سيدي الوزير أكتب إليك لأني لا أرى غيرك وزيرا ومن بعدك فليسقط كل الوزراء. أقول هذا الكلام حتى أعفيك من التساؤل: لماذا الآن ؟ لقد مرت سنوات الماضي مرصعة بالألم، كان الحلم أن توزع الثروة على الجميع كما الغباء على الجميع. فهل جاءت الحقيقة بما نحلم ؟ أم أن الأقدار أبت إلا أن تؤول الأحلام إلى كوابيس. عبرنا سنين من الجمر و ما هي إلا لقطات كفاح من أجل الحرية بفضل أقلام المفكرين و دماء الشهداء، عندها توحدت الأماني حول كل من يسعى إلى رفع الظلم و الاستبداد، إذ رغم اختلاف الوسائل إلا أن النضال توحد في الأهداف عندها عرفنا أنك من أول المناضلين كان الحزب رائد الحرية في البلاد باعتبار أعلامه الذين دفعوا الدم في سبيل الوطن، كالمهدي بن بركة و عمر بن جلون أو الذين أفنوا فترات من العمر في المعتقلات و الاغتراب و لعلك تتذكر القائمة. سنة 1992 يا لها من سنة رسمت السخافة على وجه التاريخ، فألعوبة المخزن جعلتك تغادر البلاد، فبدا الرحيل لديك عنوانا للكفاح، انطلاقا من الستينات في فتر ة الحكم بالإعدام وصولا للتسعينات عقب تزوير الانتخابات. إن الثورة عنوان الشجعان من هذا المنطلق اجتر جل المغاربة كل أفكار الحزب و لم يفكروا في مناقشة المرجعيات ما دامت تدعو لقتل الاستعباد ، فلم يترددوا في تكليف جيوبهم المثقوبة ثمن الجريدة المحترمة ، أو التي كانت محترمة قبل أن تصبح وجبة للشمس في الأكشاك. سنة 1998 كانت لحظة أخرى لقتل التاريخ ،أزيد من خمسين سنة من النضال كان جزائها أربع سنوات من الإستوزار ....أهذا كل شيء ؟ لنعم الطريق لبأس الغاية وليكن فالعبرة بالخواتم أول حكومة، أول أمل ، أول غيث و بادرته قطرة ، إذ كان في الصورة جثة مثقلة بالكدمات ، حيث احتلال العزيزتين في الشمال و في الشرق نظام يتربص بمرتزقة الانفصال .أما في الداخل فالجياع في الطالع و اقتصاد في النازل ، و بطالة دفعت شبابا في سن الإنتاج إلى مصارعة الأمواج ، أضف إلى ذلك ارتفاع حجم الدين الخارجي و انخفاض مستوى العيش الداخلي ، حيث استحوذت الطبقة الأرستقراطية من الخدام على كل المنابع و الثروات ، بينما الشعب يمارس متعة المشاهدة. لقد كان الوضع أسوأ من سيئ بعدما تحولت الحكومات إلى إدارة، و الإدارة إلى مقاولة لاستنزاف و إذلال الشعب. إنها السكتة القلبية كان لسان الحال يقول لك: أنقذ هذه الروح قبل أن تزهق من الجسد و ليكن! عندما تسلمت المسؤولية لا يمكن أن ننكر أنك فعلت الكثير لكنك أغفلت ما هو أكثر، لقد أعدت الاعتبار لحقوق الإنسان بتوسيع حيز الحريات الفردية و الجماعية ، كما بدأنا نسمع بخضوع بعض المؤسسات المسكوت عنها للمحاسبة ، مع ازدهار نسبي للوضع الاقتصادي و ذلك بتشجيع الاستثمار و الرفع من القدرة على المنافسة الخارجية ،و شهدت هذه الفترة انخفاضا في المديونية الخارجية رغم أنها كانت على حساب الشعب، كما تم فتح النوافذ على الفاعلين الاجتماعين من أجل رد الاعتبار للطبقة العاملة و صغار الموظفين.......... لقد سمعنا الحكومة تعارض تجديد اتفاق الصيد البحري مع الإتحاد الأوربي ، فاستبشرنا خيرا ، إذ لأول مرة يكون لحكومتنا الحق في الرفض و القبول في وقت اعتدنا فيه الوزراء بيادق في يد الخدام. إذن لتفعيل العمل الحكومي نحن في حاجة لشخصية كاريزمية أكتر من حاجتنا لتعديل الدستور، وكانت هذه الشخصية هي أنت . لكن وبالمقابل فما أعظم الأشياء التي لم تفعل. كنا ننتظر منك أن تحد من هيجان الجنرالات والعمال والولاة. كنا ننتظر منك أن تهذب ما يسمى بوزارات السيادة التي بلغ نفوذها حدا شكلت من خلاله حكومة داخل الحكومة. كنا ننتظر منك أن تسعى إلى إلغاء الغرفة الثانية من البرلمان ما دامت تلتهم أموال الشعب بدون فائدة ولا عمل، و لن نلومك حتى لو طالبت بإلغاء البرلمان ما دام كسيحا و سكانه من المرضى و النيام. كنا ننتظر منك أن تحد من اقتصاد الريع حتى لا تسمن بطون المقربين و تذوب أجساد المهمشين. كنا ننتظر منك أن تعيد للشعب كرامته المفقودة بمحاربة الفقر و الرشوة، وخلق مناصب الشغل حتى تروي عطش المعطلين. كنا ننتظر منك أن تفعل....... و تفعل....... و تفعل ، و للأسف بقيت انتظاراتنا معلقة إلى إشعار آخر. ما دمت لم تفعل كل هذا فما الفرق بينك وبين السابقين؟؟؟ سنة 2002، لحظة أخرى يقبر فيها التاريخ. توجهنا إلى صناديق الاقتراع فخدشنا علامة على الوردة و أخرى على المصباح، حبا و كرامة في كل من يقول (لا)، فكانت النتيجة أن (لا)هذا و (لا) ذاك. تمخض الجبل فأنجب فأرا! ! ! عندها رأيناك ترحل حتى يتسنى للفأر أن يسوق صغار الفاران، وما كانت شجاعة الرحيل إلا مطهرا للجسد من ذنوب الصمت أثناء الإستوزار. [email protected]