تحل الذكرى الحادية عشرة لأحداث 16 ماي 2003 الإرهابية التي هزت مدينة الدارالبيضاء وهزت معها وجدان الشعب المغربي الذي صدمته أجساد الضحايا وقد حولتها فتاوى التكفير وفقه الكراهية إلى قنابل بشرية مرعبة لم يعهدها من قبل ؛ ويتعاظم معها الذكرى المجهود المشكور للأجهزة الأمنية التي تحمي الوطن من المخططات الإرهابية التي تستهدف أمنه واستقراره . والمغرب يحيي هذه الذكرى الأليمة في ظل توفر عنصرين رئيسيين : أولهما : ازدياد مخاطر الإرهاب واتساع مجال أنشطته إلى كثير من الدول العربية والإفريقية بسبب الأوضاع التي أنتجتها ما بات يعرف ب"ثورات الربيع العربي" . وما يزيد من شدة المخاطر ويقوي مخاوف الدول ، هو عودة المقاتلين في سوريا إلى دولهم الأصلية متشبعين بروح"الجهاد" والخبرات الواسعة في مجال القتال وصنع المتفجرات . وقد يكون تنظيم القاعدة أعد إستراتيجية محددة تعتمد تجنيد العائدين من سوريا في تنفيذ مخططات تخريبية ضد بلدانهم . ذلك أن تنظيم القاعدة يسعى لنقل الحرب على الإرهاب إلى داخل الدول المشاركة في هذه الحرب . فميزة العائدين أنهم لا يحتاجون شهادات الإقامة ولا تأشيرات الدخول إلى أوطانهم . لهذا لجأت عدد من الدول الغربية ، مثل إنجلترا وألمانيا وسويسرا إلى إسقاط الجنسية عن مواطنيها المقاتلين في سوريا كإجراء وقائي يعفي الدول إياها من محاكمة جهادييها ضحايا فقه الجهاد وفتاوى التحريض عليه . وقد لعبت الفتاوى التي أصدرتها هيئات دينية رسمية هذا الدور التحريضي في ظل صمت غالبية الدول العربية . ومن أبرز تلك الهيئات الدينية : أ مؤتمر علماء المسلمين الذي انعقد في 13/6/2013 بالعاصمة المصرية القاهرة تحت شعار "موقف علماء الأمة من أحداث سوريا" والذي شاركت فيه أكثر من 70 جمعية ورابطة للعلماء في العالم الإسلامي، وعلى رأسها: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، رابطة علماء أهل السنة، رابطة علماء الشام، كبار علماء السعودية ، بالإضافة إلى جماعة الإخوان المسلمين . وجاءت فتوى العلماء تنص على : أولاً: "وجوب النفرة والجهاد لنصرة إخواننا في سوريا بالنفس والمال والسلاح وكل أنواع الجهاد والنصرة وما من شأنه إنقاذ الشعب السوري من قبضة القتل والإجرام للنظام الطائفي". ثانياً: اعتبار "ما يجرى في أرض الشام من عدوان سافر من النظام الإيراني وحزب الله وحلفائهم الطائفيين على أهلنا في سوريا يُعد حربا معلنة على الإسلام والمسلمين عامة" . ب رابطة العالم الإسلامي التي أصدرت بيانها في 17 يونيو 2013 تفتي فيه ب(وجوب مناصرة المسلمين شعب سورية، وإنقاذه من التآمر الطائفي المعلن) . وكان حتميا أن تجد هذه الفتاوى صدى مباشرا لها في صفوف الشباب ، خصوصا وأن شيوخ التحريض على "الجهاد" وجدوا في مظاهر القتل والتشريد والدمار المادة التي تمكّنهم من نفوس الشباب وتزيدهم حماسا واندفاعا وغضبا . العنصر الثاني المميز لهذه الذكرى هو الاستعداد الكبير الذي أبداه عدد من شيوخ التطرف المعتقلين في ملفات الإرهاب ، للتراجع عن مواقفهم العدائية للدولة وللمجتمع ومراجعة عقائد التكفير والتحريض على الجهاد . وتشكل مراجعات أبي حفص ثم الفيزازي وأخيرا حسن الخطاب نقطة ارتكاز أساسية في التعامل الرصين مع ملف معتقلي السلفية الجهادية الذي تستغله أطراف كثيرة للنيل من مصداقية العدالة المغربية وكفاءة الأجهزة الأمنية . وإذا كان الهدف من السجن هو حماية المجتمع من خطر المتطرفين ، فإن تراجعهم ومراجعاتهم ، أيا كانت طبيعتها ومستوى التأصيل الشرعي لها ، ثمرة من ثمرات السجن وأحد أفضاله على المتطرفين . لذا يكون فتح الحوار مع شيوخ التيار الجهادي بإشراك التائبين منهم مقدمة لإصلاح بعض الاختلالات التي عرفها ملفهم ، وكذا إثبات صدق الدولة في مسعى إدماج هذا التيار في الحياة السياسية والاجتماعية وفق الضوابط الدستورية والتشريعات القانونية . لقد كان السجن فرصة لكثير من الجهاديين لمراجعة عقائدهم وإدراك ضلالها ومخاطرها على أمن المجتمع والوطن . لهذا ، ففتح الحوار مع الجهاديين وتمتيع المتراجعين منهم عن ضلالهم بالعفو ،ما لم تلطخ أيديهم بالدماء لن ينهيا بالضرورة مخاطر الإرهاب ، لكنهما يفتحان باب التوبة أمام الكثيرين منهم ، خاصة الذين اقتنعوا أن طريق العنف لن يقود إلى تغيير النظام والسيطرة على الدولة . كما أن محاكمة العائدين من سوريا دون مناقشتهم في مشاريعهم ستزيدهم تطرفا كما ستزيد ملفاتهم الحقوقية تعقيدا ، مما سيجبر الدولة لاحقا على محاورتهم .