صحّاف الحكومة المغربية صرح وزير الاتصال المغربي في إحدى خرجاته الصحفية أن الدولة لا تخوض حملة استئصالية ضد جماعة العدل والإحسان، وأكد أن الاعتقالات التي طالت بعض أعضاء الجماعة في مدينة فاس مؤخرا "لها علاقة بتطبيق القانون والحفاظ عليه لا أكثر ولا أقل"، وليس همنا في هذا المقال أن نرد على صحَّاف الحكومة المغربية، بقدر تتبع أسباب هذا التحول النوعي للسلطة المغربية في التعامل مع الجماعة، والانتقال من التضييق الأمني والاعتقالات المتكررة والمحدودة زمانا ومكانا إلى فبركة قضية جنائية بهذا الحجم. لقد عرفت حقبة الملك محمد السادس تعاملا مغايرا مع ملف الحركة الإسلامية ككل، وجماعة العدل والإحسان بالأخص مقارنة مع أواخر عهد الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله، حيث أصبح شعار السلطة الأبرز هو التضييق على كل العناوين الإسلامية في الساحة السياسية بأساليب تستجيب لوضع كل مكون على حدة. وبالتالي استثمر الوضع العالمي المتموضع في مواجهة"إرهاب الجماعات الإسلامية" لفبركة ملف السلفية الجهادية، وإقبار الكثير الكثير من الأسماء في غياهب المعتقل من خلال محاكمات غاب عنها شرطا الاستقالالية والعدالة. وبطريقة هوليودية تم اعتقال قادة "الحركة من أجل الأمة" و"البديل الحضاري" ومتابعتهم من خلال قانون الإرهاب، وهم المعروفون على الصعيدين الوطني والدولي بدعواتهم السلمية، وسعيهم للعمل السياسي من خلال المؤسسات القانونية للدولة المخزنية. أما بالنسبة للعدالة والتنمية فلم تخف جهات نافذة في السلطة ندمها على الاعتراف بهذا المكون في الفضاء السياسي الرسمي، لذلك تكرر التهديد بحل الحزب في فترات متعددة كان أبرزها التلميحات الواردة في الخطاب الملكي الذي جاء بعد الأحداث الإجرامية ل16 ماي 2003، وسعت السلطة إلى تحجيم والحد من حركية هذا المكون الحزبي النشيط من خلال مجموعة من الممارسات، وكان أبرزها: • فض الاشتباك نهائيا بين حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيدوالإصلاح، فالأول حزب سياسي لا علاقة له بالحقل الديني، والحركة تنظيم دعوي لا علاقة لها بالعمل السياسي. وهذا الاختيار يجب أن يبدو بشكل واضح في اختيارات التنظيمين قولا وفعلا وسلوكا، وهو ما التزم به الحزب والحركة تنظيرا وممارسة استجابة لمختلف الضغوطات. • سعي السلطة السياسية إلى فرض إملاءاتها على الحزب عند اختياره لقيادته، ولذلك سارعت السلطة إلى خوض حرب شعواء ضد الحزب الذي اختار المحامي والرجل الصلب مصطفى الرميد قائدا لفريقه النيابي، فما كان من الأخير إلا أن أقدم على التنحي عن المنصب، وهو نفس التوجه الذي مارسته السلطة على الحركة التي استقال من قيادتها العالم الهرَم الدكتو أحمد الريسوني تحت ضغوطات رسمية هائلة. ولما اختار الحزب في مؤتمره الأخير الأستاذ بنكيران أمينا عاما للحزب، أرسل له العاهل المغربي برقية تهنئة إعلاما من السلطة بمباركتها لهذا الاختيار. •فرض السطة على الحزب حدود مشاركته في الانتخابات الجماعية والتشريعية، وهي الضغوطا التي كان يستجيب لها الحزب تحت دعاوى عدم رغبته في اكتساح المقاعد البرلمانية، وعدم تكرار تجرتي الجبهة في الجزائر وحركة النهضة في تونس. المخطط الخماسي في التضييق على العدل والإحسان أما بالنسبة لجماعة العدل والإحسان فقد كان التضييق الشديد هو عنوان التعامل معها، وفي سنوات حكم الملك محمد السادس ظهرت شعارات "الحرب على المخيمات"، و"الحرب على الجامعة"، و"الحرب على الأبواب المفتوحة"... وهذه كلها كانت النوافذ البارزة في انفتاح الجماعة على الفضاء العام، وقدرتها على التواصل وإيصال رؤيتها ومشروعها المجتمعي لكل فئات المجتمع، وهي حرب استمرت طيلة السنوات الممتدة من 2000 إلى 2006. في شهر ماي 2006 سيعرف تعامل السلطة مع الجماعة تحولا دراماتيكيا، وستنقل السلطة حربها على الجماعة من الفضاءات العامة إلى الفضاءات الخاصة، وعلى امتداد التراب الوطني شنت الأجهزة الأمنية حربا استنزافية لا هوادة فيها ضد الجماعة، وكان حصيلتها حسب بلاغ "لرابطة محامي العدل والإحسان" صدر بتاريخ 05 يوليوز 2010 الزج ب 7030 عضوا في مخافر الشرطة، من بينهم 1167 عنصرا نسويا، و35 طفلا. وبلغ عدد الأيام المحكوم بها بالحبس النافذ والموقوف على أعضاء الجماعة 7880 يوما، بينما وصل مجموع المبالغ المحكوم بها كغرامات على أعضاء الجماعة: 5527215.00 درهم. لقد استغلت السلطة السياسية العداوة التقليدية لبعض التيارات الإيديولوجية للتيار الإسلامي، ومشاركة المعارضة السياسية السابقة في الحكومات المغربية المتوالية، وتحول أسماء لامعة في سماء الدعوة الإسلامية إلى خدمة المشروع المخزني عبر بوابة إعادة هيكلة الحقل الديني؛ ليتم الانفراد بجماعة العدل والإحسان من أجل حصر تجمعاتها، وضرب مشروعها، والقضاء على شعبيتها. ورغم أن الجماعة طيلة مسيرتها التاريخية كانت عرضة للتضييق ومصادرة حقها في الوجود، فقد كان أهم ما ميز هجمة مسلسل ماي 2006 أنها: • هجمة استنزافية طويلة الأمد، ترتكز على تخويف الأعضاء من ضريبة هذا الانتماء. وكلما أحست السلطة المركزية تراخيا من قبل سلطات الجهات والأقاليم في متابعة أنشطة الجماعة، أرسلت المذكرات التذكيرية بضرورة التنبه إلى تحمل مسؤولياتهم الأمنية. • هجمة استخبارية على أعلى مستوى، فقد كان هجوم السلطات على "مقرات" الجماعة على امتداد خارطة التراب المغربي مباغتا، وكان أهم ما يستولى عليه الحواسيب، والأقراص، والوثائق... والغريب أن ما تعانيه المخابرت اليوم مع الجماعة ليس شح المعلومة ولكن كثرتها. كما أن حلقات الاستنطاق مع الأعضاء المعتقلين كانت تتناول كل التفاصيل الحياتية والمهنية والتنظيمية لهم، كما أن العروض المتاولية من أجل استقطاب بعضهم واستخدامهم جواسيس على الجماعة تشكل اختيار مركزيا للمخابرات، وأمام الكم الهائل من المعتقلين فإن التنظيم لن يستثني من حسابه سقوط بعض منتسبيه في حبائل السلطة إما رغبا أو رهبا، وهو ما يستتبع ضرورة تنمية الحس الأمني بين أعضائه، والتعامل بشكل حذر حتى مع المنتمين إلى صفه. • إنها هجمة سعت إلى التضييق على أرزاق أبناء العدل الإحسان، وذلك يتبدى من خلال رقم المبالغ المحكوم بها على الأعضاء ن قبل محاكم المخزن، وتشميع البيوت وتشريد ساكنتها منها، كما أن العديد من الأعضاء يعانون من مشاكل الترخيص لهم لممارسة أنشطة اقتصادية متنوعة بسبب الانتماء إلى جماعة تعدها السلطة الإدارية جماعة غير قانونية وتعدها بعض محاكم المملكة جماعة قانونية، ولعل أول قرار صدر في ذلك القرار عدد 1871 الصادر عن محكمة الاستئناف بالقنيطرة بتاريخ 24 أبريل 1990 الذي جاء في حيثياته: "حيث إنه من الثابت من أوراق الملف أن الجمعية المذكورة قد قامت بإيداع نظامها الأساسي بكتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية بالرباط بتاريخ 26/4/1983 حسب الوصل المسلم بنفس التاريخ وذلك طبقا للكيفية المنصوص عليها في الفصل الخامس من ظهير 15/11/1958 الأمر الذي يفيد بأن تلك الجمعية قد أنشئت بكيفية صحيحة وتمارس نشاطها في ظل من المشروعية الواضحة تزكيها المقتضيات القانونية المشار إليها، ويدعمها نظامها الأساسي الذي تم الإعلان عنه وإيداعه وفق مسطرة سليمة". • إنها هجمة شمولية فقد استهدفت الأعضاء والعضوات كما لم تستثن الأطفال، كما أنها شمولية من حيث استهدافها لمختلف الجمعيات التي لحقتها شبهة التبعية لجماعة العدل والإحسان، بل إن الغريب أن السلطات الإدارية رفضت الترخيص حتى "لجمعيات النجاح" المتصلة بالحقل التعليمي إذا ما ثبت أن أحد أطرها التعليمية منتم للجماعة، وهو ما استدعى من أستاذ الفلسفة أحمد الفراك ، أحد وجوه الجماعة، من مراسلة وزير التعليم في الموضوع ليحيط "علما -السيد الوزير- أن المدرسة المغربية يتهددها خطر التوظيف السياسوي للقضايا الوطنية من حجم قضية التربية والتكوين مِن طرف الذين يتجاوزون القانون عُنوة إلى أهوائهم ومصالحهم الضيقة. ضدا على إرادة أسرة التربية والتكوين وانتهاكا لحقوق الإنسان في أبسط صورها" . العبرة بالنتائج باعتقال السلطة للأعضاء السبعة من أبناء الجماعة بفاس، وفبركة ملف جنائي ضدهم تكون السلطة قد دشنت فصلا جديدا من التضييق على الجماعة، فما سياق هذا التحول؟ لقد عاشت السلطة السياسية نشوة تحقيق تقدم في ملف تقزيم جماعة العدل والإحسان، وكانت مجموعة من المنابر الصحفية والإعلامية مغذية لهذا الوهم لدى السلطة، بانية مواقفها على حسن أداء الاستراتيجية المخزنية للحقل الديني، وأفول رؤيا 2006، وغياب الجماعة عن مجموعة من المحطات النضالية، وصراع الأجنحة داخل الجماعة على خلافة مرشدها الأستاذ عبدالسلام ياسين، وإمكانية بروز انشقاقات في صفها لا سيما بعد إقالة عضو مجلس إرشادها البارز في المنطقة الشمالية الأستاذ عيسى أشرقي، وجمود خطاب العدل والإحسان على نفس المقولات التي انتهت مدة صلاحيتها، وسقوط ورقة احتجاجها بمظلوميتها بعد انتهاء المدة المحكومة بها على معتقليها الإثني عشر... لكن هذه النشوة سرعان ما انهارت بعد حدث مشاركة الجماعة في المسيرة التضامنية مع ضحايا أسطول الحرية يوم 06 يونيو 2010، والتي أجمعت فيها تعاليق الصحف على أن اليوم كان يوم العدل والإحسان وطيب رجب أردوغان، تلويحا إلى الحضور اللافت للصور والشعارات المحتفية برئيس الوزراء التركي. لقد أبان حجم مشاركة العدل والإحسان في المسيرة عن غلط التقارير الأمنية والصحفية التي أفادت بأن التنظيم بعيش مرحلة جزر خطيرة، وهي مسيرة جاءت تتويجا لمشاركة ثلاثة من قياديي الجماعة في أسطول الحرية، وهو ما أسهم في رفع الحصار الإعلامي على المستوى الدولي عن جماعة محاصرة. لقد عاشت السلطة مأزقا خطيرا في تعاطيها مع حدث المسيرة، فقد كان من غير الحسبان أن تفتح الشارع على مصراعيه لتمكين عدوها اللدود من استعراض عضلاته في الفضاء العام، وتمكينه من الدعاية لنفسه على أن مشروعه حامل لهموم الأمة العربية والإسلامية، والمستضعفين في كل أصقاع العالم، لكن السلطة ما كانت لتتحمل تبعات حظر المسيرة لمجموعة اعتبارات من أبرزها أن كل دول العالم احتفت بالمشاركين من أبنائها في أسطول الحرية على أنهم أبطال قوميين، كما أن تعالي أصوات عربية داعية إلى نزع ملف القدس من يد المغرب لتهاونه فيه كان يستوجب الرد عليه من خلال مسيرة شعبية يتم توظيفها رسميا وهو ما تبناه الناطق الرسمي للحكومة في إبانه، ناهيك أن المسيرة الشعبية كانت من وسائل التخفيف من الحنق الشعبي تجاه الممارسات الصهيونية الإجرامية. لقد عاشت السلطة في ذاك الحين مأزق الترخيص الذي يمكن العدل والإحسان من الحضور لتبعث رسائلها المتعددة أيضا إلى مختلف الجهات، والذي تابع الشكل الذي نزلت به الجماعة والذي تمثل في اصطفاف الأعضاء عبر مجموعات كبيرة قسمت اعتمادا على الانتماء الإقليمي، والذي لا يمكن إغفاله من قبل كل متتبع خبير رغم أن الجماعة نأت بنفسها عن التعبير عن ذلك بشكل صريح من خلال اعتماد شعاراتها ولافتاتها المميزة. لقد كانت رسائل العدل والإحسان متعددة: إننا حاضرون والحصار لن يقصم ظهرنا، والسلطة المحاصِرة تصبح في المحطات الشعبية القوية هي المحاصَرة، وكل أقاليمنا حاضرة بقوة حتى تلك التي تعاني مشاكل داخلية أدت إلى إقالة قياديين فيها، وكل مقارنة ما بين حضور الجماعة وغيرها من المكونات تكون محسومة لصالحها سلفا، كما أن الجماعة وفية إلى خطها السلمي المبني على عدم السرية تنظيما، وعدم العنف سلوكا. تلت تلك المسيرة مباشرة مسيرة أخرى من نوع آخر، فقد توفي العلامة محمد بن الصديق وكانت جنازته بمدينة طنجة في السابع من نفس الشهر، وهي جنازة شيعها الآلاف المؤلفة من الناس، وكان حضور العدل والإحسان لافتا، قيادة وقاعدة، بسبب علو هامة الرجل العلمية رحمه الله، كما أن أحد أبنائه يعد عضوا من أعضاء مجلس إرشاد الجماعة، وهي مشاركة لم تخف دلالاتها السياسية على السلطة المخزنية، فحضور العدل والإحسان بهذه الكثافة في مدينة واحدة، ومباشرة بعد مسيرة وطنية، يعبر عن قدرتها التعبوية التنظيمية الهائلة، كما أن انحصار مشاركة أعضاء الجماعة في الجنازة على المنتمين إلى نفس المدينة باستثناء حضور بعض القيادات أعطى رسالة ذات دلالة عميقة على قدرة التظيم على التحرك في مجموعة مدن في نفس الوقت عبر مسيرات شعبية، وهو ما يحيل على تجربة نزول الجماعة في مدن سبعة في نفس التوقيت، ورغم عدم الترخيص لها، في حدث الاحتفاء باليوم العالمي لحقوق الإنسان سنة 2000، كما أن حضور الجماعة في جنازة رجل تعد أسرته المنشئة للزاوية الصديقية يمنح الجماعة القدرة على التواصل مع النخب الحزبية الحديثة ونخب الزوايا التقليدية، وهو ما لا يتوفر لباقي التنظيمات السياسية. أمام هذه الدلالات العميقة للمسيرتين كانت حركية النظام السياسي من أجل المزيد من التضييق على أبناء الجماعة، وكان الاستنطاق الماراتوني للمهندس حسن الجابري، أحد قيادات الجماعة التي شاركت في أسطول الحرية، مؤشرا خطيرا على سعي السلطة إلى تضييق المنافذ على الجماعة في تواصلها مع القيادات والهيئات المدنية خارج الوطن، لكن اعتقالات فاس كانت الرسالة النوعية ذات الدلالات الخطيرة في هذا المسار القمعي للسلطة المخزنية تجاه العدل والإحسان. لقد شكل خروج معتقلي فاس المحكوم عليهم بعشرين سنة، تركة النظام الراحل، سقوط ورقة من أوراق الضغط على الجماعة، فهل سعي السلطة إلى لف الخناق بملفات جنائية على الرجال السبعة تتمة لحلقة الضغط على الجماعة بملف الاعتقال، واالذي أبانت الجماعة أنها لا تتخلى فيه عن أبنائها، وأن كل "مفاوضاتها" مع السلطة في مراحل سابقة كان الإفراج فيها عن المعتقلين يشكل أولوية لديها؟ أما ما يتعلق باتهامات المحامي الذي ثبتت جاسوسيته لدى الجماعة، وادعاؤه أنه عذب لأنه قدم استقالته فهي مردودة عليه ومنسوفة من أصلها، لأنه يستحيل أن لا تجد في مدينة من المدن أعضاء كانوا منتمين إلى الجماعة ثم استقالوا أو أقيلوا أو انقطعوا عن التنظيم بلا سبب دون أن تطولهم أي إساءة من قبل التنظيم، بل ورغم إقدام بعضهم على نشر "الغسيل الوسخ" للجماعة عبر الإعلام كما فعل عضو مجلس الإشاد محمد البشيري رحمه الله سنة 1998، أو من خلال رسالة أخيرة نشرت لأحد الأعضاء بمنطقة الشمال في جريدة "الحياة الجديدة" عدد 108، 03/09 يونيو 2010 والتي قدم فيها استقالته من جماعة ادعى انتماءه إليها منذ سنة 1986 بسبب اختلالات أخلاقية وتنظيمية تعيشها، ورغم ذلك فلم نسمع أن أحدا مسه أو تعرض إليه. حين يصبح التدبير السياسي بيد المخابرات تختلف إقالة المحامي المتَّهم بالتجسس من قبل الجماعة، والمتَّهِم لأعضائها السبعة بتعذيبه أن إقالته شكلت ضربة موجعة للجهاز الذي يوظفه، فالشخص المعني استطاع أن يحتل مكانة مهمة في السلم التنظيمي للجماعة مكنته حتى من مصاحبة وفد العدل والإحسان إلى إحدى المؤتمرات الشعبية الداعمة للمقاومة في تركيا، واكتشاف تجنيده خلط أوراق المخابرات التي يلوح أنها كانت تعقد عليه أدوارا مهمة، لا سيما إذا صدقنا أنه اعترف للمسؤولين بالجماعة عن تجسسه عليهم، وأن اعترافاته سجلت، وهو ما أظنه يشرح شراسة البحث الأمني على الشريط المسجل بين الحواسيب والأقراص... كما أن جهاز المخابرات الذي ألف أن يستنطق ويضع الخطط للإيقاع بالغير لم يستسغ أن يقع أحد المتعاونين معه في نفس الحبائل التي ينسجها، والتي لم يعش تجربتها مع أي تنظيم من التنظيمات الحزبية التي كان يزرع فيها مخبريه، حتى خلص المناضل اليساري عبد القادر الشاوي زمن أحلام اليسار، سفير المغرب اليوم بدولة الشيلي ، في روايته "كان وأخواتها" التي تحكي عن تجربة اليسار، أن تنظيمه كان مشكلا من نصفين: نصف من المناضلين ونصف من المخبرين. لقد اختار النظام السياسي باعتقاله للقياديين السبعة توقيت بداية التحول، لكنه يستحيل عليه أن يتنبأ بكيفية تطور الملف، ومدى تأثيره على المسار السياسي للوطن بأكمله غلى المستويين القريب والبعيد. إن كل فلاسفة السياسة يجمعون أن تنازل الفرد عن مجموعة من حقوقه الطبيعية لصالح السلطة يأتي ضمانا لأمنه وحريته، لكن المخزن المغربي يعتدي في هذا الملف بشكل سافر على أمن وحرية مواطنين يشهد مسارهم العلمي والوظيفي على توظيفه لجهودهم لخدمة أبناء هذا الوطن، وأمرهم للناس بالقسط. إن الاعتداء السافر على حريات المواطنين وأمنهم يجعل من سؤال مناقشة قوانين محاكمتهم ينتقل من باب الشرعية إلى مجال المشروعية، وهو انتقال تهدم به السلطة ركائز وجودها، وهو ما لا تسعى إليه أي دولة تحترم نفسها إلا أن تكون عازمة على النسج على المنوال التونسي، وعندها تسقط كل أقنعة الإقناع لتحل محلها أجهزة القمع والإخضاع، ويكون عندها صراع الإرادات واضحا، ويكون الخاسر الأكبر عندها هو الوطن. حفظه الله من الفتن، ما ظهر منها وما بطن. [email protected]