الأستاذ نور الدين مفتاح وجه معروف في الصحافة الأسبوعية المستقلة، عشق الصحف والصحافة في سن مبكرة، لم يدبر اختيار مجيئه إلى مهنة المتاعب، كما لم يكن للصدف كامل الفعل للدفع به نحو هذا التوجه، تخلى عن عمل الإدارة في وزارة الإتصال لأجل عيون الصحافة، تمرن في ميدان الصحافة الحزبية ثم جاء للعمل في ساحة الصحافة المستقلة أو الخاصة، كما يسميها هو.. لمعرفة المزيد في حياته الشخصية والعلمية والعملية وكذا فيما يخص بعض آرائه في بعض المواضيع، أجرت "التجديد" الحوار التالي مع الأستاذ نور الدين مفتاح مدير جريدة "الأيام". الأستاذ نور الدين مفتاح أنتم وجه إعلامي معروف في ساحة الصحافة المكتوبة، ماذا لوزدتم قراءنا معرفة بكم؟ أنا صحفي ووجه إعلامي عادي، على مشارف الأربعينات، متزوج، غير أنني لم أرزق بعد بنعمة الأولاد، تخرجت من المعهد العالي للصحافة بالرباط، اشتغلت سنة 1989 بوزارة الاتصال، إلا أنه لم يكتب لي أن أواصل العمل بها... التحقت بجريدة "الاتحاد الاشتراكي" لأعمل ضمن هيئة تحريرها، لكني استقلت منها، عملت أيضا بالقناة الثانية لمدة وجيزة، ثم التحقت بجريدة "مغرب اليوم" لأعمل بها هي الأخرى كصحفي. بعد ذلك عينت رئيسا للتحرير بأسبوعية الصحيفة، وأنا اليوم أعمل مديرا للنشر ورئيسا للتحرير بأسبوعية "الأيام"، هذا بالإضافة إلى أنني أعمل ومنذ سنوات أستاذا للصحافة المكتوبة بمعهد الصحافة بالدار البيضاء. ألا تحكون لنا عن كيفية مجيئكم إلى رئاسة تحرير "الأيام" وعلى رأس إدارتها؟ بطبيعة الحال كنت المساهم الرئيسي في رأسمال مؤسسة "الصحيفة"، وكنت أنا الرئيس المباشر بالنسبة لهيئة تحريرها. وعندما أسسنا التجربة الجديدة كان طبيعيا أن أكون أنا المسؤول عنها. مجيئكم إلى العمل الصحفي، هل كان باختياركم أم أن رياحا ما أتت بكم قهرا؟ مجيئي إلى ساحة العمل الصحفي لم يكن بمحض اختيار وتخطيط مني ولم يكن كذلك بمحض الصدف، ولكنه كان بفعل مزيج من الاثنين معا. وأنا صغير كنت أهتم بهذه المهنة وبقراءة الصحف ومتابعتها، ودخلت معهد الصحافة وأنا ابن 17 سنة. كنت أبحث عن مؤسسة أو معهد يدرس هذه المهنة، وفي بداية الثمانينات تزامن الإعلان عن مباراة ولوج المعهد العالي للصحافة ومباراة ولوج معهد الإدارة >INAP< ، فاخترت آنداك ولوج المعهد العالي للصحافة على أساس أنه قد يمنحني التخرج منه العمل بالإدارة، وعندما اجتزت الاختبار، كنت من ضمن الملتحقين بالمعهد العالي للصحافة، وتخرجت منه وكان موعدي مع العمل بالإدارة. فالتحقت للعمل بوزارة الثقافة، ولكن من حسن حظي أنني طردت منها، وكانت هذه محطة ثانية جعلتني أبتعد عن الإدارة وأدخل معمعة العمل الصحفي. كيف توفقون بين العمل في معمعة العمل الصحفي ومتطلبات الحياة الزوجية والخاصة؟ في الواقع هناك تداخل بين الإثنين، فإذا كنت تربط الحياة الخاصة بالحياة العائلية، فإن الصحافة عندي قد سبقت الحياة العائلية، فهي قبلها وخلالها من حيث أهميتها بالنسبة لي، وسيظل هذا التداخل طبيعيا، وهذا قد نجده في مهن أخرى، غير أنه لا تشابه بين مهنة المتاعب والمهن الأخرى في جوانب عديدة، أوقات العمل لدى الصحفي لا تنتهي بخروجه من مكتبه، أو بحلول وقت معين، كما لا يرتبط عمله بمكان معين. وبالنسبة لي فإني أعتقد أن الصحفي يخلق نوعا من التوافق والتأقلم داخل وسطه العائلي، فتصبح حياته الخاصة والعامة كل لا يتجزأ، فيشتغل ليلا أو نهارا، صباحا أو مساء، في البيت أو في مقر العمل، في العطل أو غير العطل، وهذا قد يشترك فيه معنا نحن معشر الصحفيين آخرون يشتغلون في الشأن العام والشأن السياسي أو الجمعوي. عملتم في الصحافة الحزبية ثم اخترتم في آخر المطاف العمل في الصحافة المستقلة، أو كما تسمونها أنتم الصحافة الخاصة، فماذا وجدتم من إيجابيات في هذه الأخيرة؟ لقد عملت في الصحافة الحزبية، فكانت بالنسبة لي محكا ومدرسة تطبيقية مارست فيها عمليا كل ما تلقنته نظريا في معهد الصحافة. ولقد كانت هذه المرحلة فرصة أتيحت لي، وبما أن صحافة "الإتحاد الاشتراكي" كانت آنذاك صحافة معارضة، فقد منحتني ممارسة عملي الصحفي من خلال دور جد هام، ألا وهو دور الرقيب. وهي مسؤولية ودور كان يتوافق مع صحافة "الاتحاد الاشتراكي" في ذلك الوقت. وأنا اليوم أشتغل في "الأيام" بما كنت أشتغل به في جريدة "الاتحاد الاشتراكي". وبدون أن يكون لنا في "الأيام" لا مكتب سياسي ولا لجنة مركزية ولا رقيب سياسي، فإننا نمارس تلك الرقابة من خلال عملنا الصحفي. وأعتقد كما أقول دائما أن المستقبل سيكون للصحافة الخاصة، ولذلك أجد عددا من الأصدقاء والزملاء يصرون إصرارا عنيدا على إصدار جرائدهم الخاصة،..في مقابل ذلك أعتقد أن الصحافة الحزبية ستعرف تراجعا، وهذا لا يعني أنني أتمنى ذلك، ولكني أتحدث بلسان المحلل للصيرورة التاريخية للمشهد الإعلامي ببلادنا. وهل يعني انتقالكم إلى حقل الصحافة المستقلة، أنكم قطعتم مع الأفكار والقناعات التي تشربتم في صحافة الاتحاد الاشتراكي؟ انتمائي لهيئة التحرير بجريدة "الاتحاد الاشتراكي" لم يكن يعني بالضرورة الانتماء إلى الحزب الذي يصدرها، وهو فضل لا أدعيه، لأن الذي ينتمي لذلك الحزب العريق لا يستحق الانتماء إليه، إلا إذا كان مناضلا داخل صفوف الحزب، وأنا بكل تواضع، لم أكن مناضلا داخل الحزب، ولم اشتغل في خلاياه. مثل هذه المسألة قد نجدها في جرائد أخرى مثل "العلم"، حيث كان يعمل بها العديد من الأقلام لم تكن تنتمي بالضرورة إلى الطرف الذي يصدر الجريدة. إنني أنتمي لأفكاري، وكمواطن لي كل الحق في أن أنتمي تنظيميا أو لا أنتمي في أي جريدة، ولكن الانتماء لحزب الصحافة يكفيني، وهذا يأخذ مني كل وقتي. عودة إلى الحديث عن الإعلام الخاص ومدى نجاحه، ماذا يمكنكم قوله بخصوص مشاريع الفضائيات الخاصة؟ أعتقد أن جلالة الملك أثار هذا الأمر في خطاب العرش، وأكد فيه أن الوقت قد حان كي تتخلى الدولة عن احتكارها لمجال الإعلام السمعي البصري، وأعتقد أن المبادرة لن تكون بالفضائيات نظرا للتكاليف التي تتطلبها، ولكن قد تبدأ بالإذاعات الخاصة، فعندنا فضائيتين هما القناة الأولى والثانية، ولكنهما لا تنافسان الفضائيات العربية والأجنبية، والتي يقبل عليها المغاربة نظرا لإمكاناتها الهائلة والمتقدمة، ولذلك فإن أي مولود في هذا المجال لن يكون مكتملا ومنافسا إلا إذا كانت هناك بداية وتجربة تعطي أكلها بعد الاحتكاك والمراس، ولابد من وقت حتى تجد لها مكانا بجانب الفضائيات الرائدة، ولكن فلنبدأ على الأقل. حسب المسؤولية التي تطلعون بها في أسبوعيتكم، ما هي في نظركم أنجح الأبواب في جريدتكم؟ أظن هذا أن عذا الأمر موكول للقارئ، أما بالنسبة لي، فأنا لا أؤشر على أي صفحة إلا وأنا أومن في قرارة نفسي أنها عمل ناجح، ولكن في النهاية نترك للقارئ الحكم، ثم إنني لا يمكنني أن أفضل في جريدتنا بابا على باب، إذ يبقى لكل باب قراؤه ومعجبوه. وخلاصة القول أن الزاوية الناجحة هي التي لم نعثر عليها بعد. ما هي القضايا التي تحتل مركزية خاصة في جريدتكم؟ نحن جريدة جامعة وأهم القضايا التي تحتل مركز اهتمامنا هي القضايا السياسية، تتبعها القضايا الاجتماعية ثم القضايا العامة وبعد ذلك الرياضة، والتي سنصدر لها "الأيام الرياضية" الأسبوع المقبل إن شاء الله. دائما حسب المسؤولية التي تطلعون بها في أسبوعية "الأيام" كيف تبررون تعاملكم مع إعلانات التنجيم والحوارات الحميمية؟ ما ينطبق على هذه الإعلانات ينطبق على باقي الإعلانات التجارية الأخرى ففي كل وسائل إعلام الدنيا، يعتبر الإعلان المؤدى عنه في جريدة ما بمثابة حيز يشتريه المعلن في هذه الجريدة، حتى لو كانت هذه الأخيرة لا تنسجم قناعات أصحابها مع مضمون الإعلان. لا أعتقد أننا نحن اللذين نجري تلك الحوارات أو ننجم، فهذا لا يعنني ولم أجرب. كنا قد تلقينا رسائل في الموضوع تقول أن لا داعي لنشر مثل هذه الإعلانات، ولكن ما أريد أن يتفهمه الجميع أن المؤسسات التي تستشهر لتلك النشاطات هي المسؤولة عن ذلك.. مع أن ما نجنيه من تلك الإعلانات شيء بسيط جدا وليس بالشيء الكثير. هل لكم، أستاذ مفتاح، هواية تكسرون بها رتابة العمل؟ لقد سرقتني الصحافة من هواية جميلة، فقد كنت عازفا على آلة العود والكمان، وقبل سنة ونصف بحث لي عن هواية أخرى تتناسب وعملي، إذ لم أعد أجد مكانا ووقتا كافيا للهواية الأولى. وهكذا اخترت لعبة التنس، وأستطيع الآن أن انتزع من بين أربعة عشر ساعة عمل يوميا ساعة أو الساعة ونصف لأتجاوز الضغط ورتابة العمل. وكيف تنتزعون حقكم في عطلة الصيف؟ نحن نقفل الجريدة ونصدر عددا شهريا، ونعود بعد ذلك في شهر شتنبر عندما تبدأ الحرارة في الانخفاض، هذا ما نقوم به على امتداد سبع سنوات. قبل هذا أذكر أنني عندما كنت أعمل ب"جريدة الاتحاد الاشتراكي"، لم أضفر بعطلة الصيف خلال ستة سنوات من العمل المتواصل، كان الصيف بالنسبة لي كالشتاء، عمل في عمل. لكن يبقى على الصحفي أن يأخذ حقه في الراحة خاصة في فصل الصيف والحرارة، لأن طاقة البشر لها حدود. كلمة أخيرة لقراء "التجديد"؟ أتمنى لقراء "التجديد" عطلة صيفية ممتعة، في انتظار دخول مواجهة الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، وأشكرهم لقراءتهم هذا الاستجواب . ونتمنى نحن معشر الصحافيين أن نكون في مستوى تطلعات قرائنا. حاوره ع. الهرتازي