تنص المادة الثانية من الجزء الأول من الظهير الشريف رقم 1.58.376 الصادر في 3 جمادى الأولى 1378 موافق 15 نونبر 1958 والذي يضبط بموجبه حق تأسيس الجمعيات على ما يلي: " يجوز تأسيس جمعيات الأشخاص بكل حرية ودون سابق إذن بشرط أن تراعى في ذلك مقتضيات الفصل 5" كما تنص المادة الثالثة منه عل أنه " كل جمعية تؤسس لغاية أو لهدف غير مشروع يتنافى مع القوانين أو الآداب العامة أو قد يهدف إلى المس بالدين الإسلامي أو بوحدة التراب الوطني أو بالنظام الملكي أو تدعو إلى كافة أشكال التمييز تكون باطلة" في حين تنص المادة الخامسة التي أحالت عليها المادة الثانية بالنظر إلى أهمية مقتضياتها القانونية في تأسيس الجمعيات بشكل عام على ما يلي: " يجب أن تقدم كل جمعية تصريحا إلى مقر السلطة الإدارية المحلية الكائن به مقر الجمعية مباشرة أو بواسطة عون قضائي يسلم عنه وصل مؤقت مختوم ومؤرخ في الحال وتوجه السلطة المحلية المذكورة إلى النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية المختصة نسخة من التصريح المذكور وكذا نسخا من الوثائق المرفقة به المشار إليها في الفقرة الثالثة بعده، وذلك قصد تمكينها من إبداء رأيها في الطلب عند الاقتضاء". وعند استيفاء التصريح للإجراءات المنصوص عليها في الفقرة الثالثة من هذه المادة "5" "يسلم الوصل النهائي وجوبا داخل أجل أقصاه 60 يوما وفي حالة عدم تسليمه داخل هذا الأجل جاز للجمعية أن تمارس نشاطها وفق الأهداف المسطرة في قوانينها". خلال هذا الأسبوع نشرت الصحف الوطنية والمواقع الإلكترونية خبرا طريفا جاء فيه "أن سلطات الرباط رفضت دون تقديم أي مبرر، تسلم الملف القانوني لجمعية "الحرية الآن" التي أعلنت فعاليات حقوقية وجمعوية وإعلامية عن تأسيسها من أجل الدفاع عن حرية الصحافة والرأي والتعبير، بناء على ما راكمته "اللجنة الوطنية من أجل الحرية لأنوزلا" منذ تشكيلها وكامتداد لعملها الذي يستلهم تصورها أيضا من تجربة هيئات معروفة في العالم مثل"لجنة حماية الصحافة CPJ" و"مراسلون بلا حدود RSF " و"المادة Article 19 ،19 " في بريطانيا و"مركز العمل الإعلامي الدولي" في أمريكا و"مؤسسة الصوت الحر" في هولاندا، والشبكة الدولية لتبادل المعلومات حول حرية التعبير IFEX" في كندا...الخ رفض السلطات المختصة في ولاية الرباط، حيث يوجد مقر جمعية " الحرية الآن" التي يراد تأسيسها طبقا للمقتضيات القانونية المشار إليها في ظهير تأسيس الجمعيات لسنة 1958، لم يكن مؤسسا على أي مبرر قانوني، مع العلم أن الفقرة الأولى من المادة الخامسة من هذا الظهير، تنص على حق الجمعيات في التصريح بطلب التأسيس، وفي تسلم الوصل المؤقت مقابل هذا التصريح، وفي تسلمها أيضا للوصل النهائي بعد استيفائها للإجراءات المنصوص عليها في الفقرة الثالثة من هذه المادة. كما أن هذا الرفض، ينطوي على إلغاء حق النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية المختصة في إبداء رأيها عند الاقتضاء، بخصوص طلب التصريح والوثائق المرفقة به التي تتقدم بهما الجمعية كما ينص على ذلك القانون. على أي أساس قانوني رفضت ولاية الرباط تسلم ملف جمعية "الحرية الآن" وحالت دون أن يقوم أعضاء الجمعية باستكمال باقي إجراءات التأسيس الخاصة بجمعيتهم؟ لماذا طلبت مسؤول في الولاية كما نشرت الصحف ذلك من أعضاء الجمعية المؤسسين اللجوء إلى القضاء عوض إجرائها للمتعين وفق ما ينص عليه ظهير تأسيس الجمعيات؟ أليس في قرار ولاية الرباط خرقا للمقتضيات القانونية المنصوص عليها في المواد " 2،3،5" من الجزء الأول من الظهير؟ ما الذي يمنع ولاية الرباط من الطعن القضائي في تأسيس الجمعية على أساس المادة الثالثة في حالة وجود أي مانع من الموانع الموجبة للطعن كما حددها المشرع بشكل حصري في هذه المادة؟ قانونيا، ليس هناك أي مسوغ قانوني يعطي لولاية الرباط الحق في رفض تسلم الملف القانوني لجمعية " الحرية الآن" ولو كان هذا المسوغ موجودا لما ترددت الولاية في تعليل قرارها به. أما من الناحية الدستورية، فإن قرار ولاية الرابط، ينطوي على خرق بين لمقتضيات الفصل السادس من دستور فاتح يوليوز الذي نص على سمو القانون والمساواة أمامه وإلزامية الامتثال إليه من قبل الأشخاص الذاتيين والاعتباريين بما فيهم السلطات العمومية. والفصل 12 الذي نص حق تأسيس الجمعيات وممارسة أنشطتها بكل حرية في نطاق احترام الدستور والقانون، والفصل 25 الذي اعتبر أن حرية الرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها والفصل 29 الذي نص على حرية تأسيس الجمعيات وفق الشروط التي يحددها القانون، والفصل 33 الذي أوجب على السلطات العامة تقديم المساعدة على الاندماج في الحياة الجمعوية حتى وإن كان الأمر هنا يتعلق بدعم المبادرات الشبابية. أما من الناحية الحقوقية، فقرار ولاية الرباط رفض تسلم ملف جمعية قيد التأسيس، يتعارض في العمق مع التزامات المغرب باحترام حقوق الإنسان، ومع الخطاب الحقوقي الذي تروج له الدولة ، والمؤسسات العاملة في مجال حقوق الإنسان مثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي تندرج ضمن مهامه الدستورية، ولا سيما، ما يتعلق بالنظر في جميع القضايا المتعلقة بالدفاع عن حقوق الإنسان والحريات وحمايتها وضمان ممارستها الكاملة، والنهوض بها وبصيانة كرامة وحقوق وحريات المواطنات والمواطنين أفرادا وجماعات، وذلك في نطاق الحرص التام على احترام المرجعيات الوطنية والكونية في هذا المجال " الفصل 61 من دستور 2011". أما على المستوى السياسي، فهناك احتمالات عدة يمكن تأسيس قرار ولاية الرباط عليها، وفي هذه الحالة يطرح السؤال التالي: هل يمكن للاعتبارات السياسية أن تحول دون تسلم ملف قانوني لجمعية قيد التأسيس من طرف مصالح وزارة الداخلية؟ وأي مسؤولية للحكومة، التي دشنت حوارا وطنيا حول المجتمع المدني والأدوار الدستورية الجديدة، في هذا الرفض؟ على كل حال، في غياب تبرير قانوني من قبل سلطات ولاية الرباط يخول لهم حق رفض تسلم الملف، وبما أن الأعضاء المؤسسين لجمعية " الحرية الآن" قد اتخذوا قرارهم باللجوء إلى القضاء لحسم معركة التأسيس، يبقى من غير المفيد الدخول في مناقشة الاعتبارات السياسية، التي يمكن لها أن تكون هي السبب الرئيسي الذي حال دون تسلم ملف هذه الجمعية من قبل الولاية، لا سيما، بعد أن راجت أخبار غير مؤكدة، تشير إلى وجود أسباب غير معلنة، لها علاقة بانتساب عضو لجماعة العدل والإحسان، وبخلع عضو آخر بيعة الملك من عنقه، وبمتابعة ثالث " الصحفي علي أنوزلا" أمام القضاء في قضية لها علاقة بقانون الإرهاب، وهناك من اجتهد وأضاف سبب آخر له علاقة بطبيعة تركيبة الجمعية التي تضم تحالف حساسيات إسلامية وعلمانية ويسارية غير مرغوب فيها..