عند انضمامي للمجموعة، كنت مجبورا على خوض خمس معارك نضالية، متتالية، حتى تتحقق عضويتي، وفقا للقانون الداخلي الذي ينظم احتجاجنا، ويؤطر نضالنا. كان أول نزول لي أمام البرلمان، وأتذكر ساعتها أني أحسست بالبكاء وبخيبة أمل تجاه هذا الواقع المؤلم، الذي يفرض عليك أن تخوض معارك نضالية للمطالبة بحقك المشروع والدستوري في الوظيفة العمومية، ويفرض عليك أيضا أن تغيّر وجهتك وتستبدلها بالنضال، ولا شيء غير النضال. في حين أن أقرانك في غير هذا البلد، ينعمون بحقوقهم، ولا يكلّفون أنفسهم المطالبة بها، ولا يناضلون من أجل الشغل والكرامة، وفي أيديهم شواهد عليا حكومية، كرّسوا حياتهم وتعبوا من أجل نيلها باستحقاق وكفاءة. أجهزة الأمن كانت منتشرة حول المكان، والشارع مملوء بها، والمعطلون يرفعون شعارات مدّوية، يُسمع صوتها حتى آخر الشارع، ويتقدّمون في صفوف منظمة، وبخطى تابثة. لا يريدون إلا تحقيق العدالة الاجتماعية وتطبيق القوانين الدستورية التي تنص على توظيف كل صاحب شهادة عليا توظيفا مباشرا، شاملا وفوريا. كانت معاركنا النضالية لا تقتصر على البرلمان فقط، بل كانت تجوب كل الأمكنة الممكنة، التي تحقق هدفنا. فكنا على الدوام نقف وقفات أمام وزارتي التربية الوطنية والمالية، لتبليغ كلمتنا وصوتنا عبرهما. ذهبنا إلى المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، إلى ديوان المظالم، إلى البنك الدولي، إلى المفوضية الأوربية، إلى المحكمة الابتدائية، وحتى إلى الأحزاب الوطنية الكبرى في البلاد، فتعددت معاركنا النضالية والاحتجاجية، طيلة هذه السنة، وكان لهذا التعدد هدف واحد هو انتزاع حقنا في الوظيفة العمومية، وإسماع صوتنا بكل الطرق المشروعة والسلمية. أثناء خوض هذه النضالات، كان لابد أن تكون هناك إصابات في صفوف المعطلين، تتفاوت خطورتها حسب موضع الهراوة من الجسم، وحدها من تختار موقع الضربة، وما أتذكره جيدا، هي تلك المشاهد المؤلمة أثناء محطات الصمود أمام البرلمان، حينها ةقعت المأساة أدت إلى إصابة أكثر من مائة عضو إصابات خطيرة، ولم يسلم من عصا المخزن إلا القليل. ولهول ما حدث نزلت أخبارها في الصحف الوطنية. نضالات، معارك سلمية، احتجاجات، وقفات، جموع عامة، صمود، مسيرات، ندوات. كلها عناوين كبرى للمعاناة، للألم، للقلق، للمأساة التي ترافق المعطل في مسيرته النضالية، السلمية، شعارها الوحيد الإدماج المباشر، والشامل، والفوري في الوظيفة العمومية، ولاشيء غير الوظيفة العمومية، وحدها، في هذا البلد، من تكفل لك الاستقرار والاستمرار. سنتان من النضال والمعاناة، والأيام لا تكاد تمرّ حتى ينفد صبرك. مع النضال تتعلم معنى الصبر، ومن حوضه ترتوي وتروي ما يُسكت عطشك ويمنحك نفسا جديدا به تسلك طريقك، أو بالأحرى وجهتك التي فرضتها عليك الأيام، وجبرتك للسير فيها. سنتان من الحوارات والوعود واللقاءات، آخرها كان يوم 26 يناير 2010، لقاء جمع كل المجموعات المعطلة مع المسؤولين في الأجهزة الأمنية والمستشار المكلف بالملف، جاء لمص احتجاجات المعطلين المتصاعدة، يوما عن يوم، وجاء لتقديم وعود جديدة مفادها أن الملف سيوجد له حل في فبراير ومارس، على أن تلتزم المجموعات المعنية بعدم التصعيد في الاحتجاجات إلى حين تدبير الملف وإيجاد المناصب المخصصة للمعطلين من ميزانية 2010. وقدم اللقاء وعودا طمأنت المجموعات، وبها استبشرت خيرا. وعود قالت إنها ستلتزم بتخصيص 10% من مجموع مناصب 2010 البالغ عددها 24 ألف منصب، أي ما يعادل 2400 منصب للمعطلين، وحسب التصريحات المقدّمة في اللقاء فسيكون هناك عددا مهما واستثنائيا هذه السنة. هذا ما جاء في اللقاء، وهذه هي الوعود المعلنة والمصرّح بها أمام المجموعات، ومن قال هذه الوعود هم المسؤولون المباشرون عن الملف. تلقت المجموعات الوعود باستبشار وفرح، بأريحية وطمأنينة، بمسؤولية وحذر. فكانت النتيجة هي تلبية المطلب بعدم التصعيد أو الاحتجاج إلى غاية متم شهر مارس، الشهر الذي سيُدبّر فيه ملف العطالة. من المجموعات من اقتصر نضالها على الوقوف في ساحة البرلمان، ومنها من ألغى المسيرات المتجهة إلى البرلمان، ومنها من استراح لأيام للتزوّد للأيام المجهولة، وحده الزمن يجعلها معلومة. مرّت الأيام، وانقضى معها الأجل المحدد، وكالعادة لا جديد في الملف ولا تغيير في الوضعية. حوارات كلها تؤشر على عدم تنفيذ الوعود المعلومة. قلق، ترقب، حذر. عناوين المرحلة الحالية. جموع عامة عقدتها كافة المجموعات للخروج بقرارات حاسمة وموحّدة وبخطوات نضالية محكومة، مضبوطة. ندوات صحفية لإبلاغ الرأي العام بما يجري، وإعطائه الصورة الأوضح، والنتيجة هي الخروج بنضالات واحتجاجات تصعيدية في الشارع أمام قبّة البرلمان لتبليغ الموقف وإيصال الرسالة لأصحابها. مسيرات، احتجاجات، شعارات وغليان في شارع محمد الخامس من جديد، من طرف كافة المجموعات، واستنفار قوي لأجهزة الأمن، وخطوات نضالية تصعيدية أدت إلى العديد من الإصابات والجروح والكسور. أيام استمرت على هذه الوثيرة إلى أن لُبّي طلب المعطلين بلقاء أمني عاجل في ولاية الأمن يوم 7 أبريل 2010. لقاء أتى استجابة للاحتجاجات التصعيدية للمجموعات المعطّلة حاملة الشواهد العليا، قبل الاحتفاء بقمة الأرض والبيئة، والاستعدادات على قدم وساق لتخليد هذا اليوم، وأتى أيضا لتقديم وعود جديدة بصيغة أخرى لا تحكمها إلا المقاربة الأمنية. مسؤولون أمنيون، ممثلة عن وزارة التشغيل، والمستشار المكلف بملف العطالة، كلهم حاضرون في اللقاء بالإضافة إلى الممثلين عن جميع المجموعات، قُّدمت خلاله تصريحات ووعود شفوية، رُفض توثيقها في بلاغ رسمي، حدّدت الموعد النهائي لتسوية ملف العطالة وهو 15 ماي 2010، بالإضافة إلى توفير عدد مهم استثنائي من المناصب لهذه السنة، وقد يفاجأ المعطلون بالعدد التاريخي، وبالتسوية قبل التاريخ، حسب التصريحات المقدّمة. بالمقابل على المعطلين أن يلتزموا بعدم النزول إلى الشارع نهائيا، عدا الاتحاد المغربي للشغل، وبعدم الاحتجاجات حتى يتسنى للمسؤولين تدبير الملف براحة بال وبدون تشويش. والسؤال المطروح: هل ستلتزم الحكومة بهذا الموعد المحدّد أم لا؟ أم هو فقط حقنة مهدّئة حتى تمرّ قمة الأرض بسلام؟ هل ستكون الحكومة مسؤولة في وعودها، كما كانت المجموعات المعطلة مسؤولة في تنفيذ ما طُُلب منها؟ هل سيتأخر الإعلان عن التسوية الحالية في غير موعدها ونحن على مشارف فصل الصيف؟ هل سيتم تأجيل الحل إلى موعد لاحق غير معلوم؟ هل ستحقق الحكومة تعهداتها للمعطلين وتفي بوعودها، خصوصا ونحن على مشارف مهرجان موازين؟ أسئلة كثيرة، واللائحة طويلة. وكلما ابتعدنا عن الوقت المحدد، كلما تناسلت معها الأسئلة وتكاثرت التأويلات وانتعشت الإشاعات، وزاد القلق وزادت معه المعاناة. معاناة قد تُترجم إلى مأساة حقيقية، إن لم تستعجل الحكومة في تسوية هذا الملف، وقد تؤشر بقدوم صيف حار وساخن.