إن كل ما ينجم بين الناس مما ليس ظاهرا مسبوقا هو ظاهرة واكتساح النادلات للمقاهي لم يكن معهودا بهذا الشكل من قبل فهو ظاهرة بهذا المعنى، وينبغي ربط المسألة بالواقع الإجتماعي الذي يضطر الشابات – في العشرينات غالبا- إلى العمل نادلات في المقاهي كما ينبغي ربطه بالمناخ المتعفن الذي أوجدته الرأسمالية والذي تشكل من خلاله إنسان لا يهمه سوى الإستهلاك والشهوة غاية لاتهم الوسيلة إليه ، هذه الرأسمالية الذي فتحت في وجهه مجالا للإختيار الإجباري أو لنقل خدعته بحرية هي في الحقيقة حرية الإستعباد ! ولنربط هذا أيضا بالتدهور والتغير الحاصل في علاقة الجنسين ، ثم نطرح تساؤلا وهو : هل عمل فتيات نادلات هو العمل المقصود بعينه أم هو عمل يخفي ممارسة أخرى نتيجة للفساد الذي اعترى علاقة الزوجين والذي أسهمت فيه حبوب منع الحمل والعوازل الطبية ؟ ليست المقاهي وحدها المكتسحة من قبل جنس الإناث ، بل المحلات التجارية والمخادع الهاتفية ومقاهي الأنترنت والحانات والعلب الليلية كما يعلم الجميع ، وهن مساعدات لأطباء الأسنان وفي العيادات ، لنقل باختصار إن الإناث تمترسن بشكل غير مسبوق أيضا في طريق الشباب للحصول على عمل بسيط ، فالمقدم هو الأنثى لا الذكر ! وهذه ظاهرة كذلك..وفي الحقيقة ثمة سبب أخلاقي لهذا نتحدث عنه بين قوسين وهو أن الإناث أكثر أمانة وجدية من الذكور في الغالب والذكر لم يعد ذلك الشاب الشهم ذو المروءة والشجاع بل تشكل مخلوقا رخويا يخشى من طيشه، وليس خافيا كما تبين حتى نتائج الإمتحانات أن الإناث أصبحن أكثر جدية لأن الذكور محاصرون وأمامهم تحديات ليست أمام الإناث وأقواها وأعتاها تحدي الشهوة الجنسية التي استحكمت في الذكور بشكل غير معهود وهذه ظاهرة أخرى واقعية ونفسية - ولنا في التحرشات الجنسية لمن يفترض فيهم تربية الأجيال خير مثال لكن مع وضع المنظومة التربوية بين مزدوجتين- وفي الإناث أيضا لكن يتيسر لهن إطفاؤها مع من شئن عكس الذكر الذي لا يتيسر له ذلك إلا بالدفع للقهرمان ! كل هذا نتاج الوسط الإجتماعي الذي سلم قياده لما قوض الأخلاق والقيم الأصيلة، ولا فرق بين مغربية وإسرائيلية أو أمريكية في هذا الإعتبار بصفة عامة، وسبق أن قلت إنه جرى تنميط المرأة في العالم على شاكلة المرأة الأمريكية التي يحكمها تصور فمنزمي متمركز حول الأنثى وهو تصور لا يعير أي اهتمام للأخلاق والأسرة والمجتمع بل لا يرى في الذكر سوى وحشا ينبغي استغلاله والقضاء عليه دون أي اعتبار لإنعكاس هذا التصور على بنية المجتمع وهو تصور انتظم في شكل جمعيات وحركات نسوية ، وفي هذا تستغل المرأة جاذبيتها الجنسية لقضاء مآربها ! وقد سبق أن اطلعت على مؤلف لمجموعة من الباحثين الأمريكيين يعزون فيه تفاقم الإجرام والمخدرات والأمراض النفسية للمرأة الإباحية وثقافة "البلاي بوي" التي خرمت أساس المجتمع ليس هذا مقام الكلام فيه. إن عمل المرأة نادلة في المقهى ليس عملا مثاليا أو يجري سعي الطموح إليه ، فلسنا بحاجة أن نؤكد تأسيسا على ما سبق أن المرأة المغربية الشابة ترفض فكرة الخدمة أو العمل لشخص ما بما يشبه العمل المنزلي إلا اضطرارا ! لعل الإشهار الذي يظهر فيه ممثل مغربي يشاهد التلفاز وزوجته تحضر له اليوغورت ثم تشترط عليه غسل الأواني يجلي هذه الفكرة،إن العلاقة الإنسانية التي تجمع الذكر بالأنثى ذات المرجعية المشتركة مضمحلة فالأنثى هي مرجعية ذاتها..ثم إن المرأة في هذا العمل مهينة بالرخص والإبتذال..متى علمنا أيضا أن الحركة النسوية بأدبياتها والرعاية السياسية لها أثرت في الوعي العام للمرأة المغربية هذه الحركة التي لم تأت إلا لتحطيم النظام الأسري التقليدي المغربي وخلق صراع بين الذكر والأنثى في ظل انحسار ثقافة "وجعل بينهم مودة ورحمة" والقيم الإسلامية الأصيلة واقعا متحققا لإحلال نظام أسري حداثي قطع علاقته بالأخلاق..إن أرباب المقاهي ليسوا أناسا سذجا بل يدركون أن السعار الجنسي في المجتمع المغربي شواظ من نار ! لذا يعمدون لتشغيل الإناث وقد يفرضون عليهن مواصفات معينة في اللباس والسلوك..ثم إن النادلة الداعرة قد تستغل المقهى للتواعد والتفاوض مع الراغبين فيها ، فلا غرو أن تجد المقاهي التي يعملن بها مكدسة بالرجال والأخرى بجانبها يعمل فيها الشباب خاوية على عروشها ! إن المسألة مرتبطة بالسعار الجنسي لدى الذكور واستغلاله من قبل أرباب المقاهي بما يدر الأرباح ويمكن النادلات من ترويج تجارتهن. قد يعزو البعض خروج الشابة للعمل مكرهة إلى العنوسة وغياب فتى الأحلام الذي سيكفيها وعثاء الكد وطلب الرزق ، لكن اليوم أصبح العمل هو أول أمنية للمرأة وليس الزواج متى فهمنا أن المدنية المنفصلة عن الأخلاق الموصولة بأفكار تحارب الإنسانية أفرزت هذا الوضع حيث تطالب النساء بالمساواة مع الرجل في كل شيء بما في ذلك العمل والحصول على أجر وحتى في المغامرات الجنسية ومن هنا نفهم فكرة كون الأنثى مرجعية ذاتها ضربا للحياء والأمومة والأسرة عرض الحائط لأنه أمر عبثي يثير السخرية ! فلا يخفى أن من الشابات المغربيات من يمقتن الإرتباط برجل بعقد زواج ويفضلن الإرتباط به خارجه وحبوب منع الحمل متوفرة مشجعة فلم تعد الصلة الجنسية تشترط الزواج - لا بل قد ترغب المرأة المغربية في ابن لها دون أبوة بما فتحه لها القانون وبإمكانها أن تعطيه أي لقب دون تقيد بشروط النسب تقليدا للواقع الحداثي الغربي الذي مكن الأم من أن تختار لولدها أي اسم دون تقيد بضوابط النسب ويمكن إلحاقه بأي شخص يقع عليه الإختيار بل وتغيير نسبه كما تريد مرات عديدة، والأدهى من ذلك أن بإمكان الأم أن ترفع نسب الأب الحقيقي عن الطفل إن لم تكن تريده وتلحقه بمن تريد! أما المرأة العفيفة والمستحيية فلم يعد لها وجود عموما، لأن حياة المدنية تقدم كل باعث على الجنس المحرم بما يسهل أداءه بالقدر الذي تفضي إلى كل مثبط عن الزواج مع كون كبح الرغبة الجنسية أمرا عسيرا وغير "طبيعي" بما تقدمه وسائل الإعلام والأنترنت، حتى لقد اشتهرت مقولة لدى الشباب المغربي لا يليق إيرادها ها هنا تقال في سياق تعبير شاب عن رغبته في الزواج بفتاة صالحة ذات عفة وحياء فيسخر منه أصحابه مرددين تلكم المقولة تعبيرا عن فكرة اضمحلال الحياء والعفة بين المغربيات بصفة عامة ! - فأين ذلك الزوج الذي بإمكانه تلبية كل رغبات الزوجة المتكاثرة بما فتحته لها الرأسمالية الجشعة والإعلام المنمط الغير المنضبط ، تبحث عنه بين المغاربة فلا تجد ثم تسعى للخليجيين أو الأوربيين ذوي الأموال القادرين على توفير ما تلذ به من شهوات، والمعنى أن الزواج إن وجد ليس إلا عقدا تجاريا مدنيا يوقع التزامات وحقوقا على أطرافه مفصول عن كل خلق أصيل عرفه المجتمع المغربي التقليدي ! وإذا أعوزها إيجاده تسعى للدعارة المعلنة أو المخفية والمتوارية خلف عمل بسيط يكون جنس الذكور زبناءه وهو في المقاهي والحانات والعلب الليلية غالبا.فإذن وجود نادلات وخروج المرأة للعمل الداني بما يجعلها مبتذلة رخيصة ينبغي ربطه بالسياق العام والظرفية الإقتصادية والإجتماعية الراهنة ولا ينبغي التعامل معها بتجزيئية. [email protected] http://elmeskaouy.maktoobblog.com face book : hafid elmeskaouy