على هامش الاستجواب المنشور بجريدة الصباح يوم 13/05/2010 بداية أود الإشارة إلى أنني لا أنتمي تنظيما لحزب الأصالة والمعاصرة، وإن كنت لا أخفي انتمائي لفضاء المشروع الذي أطلقته هذه التجربة السياسية التي يرجع لها الفضل في خلخلة المشهد السياسي ببلادنا، وهو مشروع أتقاسم معه العديد من المنطلقات السياسية بوصفي مناضل يساري ساهم من موقعه البسيط في دعم سيرورة الانتقال الديمقراطي بما حملته من انفتاحات ملحوظة ساهمت في تمتين أسس الإصلاح المؤسساتي ببلادنا. وإن كنت أسجل على سيرورة بناء هذا الحزب، وآليات اشتغاله بعض الملاحظات التي سيأتي وقت الإعلان عنها في الظرف المناسب، فإنني أجد نفسي، من موقع تفاعلي مع الحياة السياسية، مضطرا للرد على بعض التصريحات الخطيرة التي وردت في الاستجواب المنشور بجريدة الصباح عدد (3138) ليوم الخميس 13-05-2010. وهي تصريحات مثيرة، متناقضة في جوهرها ومزايدة في منطوقها. ولن يخرج ردي عن منطوق أقواله الغارقة في التناقض السياسي، وفي معجم التخوين والتهويل. أولا، يصرح شباط بأنه كان يعتبر "بأن الساحة السياسية في حاجة إلى خلخلة وإلى تجديد، وفي حاجة إلى حزب بإمكانه أن يسهم في تأطير مجموعة من الأطر والنخب التي عجزت الأحزاب التقليدية عن استقطابهم وتأطيرهم داخل تنظيماتها، ويضيف قائلا بأنه كان يعتبر بأنه لابأس أن "يظهر حزب قادر على أن يستقطب مجموعة من المواطنين الغاضبين من الشأن السياسي ككل أو الصامتين، أو ممن عجزت الأحزاب عن إقناعهم بجدوى الممارسة السياسية". إن هذا التصريح يعترف علانية بأن الحقل السياسي الوطني غداة تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة أصيب بإفلاس جماهيري. وبأن الأحزاب التقليدية (ومن ضمنها طبعا حزب الاستقلال الذي ينتمي إليه شباط) عجزت عن تجديد النخب، وعن استقطاب المواطنين. وهو ما يعتبر اعترافا يشرعن عمليا فكرة تأسيس حزب جديد، وبمواصفات جديدة. كما أنه يصرح بأن هذا الحزب كان بإمكانه أن "يلعب دور المحفز "على المشاركة المكثفة في العملية الانتخابية لكي تصل نسبة هذه المشاركة مثلا إلى %60 أو أكثر". وإذا كان شباط ينتظر من هذا الحزب لوحده أن يحقق نسبة تحفيز سياسي تصل معه المشاركة إلى أزيد من %60 فالمنطق يفترض أن تحل الأحزاب نفسها مجتمعة لأنها تنتظر من حزب لم يؤسس فروعه بعد أن يحفز أكثر من ثلثي الناخبين. ولعمري، هذا إقرار بالفشل الذريع لحزب ما زال يتغذى بخطاب الشرعية الوطنية. غير أن شباط عوض أن يقدم نقدا ذاتيا لتجربة حزب الاستقلال (والنقد الذاتي من مكونات المنظور السياسي الذي أعلنه الراحل علال الفاسي في كتابه الشهير) فضل الهروب إلى الأمام بتذكيرنا بأن ظاهرة العزوف التي عايناها سنة 2007 عرفت نسبة مشاركة لم تتجاوز 37 في المائة. والغريب في الأمر أن شباط تناسى بأن حزب الاستقلال نفسه الذي يتحمل اليوم المسؤولية على رأس الحكومة لم تتجاوز عدد أصواته في الانتخابات الجماعية مثلا مليون و226 ألف صوتا من مجموع عدد الناخبين الذي يقارب 14 مليون ناخب مغربي، أي بنسبة %19، فكيف لنا أن نتصور حزبا حاكما، بهذا الحجم والذي أسندت له المسؤولية الحكومية ضمن قواعد المنهجية الديمقراطية التي أقرها جلالة الملك، أن ينصب نفسه "مراقبا لتطورات الأوضاع" بل ووصيا على الدولة بقوله: "في البداية لم يكن لدينا أي مشكل مع "البام" وفضلنا أن نراقب تطورات الأوضاع، وهل هي في صالح الدولة، أم يمكن أن تشكل خطرا على الدولة نفسها". ثانيا: إن القول بأن حزب الاستقلال لم يكن له أي مشكل سياسي مع "البام" في البداية تصريح سياسي. وهو ما يعني بأنه منطقيا يتحمل كل تبعاته في المجال السياسي. لكن أن ينصب شباط نفسه حارسا على الدولة ضمن ثنائية الصالح أو الخطر لهو الخطورة نفسها. فكيف لحزب حاكم، يتحمل حقيبة الوزارة الأولى، أن يتكلم هذه اللغة؟ وهو الذي شرفه الملك ضمن المنهجية الديمقراطية بأن يتقلد المسؤولية الحكومية. ولا أدري، لو كان بوستة أمينا عاما للحزب هل كان سيقبل بهذا التصريح؟. ثالثا، إذا كانت الدولة في خطر من جراء أداء حزب البام لما يعتبره شباط "إفساد العملية الديمقراطية والانتخابية"، فلم يسبق لي أن قرأت بيانا سياسيا للحزب يصرف فيه موقفه الرسمي إزاء هذا الخطر الذي يهدد الديمقراطية. بل كيف لحزب حاكم يصرح بوجود خطر يتهدد الديمقراطية، ويستمر مع ذلك في تحمل مسؤولية تدبير الشأن العام؟. رابعا، يتحدث شباط "عما شاب الانتخابات الأخيرة من ترحال سياسي"، ويقول بأن "الكل كان ضدها". وبأن الحزب عبر عن اطمئنانه على إثر خروج قانون الأحزاب إلى الوجود. غير أن هذا "الكل" الذي اطمأن لقانون الأحزاب، لم يسلم من الترحال السياسي وحزب الاستقلال واحد من هذا الكل. وأذكر شباط بأن حزبه صوت لصالح مرشحي البام في العديد من المحطات الانتخابية، المحلية والإقليمية والجهوية والتشريعية. ولم نسمع قط عن الخطر الذي يهدد الدولة في هذا المحطات. خامسا: في معرض تعداده للأخطاء السبعة للأصالة والمعاصرة، قال شباط بأن هذا الحزب هو "حزب إداري ويوجد في المعارضة، وشرع في الهجوم على الوزير الأول، ونحن نتساءل عن أية معارضة يمارسها الحزب؟ فالوزير الأول هو الدولة، وأن يكون أمنيا عاما لحزب الاستقلال، فهذا أمر يهمه، لكنه يعتبر وزيرا أول لحكومة جلالة الملك، وجلالته هو رئيس الدولة..". بموجب هذا التصريح يعتبر شباط بأن الوزير الأول هو الدولة. وبأن جلالة الملك هو رئيسها. ولا نفهم كيف لوزير أول في مؤسسة دستورية خاضعة للسلطات الدستورية العليا للملك أن يكون هو الدولة بعينها، وأن الملك هو رئيسها!. هذا الفهم الأعرج لاختصاصات الوزير الأول، ولمهامه يمكننا من فهم "الخطر" الذي يتهدد الدولة. فاختزال الدولة بأكملها في شخص الوزير الأول يعد تنقيصا خطيرا لباقي المؤسسات الدستورية. أما أن يكون الوزير الأول أمينا عاما لحزب الاستقلال فهذا أمر لا يهم شباط حسب تصريحه. والحال، أن الصفة السياسية للوزير الأول لا تسقط عنه، لأنه يمثل حزبا سياسيا. ولعل هذا اللغط السياسي يمكننا من فهم طبيعة مستوى التحليل السياسي الاختزالي للمؤسسات الدستورية بمنطق خاص بشباط. سادسا، يعتبر شباط بأن حزب الاستقلال حزب ملكي، وهذا ما ينطبق أيضا على حد قوله "على أحزاب أخرى مثل الاتحاد الاشتراكي والحركة الشعبية". وفي هذا المقام، لا ندري لماذا كان شباط يتهجم البارحة عشية الانتخابات التشريعية الأخيرة على الاتحاد الاشتراكي ويصف المهدي بنبركة بالانقلابي. سابعا، وصل تهجم شباط على الأطر اليسارية الموجودة في حزب البام إلى حد القول "هناك مخاض داخل حزب البام بين من يحسبون على اليسار، وبين من يحسبون على اليمين، وبين الذين يعملون من أجل الوطن، والذين يعملون من داخل هذا الحزب لتشتيت الوطن". إن تهمة "تشتيت الوطن" الصادرة عن مسؤول في حزب يتحمل مسؤولية الوزارة الأولى تهمة ثقيلة لا نعرف أركانها الجنائية، وتتطلب الإنصات لصاحبها لكي يدلي بصكوك اتهامه وبقرائن الشبهة في انتظار حكم الإدانة. وفي انتظار ذلك، لا يسعنا إلا أن نذكر شباط الحاقد فطريا على اليسار بأن أطره النبيهة هي التي صنعت مسار المصالحة، وفوتت على مافيات المحافظة والرجعية فرصة النيل من الانتقال الديمقراطي، وهي التي دشنت بإراداتها إلى جانب الإرادة الملكية أهم شعارات المرحلة الراهنة. ولو لم تكن هذه الأطر التي غلَّبت مصلحة الوطن، وانحازت لمقتضيات العدالة الانتقالية لانكشف المستور من الجرائم التي عطَّلت الوطن بكامله، ولما تمكن شباط أن يتكلم اليوم هذه اللغة. هذه الأطر التي أحسنت الإنصات لمجريات التاريخ الوطني أدركت بأن أسطوانة المؤامرة والتي لطالما انتعشت بها مواقع أولئك الذين تحصنوا بها تحت مظلة الفساد، كانت إحدى الأوراق التي استعملت طويلا لتوقيف مسلسل الدمقرطة لفائدة سماسرة السياسية ولوبيات الريع والمصالح. وبالتالي، فإن انخراطها اليوم في السياسة يعتبر أمرا مزعجا للعديد من الجهات التي تخاف على مصالحها من التلف والضياع، وتخشى من المحاسبة والمتابعة. وفي السياق ذاته، يتهم شباط "حزب الأصالة والمعاصرة بعقد اجتماعات سرية مع بوليساريو الداخل". وهو ما يعتبره "سببا في منح القوة لهؤلاء والظهور بالقوة، وما أمينتو حيدر وأمثالها إلا دليل على ما أقول (حسب تعبيره). فهذه الاجتماعات التي وقعت في العيون أعطت دعما لانفصاليي الداخل للإطاحة بحزب الاستقلال". هذه التصريحات الخطيرة تحتاج إلى أدلة قاطعة ينبغي معها أن يتحمل الوزير الأول الاستقلالي كامل مسؤولياته الدستورية في تحريك مساطر المتابعة ضد كل المتآمرين على الوطن، وأن يتم إشعار الرأي العام بذلك حتى يتسنى لشباط إنقاذ وحدة البلاد من كل المخاطر التي تهددها، ولكي ينام مطمئن البال. ثامنا: يقول شباط بأنه "حان الوقت لحل هذا الحزب بصفة قانونية"، وفي جوابه عن سؤال يتعلق ببعض اللقاءات التي جرت بين بعض الأحزاب والبام، صرح شباط بأن "كل ما يتلاءم مع الكتلة وأهدافها نقول له: "أهلا سهلا". إن حجم التناقض السياسي في التصريحين معا يبرز بجلاء طبيعة المستوى الذي بلغته الحياة السياسية ببلادنا. فهذا مسؤول يصرح ما بين فقرتين في نفس الاستجواب بضرورة حل حزب البام، وفي الفقرة الموالية من نفس الاستجواب يقول بإمكانية التلاؤم والتواصل. فالأمر بالنسبة له مجرد "مخاض". تاسعا: يصرح السيد شباط بأن "حزب الأصالة والمعاصرة تأسس على العرقية، لأنه أحيى سياسة القبائل في المغرب وشن حربا على أهل فاس، وضد النخب، وجعل من المغرب مغارب وليس مغربا موحدا...". إن خطورة هذا التصريح لا تقل عما سلفه من ادعاءات. فلم يسبق لنا أن سمعنا أو قرأنا أساسا عرقيا جاء في بيان، أو في تصريح لمسؤوليه. كما أن أهل فاس لم ينتظروا يوما زعيما سياسيا لكي يحذرهم من مخاطر النزعة القبلية كما يفعل اليوم السيد شباط. وهذا بالضبط هو أساس النعرة القبلية بعينها. ولا أعتقد بأن "الجاذبية" السياسية للحزب المذكور نجمت عن "منطقه القبلي" كما يدعي السيد شباط وإلا لكان حزب الأصالة والمعاصرة حزبا للقبائل. ولن نقلب صفحات التاريخ اليوم لكي نتحقق فعلا من أولئك الذين عملوا فعلا على التمييز بين المغاربة بعد الاستقلال. ومن أولئك الذين ميزوا بين "النبلاء" و"العامة" من الشعب في خطابهم السياسي، وبين أهل الحظوة والجاه من جهة، و"العروبية" من جهة أخرى. أما أن ينخرط بعض أبناء الريف الصامد في مشروع الأصالة والمعاصرة فهو تشريف لمنطقة الريف التي عانت الحصار والتهميش لعقود طويلة، وتشريف أيضا للوطن بكامله لأنه عنوان بارز في سجل المصالحة الوطنية. ولعل هذا الأمر هو ما يزعج بعض الدوائر، ومن ضمنها دائرة السيد شباط. وأخيرا، أود الإشارة إلى أن "الكارثة" التي تحدث عنها شباط والتي ستحل سنة 2012 لأن المشاركة –حسب قوله- لن تتعدى 10 في المائة إذا بقيت الأمور على ما هي عليه اليوم في الحقل السياسي، فإننا نرجو أن تكون له الشجاعة الأدبية في إعراب حجم المسؤولية التاريخية التي يتحملها حزب الاستقلال في هذه الأوضاع. أما حكاية التقاطبات التي يتحدث عنها، فإنني سأكون سعيدا إذا أعلن حزب الاستقلال منذ الآن عن تموقعاته السياسية في أفق 2012، وعن تحالفاته في المحطة القادمة تفاديا لوقوع –ما أسماه- "الكارثة" لا قدر الله.