ومتشكلة أساسا من الفعاليات الصحراوية ومكونات المجتمع السياسي والمدني المتميزة بالخصال المذكورة أعلاه والمتوفرة على الصفة التقريرية، وممثلي السلطة التنفيذية، ذوي العضوية الاستشارية. - هذه التركيبة من شأنها ضمان استقلاليته وفتح مجال رحب للحوار والتشاور بين هذه المكونات ونهوضها بمهامها في الدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة. في الصلاحيات: يمارس المجلس إضافة إلى ماهو مخول له بموجب الظهير السابق الصلاحيات التالية : - يبحث ملاءمة النصوص التشريعية والتنظيمية الوطنية لجعل الأقاليم الصحراوية في صدارة الجهوية المتقدمة المنشودة، بما يعزز تدبيرها الذاتي لشؤونها المحلية. - الإسهام الفعال، بالتعاون مع المؤسسات المماثلة، في التعبئة للدفاع عن مغربية الصحراء وتنميتها. - تشجيع ودعم كل الأنشطة التي تستهدف الدفاع عن الوحدة الترابية، والمساهمة في تأطير المواطنين، وترسيخ قيم الغيرة الوطنية، والمواطنة الحقة - رفع اقتراحات وتقارير خاصة، في كل ما من شأنه تتبع وتقييم السياسات العامة المنتهجة والمؤسسات العاملة في تنمية الأقاليم الصحراوية وتحسين أدائها - يجب أن يتمتع الأعضاء بالصفة التقريرية لا التداولية وان يتم اختيارهم من بين الشخصيات المشهود لها بالتجرد والنزاهة الخلقية ذات الكفاءة والغيرة الوطنية والتشبث المخلص بالوحدة الترابية. ولهم أن يقرروا بأغلبية ثلثي الأعضاء التصدي تلقائيا لقضايا يروا من المفيد إطلاع جلالة الملك عليها؛ ولهم أن يتخذوا آراء المجلس الاستشارية وتوصياته ومقترحاته بنفس الأغلبية، وأتوقع أن يعمل المجلس على نشر آرائه وتوصياته ومقترحاته، جزئيا أو كليا، كما يجوز له نشر مقترحات وتقارير مجموعات العمل المنبثقة عنه، بعد إطلاع جلالة الملك عليها. - ويفترض أن يستعين المجلس بمستشارين وخبراء، لسد حاجاته التقنية والإدارية - يفترض إحداث " جائزة محمد السادس للأعمال الوطنية "ويتولى المجلس، سنويا، اقتراح الهيئة أو الشخص المرشح لها على صاحب الجلالة، مراعيا في ذلك تميز المرشح بأعمال ميدانية أو دراسات أو أبحاث علمية أو أدبية أو مشاريع فنية تتعلق بالإسهام في الدفاع عن الوحدة الترابية والوطنية والتحسيس بها وتسلم هذه الجائزة للشخصيات والهيئات الوطنية أو الأجنبية. *رئيس مركز التفكير الاستراتيجي والدفاع عن الديمقراطية